نكمل:
الحب والزهور
يموت الحب كما يموت الورد
الزهور سيم العشق و العشاق
قالوا في الحب و الزهور
الحب والزهور
يموت الحب كما يموت الورد
هل هكذا تموت الأحاسيس الجميلة كما يموت الورد ؟
يموت الورد مقطوعاً من شجرته وكذلك يموت الحب بعد أن يقرر صاحبه اقتطاعه من أحشاء القلب ويموت كذلك الورد مدعوساً تحت الأقدام كما تموت الأحاسيس الجميلة عندما يدوس عليها صاحبها ليقتلها ويموت الورد إذا لم يسقيه صاحبه الماء الذي يحييه وكذلك يموت القلب إذا لم يسقيه صاحبه بالحنان والعاطفة الجميلة والحب ..
لماذا يتعامل الناس مع الحب كما يتعاملون مع الوردة .. ينظرون إليها ويتمتعون بجمالها ، يشتمون رائحتها العطرة ، ويجعلونها عنواناً للفرح والسعادة ، يسقونها ويعتنون بها ويجعلونها سيدة كل الورود وملكة كل الأزهار .. كذلك يفعلون مع الحب عندما يحترمونه ويقدسونه ويجعلون من يحبون معجزة جديدة فيبادلونه المشاعر الجميلة ويرسمون له الطريق نحو الجنة ويدخلون على حياته الفرحة والبهجة ويعطونه الوعود ويرسمون له الأحلام ويدخلونه إلى تلك الدنيا الوردية الجميلة بعدها يجدون غيره فيرحلون ويقتلونه قبل الرحيل كما يلقون بالوردة على قارعة الطريق بعد الاستمتاع بها !!
قالت الوردة : ما ذنبي أنني أحببت وما ذنبي أنني ألقيت بجسدي بين أيدي هؤلاء الذين لا يتألمون ؟!؟
وقال المحب : ما ذنبي أنني أحببت ووضعت قلبي بين يدي هؤلاءالذين لا يحترمون الوعد ولا يصدقون ؟!
الوردة والحب شيئان مختلفان لكن حياتهما واحدة ولذتهما واحدة وكذلك أقول بأن موتهما واحد .. وما أتعسه من
حب يموته الاثنان !!
كلمة أخيرة : تموت الوردة على قارعة الطريق باكية حزينة ويموت الحب عندما يقرر العشاق إغراق السفينة !!
الحب والزهور
الزهور سيم العشق و العشاق:
لعبت الزهور دورًا كبيرًا في حياة العشاق، فحملت خطراتهم وأسرارهم، ونقلت أخبارهم وأفكارهم واتخذوها سيمًا (علامة) فيما بينهم، وقد كانت الزهور من بين سيم المحبين أو علامتهم التي يتعارفون بواسطتها.
اقترن الحب منذ عصور قديمة بمظاهر الطبيعة الجميلة، وصارت المرأة في عرف العشاق كالروضة الزاهية، أو كالزهرة اليانعة، وكم شبه الشعراء الخدود بالورود، وتثنّى القدود بتمايل الغصون، ورفيف الشعر برفيف أوراق الزهر، وعمر السعادة في العشق بقصر حياة الورد.. إلى آخر ما يعرف قرَّاء الغزل من شعر المغرمين، فلا جرم أن اقترنت المرأة بالزهور والنور، والرقة والجمال، وشعر حسان بن ثابت – رضي الله عنه - "بانت سعاد" الذي ألقاه بين يدي الرسول – صلى الله عليه وسلم - فخلع عليه بردته معروف مشهور.
ولم يكتف العشاق بذلك، وإنما جعلوا الزهرة رسولاً إلى المرأة لتعرف مراد محبها منها، فصارت رمزًا أو لغة أو لحنًا، تنقل أذواقهم وأشواقهم، وتظل هكذا في رحلة ذهاب وإياب لنقل المشاعر، والتعبير عن المقاصد والخواطر.
ولكن لماذا توسع العشاق في استخدام النبات للتعبير عن الطوايا والنيات، هل لجمال فيه فقط؟!، هناك آراء وحكايات منها: أن النبات يعشق كالإنسان، ويتألم ويتبرم ويصل ويفرح مثل الآدميين. ومن هذا في الأثر قصص لطيفة منها قصة عن نخلة كان
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتردد عليها، فلما غاب عنها كان يسمع لها أنينًا، فلما وضع عليها يده سكنت، وغيرها من الروايات التي تتحدث عن النبات ككائن يشعر ويحس.
لغة الزهور:
وسيم العشَّاق مع الزهر غالبًا ما يتمثل في زهرة أو ثمرة، أو فرع شجرة، أو جذع نبات، يحمله العاشق شحنة عاطفية دافئة، ويبعث به إلى من يهوى فيعالج نفسه المنطوية، وينمي شوقه الفاتر، ويخرج القلب مع تلقي الرسالة من عذاباته، ويسترسل مع إشراقة الزهور، وينساب منتشيًا ولو إلى حين.
