http://www.awu-dam.org/alesbouh%2080...834-033.htmابن عُلَيَّة..!..ـــ د.محمد رضوان الداية(1)من علماء القرن الثاني الهجري إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم وهو من المحدّثين الحفّاظ الأثبات. ترجم له الذّهبي وغيره تحت اسم "ابْن عُلَيّة"، وأورد في داخل الترجمة أن صاحبها كان يقول: من سمّاني بابن عُلَيّة فقد اغتابني!..إذن لم يكن ابن مِقْسَم يَرْضى أن يُقال فيه ابن عُلَيّة، وهي أُمُّه، وكان يَعُدُّ ذلك من الغيبة التي ورد النهي عنها.وناقش الذهبي قول ابن عُلَيّة، وعدّه من ضِيْق الخُلق، وصعوبة التعامل مع الناس، ورأى أن هذا الاسم (ابن عُلَيّة) شيءٌ قد غَلَبَ عليه (أي: شاع في الناس وانتشر دون قصد الأذى منهم) فما الحيلة؟واحتجّ الذهبي بشيء من التّاريخ السابق، وقال إن النبيr دَعَا غير واحد (أكثر من واحد) من الصَّحابة بأسمائهم مضافاً إلى الأم كالزُّبير: "ابن صفية"، وعمار: "ابن سُمَيَّة"..وحجّة الذهبي واضحة، وهي حُجّة قويّة. واشتهار هذا الرَّجُل بـ ابن عُليّة هو نوع من الاشتهار وغلبة الاستعمال على ألسنة النَّاس. وقول الذهبي: "فما الحيلة" أي لم يعد بالمستطاع ردّ هذا الاشتهار وإلغاؤه. ولا شكّ أيضاً في أنّ الناس معذورون فإنّ من الصّعب استدراك مثل هذا الأمر؛ إضافة إلى أن أحداً لم يكن يقصد إلى إيذائه بذلك..وقد عُرِف عددٌ من أبناء إسماعيل بابن عُلَيّة أيضاً؛ قال الذهبي: وله أولادٌ مشهورون منهم: قاضي دمشق أبو بكر محمد بن إسماعيل ابن عُلَيّة: ثقة حافظ؛ وإبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيّة، وحَمّاد بن إسماعيل بن عُلَيّة..أمَّا عُلَيَّةُ فكانت امرأةً نبيلةً عاقلةً لها دارٌ بالبَصْرَة تُعْرَف بها (أي: دار عُلَيَّة)، قال الذهبي: وكان صالح المُرّي وغيره من وجوه البصرة وفقهائها يدخلون عليها فتبرزُ لهم، وتحادثهم، وتُسائلهم.وكان إبراهيم (والد ابن عُلَيّة الذي نذكره) تاجراً من الكوفة يَفِدُ على البصرة فتعرّف إلى عليّة وتَزَوَّجَها؛ واسْمُها عُلَيَّة بنت حسَّان.ومن حقّ إسماعيل بن عُلَيّة أن يفخر بوالدته ذات المنصب والجاه والمكانة والعلم والرّواية والصّون والنّبل.(2)والنّسبة إلى الأُمّ قديمة، وقد اشتهر من رجال العصر الجاهل مجموعة نُسِبوا إلى أُمهاتهم مثل عمرو بن هند، وعمرو بن كلثوم. والعدد للمستقصي كثير. واستمرَّ هذا في الإسلام، وهَلُمَّ جَرَّاً إلى زماننا هذا. وما زَالُوا في الأَرْياف والبوادي يضيفون الاسم إلى الأُمّ وخصوصاً حين تكون الأم مُمَيَّزةً معروفة، أو يكون ذلك للفَرْق بين أَوْلاد العمّ والأقارب حين تتكرّر الأَسماء.. إلخ.وفي كتب التُّراث الطّريفة في هذا الباب رسالتان لطيفتان الأول: "كتاب مَنْ نُسِبَ إلى أُمّه من الشعر" من تأليف محمّد بن حبيب المتوفى سنة 245 هجرية. والثانية: "تُحفة الأبية في من نُسِبَ إلى غير أبيه" لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي (729-817 هجرية).ومؤلف الرّسالة الأولى "مَنْ نُسِب إلى أُمّه.." هو أيضاً ممّن نُسِبَ إلى أمه كما قال ياقوت وغيرهُ. ولم يصنع لكتابه مقدّمة وبدأ مباشرة بتراجمه القصيرة. ومن هؤلاء الشعراء المنسوبين إلى أمّهاتهم قيس ابن الحُدَادية، وأمّه حضرميّة؛ وعياض بن أمّ شهمة الخزاعي، وابن الدُّمينة واسمه عبد الله وهو من شعراء صدر الدولة العباسية؛ ويزيد بن الطشرية، وفيهم ابن الذّيبة، وهي أمّه امرأة من قبيلة فَهْم واسم الذيبة قِلابة، والذيبة لقب، وهو الذي يقول:إنّي لِمَنْ أنكرني: ابنُ الذّيْبَةْكريمةٌ عفيفةٌ مَنْسُوبَةْفذكر نسبته إلى أُمه، وأورد لقبها الذي اشتهرت به دون اسمها أخذاً بالمشهور الشائع، وأثنى عليها..(3)أما الفيروز أبادي فقال في مقدمة كتابه "تحفة الأدبيه..": "هذا كتابٌ وضعتهُ في ذكر من نُسِبَ إلى اثنين من آبائه وأُمّهاته أو إلى غير أبيه ثم إلى جَدّاته، أو أجنبيّ ممّن رَبّاه، أو تبنّاه، أو غير ذلك من حالاته.." وبدأ باسم سيدنا رسول اللهr؛ ثم رتب أسماء المترجمين عنده، وفيهم أحمد بن تَيْمِية، قال: وتيمية هي أمّ أحد أجداده الأبعدين، واسمه أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القاسم بن محمد بن تيميّة الحرّافي.. وفيهم أيوب بن القِرِّيَّة كاتب الحجاج، وممّن اشتغل بنقل الكتب القديمة (ترجمتها) إلى العربية. والقِرّيَّةُ لقبٌ لأمّه واسمها جُمّاعة على وزن رُمّانة.. إلخ..-والكتاب طريفٌ غريب المنزع، مفيد. وقد بلغت تراجمه 62 ترجمة.(3)في آخر مقدمة كتاب تحفة الأبيه: "ونَسَب بعض المُحْدَثين المولّدين النبيr إلى أمّه آمنة فقال: صَلَّى الإلهُ عَلَى ابْن آمنةَ الَّتِي
جاءَتْ بهِ سَبْطَ البَنَانِ كريما
قُلْ للَّذِين رَجُوْا شَفَاعةَ أَحْمدٍ
صَلّوا عليه وسَلّموا تَسْليماً"
وفي الحماسة المغربية (1: 60) ورد البيتان على هذه الصورة: صَلَّى الإلهُ عَلَى ابْن آمنةَ الَّذِي
جاءَتْ بهِ سَبْطَ البَنَانِ كريما
يَا أَيُّها الراجون منهُ شفاعةً
صَلُّوا عليهِ وَسَلِّمُوا تَسليمَاً
وسبط البنان: جواد كريم.-والشعر موصول بتخميس للشاعر الأندلسي ابن الجَنّان (ديوانه 149) وهذا يحتمل وقفة أخرى إن شاء الله.