حديث العجز
حديث العجز
سأل الرشيد ذات يوم الأصمعي أن يحدثه حديثا يفرحه فقال :
بلغني عن بعض العرب فصاحة، فأتيته فوجدته يخضب فقال : "يا ابن أخي ما الذي أقصدك إلي ؟" قلت : "الاستئناس بك و الاستماع من حديثك" قال : "يا ابن أخي قصدتني و أنا أخضب و الخضاب من مقدمات الضعف، ولطالما فزعت الوحوش، وقدت الجيوش، و رويت السيف، و قريت الضيف، و حميت الجار، و أبيت العار، وشربت الراح، و جالست الملاح، وعادبت القروم وعلوت الخصوم، واليوم – يا ابن أخي – الكبر وضعف البصر و كأني من بعد الصفو و الكدر كحال القائل :
شيب نعلله كيما نسر به
------كهيئة الثوب مطويا على خرق
فكنت الغصن يرتاح الفؤاد به
------فصرت عودا بلا ماء و لا ورق
صبرا على الدهر إن الدهر ذو غير
------و أهله منه بين الصفو و الرنق
فأظرق الرشيد مليا ثم مد يده تحت الوسادة و أخرج بدرة وهو يقول :
- يا أصمعي إن حدثتني ثانية بحديث في العجز فأضحكني وهبتك هذه البدرة !
ففكر الأصمعي قليلا ثم قال :
نعن يا أمير المؤمنين ..بينا أنا في صحاري العرب في يوم شديد البرد والريح إذا أنا بأعرابي قاعد إلى أجمة قد احتملت الريح كساءه فألقته على الأجمة وهو عريان فقلت له : "يا أعرابي ما أجلسك هنا على هذه الحال ؟" فقال : "جارية واعدتها يقال لها سلمى أنا منتظر لها" فقلت له : "فهل قلت في سلمى شيئا ؟" قال : "نعم". قلت له : "أسمعني لله أبوك !" قال : "لا أسمعك حتى تأخذ كسائي وتلقيه علي". فأخذت الكساء و ألقيته فأنشأ يقول :
لعل الله أن يأتي بسلمى
------فيبطحها ولقيني عليها
ويأتي بعد ذاك سحاب مزن
------يطهرنا ولا نسعى إليها
واستضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره كعادته دائما كلما استخفه الطرب وقال :
-خذ البدرة لا بورك لك فيها !
|