السؤال :
أرجو إرشادي إلى ما يقوي إيماني، فمنذ زواجي وإيماني ينقص بصورة كبيرة.
كنت أذهب إلى المسجد لكل صلاة، لكنني الآن أذهب لصلاة الجمعة فقط -والعياذ بالله-، وأعلم أن الله –سبحانه- يغفر ويرحم، لكنني أخشى من الخسارة في مقاومة الشيطان، ولا أريد أن أخسر ديني.
آمل أن تقدموا لي أفضل نصيحة ممكنة .
الإجابة
المستشار: الشيخ د . رياض بن محمد المسيميري
الحمد لله، وبعد:
أخي الكريم، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن من نعمة الله علينا نحن المسلمين أن جعل وسائل زيادة الإيمان، واستكمال شعبه بأيدينا –بعد توفيقه وعونه-.
قال الله –تعالى-:"فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً"، وقال:"لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر"، وقال:"إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً".
ولحسن الحظ أيضاً فإن وسائل زيادة الإيمان وتقويته كثيرة وسهلة، فمن ذلك:
1) إخلاص العبادة لله –تعالى-، فتقصد بكل عمل صالح تقوم به وجه الله فقط، لا رياءً ولا سمعة ولا مباهاة.
2) أن تكون عبادتك وفق سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وهذا يدفعك إلى تعلم سنته وهديه –عليه الصلاة والسلام- في كافة أموره من عبادات ومعاملات، وأحسن ما ينفعك في هذا الشأن كتاب (زاد المعاد) لابن القيم، وكتاب (الشمائل) للترمذي، وهذان الكتابان يمكنك أن تقرأهما خلال عشرة أيام فقط لو خصصت وقتاً كافياً لها كل يوم.
3) المحافظة على الصلوات في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ولحسن الحظ كما تعلم فإن في بريطانيا عشرات المساجد والمصليات التي أنشأها المحتسبون من المسلمين، رغم ارتفاع تكلفتها فلا يليق أن تبقى خالية منك ومن أمثالك من شباب الأمة الواعد.
4) الحرص على قراءة القرآن الكريم بعناية وتدبر والوقوف عند أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وتأمل معانيها العظام، ودلالاتها الباهرة، اقرأ في سعة علم الله –تعالى-"وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ". أعد قراءة الآية كلمة كلمة ثم سل نفسك: ماذا بقي؟ ماذا بقي؟ هل بقي شيء لم تستوعبه الآية الكريمة فظل خارج نطاق علم الله؟ والجواب: كلا، كلا، إنه يعلم ما في البر بفيافيه وسهوله وجباله وصخوره ورماله بحيث لو تحركت ذرة رمل، نعم ذرة رمل لأحاطها بعلمه ووسعها بسمعه وأدركها ببصره فيا لعظمة الله! ويعلم ما في البحر بلججه وأمواجه وكائناته، وحيواناته لا يغيب عنه شيء منها فسبحانه سبحانه! ولو اتسع المقام لاستطردت في التفصيل، ونقلت لك من كلام الفصحاء، ووقفات البلغاء، وضربت الأمثلة، ولكن اجعل من تدبر هذه الآيات وأمثالها منهجاً لك عند تلاوتك كتاب ربك وسله –تعالى- أن يفتح عليك أبواب العلم والفهم تجد إيمانك في ازدياد عجيب.
5) اجعل لنفسك نصيباً من حفظ القرآن، واستثمر سنوات الشباب هذه، وسترى –بحول الله- أثراً عجيباً لذلك في إيمانك، وانشراح صدرك، وهدوء نفسك سيما مع إخلاص النية في الحفظ وكثرة الاستذكار.
6) احرص على القيام بكافة الفرائض والواجبات الشرعية على الوجه الشرعي المحدد دون تسويف أو تهاون، فما تقرب عبد لله بمثل ما افترضه عليه كما هو دلالة الحديث القدسي المشهور.
7) في متناول يدك وأيدي الآخرين سلاح لا ينثلم ولا ينكسر، ولا ينثني ولا يخسر ألا وهو الدعاء فتزود به كل حين، ناجِ ربك في خلواتك، وساعات السحر من الليل، وتحر أوقات الإجابة، وسله –سبحانه- العزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم، فلا إله إلا الله كم دفع الدعاء الصادق من شرور، وكم جلب من الخير والأجور.
8) احرص على نوافل العبادات، وأكثر من الصلاة والصيام والصدقة فإن الحسنات يذهبن السيئات، ويرفعن الدرجات، وبالنوافل بعد الفرائض والواجبات يزداد الإيمان، ويقوى اليقين، ويندحر الشيطان.
9) احرص على الرفقاء الصالحين، ومجالس العلم والذكر، واحذر من الوحدة فإنما يأكل الذئب القاصية، وبالطبع يتعين التخلص من أصدقاء السوء.
