(...ليتك تفهمين...)..قصة قصيرة
تطل الذكريات من نوافذ عدة ،ترسم الفرح حينا و الحزن حينا آخر .
تنهد سالم وهو يتذكر ذلك الطريق الذي تعود السير فيه في ذهابه و إيابه من المدرسة ،حاملا حقيبته على ظهره ،وتلك البيوت القديمة كئيبة الألوان ،تحضن جانبي الطريق وصخور مبعثرة هنا و هناك ، تتقاذفها أقدام الغاضبين على دنياهم…تعوّد أن تستقبله رائحة الطعام الذي تعده أمه للغداء ، فيقذف حقيبته في مكانها الذي يضعها فيه وينطلق صوبها .
- أمي …أمي …
تترك كل ما بيدها داعية إياه إلى أحضانها وتحيط وجهه بعينيها .
-كيف كان يومك ؟
ما كانت تحتاج لسؤاله ،فقد كانت تعرف ما عانى من نظراته و ما أفرحه من ملامح وجهه فينطلق لسانه بالحديث عن كل ما حدث له وما صادفه .
-آهٍ أمي ……قلبي متعب .
وارتفع صدره بشهيق مخنوق وكأن الهواء يغالب الأحزان ليدخل لصدره فخرجت أنفاسه بتنهيدة مؤلمة .
نظر لوجه زوجه الجالسة أمامه على المائدة .
-لماذا لا تشعر بما أعاني ..أود أن أتحدث إليها عن آلامي ..عن هذا الضيق الغريب الذي يعتريني ……هل ستفهمني ..هل ستحس ببعض ما في داخلي لعلي أرتاح .بادرها :
-أتعلمين ..هدى ..طعام أمي- رحمها الله - له مذاق..…
قاطعته بحدة وهي متحفزة للجدال :
- ألم يعجبك …الطعام اليوم ؟……
تراجعت نبرات صوته وأخفضها
- لا …الطعام لذيذ ..ولكن لطعام أمي رائحة..
- طعام أمك ؟…صاحت مستنكرة هازئة….ومنذ متى …كان طعام أمك ……لذيذ ؟
ضيع نظراته في الصحن أمامه وهو يلهو بحبات الأرز ويوزعها في أنحاء الصحن
- أنا اقصد كنت إذا عدت من المدرسة ……
- لا تغير الموضوع ……
دفعت الصحن الذي أمامها وقامت غاضبة ……
- أنت لا يعجبك شيء مما أفعل …أنت دائم التذمر ..ومن كل شيء …
أسرع إليها و أمسكها من كتفيها..وأنظرها عينيه :
- هدى ..أنا لم أقل شيء …لقد كانت أمي …
صدت بوجهها عنه …وانزوت تبكي
- أنت قاسٍ ..
تركها ودموعها
- آآه أنا تعبان …وأنت لا تفهمين ..انظري في عيني ..هكذا كانت تفعل أمي …فتعرف ما بي
كان يكلم نفسه فأخفض صوته لكي لا يزيد قسوته عليها .
وأسدل أجفانه يداري وهج الدمع في عينيه .
عِــذاب
|