وسيم الزهر تعبر عن مفهوم ذاتي للحب أو لحالة فيه، وليس عن مفهوم موضوعي بحت، ذلك أن المحب يسقط على زهرة معينة معنى ما، أو يحدد لها لغة رمزية تقولها صمتًا، وقد يرى غيره في هذه الزهرة عينها شيئًا مختلفًا، بل تفاوتت رمزية الزهور من ثقافة لأخرى، بل داخل الثقافة الواحدة من منطقة لأخرى ومن زمن لآخر.
ونحن إذا تلفتنا إلى أحاسيس العشاق، وأملينا النظر في سيمهم ألفينا لغة الزهور ملأى بصور التعبير المختلفة التي تمثل معاني الهوى، وغليان العواطف، وعدم استقرارها على حال، كما تعبر عن فرحة المغرمين بالرسائل التي تبشر بقرب المزار ونعيم السعادة فيه، فالزهرة في سيم العشاق تبكي عنهم، وتعلن الأسى، وتظهر الحرقة والجوى، وتبرد القلوب، أو تزيدها حرارة وتوهجًا، وتُعرب عند أهل المجون والفجورعن حالهم، أو تنطق بالطهارة والعفاف عند أصحابهما، أو تحمل معاني الغيرة والشك.
ولا ريب أن نفوس العشاق ليست من رتبة واحدة، أو نبع واحد، فمنهم من يطلب الخطر والمغامرة والشهوة، ومنهم من يتطلع إلى حياة جياشة مع أفئدة حساسة ومُهَج لَهْفى، ومن يهفو إلى فردوس نقي تتعانق فيه الأرواح، ومن يدلف إلى ممالك الخيال وعوالم الأطياف تُغْرِه الأحلام.
وسيم العشق أو لغة الزهور حافلة بكل هذا، معبرة عن مختلف الميول والرغبات، وتتمثل فيها ألوان من الصبابات، ففي مجال الغزل والتشبيب نجد العاشق يقدم لمن يهوى "الزنبق الملون"، ليقول له: "عيونك بديعة" أو "الحناء" أي "صفاتك حسنة". وفي مجال نشوة الحب والسعادة فيه، وإظهار الأشواق، وتجسيم الإحساسات، وإعلان الطرب، والاهتزاز من الفرح يبعث المحب "بزنبق الحقل" أي "حياتي لك"، وفي مجال الوفاء، وصدق الوداد، ودوام الذكر، وعدم التحول، والقدرة على تحمل الصعاب مهما تكاثرت، يرسل العاشق زهر "الديسم" ويعني: حبي لك لا يعتريه الذبول، أو فرع من شجرة خروب خضراء أي وداد وحب يدومان لبعد القبر.
ولأن العاشق يخشى الرقباء والعذَّال؛ فإنه يكثر من رسائل التحذير حتى لا يشهر به، وتصير سيرته مضغة في أفواه السُمَّار، ويستخدم زهورًا لتحمل المرسل إليه على الاحتياط ومن هذا "زهور الحناء" أي إياك أن تفعل، أو "حشيشة الدينار" وتعني أن القوم يراقبوننا، أو "الخطمية الشمالية" والمراد منها أن ينظر المحب في الأمر قبل الوقوع به، وجوز الطيب: "اجتماع منتظر".
ويحمل الزهور ما يدور بخلد العشاق حتى الظن والاتهام، والمحب بطبيعته حساس مرتاب؛ ومن ثم اتخذ المغرمون من الزهور ما يعبر عن هذه الحالة، فإذا أرسل واحد لمن يهوى "بابيروس" فكأنه يقول له: قلبك ميال لكل من تنظر إليه، أو "بخور مريم" أي أن هناك ريبة تداخله، وقد يتنامى هذا الشعور في طواياه فيرسل بزهرة "البطم" ليتهم حبيبة بأن قلبه يخلو من الحب.
وفي لغة الزهر ما يعرب عن نفور العاشق من المسرات الخطرة والسعادة الهمجية، والشراهة، والتوحش والشراسة وفي هذا تستخدم زهور البنفسج الأصفر.
وقد يطلقون على النبات الواحد وأنواعه وأجزائه عدة ملاحن لتكون أوسع تعبيرًا، وأدق دلالة على ما في نفوسهم، فالزنبق الأبيض يعني "حسن طبيعي"، والزنبق الأحمر يعني احتراق العاشق في العشق، والزنبق الأصفر يعني الكذب والغش.
ومن الزهور والنباتات التي تقترب من دلالاتها "زهرة ندى الشمس"، وتعني: أنتظرك في الصباح الباكر. وزهرة "ورود عرائس" وتعنى المحبة السعيدة، والسيم هنا يشير إلى الحالة فبين العرس والمحبة السعيدة رابطة وثيقة، وزهرة الفل رمز اللطف والظرف، والسيم هنا وصف للمحبوب، ولا يمكن أن نفرق بين الفل واللطف، وثمر "الفلفل" يعني أحرقت قلبي، وفي هذه السيم صلة بين الفلفل الحراق، واحتراق القلب بالحب، وشجر "الصبر" ويعني الحزن، وفي هذا السيم ملاءمة بين الصبر والحزن، لأن الإنسان يصبر على مكروه وهو في حالة حزن وألم، ونبات الشوك رمز للصعوبة والخشونة، وكلها من المعاني الملائمة للشوك، وهناك ألفاظ أخرى موافقة إلى حد كبير للمعاني التي خلعوها عليها.
يتبع,,,