مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 25-11-2000, 10:12 PM
steitieh steitieh غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2000
المشاركات: 53
Post الحملة الأميركية





الحملة الأميركية
للقضاء على الإسلام





شعارات الحملة:

l الديموقراطية

l التعددية

l حقوق الإنسان

l سياسات السوق



بسم الله الرحمن الرحيم



لم يكن انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات من هذا القرن تفكّك دولة بقدر ما كان سقوط مبدأ ونهايته دولياً وعالمياً.

ذلك أن الصراع الذي نشب بعد الحرب العالمية الثانية بين المعسكر الغربي بزعامة أميركا، وبين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، وهو الصراع الذي أُطلق عليه وصف ((الحرب الباردة))، لم يكن صراعاً دولياً بين معسكرين وحسب، وإنما كان أيضاً صراعاً عقيدياً بين مبدأين: الرأسمالية والاشتراكية. ولم تقتصر ساحة هذا الصراع على أوروبا وحدها، وإنما تجاوزتها إلى العالم بأسره.

وقد انتهى هذا الصراع بانهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه إلى دول، وبسقوط المبدأ الاشتراكي الماركسي كنظام وطريقة في العيش بالنسبة لهذه الدول وشعوبها، وانتهاء الاشتراكية الماركسية من الناحيتين الدولية والعالمية.

وكان طبيعياً أن تَعتبر أميركا والمعسكر الغربي بوجه عام هذا الانهيار وهذا السقوط انتصاراً للمبدأ الرأسمالي كنظام وكطريقة للعيش، وأن يبالِغ معتنقو الرأسمالية في وصف هذا الانتصار، لدرجة أن الفيلسوف الياباني فوكوياما اعتبره نهاية التاريخ.

والمبادئ لا تنتهي بسقوط الدول التي تعتنقها حتى لو أدى هذا السقوط إلى تفككها وتشرذمها، ولكنها تنتهي حين تتخلى الأمم والشعوب التي تعتنقها عنها، وتعتنِق مبادئ أخرى، وتبدأ بصياغة حياتها على أساسها.

وهذا ما حصل مع الاشتراكية الماركسية، فإن جميع الأمم والشعوب التي كان يتألف منها المعسكر الشرقي تخلت عنها، وتحولت إلى الرأسمالية، وشرعت في بناء حياتها على أساسها.

وبالمقارنة، فإن مبدأ الإسلام ظل موجوداً عالمياً بعد هدم دولته، دولة الخلافة العثمانية عام 1924م، لأن الأمة الإسلامية على اختلاف شعوبها ظلت تَعتنِق هذا المبدأ، رغم إبعاده عن حياتها عملياً، ورغم أنه لم يعد له وجود دولي.

فالمبدأ يبقى موجوداً عالمياً ما دامت هناك أمة تعتنقه، حتى وإن لم تطبِّق هذه الأمة أنظمته لسبب خارج عن إرادتها. ولكنه لا يعود موجوداً دولياً إذا لم تعد هناك دولة تحمله وتسيِّر سياساتها الدولية على أساسه.

وعلى هذا الأساس، فإن مبدأ الإسلام ظل موجوداً عالمياً منذ أن تكونت على أساسه الأمة الإسلامية في المدينة بعد هجرة الرسول r إليها وبناء الدولة الإسلامية الأولى. وظل موجوداً دولياً منذ ذلك التاريخ حتى سقوط الخلافة العثمانية في الربع الأول من هذا القرن.

أما الاشتراكية، فإنها وُجدت عالمياً منذ أواخر القرن التاسع عشر، حين أصبح لها رأي عام بين شعوب أوروبا. ووُجدت دولياً عام 1917 حين قامت على أساسها دولة في روسيا وما جاورها، عُرفت فيما بعد باسم الاتحاد السوفيتي. وظلت موجودة دولياً حتى عام 1991 حين انهار الاتحاد السوفيتي، وتخلت شعوبه عن الاشتراكية. وبذلك انتهت الاشتراكية الماركسية دولياً وعالمياً.

