فكرت كيف كان من السهل أن أنهى عذابى ، بينما الرجال والنساء من عمرى يعيشون طول الوقت فى عذاب دائم بلا حل فى الأفق أمامهم ، ويون أطفالهم أمامهم عراة ضامرة بطونهم منتفخة ، مليئة بالقروح يرفسون الأرض المتربة بضربات ضعيفة . ربما شعرت فى هذه اللحظة بما أنعم الله على ، ولكنى رأيت معاناتهم التى لم أنجح فى واحدة منها .
لقد غيرت فريضة الحج إلى مكة حياة كثير من المسلمين . وربما يكون أكثر الأيام تأثيرا ، هو يوم عرفة حيث يجتمع كل الحجيج فى صعيد واحد بوادى عرفة . يلبسون زيا واحدا لا يفرق بينهم ، يتكلمون بمئات اللغات المختلفة ، مكرسين أنفسهم لدينهم وللإنسانية . يوم يذكر بيوم القيامة يوم الحساب ، حينما تبعث كل البشرية قديمها وحديثها ليوم الفصل ليروا أعمالهم فى هذه الدنيا حسنها وقبيحها . ولقد كان الحج نقطة تحول عظيمة لـ "مالكولم إكس" ، والتى عبر عنها فى الكلمات التالية :::
"فى الأسبوع الماضى ، أصبحت فى ذهول لا أتكلم وانعقد لسانى ، من الحفاوة والمظهر الذى أراه حولى ومن البشر من جميع الألوان .... ربما تصاب بالدهشة مما يصدر منى من كلام ، ولكن ما رأيته فى هذا الحج وما خبرته ، قد أجبرنى على إعادة تقييم استنتاجاتى السابقة .... ربما لو أن الرجل الأمريكى الأبيض قد تقبل وحدانية الله ، ربما كان يتقبل أيضا حقيقة وحدة البشرية ، وكان يتوقف عن القياس وعرقلة وإيذاء الآخرين نتيجة "الإختلافات فى اللون" ... كل ساعة أمضيتها فى الأرض المقدسة "العربية" أعطتنى نظرة روحية داخلية ، أقارن بها ما يحدث بأمريكا بين البيض والسود" .
العمود المتبقى من أعمدة الإسلام الخمسة هو الصلاة . وبالرغم من أن الصلاة الفردية مقبولة ، إلا أن صلاة الجماعة تفضلها ولها الأسبقية . وبالطبع فالصلاة المشتركة كما قرر يسوع فى الإنجيل ، يمكن أن تؤدى للتظاهر بالتقوى ويمكن أن تؤدى بلتقوى فعلا . وقد حذر القرآن الكريم من النفاق كما جاء بالآية "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً {142} سورة النساء" ، وكما جاء بسورة الماعون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أتباعه بأن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرون مرة من صلاة الفرد ، وهذا تقرير يؤكد على قيمة الترابط فى المجتمع .
يقف المصلون فى جماعة فى صفوف منتظمة ، مترابطين الكتف بالكتف والقدم بالقدم وذلك فى بداية الصلاة ، وتتكون الصلاة على أمور رتيبة تتكرر فى دورات من الوقوف والركوع والسجود والجلوس على الأرض بشكل معين . وفى الركعتين الأول فى صلاة الفجر والمغرب والعشاء ، يقرأ الإمام قراءة جهرية ، أما فى صلاة الظهر والعصر فتكون القرآن للقرآن سرية ينفرد بها كل مصل لنفسه .
وعادة ما تكون حركات المصلين فى الركعة الألى غير متزامنة ، ولكنها تأخذ فى التزامن بعد ذلك فى الركعات التالية ويحدث انسياب فى الحركة ويظهر المصلون كأنهم منقادون لأوامر الإمام ، وبذلك تظهر وحدةتهم فى التوجه والهدف والعمل . الخبرة تشبه التنويم المغناطيسى للتوحد . وينهى المصلون صلاتهم بالتحية عن اليمن وعن الشمال . لهذا فالصلاة الإسلامية ، هى تمجيد وإجلال وحشد وترتيل جميل ، وتعليمات ، وحركات ، وإيقاعات حركية ، وطقوس ، كلها تشد المؤمن فى البداية إلى المظهر الخارجى ، ثم تنقله إلى إلى داخله ومناجاة الله سبحانه وتعالى ، ثم الخروج من الصلاة لتحية من عن يمينه ومن عن شماله . فى الحقيقة ، فإن هذا الإيقاع الغير صوفى "mystical converse" والذى يعتمد على ترابط الجماعة يتحقق من هذه الحركات المتزامنة .
أحد الطلاب المسلمين الذين أعرفهم بسان فرانسيسكو ، وجد أن هذه الطريقة فى الصلاة تؤدى إلى التشويش . قائلا لى "لماذا نصلى بهذه الطريقة متلاصقين بعضنا ببعض ؟ ها أنا أريد التركيز فى صلاتى مع الله ولكنى أنشغل دائما عن ذلك بحركات من هم جوارى عن اليمين والشمال" .
قلت له ، بأنك ها قد وصلت إلى ملاحظة هامة تكشف هدف الإسلام من ذلك : فأنت حتى فى الإنغماس الكامل فى عبادتك لا تنسى مجتمعك ولا تنسى جارك عن اليمين والشمال . وبعبارة أخرى ، فإن حياتك الشخصية وحياتك الروحية لا تنفصمان وفى هذا خلاصك فى الدنيا والآخرة .
حاليا هناك أبحاث كثيرة نشرت فى الغرب ، عن أسباب "الصحوة" الإسلامية الجديدة ، محاولين التوصل لأسبابها .
تأثير الحداثة ، والإستعمار ، والإستعمار الحديث ، والإنهزامية وتفكك الإمبراطورية العثمانية ، وسخط المسلمين فى العالم الثالث ، هى عوامل فى بعث هذه الصحوة . لاشك أن لها دخل فى ذلك . وهذه الصحوة الإسلامية العالمية قد أججت معظم الشباب المسلم ، الذين كان الممارسات التاريخية أعلاه هى جزء من تجارب الماضى البعيد فى بلادهم . ولكى نفهم هذه النداءات بإقامة دولة إسلامية ، فيجب أن نعرف بأن المراكز والمساجد والمؤسسات الإسلامية فى الولايات المتحدة وأوروبا تحضضن هذه الدعوة وتغذيها .
وإذا استمعنا إلى خطب الجمعة ، نجد فى صلبها النظرة القرآنية لوحدة البشرية تحت وحدانية الله سبحانه وتعالى . المؤمنون فى هذه المجتمعات الإسلامية ، من بقاع شتى وثقافات مختلفة ، يتعاونون لبناء الحياة الإسلامية فى الغرب . وقد تنشأ توترات لاختلاف الرؤى فى تنفيذ هذا ، ويظهر على السطح أثار ذلك من حين لآخر . ولكن مازال الترابط موجود والأخوة الإسلامية قائمة ، وأقوى من كل هذه التوترات والقوميات والعوائق الثقافية . وجميع المسلمين يون أن الوحدة الإسلامية من الممكن أن تتحقق ، وأن الفرصة مواتية لذلك أقوى من عدة قرون مضت .وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {10} سورة الحشر
|