تعست العجلة
فاتني ان اذكر ان منهج السلف هو التشهير باهل الباطل والرد على شبهاتهم حتى يحذرهم الناس ويعلموا ما هم عليه من الباطل
اما السكوت فاقرار ، وهذه بعض الفوائد المتعلقة بالرد على الشبهات سحبتها من ذاكرة جهازي ، وستطبع ان شاء الله بعد عرضها على الشيخ مقبل لمراجعتها
اعلم – رحمك الله تعالى – أن المشركين لهم حجج كثيرة يستدلون بها على صلاح باطلهم ، ولكنها في الحقيقة حجج عليهم لأنه ما من صاحب باطل إلا وباطله حجة عليه كما قال تعالى ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ، قال ابن عباس : " أي بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول " .
وقد اعتنى القرآن بالرد على الشبهات ، ومن ذلك الرد على شبهة اليهود التي أثاروها لما أمر الله بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فبسط الله الرد عليهم ، وبين أن الحكمة في ذلك هو مخالفة أهل الكتابين ، وأن الله له المشرق والمغرب يأمر بما يشاء سبحانه وتعالى ، كما سماهم سفهاء لما اعترضوا بهذا الاعتراض ، ثم أكد تحويل القبلة ثلاث مرات كما في قوله ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وقوله ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ثم أكد ذلك مرة ثالثة فقال ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره .
ومما ينبغي أن يعلم أن الشبه لا حد لها ، فلا يلزم الرد عليها كلها ، لأن هناك قاعدة عظيمة ينبغي التمسك بها وهي أن الحق إذا تبين بأدلته اليقينية لم يلزم الإتيان بأجوبة الشبه الواردة عليه ، بل ينبغي الإعراض عن سماعها وتلقيها ، لأن بطلانها أمر معلوم من الدين بالضرورة ، ولأن كل ما نافى الحق الواضح فهو باطل ، كما قال تعالى فماذا بعد الحق إلا الضلال ، فعلى هذا فيكون حل الشبه والرد عليها من باب التبرع .
قال ابن تيمية إن من أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين ، وبيان حقيقة أنباء المرسلين ، ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين ، وذلك أن الحق إذا جحد وعورض بالشبهات أقام الله تعالى له ما يحق به الحق ويبطل به الباطل من الآيات البينات بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة ، وفساد ما عارضه من الحجج الدحضة .
كذلك فإن الشبه وإن عظمت فإن القلب لا يطمئن إليها ، أما الحق فعليه نور ، وهو موافق للعقل الصريح .
ومما ينبغي أن يعلم أيضا هو أن خروج المناوئين لدعوة الرسل وأتباعهم ، وإثارتهم للشبه تارة ، والأحقاد تارة أمر طبيعي ! قال تعالى وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، وقال تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، فعداء أهل الباطل للحق أمر معلوم ، ونصرتهم لباطلهم أمر قدره الله عز وجل ، وشاءه وقضاه ، ليمحص المؤمنين ، ويختبر صبرهم ، ويقيم الحجة على الكافرين ، ويبطل كيدهم ، ثم ينجز الله وعده للمؤمنين بنصرهم على من عاداهم كما قال تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون وقال تعالى كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوي عزيز .
ومع ذلك فإن من مكر الله بأعدائه وفضله على أولياءه أن جعل عناد أهل الباطل للحق وإثارتهم للشبه في وجهه من مصلحة الحق ، لأن الحق ستظهر آياته وأعلامه ، وبراهينه ودلائله ، وأما الباطل فسيزول ويضمحل ، ويتبين أنه لا حقيقة له ، وأنه زور وكذب ، فلولا قيامه في مقابلة الحق لربما لم يتبين حاله لأكثر الخلق ، وصدق القائل :
والضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتبين الأشياء
فلولا الليل ما عرف فضل النهار ، ولولا القبيح ما عرف فضل الحسن ، ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا ، وصدق الله وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، وقال تعالى ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته وقال بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، ومعنى زهق الباطل أي زال واضمحل ، فسبحان من بهر بحكمته العقول !
