بيان كيفية الإ نكار على الأمراء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد .
الموضوع : بيان كـيـفـيـة الإنـكـار عـلـى الأمـراء :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين ، به يظهر الخير و يعم ، و يختفي الباطل و يضمحل .
وقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكّام وسطاً بن طائفتين :
أحدهما : الخوارج والمعتزلة ، الذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً .
والثانية : الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة ، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة .
وكلا الطائفتين بمعزل عن الصواب ، و بمنأى عن صريح الكتاب و السنة . و وفق الله أهل السنة والجماعة – أهل الحديث - إلى عين الهدى والحق ، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة ، وكان عليها سلف هذه الأمة . ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكرات ، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس ، لما ينجم عن ذلك – غالباً - من تأليب العامة ، و إثارة الرعاع ، و إشعال الفتنة .
يقول الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة و ذكر ذلك على المنابر ، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى ، وعدم السمع والطاعة في المعروف ، و يفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع . ولكن الطريقة المتبعة عند السلف : النصيحة فيما بينهم وبين السلطان ، والكتابة إليه ، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجّه إلى الخير . اهـ .
وهذا الذي قرره الشيخ رحمه الله تعالى هو امتداد لما عليه السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعين رحمهم الله ومن سلك مسلكهم من أهل العلم والدين .
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : حدثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني شريح بن عبيد الحضرمي – وغيره - ، قال : جلد عياض بن غنم صاحب ( دارا ) حين فتحت ، فأغلظ له هشام بن حكيم القول ، حتى غضب عياض ، ثم مكث ليالي ، فأتاه هشام بن حكيم ، فاعتذر إليه ، ثم قال هشام لعياض : ألم تسمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : (( إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس )) . فقال عياض بن غنم : يا هشام بن حكيم ! قد سمعنا ما سمعت ، ورأينا ما رأيت ، أولم تسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم و يقول : (( من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية ، ولكن ليأخذ بيده ، فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، و إلا كان قد أدى الذي عليه له )) ، و إنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترئ على سلطان الله تبارك تعالى )) . اهـ .
صححه العلامة الألباني رحمه الله في كتاب ظلال الجنة في تخريج السنة 2/521 - 522 .
قال الإمام الشوكاني في كتاب السيل الجرار 4 / 556 : ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد . بل كما ورد في الحديث : أنه يأخذ بيده و يخلو به ، و يبذل له النصيحة ، ولا يذل سلطان الله .
وقد قدمنا : أنه لا يجوز الخروج على الأئمة ، و إن بلغوا في الظلم أيّ مبلغ ما أقاموا الصلاة ، ولم يظهر منهم الكفر البواح . والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة . اهـ .
وأخرج البخاري ، ومسلم في صحيحيهما ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه ، أنه قيل له : ألا تدخل على عثمان رضي الله عنه لتكلمه ؟ فقال : ( أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أوّل من فتحه ) . اهـ .
قال العلامة الألباني رحمه الله في تعليقه على مختصر صحيح مسلم حديث رقم 335 : ( يعني : المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملاء ؛ لأن في الإنكار جهاراً ما يخشى عاقبته ، كما اتفق في الإنكار على عثمان جهاراً ، إذ نشأ عنه قتله ) . اهـ .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
__________________
meramod
|