الصحن السري
الصحن السري!
كنت واقفاً في شرفة منزلي ، ولا أعرف سبب وقوفهما في هذا الوقت رغم أن جميع الناس قد ذهبوا لتناول الإفطار ، وهما واقفتان كأنهما تريدانني أن ألتقط لهما صورة تذكارية ، وهما هرمتان( في سن الهرم) فقلت في نفسي "لعلهما تنتظران ثالثة لتكونّ الهرمات الثلاث مقابل الأهرمات الثلاث.. وحينئذ أقول: يا للفرحة..تحت منزلي آثار فرعونية ألم يكفني أني أسكن في شارع الهرم؟!!
المهم.. رأيتهما تبكيان فواحدة منهما قد اضطرتها الظروف للخروج من المنزل ،وبحسي الإنساني قلت في نفسي ماذا لو استضفتهما عندي وأطعمتهما؟!! لكن تذكرت المنزل فيه والدي وكل أفراد العائلة، لكن على فرض عدم وجود أحد: أليست شبهة أن يستضيف شابٌ مثلي حسناوتين في زهرة شبابهما تجاوزتاالستين؟..أبتعد خيرا ً لي عن الُشبه.
وبالحس الإنساني ملأت صحناً بالطعام ثم تلصصت حتى لا تريانني وتقولان أنني أغازلهما وقمت باتخاذ جميع الإجراءات الاستخبارية حتى لا يكشف أمري.
بالفعل كانتا تتحدثان ، فاستغللت الفرصة ووضعت الصحن على الرصيف وتسللت منسحباً فرحاً بنجاح المهمة، وقلت في نفسي: ستبصرانه وتأكلان ، وأكون قد خرجت من الدنيا بعمل واحد مفيد منذ أن خُلقت!!
وفي الواقع، فأنا لم أشأ إخبارهما بأني سوف آتي بطعام لهما حتى لا تحسان بالحرج.
آه ..كم أنا إنساني حريص على أن أكتفي بكوني (فاعل خير مجهول!!)
من الشرفة.. عمليات الرقابة مستمرة لضمان عدم التعدي على ممتلكاتهما و لضمان عدم وجود حيوانات ضارية تحاول التهام الطعام.. وبالفعل صرخت في نفسس جذلاً " نجحت المهمة ....ممتاز!!" ولم تخيبان ظني، فقد أوقفتا سيارة أجرة لتركبانها للذهاب حيث تريدان، وقلت في نفسي "أيها الغبي سائق السيارة ..دعهما تأكلان الطعام.. وبالفعل حدث.... تدرون كيف تم ذلك؟
لا تخبروا أ حداً .... أشارتا إلى السيارة وحينما سارتا تعثرت قدم إحداهما في الطعام ووقعت أرضاً وقالت " طعام طعام.. الحمد لله" لكن الثانية تعثرت فيها هي الأخرى فانكفئتا على ظهريهما ونُقلتا إلى المشفى قسم الطواريء وكان أحد المارة قد أهداهما الصحن فارغاً تذكاراً ولا شك لم يشأ أن يضع به طعاماً من الأرض.. هذا تلوث وذلك الفعل يعد إهانة لهما.
ولم أبصر ذلك إلا لأقول"غبي سائق السيارة ..أما اختار إلا الآن ليأت ؟ وهذا أغبى منه من صنع الرصيف ألم يجعل به جهاز إنذار لتوجيه الشمطاوات (كبيرات السن) بأن هنا لك طعام تم وضعه؟ وهما غبيتان .. لِم لَم تنظران حولهما قبل ركوب السيارة؟!!؟ لكني لم أرجع وأنسحب من غرفة العمليات (شرفتي ) إلا وقد سمعت هاتفاً في نفسي يقول"لا تسب الرصيف ولا السائق ، بل سب ذلك الغبي الذي وضع الطعام على الرشيف وكأنه يقول له قع قع-أي انزلق على الأرض- لا.. لا.. كلهم أغبياء وأنا الوحيد الذي لم أخطيء.
للأسف.. الصحن انكسر.....اللهم عوضني.
* * *
__________________
هذا هو رأيي الشخصي الخاص المتواضع، وسبحان من تفرّد بالكمال
|