وبسقوط الاشتراكية انفردت الرأسمالية بالمجال الدولي، لأنه لم تعد هناك دولة في العالم تحمل مبدأ آخر، وتَبْني على أساسه سياساتها الدولية.

أما على الصعيد العالمي، فقد ظل هناك مبدآن: الإسلام والرأسمالية. وبتفرّد الرأسمالية دولياً، وُلد نظام دولي جديد. وحين يقال ((النظام الدولي الجديد))، فإن ذلك صحيح من هذه الزاوية.

ولذلك، كان طبيعياً أن يعلِن رئيس أميركي (جورج بوش) ميلاد النظام الدولي الجديد، لأن أميركا هي الدولة الأولى في العالم، وهي زعيمة الدول الرأسمالية، وحاملة لواء نشر المبدأ الرأسمالي.

وقد بدأت أميركا العمل لنشر الرأسمالية، منذ أن خرجت للعالم كدولة مستعمِرة، حيث الاستعمار بصوره القديمة والجديدة هو طريقة نشر هذا المبدأ. ولكن الذي جدّ بعد تفرّد مبدئها دولياً هو أنها صارت تعمل لتفرّده عالمياً. فكما نجحت بمساعدة الدول الرأسمالية الأخرى في جعل الرأسمالية أساس العلاقات والأعراف الدولية، فإنها تريد الآن جعلها دين أمم وشعوب الأرض كلها، بحيث يعتنِق الناس عقيدتها، ويجعلون أفكارها مفاهيم ومقاييس وقناعات لهم في سائر نواحي الحياة، ولا يكتفون بتطبيقها كأنظمة وقوانين.

وإذا كانت أميركا قد سعت لجعل المبدأ الرأسمالي أساس العلاقات والأعراف والقوانين الدولية منذ إنشاء الأمم المتحدة، حين جَعلت الأعراف الرأسمالية الأساس الرئيس لميثاق هذه المنظمة الدولية، إلا أنها لم تنجح عملياً في تحقيق هذا الهدف، حين كان الاتحاد السوفيتي يقود المعسكر الشرقي على أساس الاشتراكية، وتمكَّن من فرض وجود مبدئه دوليـّـاً وعالمياً.

فقد تمكنت موسكو من الحيلولة دون انفراد الرأسمالية دولياً، مستغلة ما كانت تعانيه الأمم والشعوب المستعمَرة من شقاء وعبودية نتيجة لطغيان الدول الغربية المستعمِرة وظلمها وجشعها. إذ شنّت حملة ضارية على امتداد العالم كله، صوّرت فيها الاستعمار بوجهه الحقيقي البشع، رابطة بين الاستعمار وبين الرأسمالية، مبيِّنة أن السبيل للتخلص من الاستعمار هو من خلال الثورة الاشتراكية.

ونجحت هذه الحملة أيـّما نجاح، بحيث صارت الشعوب تطمح للاشتراكية، وصارت الدول التي تستقل، وتتخلص من الاستعمار بوجهه القديم، ترفع شعار الاشتراكية.

غير أن أميركا أدركت خطر الاستعمار بوجهه القديم على الغرب كقوى دولية وعلى الرأسمالية كمبدأ. ولذلك عملت بدهاء على احتواء توجّه الأمم والشعوب نحو الاشتراكية، وصارت هي نفسها تساعد هذه الأمم والشعوب في التخلص من الاستعمار الأوروبي ذي الوجه السافر، وتقيِّد الدول المتخلصة منه بنوع جديد خبيث من الاستعمار، يقوم على الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية غير المباشرة، التي تجسّدت في معاهدات وأحلاف عسكرية، واتفاقات أمن متبادل، ومعونات اقتصادية ومالية، واتفاقات ثقافية. وبذلك حَلّ الاستعمار الجديد محل الاستعمار القديم، وتحت أعلام الاستقلال والتحرر.

على أية حال، فإنه بسقوط الاتحاد السوفيتي ومعه الاشتراكية، خلا المجال الدولي للرأسمالية، ولم تعد هناك أية مقاومة لتفرّد الرأسمالية دولياً.