10) ابتعد عن وسائل الفتنة والشر كالقنوات الفضائية سيما في مقر إقامتك؟؟؟
11) تذكر قصر هذه الحياة وتفاهتها وأنها لا تستحق التفريط بدار النعيم وجنات الخلود من أجلها.
12) تذكر أن ملك الموت لا يعرف الاستئذان، وأنه قد يهجم في أي لحظة فساعتها لا ينفع الندم، ولا تجدي الدموع، ولا يفلح الاعتذار!
هذا بعض ما تيسر جواباً على سؤالك المهم، لا حرمني الله وإياك وكل مسلم نفعه وفائدته، فالبدار البدار يرحمك الله، والسلام عليك.
أهم هذه الينابيع القرآن الكريم فهو هدى ونور ورحمة وموعظة وذكر وشفاء
لما في الصدور، فتلاوة القرآن بالتدبر وعدم السرعة تزيد الإيمان
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: 2)..
فالقلوب التي هي أجهزة الاستقبال تكون نظيفة ليس عليها ران أو أقفال..
قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾ (الزمر: 23)،
ومن وسائل تقوية الإيمان التي نبهنا إليها القرآن التفكر في خلق الله
ونعم الله لنتعرف على عظمة الله وقدرته فينعكس ذلك تعظيمًا لله والتزامًا
بأوامره واجتنابًا لنواهيه وتصديقًا لوعده ووعيده فنرجو رحمته ونخشى عذابه.
والتفكر في نعم الله علينا والتي لا تعد ولا تحصى والتي لن نستطيع أن
نوفيه حق الشكر على نعمة واحدة منها ولو صمنا النهار، وقمنا الليل
طوال حياتنا، ويكفي تقديرًا لهذه النعم أن تتصور نفسك وقد فقدت بصرك
وسمعك وصرت لا ترى ولا تسمع فستكون حياة صعبة شاقة، وماذا لو فقدت معهما النطق أيضًا؟.
ومما يساعد على تقوية الإيمان التفكر في الغيب الذي ينتظر كل منا لحظته
إلى مماته ثم ما بعد ذلك من مصير وحساب وجزاء كل ذلك يدفع إلى الإنتباه
واليقظة من الغفلة ويدفع إلى العمل الصالح الذي ينفعه في هذا المصير
الحتمى، ومما يقوي الإيمان الحياة مع سيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
في مراحلها المختلفة وأخذ القدوة الحسنة منه- صلى الله عليه وسلم-
ومن صحابته الأكرمين، مما يعيننا على السير والصبر والتحمل والثبات
وحب الاستشهاد والحب والأخوة والإيثار والصبر على المحن والابتلاءات.
ومن مصادر قوة الإيمان التهجد وقيام الليل، وخاصةً وقت السحر في هدأة
الليل بعيدًا عن الأضواء والرياء؛ حيث يصفو القلب وتزكو الروح وتكون
مناجاة الله وذكره والدعاء والاستغفار ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
وقد وجه الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الليل ليعده لتحمل
الأمانات الثقيلة التي ستقابله: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ (المزمل: 5)
، والمسلمون اليوم يواجهون أمانات ثقيلة في مجابهتهم للباطل،
فهم في حاجة إلى الاستعانة بالله والإلحاح عليه بالدعاء في جوف الليل.
وصحبة الصالحين تساعد على تقوية الإيمان بأن تصاحب من تذكرك بالله رؤيته
فمن سمة الصالحين التواصي بالحق والتواصي بالصبر والذكرى التي تنفع المؤمنين.
في حين أنَّ قرناء السوء يساعدون على الانحراف والفساد،
ومما يقوي الإيمان أداء العبادات بقلوبنا فهي تكسبنا تقوى الله كما
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 21)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: 45)، وقال سبحانه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183)،
وهكذا نجد هذه العبادات تعطينا جرعات إيمانية تقربنا إلى الله وتحمينا من الانحراف.
والدعوة إلى الله تحتم علينا أن نعمل بما ندعو غيرنا إليه من إيمان
وعمل صالح، وألا نخالفه فنتعرض إلى غضب الله ومقته.
وهكذا نجد أن النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة أن نأخذ بهذه الأسباب
وغيرها لنجدد الإيمان في نفوسنا فنفوز بالسعادة والعزة في الدنيا
والنعيم في الآخرة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (المنافقون:8 ).
---------
جزاك الله خير الجزاء اخي الكريم النسري على هذا الموضوع الإيماني الطيّب ،،
اسال الله ان ينفع به شباب المسلمين وان يجعل عملك هذا في موازين
حسناتك ،، ويكفر بها عن سيئاتك ،، ويرفعك بها الدرجات العلا من الجنة
انه سميع مجيب الدعاء ،، آمين