إلى المكفرين في هذا المنتدى والله إنّ السعيد من وُعظَ بغيره ! فالنّجاة النّجاة !
لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعدهُ شرٌّ منهُ ، ولا تمضي الأيامُ وتتعاقبُ السنينُ إلا ويتضائلُ الخيرُ وينحسرُ رواقهُ ، ويمتدُّ الباطلُ وتشتدُّ فورتهُ ، والمؤمنُ من اتقى فتنَ كلِّ ذلكَ ودفعَ عنهُ كيدَ العدوِّ بحكمةِ الحصيفِ وتجربةِ العاقلِ وتؤدةِ الصبورِ ، وقد قالَ معاوية ُ – رضيَ اللهُ عنهُ - : لا حكيمَ إلا ذو تجربةٍ ، وقالَ موسى عليهِ السلامُ لقومهِ : استعينوا باللهِ واصبروا إنَّ الأرضَ للهِ يورثُها من يشاءُ من عبادهِ ، والعاقبة ُ للمتقينَ .
قرأتُ كلاماً لأستاذِنا العلاّمةِ سلمانَ بن فهد العودة يخصُّ المطلوبينَ الذين صدرتْ أخيراً قوائمُ تضمُّ أسماءهم ، وقلّبتُ عيني على العديدِ من صفحاتِ الجرائدِ وقنواتِ الإعلام ِ وموجاتِ الإذاعةِ ، لأسمعَ ضروباً وأفانينَ من تلكَ النصائح ِ الصادقةِ والالتماساتِ الحانيةِ مشوبة ً بعبهريِّ الرحمةِ والشفقةِ عليهم ، علّها تصادفُ نفساً مُهيأة ً وقلباً رقيقاً ، فتُثمرُ خيراً لصاحبِها وللمجتمع ِ وللأمّةِ الإسلاميّةِ جمعاءَ .
هكذا هي الحياة ُ صفوٌ ينبعُ حيناً فتغيضُ السعادة ُ ، ويزكو عملٌ نافعٌ تارة ً ليموتَ أثرٌ صالحٌ ، يرتفعُ هذا لينخفضَ ذاك ، وتبقى سفينة ُ الحياةِ ماخرة ً عُبابَ العمر ِ تتصرّمُ أيّامهُ وتنقضي لياليهِ ، ويبقى لذوي النجابةِ والرُّشدِ ما حماهم اللهُ بهِ من الكيَس ِ والفِطنةِ ، ويهلِكُ من دعتهُ النّوازعُ إلى العجلةِ والطيش ِ ، ولو أنَّ العاقلَ منهم استقبلَ من أمرهِ ما استدبرَ لما كانَ إلا حليماً صبوراً ، يزنُ جميعَ فعلهِ بعقل ِ الشيخ ِ المُحكّكِ وثباتِ المُجرّبِ ، ويترفّعُ عن التهوّر ِ والمُجازفةِ .
لقد قالوا قديماً : رأيُ الشيخ ِ خيرٌ من مشهدِ الغُلام ِ ، فما بالُنا – يا رجالَ الإسلام ِ وأملَ المسلمينَ – نرى الغلامَ لا يأبهُ لقول ِ شيخهِ ولا لرأي معلّمهِ ، ويرفضُ أن يُصغيَ بعقلهِ وفهمهِ إلى حادي النّجاةِ وداعي الخلاص ِ ، ليقعَ أسيراً في قبضةِ شابٍّ مثلهِ ، في سنيِّ عمرهِ ومستوى تفكيرهِ ، ثمَّ يتتايعونَ في الوقوع ِ سِراعاً في ملمّاتِ الحوادثِ ، ويمضونَ سادرينَ لا يلونَ على نصيحةِ عاقل ٍ ولا قول ِ مُجرّبٍ ولا صُراخ ِ نذير ٍ ، يسيرونَ حيثُ لا تُعلمُ نهايةٌ لتصرّفاتِهم .
