لغة عربية - حول القيد والعقال والشكال .
حول القَيْد والشِكَال والعِقَال .
القَيْد هو الحبل المفتول جيّداً الذي تُشَدّ به قوائم الدابة الأمامية وذلك بتقريبها من بعضها البعض وربطها وإحكامها ، فيمسكها ويمنعها عن الحركة فلا تستطيعها إلا ببطء .
يقول الفرزدق :
فلولا أبو الأشبالِ أصبحتُ نائياً ………… وأصبحَ في رِجْلَيَّ قّيْدٌ أُحاذِرُه
وله أيضاً:
وكم أطلقتْ كَفّاكَ من قَيدِ بائسٍ ………. ومِن عُقْدَةٍ ما كان يُرجى انحلالها
أما المعتمد بن عباد فيقول مخاطباً قيده بعد أن فقد مُلكه وأصبح في أغمات مأسورا :
قَيْدِي ، أَمَا تَعْلَمني مُسْلِمَا ………… أَبَيْتَ أَنْ تُشْفِقَ أو تَرْحَمَا
دَمِي شرابٌ لكَ ، واللحمُ قد ……… أَكَلْتَهُ لا تَهْشِمِ الأعْظُمَا
ويقول دريد بن الصمّة :
وإنني رابني قَيدٌ حُبِسْتُ بهِ ………… وقد أكونُ وما يُمشى على أثري
أما أبو القاسم الشابي فيقول في قصيدته " إرادة الحياة " :
ولا بدّ لليلِ أن ينجلي …….. وَلاَ بُدَّ لِلْقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِر
- والإنسان الحيّ يكون ( على قَيْدِ الحياة ) ، أو في قيد الحياة بشكل أصحّ ، وكأن الجسد يقيّد الروح فتبقى رهينةً فيه لا تستطيع فكاكاً ، إلا بعد أن تخرج إلى بارئها ، يقول أبو العلاء المعرّي :
أراني في قيدِ الحياةِ مُكَلَّفاً ……… ثقائِلَ أمشي تحتها وأُطَابِقُ
وله أيضاً :
إلى ما أَجُرُّ قيودَ الحياةِ ……… ولا بدَّ من فَكِّ هذا الإسار
وقد تربط المرء قيود الغرام كما حدث مع عنترة العبسيّ الذي يقول :
أُقاتِلُ أشواقي بصبري تَجَلُّداً …………… وقلبيَ في قيدِ الغرامِ مقيَّدُ
أما البحتري فيقول :
ليتَ مَنْ لامَ محبّاً في الهوى …………… قِيدَ في الناسِ بحبلٍ من مَسَد
أما الشاعرة سعاد الصباح فتقول :
وأردُّ القيـدَ عن حُرّيتي ………… كاذبٌ من قالَ انَّ الحبَّ قيدُ
- وفي الأدب يقولون أحياناً : تحرر الشاعر من قيود القافية ، أي كتب قصيدةً نثرية ، وغالباً ما يكون الشاعر الذي يتحرر من قيود القافية لا يعرف شيئاً عن القافية ولا عن قيودها .
- والتقييد هو التسجيل والإثبات في ورقة أو دفتر أَو كتاب نقول : قيّد الكاتب المحضر الفلاني ، أي كأنما قد حفظه في السجلّ و( قيّده ) فيه فلا يبرح مكانه ، بحيث يستطيع العودة إليه ليجده كما هو وكأن ( التقييد ) قد منعه وحفظه من الضياع .
يقول الشريف الرضيّ :
ومَن قيّد الألفاظَ عند نزاعِها ………….بقيدِ النُّهى أَغْنَتْهُ عن طلب العُذرِ
ويقول الأعشى :
وقيّدني الشعرُ في بيتِه …….كما قيّدَ الآسراتُ الحمارا
………………
الشِّكَال :
هو الحبل الذي تربط به أرجل الدابة من خلاف ( وخاصة الخيل منها ) ، حيث تربط القدم اليمنى من جهة مع الرجل اليسرى من الجهة الأخرى أو العكس ، دون تقريب إحداهما من الأخرى ، فيمكّن ذلك الدابة من الحركة لترتع بحرية ، ولكنه يمنعها من الجري أو الهرب .