ولهذا فإن الأمم المتحدة التي ظلت منذ الأربعينات مجرد منبر للخطابة، وليس لها أية فاعلية حقيقية بفضل ((الفيتو)) السوفيتي تحولت الآن إلى جهاز دولي هائل له سلطانه الدولي، وأصبحت أداة مهمة في تعزيز هيمنة أميركا من جهة، وفي ترسيخ الأعراف الرأسمالية كقوانين دولية ملزِمة من جهة أخرى.

أما الحملة الأميركية العالمية لجعل الرأسمالية مبدأ لكل أمم وشعوب الأرض، فإنها لا تواجِه أية مقاومة إلا في العالم الإسلامي.

وذلك لأن باقي أمم وشعوب الأرض إما أنها تعتنِق الرأسمالية أصلاً، كما هو شأن أميركا وأوروبا الغربية وفروعها في كندا واستراليا ونيوزيلاندة؛ وإما أنها تخلّت عن الاشتراكية وبدأت صياغة حياتها على أساس الرأسمالية، كما هو حال روسيا وباقي دول ما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي؛ وإما أنها لا تزال ترفع شعار الاشتراكية شكلاً ولكنها لا تؤمن بها وتتحول تدريجياً ودون إعلان إلى الرأسمالية، مثلما هو حاصل في الصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا؛ أو أنها أمم وشعوب ليس لديها مبدأ أصلاً ولا تجد في الرأسمالية خصماً عقيدياً، كما هو الحال بالنسبة لأمم وشعوب أميركا اللاتينية، ومعظم أمم وشعوب الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا وأفريقيا.

وحدها الأمة الإسلامية بين أمم العالم غير الرأسمالي التي لديها مبدأ تعتنقه، رغم أنها لا تعيش عليه ولا تحمله للعالم في الوقت الحاضر.

ولهذا، فإن الحملة الأميركية لعولمة الرأسمالية لا تواجِه مقاومة حقيقية إلا في العالم الإسلامي.

ومع أن الدول القائمة في العالم الإسلامي كلها لا تطبِّق الإسلام ـ وإن ادّعى بعضها تطبيقه ـ وتطبّق الرأسمالية بشكل ممسوخ، إلا أن الأمة الإسلامية، التي لم تنته بهدم دولة الخلافة، أخذت منذ بداية خمسينات هذا القرن تتحسس طريقها للنهوض على أساس الإسلام، وبدأت تتحرك لبناء حياتها على أساسه، متطلعة لإنقاذ العالم به، رغم ما هي فيه من تجزئة، أحدثها الكفار قبل هدم الخلافة وبعده، ورغم أن حكامها عملاء للكفار، يَحرسون أوضاع الكفر التي أقامها الغرب في بلاد المسلمين، ويَسهرون على خدمة مصالح الغرب وتوطيد نفوذه، ويسيرون في كل سياساتهم الداخلية والخارجية وفق توجيهاته وأوامره.

وبالرغم من أن نهضة الأمة لم تكتمل بعد، وتسير ببطء شديد نتيجة لما يلاقيه العاملون لها من بطش الحكام العملاء وتنكيلهم، ولِما أشاعه هؤلاء الحكام من أجواء القمع والإرهاب، وبسبب خطط الكفار التي ينفذها هؤلاء العملاء ضد شعوبهم لإبقائها ترزح تحت نير الكفر، إلا أن الغرب الكافر، وعلى رأسه أميركا، يخشى اكتمال نهضة الأمة، وعودة المسلمين أمّة من دون الناس، تعيش ضمن كيان واحد هو دولة الخلافة، التي ستَستأنف حمل رسالتها للعالم، لإنقاذه مما يتردى فيه من شقاء واضطراب وانحلال نتيجة لهيمنة الرأسمالية وقِيَمها المادية النفعية عليه، مما حوّله إلى غابة لا أمان فيها ولا اطمئنان، رغم كل المنجزات العلمية والمدنية التي وصلت إليها البشرية.