هبوا أنَّ هذه من الفتن ِ العمياءِ التي لا يتضحُ فيها سبيلٌ ولا يستبينُ فيها طريقٌ ، أفلا كانَ حقّاً علينا أن ننصحَ الصالحينَ بالتجافي عن سلوكِ دربِها ، والتضلّع ِ من أبوابِها ، فكيفَ وقد قالَ أهلُ العلم ِ قولتهم وقطعوا بما بيّنوهُ قولَ كلِّ قائل ٍ ! .
إنَّ للفتن ِ بريقاً أخّاذاً ، ورنيناً آسراً ، ووقعاً ساحراً ، يسترقُ العقولَ والقلوبَ ويستولي على الوعْي والإدراكِ ، ولو كانَ صاحبُها ألمعيَّ الذهن ِ ، موفورَ العزيمةِ ، وقّادَ الهمّةِ ، ولا ينجو من هذه الملمّاتِ إلا من حماهُ اللهُ بالعلم ِ الأصيل ِ والعقل ِ الرّجيح ِ ، وهذا ما يراهُ النّاظرُ بعين ِ البصيرةِ من استيلاءِ الفتن ِ على ضعافِ التأصيل ِ الشرعيِّ ، وتحكّمهِ في ناشئةِ الشبابِ ، ومن آياتِ هذا الافتتانِ المُريبِ إعراضُهم عن أهل ِ العلم ِ وتهوينُ شأنِهم ومقامِهم ، وهو ما يوكلُ معهُ الإنسانُ إلى نفسهِ .
لقد كتبتُ وكتبَ غيري ، كتبنا مقالاتٍ نسجناها من المُهج ِ والقلوبِ المُتقرّحةِ ألماً وحسرة ً ، وأنشأنا فصولها من الدموع ِ الحرّى ، كتبناها ونحنُ نمدُّ أيدينا إلى إخوةٍ لنا كادتْ تغرقُ سفينتُهم في مجرى أحداثٍ لا يعلمُ منتهى فصولِها إلا اللهُ ، رجوناهم ولا زلنا نرجو ونستحثُّ الخطى نحوَ إرشادِهم وتذكيرِهم : ألا كفّوا أيديكم ، واكسروا رماحكم ، وأغمدوا سيوفكم ، وكونوا خيرَ آخذينَ ، واستعينوا باللهِ واصبروا على السجن ِ والنجاةِ من الفتنةِ ، واعلموا أنَّ اللهَ ناصرٌ دينهُ ومُعل ٍ كلمتهُ ، ومن أتى من فعلهِ ما حرّمهُ اللهُ فلن يضرَّ إلا نفسهُ .
لقد أصابَ خيراً عظيماً من كفَّ يدهُ ، ونجا بنفسهِ ودينهِ ورفعَ راية َ التسليم ِ لأمر ِ اللهِ وأمر ِ رسولهِ – صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ – في النهْي عن السعي في الفتنةِ والخوض ِ فيها ، ويأتي على رأس ِ هؤلاءِ من كانَ من قائمةِ المطلوبينَ ، فإنَّ أجرهُ يتضاعفُ لتأكّدِ الأمر ِ في حقّهِ وتعيّن ِ قيامهِ بهِ ، خاصّة ً مع ما يصيبهُ من اضطرابِ الحيرةِ ، وتردّدِ الأوهام ِ ، وكثرةِ الخوفِ ، ولا ينكسرُ ذلك إلا بمراجعةِ النفس ِ والعودةِ إلى حظيرةِ الجماعةِ ، وإلا دلّتهُ النفسُ على دروبِ المخاطر ِ وسُبُل ِ الهلاكِ .
ليسَ من الجبن ِ ولا من الخور ِ أو الانهزاميّةِ أن يقومَ المسلمُ الممتثلُ لأمر ِ ربّهِ بتسليم ِ نفسهِ ، وهو يعلمُ أنَّ عاقبة َ فرارهِ شؤمٌ عليهِ ، وربّما أريقتْ دماءٌ كثيرة ٌ في ذلكَ ، بل واللهِ إنَّ ذلك شرفٌ عظيمٌ لهُ وأحظى في العُقبى ، كيف وهو يرى ويسمعُ أنّاتِ ذويهِ الممضّةِ واستغاثتِهم لهُ ويلكَ انجُ بنفسكِ وسلّمْ أمركَ وأرحْ أهلكَ ممّا يُكابدونهُ ، والمُجتمعُ بأسرِه يدعوهُ للركوبِ في سفينةِ الجماعةِ والنجاةِ بها ، وأن لا يختارَ التفرّدَ ويؤثرَ الفِرارَ ليقعَ صيداً للتمرّدِ والتمادي في الأمر ِ ، ممّا يورثُ شرّاً ويُذكي سوءاً .
هذه مصارعُ من سبقَ ، هي – واللهِ – عبرة ٌ وعِظة ٌ ، ومن لم تُحرّكهُ الحوادثُ السالفاتُ ويعتبرْ بها ، أو تزدهُ صروفُ الزمان ِ تجربة ً وخبرة ً ، فقد حُرمَ حظّاً عظيماً من التوفيق ِ والعافيةِ .
إنَّ عدوّنا يؤثرُ هذه الأعمالَ ويرتضيها ، فهي – واللهِ – بابٌ عظيمٌ من أبوابِ تدخلاتهِ وتوغّلهِ في العالم ِ الإسلاميِّ ، فيضربُ بجندهِ من الكُتّابِ وطلائع ِ المُبشّرينَ ومرتزقةِ الاستعمار ِ ، ليعيثوا في الأرض فساداً بحربِهم على الفِكر ِ واستعمار ِ مواردهِ وأصولهِ وتصوّراتهِ وموازينهِ ، ويُعيدوا الأملَ في صفوفِ كُهّانهم وأذنابِهم ، أولئكَ الذين اصطلوا دهراً بثباتِ المسلمينَ وعصيانِهم على غزواتِ التغريبِ وإفسادِ الأخلاق ِ واستعمار ِ العقول ِ ، ليبدأ الأملُ يدِبُ من جديدٍ ، حينَ يرونَ بلادَ الإسلام ِ غارقة ً في فتن ٍ داخليةٍ وتطاحن ٍ بين شبابهِ .
لقد دفعتْ أمريكا 20 مليار دولار في مدّةٍ تصلُ إلى 25 سنة ، من أجل ِ تغيير ِ التعليم ِ في مصرَ – حرسها اللهُ - ، ووظّفتْ عملاءَ وزرعتْ جواسيسَ واشترتْ ذمماً كثيرة ً ، ولكنّها وبعدَ الأحداثِ الأخيرةِ لم تحتجْ إلى شيءٍ من ذلكَ ، فقد أطلقتْ عنانَ التهديدِ والتوبيخ ِ لتنالَ ما تُريدُ من التنازلاتِ المصريّةِ بالقوّةِ علانية ً في وضح ِ النهار ِ ، بعدَ أن وجدتْ من الأحداثِ الخارجيّةِ ما يؤيدُها في ظلمِها ومواصلةِ تجنّيها .
أوَلا ترمضُ الصدورُ العليلة ُ بالهمِّ بمثل ِ هذه الحوادثِ ومرّها ؟! ، كم نحتاجُ الآن إلى مؤاس ٍ وحان ٍ يرفعُ عن ضعفةِ المسلمينَ سطوة َ الغربِ الخانقة َ ، وكم نبحثُ عن رجل ٍ يجمعُ اللهُ بهِ شتيتَ الرأي ومُبدّدَ العمل ِ ، ليُصلحَ بهِ اللهُ هذه الأحوالَ المُحزنة .
