( 14 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
إنكار الألوهية ... كمثل ... لاشك أنه من أخطر الذنوب ، ولكن أن تقع فى هذا الذنب ، وتعايش البؤس والفراغ الذى يتغشاك ، ثم تجد حلاوة الإيمان ، لهى تجربة قيمة جدا بالرغم من قساوتها ، نتيجة لرفضك الإيمان بحقيقة تم تحذيرك منها - وأصبحت اليوم من الدروس الواضحة المعالم .
روحانياتنا يحدث لها ركود إن لم يكن هناك إمكانية الخطأ ثم التحقق من الصواب ثم التكيف للحق . وفى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم".*ونقرأ*فى القرآن الكريم :::
( 1 ) مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً {17} سورة الكهف
( 2 ) فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {8} سورة فاطر
( 3 ) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23} سورة الزمر
يقول جولدزهير "Goldziher" أن التعبير هنا ، لا يعنى أن الله يجبر أحدا على الضلال ، بل يتركه لضلاله إن أراده . وكذلك إن أراد الهداية أعانه الله عليها ، كما يتضح من الآية التالية :::
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {110} سورة الأنعام
ولنتصور مسافر يريد الوصول إلى هدف ما ، فوصل لمفترق طرق ، فسأل عن الهداية ، فدُل على الطريق الصحيح ، فإما أن يقبل ما دُل عليه مصدقا لمن دله ، ويسير فى الطريق الذى يوصل إلى هدفه ، وإما أن يرفض الهداية شاكا فيمن دله ، ويسير فى الطريق الخطأ ، هنا فمن قبل الهداية ، يساعد على مصاعب الطريق وتوضح له العثرات التى سيقابلها ، أما ألاخر فيترك لضلاله وعمايته .
والقرأن الكريم يبين لنا من هم الذين يستحقون الضلالة من الله ، ومن هم الذين يستحقون الهداية . ففى الضلالة (الفاسقين "البقرة : 26" .. الظالمين "البقرة : 258" .. الكافرين "البقرة : 264") ... وفى الهداية من اتبع رضوانه "المائدة : 16" .. يهديهم ربهم بإيمانهم "يونس : 9" .. وهدوا إلى الطيب من القول "الحج : 24" .. آمنوا بربهم وزدناهم هدى "الكهف : 13" .. ويزيد الله الذين اهتدوا هدى "مريم : 76" ) .
ومن هذا يتضح بأنه سبحانه ، لا ينظر إلا إلى المخلص والراغب فى التوجه لعظمته ، والله يهدى الذين يبحثون عنه :
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {186} سورة البقرة
وهناك حديث يعرفه المسلمون جيدا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
الراوي: أبو هريرة *- خلاصة الدرجة: صحيح *- المحدث: البخاري *- المصدر: الجامع الصحيح
القاعدة كما وردت بالقرآن الكريم ، أن المستفيد الرئيسى من توجيه الإرادة والعمل الصالح ، أو العكس ، لا أحد غير أنفسنا :
( 1 ) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {6} سورة العنكبوت
( 2 ) قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ {104} سورة الأنعام
( 3 ) إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ {41} سورة الزمر
من الآيات أعلاه ، يتبين لنا نظرة الإسلام لارتكابنا للذنوب ، فهى مدمرة لنا بفعلنا نحن لها لأنها تخرجنا عن طبيعتنا . فالله سبحانه لم يجبرنا على فعلها ، بل نحن الذين أسأنا إلى أنفسنا :::
( 1 ) لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ {181} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ {182} سورة آل عمران
( 2 ) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ {50} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ {51} سورة الأنفال
( 3 ) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن #1588;ُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {53} سورة الأعراف
( 4 ) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {70} سورة التوبة
أنا مدين "لفضل الرحمن" بملاحظاته هذه فى هذا الشأن ، وذلك ما ورد فى كتابه "موضوعات رائدة فى القرآن Major Themes of the Qur'an" .
ومن رحمة الله سبحانه ، أنه يقبل التوبة عن عباده المنيبين إليه :
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} سورة الزمر
العبارة التى وردت فى الآية "أسرفوا على أنفسهم" ، معناها ظلموا أنفسهم ، وحرموها من الخير واضطهدوها ، وهذا يوحى بأن اقتراف الذنب ، ما هو إلا تحطيم للنفس . وحينما يقول القرآن الكريم بأننا نرتكب ظلما لأنفسنا ، فهذا لأننا بالفعل نؤذيها ونسرق منها نمونا الروحى .
