أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ
قمت برفع الموضوع على ملف وورد وهو مرفق مع هذه المشاركة وهو منسق وبه إشارات توضح الشاهد من الكلام فلو يقرأ من خلاله أفضل والله الموفق .
بسم الله الرحمن الرحيم
القائل في كتابه الكريم
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:28)
والصلاة والسلام على خير الأنام القائل
( لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ) موطأ مالك 1388
والقائل
( أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ) رواه الشيخان
أما بعد : فإننا أيها الاخوة الكرام إن حُقَّ لنا أن نختلف في الطريقة التي نُـخْرِج بها المشركين من جزيرة العرب أو أن نختلف في إنزال هذه الأحكام على أرض الواقع والأعيان – ففي ذلك مندوحة إن شاء الله وهي مسائل اجتهادية سبيلها الاستنباط وطريق العلم بها الاستدلال - إلا أنه ينبغي أن نعلم أن النص الآنف أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (المحكم غير المنسوخ ) هو الأصل وهو أمر نبينا صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمسٍ .. فلا اجتهاد مع النص وهو أمرٌ يقتضي الوجوب وأن إبقاء بعضا من المشركين هو الاستثناء بناء على ظروف وأسباب ومصالح معينة تُـجيز دخولهم .. وإلا فما هو الفهم الصحيح لهذا الحديث ؟ !
وعليه .. فتحريرا لموضع النزاع يمكن أن نقول :
إنّ الخلاف الحقيقي هو في إنزال هذا الحكم على الواقع .. يعني (من يخرج ومن لا يخرج ) من المشركين ويتفرع من هذه المسألة مسألةٌ أخرى وهي ( كيف يخرج ) أي أن القضية في تحقيق المناط لا في تخريجه .. فتأمل !
و إضافة إلى ما تقدم من أن الأصل هو الإخراج فقد نص السلف رحمهم على هذا الحكم في غير موضع ولا أريد هنا أن أنقل تلك النصوص التي تمنع وإنما سنقف قليلا مع النصوص التي فيها نوع إجازة للمشركين من الدخول وننظر إلى الشروط الدقيقة والأسباب والعلل التي وضعوها ثم نقارنها بوجود المشركين اليوم في جزيرة العرب .
قال الشافعي: يمنعون من الحجاز وغير الحرم منه يمنع الكتابي وغيره من الاستيطان والإقامة به، وله الدخول بإذن الإمام لمصلحة... (أحكام أهل الذمة 1/184) .
وأما أبو حنيفة فعنده لهم دخول الحرم كله حتى الكعبة نفسها لكنهم لا يستوطنون به، وأما الحجاز فلهم الدخول إليه والتصرف فيه والإقامة بقدر قضاء حوائجهم (أحكام أهـل الذمة 1/188).
و قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى ج: 28ص: 89): .. ولهذا ذهب طائفة من
العلماء كمحمد بن جرير الطبري، إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين بالجزية، إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم، كأهل خيبر.
فهذه من أقوال السلف رحمهم الله التي تنص على جواز إدخال المشركين إلى الجزيرة في بعض الأحوال وقد وضعت خطا تحت الشاهد من النص..!
والآن - يا رعاكم الله - هل وجود الجنود الأمريكان والمنظومات الاستخباراتية في جزيرة العرب هو على الصفة التي أجازها الفقهاء ؟ هل يجوز إبقاؤهم على صفة الاستيطان الدائم والتَّـمَـلك ؟ ما هي المصلحة في وجودهم .. ضرب إخواننا في العراق و أفعانستان والتجسس علينا ونهب خيراتنا ؟! هل لهؤلاء الجنود المحاربين عهدٌ وأمانُ وإلاٌ وذمة ؟! بل السؤال الأحقُ بالطرح ما حكم من يُـؤَمِّـن هؤلاء المحاربين ويُسهّل دخولهم وإقامتهم ويمدهم بكل دعمٍ ؟!
قد يحتج مُـحتج بأن النظام الحاكم غير راض بهذا الوجود لهذه القواعد العسكرية وغير راض بوجود المحاربين القاتلين لإخواننا في العراق وأفغانستان !! فيجاب على هذا بأن أن هذه الحجة عليك لا لكَ .. فلئن كان النظام عاجزا عن إخراجهم فإن القاعدة الفقهية تقول (العجز يسقط التكليف ) وعليه فإن إمامته ساقطة !! ثم إن كان عاجزا فليترك من قدر على إخراجهم لا أن يقف عدوا له يقاتله ويسجنه ويعذبه ! نقل الشيخ عليش المالكي عن المعيار : [ في باب الجهاد في الجواب عن سؤال التلمساني و حاصله أن الخليفة أوقع الصلح مع النصارى ، والمسلمون لا يرون إلا الجهاد . فأجابه بما حاصله أن مهادنته منقوضة وفعله مردود …] فتح العلي المالك 1/389ط دار الفكر .