هل انجابتْ عن المسلمينَ بما جرى ويجري سُدُفُ الظلام ِ ؟ ، وهل انزاح عن ديارهم قتامُ التبعيّةِ ؟ ، هل وقفتْ جحافلُ الباطل ِ عن غيّها ومكرِها وبثِّ حقدِها ! ، وهل استكنَّ دُعاةُ التغريبِ عن نشر ِ إفكِهم وتمرّدهم على الشريعةِ ! ، لقد حصلَ ما حصلَ من الأفعال ِ الباغيةِ ، فما زادتْ أولئكَ إلا جسارة ً على دين ِ اللهِ وصدّاً عن سبيلهِ، وبقيَ أهلُ الخير ِ وقد أسقطَ في أيدهم ، لا يدرونَ ماذا يفعلونَ ، بين قوم ٍ منهم غووا وانحرفوا ، وآخرين يضربونَ في الأرض ِ يبتغونَ فساداً وانحلالاً .
وا أسفاه علينا ! فبعدَ سنواتِ النهضةِ العلميّةِ ، وامتدادِ الخير ِ ، واتساع ِ رواقهِ ، وتراجع ِ العلمانيينَ وأذنابِهم وانحسار ِ بأسهم ، وبعد تمكّن ِ أهل ِ العلم ِ من زمام ِ الأمر ِ في صناعةِ الحياةِ والشبابِ وصياغةِ سطور ِ مجدِ الأمّةِ ، ووثوق ِ الأمّةِ من المسئولينَ وعامّةِ النّاس ِ بهم ، جاءَ من يهدمُ ما بناهُ الرجالُ الأوفياءُ ، في لحظةٍ من لحظاتِ النزق ِ وساعةٍ من ساعاتِ التهوّر ِ ! وبعدَ أن كانتِ الدعوة ُ تهبُّ نحوَ العلياءِ وتثِبُ للمجدِ ، أصبحتْ تخطو خطواً وئيداً وتتعثرُ في دربِها .
فمن الذي يطمسُ ذلك الوجهَ المشرقَ الوضيءَ لتعاليم ِ الإسلام ِ ؟ ، ومن الذي يُجلبُ بخيلهِ ورجلهِ سعياً في الفتنةِ الداخليّةِ باسم ِ الشرع ِ وتعاليمهِ ! ، ومن ذلك الذي يرضى أن يبقى مُكبّاً على أمرهِ ، سادراً في غفلتهِ ، مُعرضاً عن النصيحةِ والإرشادِ ، من إخوان ٍ لهُ يحرصونَ على نجاتهِ ويُريدونَ لهُ العافية َ ! .
وبعدُ أيّها القرّاءُ : لا زلنا نرجو ونؤمّلُ ، وما دامَ فينا من تتحرّكُ عزيمتهُ وتومضُ نفسهُ الشريفة ُ نحوَ دفع ِ الفتنةِ ودحر ِ الشرِّ وأسبابهِ ، من أمثال ِ الأخ ِ فايز أيوب ، الذي تطاوعَ وسلّمَ نفسهُ وحقنَ دمهُ ودمَ غيرهِ ، ما دامَ فينا من لازالتْ نفسهُ أبيّة ً على التمرّدِ ، فإنّنا بخير ٍ إن شاءَ اللهُ ، وعلاماتُ الخير ِ لا زالتْ متقدة ً وضاءة ً في طريق ِ الخيريّةِ لهذه الأمّةِ ، والأملُ في البقيّةِ الباقيةِ من الشبيبةِ أن يحذوا حذوَ أخيهم فايز ، ويقتدوا بهم ، بدلاً من التشتّتِ والضياع ِ والهروبِ ، ونهاية ُ ذلك – لا قدرَ اللهُ – الموتُ أو القتلُ .
والسعيدُ من وُعظَ بغيرهِ .
فتى الأدغال
|