وقف على الشعراء
وقف على الشعراء
حكاية لابن حبوس
"دخلت مدينة شلب من بلاد الأندلس و لي يوم دخلتها ثلاثة أيام لم أطعم فيها شيئا فسألت عمن يقصد إليه فيها فدلني بعض أهلها عن رجل يعرف بابن أبي الملح فعمدت إلى بعض الوراقين فسألته سحاءة و دواة فأعطانيها فكتبت أبياتا أمتدحه بها وقصدت داره فإذا هو في الدهليز فسلمت عليه فرحب بي ورد علي أحسن رد وتلقاني أحسن تلق وقال أحسبك غريبا فقلت نعم فقال لي من أي طبقات الناس أنت فأخبرته أني من أهل الأدب من الشعراء ثم أنشدته الأبيات التي قلت فوقعت منه أحسن موقع فأدخلني إلى منزله وقدم إلي الطعام وجعل يحدثني فما رأيت أحسن محاضرة منه فلما آن الانصراف خرج ثم عاد ومعه عبدان يحملان صندوقا حتى وضعه بين يدي ففتحه فأخرج منه سبعمائة دينار من ابطية فدفعها إلي وقال : هذا لك، ثم دفع إلي صرة فيها أربعون مثقالا وقال : هذه من عندي.
فتعجبت من كلامه وأشكل علي جدا وسألته من أين كانت هذه لي فقال لي سأحدثك :
-إني أوقفت أرضا من جملة مالي للشعراء غلتها في كل سنة مائة دينار ومنذ سبع سنين لم يأتني أحد لتوالي الفتن التي دهمت البلاد فاجتمع هذا المال حتى سيق لك وأما هذه فمن حر مالي يعني الأربعين دينارا.
فدخلت عليه جائعا فقيرا وخرجت عنه شبعان غنيا."
|