# الإنسان والنظريــة المـــاديــة:
تتبنى الحضارة اليوم، الفكرة المادية المنحرفة لإسعاد الإنسان، فهو في نظرها مخلوق مقطوع الصلة باالله برز من العدم إلى الوجود وحده ويموت وحده، وبموته تنتهي روايته كلها . . وأحسن أحوال الإنسان في النظرة المادية أنه حيوان راق أو متطور يفعل ما يشاء ويتصرف كما يشاء، وأن طبيعة الإنسان طبيعة مادية لامكان للروح فيها، فهو مركب من أمور مادية فقط تدركها الحواس وتحكمها التجربة .
والنظرة المادية للإنسان لا تجعل له غاية ولا رسالة وإنما يعيش في نظرها لنفسه ومتاع دنياه، وهمّه في هذه الحياة أن يتمتع بأكبر قدر ممكن من المتاع واللذة كما وصف الله تعالى حال الماديين الذين لايؤمنون باالله ولا بااليوم الآخر: { إن هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين }.
هذه النظرة المادية للإنسان . . . واحدة من أخطر القضايا التي تواجه الإنسان المعاصر وتترك في نفسه الأثر السيء، وهي تشعره بشعورين:
# الأول: شعوره باالتفاهة والضياع لأن قيمته المادية لاتتجاوز حيواناً راقياً من بين المخلوقات كلها.
# الثاني: شعوره باالغرور والكبر الذي ينتهي به إلى حد تأليه نفسه أو علمه أو اختراعه أو الأشياء المخلوقة من حوله .
أما مركز الإنسان في ميزان الإسلام، فهو مخلوق كريم خلقه الله في أحسن تقويم وصوّره فأحسن صوره. خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وميزه باالعلم والإرادة وجعله خليفة في الأرض ومحور النشاط في الكون، وسخر له ما في السماوات والأرض جميعاً، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة. فكل ما في الكون له ولخدمته، وصدق الله العظيم: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا }.
وبهذا تكون منزلة الإنسان في الإسلام: أنه مخلوق مكرم وأنه سيد المخلوقات كما قال الله تعالى: { إني جاعل في الأرض خليفة }.
والإنسان في ميزان الإسلام وإن كان مخلوقاً من طين، لكنه في الوقت نفسه نفخة من روح الله كما قال الله تعالى: { ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم* الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون }.
وأما غاية الإنسان في الإسلام، فهي غاية عظيمة وذات رسالة كريمة تبدأ في الحياة وتنتهي إلى الآخرة وإلى حياة الأبد، قال الله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }، وقال سبحانه: { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } .
قال الإمام ابن القيم:
( اعلم أنّ الله سبحانه وتعالى قد اختص نوع الإنسان من بين خلقه، بأن كرمه وفضّله وخلقه لنفسه وأكرمه بما لم يعطه غيره، وسخر له ما في السماوات والأرض وما بينهما حتى ملائكته إلى أن قال: فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات ).