قال العلامة النفراوي في الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني
ولما كان كل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف قال : ( و ) يجب على المكلف ( ترك ) فعل ( كل ما أحدثه المحدثون ) من الابتداعات المخالفة لما كان عليه السلف الصالح لقوله صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.
وقال عليه الصلاة والسلام أيضا : إياكم ومحدثات الأمور. وهي ابتداعات الخلف السيئ الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ; لأنه عليه الصلاة والسلام لم يمت حتى مهد الدين وأسس قواعده وأوضح كل ما يحتاج إليه ثم أحال بعده على أصحابه فقال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي... الحديث , فكل ما كان في كتاب أو سنة أو أجمع عليه أو استند إلى قياس أو إلى عمل أحد من الصحابة فهو دين الله
وما خالف ذلك فبدعة وضلالة فلا يجوز العمل به , وبهذا لا معارضة بين ما هنا وبين ما يأتي في الأقضية يحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور فإنه جعلها من الشرع ولم يجعلها ضلالة ; لأن ما يأتي محمول على ما استند إلى كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس , وما هنا محمول على ما لم يستند إلى واحد منها, ومحصل الجواب بإيضاح أن ما يأتي محمول على ما تقتضيه قواعد الشرع ولو وجد سببه في زمنه صلى الله عليه وسلم لفعله , والبدعة التي هي في ضلالة ما ليست كذلك واختلف في معناها فقيل هي الأمر الذي لم يقع في زمنه صلى الله عليه وسلم سواء دل الشرع على حرمته أو كراهته أو وجوبه أو ندبه أو إباحته , وإليه ذهب من قال : إن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة كابن عبد السلام والقرافي وغيرهما , وهذا أقرب لمعناها لغة من أنها ما فعل من غير سبق مثال , وقيل : هي ما لم تقع في زمنه عليه الصلاة والسلام ودل الشرع على حرمته وهذا معناها شرعا , وعليه جاء قوله عليه الصلاة والسلام:
خير الكلام كلام الله , وخير الهدي هدي محمد , وشر الأمور محدثاتها , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار . فإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب بدعة على الأول ; لأنه لم يقع في زمنه صلى الله عليه وسلم وإن وقع منه الأمر به , وكذلك جمع القرآن في المصاحف , والاجتماع على قيام رمضان , والتوسع في لذيذ المآكل , وأذان جماعة بصوت واحد , وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول :المحدثات ضربان : أحدهما ما أحدث مما يخالف الكتاب والسنة والإجماع فهذا هو البدعة الضلالة . وثانيهما ما أحدث من الخير ولا خلاف فيه , وقد قال الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قيام رمضان : نعمت البدعة هي يعني أنها محدثة لم تكن على هذه الكيفية وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى , والمختار أن لبس الطيلسان سنة , وألف السيوطي في استحباب لبسه كتابا وقال : من أنكر سنده فهو جاهل .
وهذا كلام لا غبار عليه عند من أنصف وحكـّـم الشرع الكريم
|