دراما السحور (من ايميلي)
حبل غسيل يقسم القمر القديم الى نصفين، و الملاقط تقف عليه كعصافير من خشب، لا تغرد ولا تطير مهما أرجحتها ريح تشرين..ورقة توت أخرى تسقط على مهل فتكشف عورة العتمة...يتبعها بيوت تضاء تباعا كما يتفتح الورد في صباحات نيسان..
بالأمس كنت أتصور المشهد ..عند موعد السحور ، أضاءت أكثر من ثلث بيوت الحي ، وبدأ إيقاع المضغ السريع يتمدد تحت السقوف ، لا بد أن هناك رجلا يرتدي دشداشة "نص كم ، تزحزح عن فرشته قليلا دون أن يزيل دبق النعاس عن عينيه ، يصدر صفيرا غير منتظم من أنفه أثناء الأكل ويسأل كل دقيقة عن باقي الأولاد ، الزوجة تلف شالا على رقبتها لبسته على عجل وتسكب الشاي ببطء، البنت الكبرى تطلب من أخيها الأوسط بعصبية : بحزلي ..يتحرك الأخ الأوسط في مكانه دون أن يزيح شبرا واحدا فتشتمه قائلة: راسك مثل راس غليص،أما الأخ الأكبر فهو بحكم النائم شرعا،يرتدي فانيلا دالعه لقمته بيمينه ومغمض عينيه ..يجفل عند عبارة "محمد يابا ، أكل يابا !، فيقوم بمحاولة فاشلة للتغميس من أحد الصحون ثم تأخذه الغفوة من جديد..تحاول الأم أن توقظ آخر العنقود دون جدوى ، فهو في حالة التصاق شديدة مع اللحاف ، ويصر الأب على تسحير " الصغير بحجة بكره بعزر علينا إذا صام ولم يتسحر...مرددا: اقعديه..اقعديه .. تبرر الأم فشلها بإيقاظه وهي تشد الولد من أذنه وتفرك أنفه : "اليوم متيس !..
يشعل الأب سيجارته بعد الآذان الأول ، ويطلق دخانها في فضاء الغرفة متمنيا في سره: لو الواحد يصحله سيجارة بالنهار ..تعود الأم الى قواعدها سالمة بعد أن فشلت مساعيها بإيقاظ الصغير ، تسكب كوبا آخرا من الشاي ثم تخبر رب الأسرة: بدنا برسيل من المؤسسة ، فيهز الرجل رأسه دون تعليق ،وحتى دون ان يعرف ما علاقة السحور بالبرسيل!...
في نهاية السحور يتذكر الولد الأوسط متأخرا شتيمة أخته فيرد: كنك الهدعشري يندس كل في فراشه.تجمع الأم فتات الخبز ، و تجمع فوارغ الصحون بعضها فوق بعض ،و يرفع الأب باكيت الدخان الى الخزانة ،ثم يقوم بتنبيه الابن "النائم شرعا ، يابا يا محمد ، روح نام بفراشك كفيت ووفيت، يابا !..يضحك الأولاد في فراشهم من الموقف ، ثم يتمتم غليص : نويت على صيام يوم غد من شهر رمضان الكريم إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم..
البيوت تطفأ تباعا مثل ورق أيلول ، وحبل الغسيل الذي قسم القمر الى نصفين نزل قليلا عن مستوى الضوء .. وبقيت الملاقط التي تقف عليه كعصافير من خشب، لا تغرد ولا تطير أبدا مهما أرجحتها ريح تشرين..
__________________
سيدي البعيد جداً من موقعي,,
القريب جداً من أعماقي,,لا أعلم
هل تضخم بي الحزن فأصبحت أكبر من الوجود
أم ضاق بي الوجود.. فأصبح أصغر من حزني
النتيجة واحدة يا سيدي
فبقعة الأرض هذه، ماعادت تتسع لي
فبقعة الأرض التي كنت أقف عليها,,أصبحت الآن تقف علّي
|