Man9ool
www.alhayat-j.com/url
وراء الكلام - أحمد دحبور
فلسطين الجريحة في العراق
من حق الذاكرة الفلسطينية المبتلاة بالجراح، ان تحتفظ بواقعة مثيرة شهدها العراق في اواخر حكم البعث، عندما فوجىء سكان حي السلام في بغداد، وجميعهم فلسطينيون لاجئون هناك منذ النكبة، بقصف مدفعي عنيف اودى بحياة العشرات. ولم يكن النظام المحاصر المهدد يومذاك في ظروف تسمح له بالتحقيق الجدي في الجريمة، الا ان التفسير جاء على هيئة شائعات، سرعان ما راحت تتراكم حتى اكدتها منشورات غامضة باسم فئة منسوبة الى العراق، تحذر من توطين الفلسطينيين، وتتهمهم بالتواطؤ مع صدام حسين لترتيب اقامتهم في العراق مع الجنسية التي من شأنها، حسب الشائعة والمنشورات، ان تثير الاضطرابات والقلاقل..
لم تتكرر الواقعة البشعة، وجاء احتلال الغزاة الامريكيين للعراق لينسي الناس ما جرى ولو الى حين. مع ان الواقعة غريبة الى درجة لا تسمح بالنسيان. فالفلسطينيون اللاجئون الى العراق، بعددهم المحدود، لا يشكلون ظاهرة. وقد كانت وكالة غوث اللاجئين الدولية، تضعهم باستمرار في ذيل قائمة اعداد اللاجئين الفلسطينيين. فمن هي الجهة التي يمكن ان تتخوف من هذه القلة الآمنة التي تحفظ للشعب العراق الشهم كرم الضيافة وعمق الإخاء؟
كان من الممكن ان تتحول تلك الواقعة الى غيمة عابرة او جناية مسجلة ضد مجهول، لولا ان المجهول، بعد كارثة احتلال العراق، اصبح معلوما، وراحت مجموعات طائفية لا تمثل جوهر العراق النبيل، تتحرش باللاجئين الفلسطينيين، وتطالب السلطة العميلة بطردهم او اخراجهم على الاقل من البيوت التي يسكنونها باعتبارها بيوتا عراقية سلبها صدام من اصحابها واعطاها للفلسطينيين. وغني عن القول ان التاريخ يكذب هذه الترهات، ويشهد على ان الجيش العراقي اصطحب معه، اثر حرب 1948، عددا من اهل القرى الفلسطينية التي كان يرابط فيها خلال المعارك، مثل عين غزال وجبع واجزم وعين حوض. ومن المعروف ان الجيش العراقي لم يخرج مهزوما من الحرب. لكنه بعد انتصار محدود في جنين، فوجىء بالعبارة الشهيرة: ماكو اوامر.. وهي عبارة حكومة نوري السعيد التي قررت، بلا تفسير، انه لا اوامر بمواصلة تقدم الجيش العراقي. وهكذا حين انتهت المعارك وجد الجيش غير المهزوم انه قادر على اصطحاب القرويين الذين خسروا منازلهم وكل شيء. ومن يومها واولئك الفلسطينيون يعيشون في أمان نسبي داخل العراق بعد ان شملتهم وكالة الغوث برعايتها المعروفة، واقاموا اطيب العلاقات مع الشعب العراقي العظيم..
فما هو سبب تلك الواقعة التي تلتها تلك التحرشات، وقد تصاعدت بعد احداث سامراء؟
ان التيار الطائفي الذي يقوده فلان الفلاني شخصيا؟ هو الذي تولى ارتكاب تلك الاساءات.. في البداية بدا الأمر شبيها، من حيث الحجة الواهية بما حدث في لبنان، حيث حذر الانعزاليون من توطين وهمي للاجئين الفلسطينيين، ومن ان هذا التوطين قد يربك التركيب الديموغرافي الطائفي. ومع ان عدد الفلسطينيين لا يستهان به في لبنان، الا ان تلك الذريعة لم تقنع أحدا. فما بالك بالفلسطينيين في العراق وهم لا يتجاوز عددهم عشرين الف نسمة؟
ان السبب الحقيقي وراء هذه الاساءات الفظة، هو ان التيار الانعزالي يضيق ذرعا بأي حضور عربي في العراق، حتى لو كان حضورا رمزيا لا يشكل خطرا من أي نوع على التركيب الاجتماعي لبلد تعداده ثمانية وعشرون مليونا..
والفلسطينيون في العراق، كالفلسطينيين في أي مكان، لا يتخلون عن حقهم في وطنهم والعودة اليه ولو بذهب الدنيا وعقارها.. ولكن هل يقتنع الطائفي الموتور بذلك؟
ايها الانعزاليون.. ارفعوا ايديكم عن شعبنا ولا تسيئوا لسمعة العراق العظيم.