الطريق المستقيم :
حدد سيجموند فرويد "Sigmund Freud" ثلاثة عناصر للتأثير فى روح الإنسان : . ويعرف الهوية بأنها مصدر الطاقة الروحية التى تثير الميول الحيوانية فى الإنسان والتى تعمل على بقائه الحيوى ، كالجشع ، والقوة ، والشهوة ، والحقد والتفاخر بالنفس . أما الأنا العليا فهى المسئولة عن حبه للفضيلة ، والأخلاق ، والذنب . فهى تدفعنا إلى ما نعتبره قيم عليا ، وأمور نبيلة . أما الأنا ، فهى الفكر الذى ينظم ويتحكم ويوازن بين إحتياجات الهوية مع متطلبات المجتمع والأنا العليا . ويعتقد فرويد ، بأن الشخصية الصحية ، هى التى يوازن فيها "الأنا" بين العنصرين الآخرين ، الهوية والأنا العليا بكفاءة ، لأنه فى حالة هيمنة أحدهما على الآخر ، فهذا يؤدى إلى تدمير النفس أو المجتمع . مفهوم فرويد هذا ، أدى إلى محاولات ودراسات ، للتمييز بين هذه العناصر الثلاثة .
وهذا التحليل صحيح من الوجهة الإسلامية ، فالعناصر الثلاثة تندرج تحت ، الشيطانية .. النفس .. الملائكية . فالشياطين سواء من الإنس والجن ، كما ورد بسورة الناس ، توسوس للإنسان بطريق خفى ليشبع رغباته ، والملائكية بالإضافة لأشياء أخرى ، تلهم بالشهامة والتضحية بالنفس . أما النفس فهى شخصية الإنسان التى توازن وتتحكم فى هذه التأثيرات .
"مداخلة : النفس أُلهمت فجورها وتقواها حسب ما جاء بالقرآن الكريم ، وهنا يتنازعها الشياطين والملائكة ، الشياطين للفجور ، والملائكة للتقوى وذلك حسب ما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
((إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة : فأما لمة الشيطان ، فإيعاد بالشر ، وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك ، فإيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك ، فليعلم أنه من الله ، فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى ، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ : { الشيطان يعدكم الفقر ويأمر بالفحشاء } الآية)) ... وبهذا فالشيطان يلعب على الفجور فى نفس الإنسان ، والملك ينبه فيها التقوى" .
هذه العناصر الثلاثة ، إذا تحكم فيها الإنسان بكفاءة ، كانت النتيجة لصالح الفرد والجماعة . ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد فى صحيح مسلم
"ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن . قالوا : وإياك ؟ يا رسول الله ! قال : وإياي . إلا أن الله أعانني عليه فأسلم . فلا يأمرني إلا بخير . غير أن في حديث سفيان . وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة" .
الزوجية هى سنة الخلق كما ورد فى القرآن :
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {49} سورة الذاريات . فخلق الإنسان من مادة وروح للتكامل لا للتنافر بينهما ، وذلك يكون بالميزان الذى قدره سبحانه : وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ {7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ {8} سورة الرحمن
فالمسلم يجاهد نفسه ليحفظها على الطريق الوسط بين المادية والروحية ، بين الإنحطاط والسمو - وذلك من خلال الهداية والعمل والكفاح والخطأ والصواب . هو يحاول التقدم والنمو بالتقوى كما يقول القرآن ، وترجمتها "الخوف" ، والمعنى القرب هو "اليقظة" أو "المدافعة" ، وفى عرف الإسلام يكون ذلك بنقد النفس واتهامها والإستعداد للإستسلام للإيمان .
ويحذر القرآن أتباعه المؤمنين بتصويره للمنافقين والكذابين والجبناء والبخلاء ، ذاكرا أن هذه الآفات هى التى تحطم الإنسان . حاثا لهم على أن يحاسبوا أنفسهم ، ويراجعوا نياتهم ومدى صدقها :
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ {48} سورة الحاقة