ومن الدعوات العظيمة التي وقفت في وجه الشبهات حتى زالت واضمحلت دعوة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، كابدت في أنواع الإضطهاد ، وأصناف العذاب ، ولاقت في سبيل الله ما لاقت ، حتى إن الدولة العثمانية حاولت بكلها وكلكلها ، وألقت بكامل قواها وعدتها من أجل استئصال هذه الدعوة ، أو حتى إضعاف شوكتها ، فجندت الجيوش الحربية لحربهم ، والجيوش العلمية لنشر شبههم وتنفير الناس من الدعوة الإصلاحية ، فقاتلوا المسلمين عن قوس واحدة ، وحذروا الناس من اتباعهم أو حتى الإستماع إليهم ، ورموهم بالسوء والكذب ، ولكن بحمد الله تضعضعت تلك الجيوش ، واضمحلت تلك الأقوال ، وبطل الباطل ، وعلا الحق ، وصدق الله إنهم يكيدون كيدا . وأكيد أكيدا .
فأما الجيوش الحربية فهيأ الله لها أوائل آل سعود ومن بايعهم على الحق ، فقاتلوا جنود الباطل وهزموهم وأخرجوهم من ديارهم ، وأما الجيوش العلمية فهيأ الله لها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وطلابه ، رجالا يذودون عن دين الله الشبهات ، ويدعون الناس إلى توحيد رب الأرض والسماوات .
واعلم أن الذين يقولون تلك الشبه ويروجونها بين المسلمين لا يخرجون عن ثلاثة أحوال :
الأول : كونهم لم يفهموا دلالات النصوص الشرعية على مراد الشارع الحكيم ، بل على ما أملته عليهم فهومهم ، ففهموا خلاف المراد وصدق القائل :
وآفته من الفهم السقيم
وكم من عائب قولا صحيحا
الثاني : أنهم استدلوا على ما تعلقوا به من شبهات باطلة بأحاديث ضعيفة أو باطلة أو منامات وحكايات ، وهذه الأمور لا تثبت بها الأحكام الشرعية الفرعية فضلا عن أصول الدين ومبادئه العظام ، فالحجة بكلام الله وكلام رسوله وما سار عليه الصحابة والتابعون كما قال تعالى وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله وقال تعالى وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وقال عليه السلام : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فان كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . والذين يثبتون العبادات بالحكايات والمنامات والمقاييس والعقول والأذواق هم اليهود والنصارى وعندهم من ذلك الشيء الكثير أما المسلمون فلا والحمد لله .
الثالث : أن يكونوا ممن اتبع المتشابه وترك المحكم ، وهذا سبيل أهل الباطل الذين يفهمون الآيات المحكمات على ضوء الآيات المتشابهات وهي التي يشتبه فهم معناها ، والواجب فهم الآيات المشكل فهمها على ضوء الآيات المحكمة ، لأن نصوص الشريعة ليس بينها تناقض بل متفقة يفسر بعضها بعضا . واتباع المتشابه زيغ وضلال ، وهو طريق أهل الباطل ، ولذا حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يتذكر إلا أولو الألباب ، قالت : قال رسول الله : " فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " .
فالحاصل أن الواجب هو التسليم لله تعالى في جميع الأمور ، وألا يخرجوا عن شريعة الله ، بل يتبعونها ويحكمونها فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات وفي جميع الشؤون الدينية والدنيوية ، قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ، كما ينبغي للمسلمين أن تنشرح صدورهم لأوامر الله سبحانه وتعالى ، ولا يبقى في صدورهم حرج من قضاء الله وأحكامه ، وأن يسلموا لذلك تسليما كاملا. ولا يجوز أن يعترض معترض على أحكام الله بشيء مما كان عليه أهل الجاهلية ، أو أحاديث ضعيفة أو باطلة ، أو شبهات عقلية ، أو عادات جاهلية ، فهذا كله مذموم ، ومما يطعن في دين العبد وكمال تسليمه لأوامر الله وأوامر رسوله ، قال تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ، وقال تعالى أأنتم أعلم أم الله ، فالاعتراض على الشرع الحكيم أو إثارة الشبه حوله يعتبر عداء له ، ومحاربة لله ورسوله ، وهذا هو السفه بعينه ، ولهذا سمى الله اليهود سفهاء لما اعترضوا على تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، فكيف بمن اعترض على أحقية الله وحده بالدعاء والعبادة ؟
والله اعلم
اخوكم بو دلال
|