فالغرب الكافر لا يزال يَذكر كيف حَوّل الإسلام العرب من قبائل متناحرة تعيش في هامش التاريخ إلى أمّة متميزة ذات حضارة، أشرق العالم بنورها، وتمكنت خلال فترة زمنية قصيرة من أن تصبح سيدة العالم، وظلت كذلك حوالي عشرة قرون، نشرت خلالها العدل والأمن والقيم السامية والرخاء في كل مكان رفرفت فوقه رايات الخلافة.

ولذلك فهو يخشى أن تعيد الأمة الإسلامية الكَرّة، وتقضي على نفوذه ومصالحه ليس فوق أرضها وحسب، بل وفي كل أرجاء المعمورة.

وفي ضوء إدراك أميركا والغرب لهذه الحقيقة، فإن الحملة الأميركية تستهدف الأمة الإسلامية بالدرجة الأولى، رغم عالمية هذه الحملة.

وإنه وإن كان لهذه الحملة دوافع أخرى من بينها الجشع الرأسمالي وطمع أميركا والغرب في ثروات بلاد المسلمين، وما تتمتع به هذه البلاد من مزايا جغرافية استراتيجية، وكونها سوقاً كبيرة لمنتجات الغرب ومصدراً للمواد الخام الضرورية لصناعاته، إضافة إلى ما فيها من احتياطات نفطية هائلة حيوية لحياته، إلا أن الدافع الرئيس لهذه الحملة هو الخطر الكامن في الأمة الإسلامية على مصالح هذا الغرب ونفوذه الدولي، بل وحتى وجوده ذاته، عندما تستيقظ الأمة الإسلامية وتنهض، وتحمل رسالتها للعالم.



ركائز الحملة الأميركية





وتعتمد أميركا في حملتها الموجهة للعالم الإسلامي على ركائز عديدة. أولاها وزنها الدولي ونفوذها في العالم الإسلامي، وخاصة بعد حرب الخليج الثانية، وما تمخّضت عنه من ترسيخ نفوذ أميركا في المنطقة الإسلامية بأسرها. وبفضل هذا الوزن وهذا النفوذ صارت الدول القائمة في العالم الإسلامي أكثر استجابة للضغوط الأميركية، ولخطط أميركا التي تستهدف القضاء على الإسلام بحمل المسلمين على اعتناق الرأسمالية.

وثانية هذه الركائز زعامة أميركا للدول الرأسمالية التي تحرص على إشراكها في هذه الحملة، وتسخير نفوذها وعملائها في العالم الإسلامي لإنجاحها، خاصة وأن هذه الدول لا تختلف عن أميركا في اعتبار الإسلام خطراً عليها وعلى نفوذها ومصالحها هي الأخرى.

وثالثة هذه الركائز ما تسمى بالشرعة الدولية وأداتها المتمثلة بالأمم المتحدة وميثاقها، والمؤسسات والمنظمات التابعة لها، والتي تسخرها لتنفيذ خططها، وإضفاء الشرعية الدولية على الإجراءات التي ترى ضرورة لاتخاذها، سواء كانت هذه الإجراءات سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو غيرها.

ورابعة هذه الركائز وسائل الإعلام العالمية، التي تَستغل أميركا هيمنتها هي وحلفاؤها عليها، لتجعل منها سلاحاً من أفتك الأسلحة التي تستخدمها في حملتها، حيث تستعملها في الترويج للشعارات التي ترفعها في هذه الحملة، كما تستعملها لتشويه صورة الإسلام، واستعداء العالم على المتمسكين به بوصمهم بالأصولية والتشدد والتطرف والعنف والإرهاب. ولا يَخفى ما لهذا السلاح من أثر خطير، خاصة بعد أن حَوّلت ثورة الاتصالات التي شهدها النصف الثاني من هذا القرن العالم إلى قرية صغيرة، لا يكاد يوجد فيها بيت واحد إلا ويدخله الإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي.

ولعل أبشع هذه الركائز وأخطرها الحكام العملاء ومَن حولهم من المرتزقة المنافقين والانتهازيين النفعيين، ومَن يؤازرهم من المضبوعين بثقافة الغرب الكافر، والمفتونين بطريقته في العيش، بل وحتى مِن بعض مَن يتظاهرون بالحرص على الإسلام، سواء كانوا من علماء السلاطين، أو مَن يُقدَّمون للناس على أنهم مفكّرون إسلاميون، أو مِن رجال بعض الحركات الإسلامية، الذين ما هُم في الحقيقة إلا علمانيون ينادون بفصل الدين عن الحياة.