يقول ابن زيدون :
وأنَّ الجوادَ الفائتَ الشأوِ صافنٌ ………… تَخَوَّنَهُ شَكْلٌ وأزرى بهِ رَبْطُ
ويقول الأعشى :
أنْ قد أَجُدَّ الحبلَ منهُ إذا …………… يا قَتْلُ ما حَبْلُ القرينِ شَكَل
ويقول البهاء زهير :
لكَ يا صديقي بغلةٌ ………… ليست تساوي خردلة
تمشي فيحسبها الأنامُ ………… على الطريق مُشَكَّلَة
مقدار خُطوتها الطويلة ………… حيث تُسرع أنملة
- ونقول : أزالَ عنه الإِشْكال : أي كأنه فكّ عنه شكال الإبهام والإلتباس فبدا واضحاً جلياً .
وأَشْكَل عليه الأَمْرُ : أي تعقّد والْتَبَس .
يقول صفي الدين الحلّي :
يُدني لكَ الغرضَ البعيدَ بسحرِهِ ………… ويَحُلَّ عُقْدَةَ كلِّ أمرٍ مُشْكِلِ
- وما المشاكل إلا تلك الأمور التي تعقّدت بشِكَال سوء الفهم وعدم الإدراك ، فأصبحت صعبةً وعسيرة .
……………………
العِقَال هو الحَبْلٌ الذي تُشَدّ به ذراع البعير بعد أن تُثْنى إِلى ركبته وذلك بعد إناخته ، وهو يستعمل للإبل فقط .
وفي حديث أَبي بكر رضي الله عنه ، حين امتنعت العربُ عن أَداء الزكاة إِليه : لو مَنَعوني عِقالاً كانوا يُؤَدُّونه إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , لقاتَلْتُهم عليه .
يقول أبو تمّام :
فأَطْلِقْ من عِقَالي في الأماني ………… ومِنْ عُقُلِ القوافي والمَطِيّ
ويقول ابن المعتز :
قَرِّبَا قَرِّبَا عِقَالَ المطايا ……….واحلُلا غِبَّها عِقالَ الثواءِ
ويقول أبو العتاهية :
وأصبر على غِيَرِ الزمانِ فإنما ……. فَرَجُ الشدائدِ مثلُ حَلِّ عِقَالِ
وله أيضاً :
وإذا عَقَلْتَ هواكَ عن هفواتِهِ …….. أَطْلَقْتَهُ من خَيْنِ كلِّ عِقَالِ
ويقول ابن حيُّوس :
ذَلَّلتَ جامِحَها بغيرِ شكيمةٍ ………وحبستَ شارِدَها بغيرِ عِقالِ
- وما العقل إلا ذلك الجهاز الذي ( يعقل ) الأمور والأشياء ، أما الطفل الصغير الذي لا يعقل شيئاً ، فهو ذلك الشخص الذي ما زال عقله لا يستطيع عَقْل الأمور وتقييدها .
يقول الشريف الرضيّ :
تَوَرَّدَها قومٌ فطاحوا جهالةً …….. وكانَ عِقَالُ المرءِ عَنْهُنَّ عَقْلُهُ
ويقول أبو العلاء المعرّي :
أُمورٌ يَلْتَبِسْنَ على البرايا ………. كأنَّ العقلَ منها في عِقَالِ
- والعقيلة ؛ هي الزوجة التي ترتبط بزوجها بعِقَال الزوجية .
- واعتقل ، ووضع رهن الإعتقال بمعنى حبسَ ، وكأنه وضع العقال في رجل ذلك الشخص فحبس حريته .
ومشتقات هذه الكلمة كثير ة وكلها أُشتقّت من تلك القطعة الصغيرة من الحبل ، والتي يعقل بها العربي بعيره ، وكذلك الحال بالنسبة للقَيْد والشِكَال . وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدلّ على بساطة اللغة العربية والتي تبدو وكأنها فُصّلت لتلائم مقاييس حياة العربي في صحرائه ، بين إبله ودوابه وأدواته المنزلية البسيطة .
ولنا عودة إن شاء الله لنبحث موضوعاً آخر من مواضيع لغتنا العربية العريقة .
…………………
|