- هؤلاء المحاربين إخراجهم واجب حتى لو لم يكونوا في جزيرة العرب بدلالة نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
- الشيخ العثيمين رحمه الله وغيره من أهل العلم دائما يحذرون من استقدام المشركين كعمَّال وخدم ويستدلون بهذا الحديث ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) فما بالك بهؤلاء !!
واقرأ - رحمك الله - ما قاله الشيخ الفوزان حفظه الله حول هذا الموضوع :
160 ـ هل يجوز دخول الخادمات والسَّائقين غير المسلمين الجزيرة العربيَّة؟
جواب الشيخ الفوزان :
هذا لا يجوز، دخول الكفَّار إلى الجزيرة العربيَّة؛ بمعنى أنَّنا نستقدمُهم ونولِّيهم أمورنا وسرائرنا، ونُطلِعُهُم على أحوالنا؛ هذا لا يجوزُ؛ لأنهم أعداءٌ؛ فاستقدام الأيدي العاملة من الكفرة هذا أمر لا يجوز، وذلك لأمور:
الأمر الأول: أن هذا إعانة للكفَّار على المسلمين، والله تعالى يقول:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ}؛ يعني: من غيركم يعني: من الكفَّار، {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِأَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118.]؛ ففي إعطائنا أموالنا لهم تقوية لهم على وإعانة لهم.
وثانيًا: أن في استقدامهم إلى بلاد المسلمين أثرًا سيِّئًا على المسلمين وعلى أولاد المسلمين، وهو مما يمكِّنُ الكفَّار من بثِّ شرورهم وسمومهم بين المسلمين.
والأمر الثالثُ: أننا نحرُمُ إخواننا المؤمنين من الأيدي العاملة التي هي بحاجة إلى هذه الأموال.
فالواجب على من يريد استقدام عمَّالٍ أن يستقدم من المسلمين؛ لِمَا في ذلك من المصالح العظيمة؛ إعانةً لإخواننا المسلمين؛ وأمنًا لشرِّ أعدائنا. هذا من الموالاة في الله، ومن مقتضى المعاداة في الله ألا نستقدم الكفار . انتهى كلام الشيخ .
ثم إن هذا الحديث الذي رفعه المجاهدون في جزيرة العرب هو مجرد شعار ( ولا أظن أن هناك ما يمنع من رفع هذا الشعار فالذين وجب إخراجهم من الجزيرة داخلون في هذا الحديث ) فهو إذن ليس الهدف الأول والأخير لأعمالهم وجهادهم وإنما هو من جملة الموجبات والمقاصد أما الدافع والمقصد الأول من مقاصد جهادهم هو دفع العدو الصائل ولهذا قلنا وجب إخراجهم بدلالة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة .
أما بالنسبة للذين أبقاهم عمر رضي الله عنه فيجاب عنه بأكثر من إجابة فمنها أنهم في غير الحجاز كنصارى نجران وأيضا أن هؤلاء الذين هم في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عقودهم سابقة والكلام عن العقد لهم ابتداء .. فلا يحتج أحد بترك الصديق لليهود في خيبر، ولا بترك الفاروق لهم أو لغيرهم في غيرها، إلا حيثُ كانت الحال واحدة بأن كانوا مستوطني الأرض يسكنون الديار من أول الأمر، بخلاف من وَرَد عليها بعد النهي، وكان دخولُهُ انتهاكًا لأرض الجزيرة واعتداءً عليها..كذلك مما يجاب به على الشبه التي يمكن أن تثار كدخول أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر رضي الله عنه فإنه كان رقيقا وقد دخل الجزيرة كما تدخل أموال المسلمين وهكذا يُعامل الرقيق فليسوا كالأحرار ..ثم إن الإخراج جاء في الحديث الشريف مطلقا( أخرجوا ) لم يقيّد بوسيلةٍ وعليه فلا اعتراض على قتلهم إن أبوا الخروج ..والله تعالى أعلم .
علي بن محمد
|