ويَخدم هؤلاء جميعاً الحملة الأميركية لتحويل المسلمين عن دينهم للرأسمالية بشتى السبل والوسائل: بالتضليل الإعلامي، وتحريف مفاهيم الإسلام وأحكامه، وبتطبيق أنظمة الكفر وسَنّ التشريعات والقوانين اللازمة لهذا التطبيق، وبربط الدول القائمة في العالم الإسلامي بمعاهدات واتفاقات وقيود متنوعة لإبقائها تحت نفوذ الكفار وسيطرتهم، إلى جانب أداء دورهم في تنفيذ خطط الكفار لإفقار الأمة بهدف قتل قيم الإسلام فيها، إلى جانب البطش بالواعين المخلصين من أبناء الأمة لإسكاتهم وإشاعة أجواء القمع والإرهاب بين الناس، حتى لا يَجرؤ صوت على الجهر بالحق، ليسهل لهم إذلال الأمة وحملها على الاستخذاء للكفر والكفار.

هذه هي أبرز الركائز التي تستند إليها أميركا في حملتها ضد الإسلام والمسلمين، بهدف القضاء على الإسلام عن طريق حمل المسلمين على اعتناق الرأسمالية. وتتجلى هذه الحملة في شعارات أربعة هي في حقيقتها جوهر الرأسمالية: الديموقراطية، والتعددية، وحقوق الإنسان، وسياسات السوق.

وقبل التعرض لهذه الشعارات ونقضها تفصيلياً لا بد من بيان فساد الأساس الذي انبثقت عنه.

وهذا الأساس هو العقيدة الرأسمالية، عقيدة فصل الدين عن الحياة.

فهذه العقيدة ليست نتيجة لعملية عقلية أو حتى منطقية، بل هي حل وسط بين فكرتين متناقضتين: الفكرة التي كان ينادي بها رجال الكنيسة في أوروبا طوال ما تُسمى بالقرون الوسطى من إخضاع كل شيء في هذه الحياة للدين، والفكرة التي نادى بها بعض المفكرين والفلاسفة من إنكار وجود الخالق.

ففكرة فصل الدين عن الحياة حل وسط بين الجانبين. والحل الوسط يمكن أن يتصور بين أمرين متفاوتين، ولكن لا يمكن تصوره بين متناقضين. فإما أن هناك خالقاً خلق الإنسان والكون والحياة، وعندها يُبحث عما إذا كان هذا الخالق قد وَضع للإنسان نظاماً يسير عليه في هذه الحياة، وسيحاسبه على تقيّده بهذا النظام بعد الموت، وإما أنه ليس هناك خالق، وعندها لا يفصل الدين عن الحياة بل يُنبـَذ منها.

أمّا أن يقال لا أهمية لوجود الخالق من عدمه، فذلك أمر لا يُقنِع العقل ولا تَطمئن له النفس.

وهكذا فإن مجرد كون العقيدة الرأسمالية خلاصة حل وسط فيما لا يصح أن يكون فيه حل وسط، هذا وحده كافٍ لنقض هذه العقيدة، سواء عند من يؤمن بوجود الخالق أو ينكِر وجوده.

غير أن الدليل العقلي القطعي يوصِل إلى أن هناك خالقاً خلق الإنسان والكون والحياة، وأن هذا الخالق وَضَعَ للإنسان نظاماً يسير عليه في حياته، وأنه سيحاسبه على تقيّده به بعد موته.

ومع ذلك فليس مجال البحث هنا وجود الخالق، ولا النظام الذي وضعه للإنسان، وإنما يَنصبّ البحث على العقيدة الرأسمالية وبيان فسادها. وهذا يكفي للتدليل عليه كَون هذه العقيدة حلاً وسطاً بين متناقضين، وكونها غير مبنية على العقل.

ونقض العقيدة الرأسمالية كافٍ وحدهُ لنقض المبدأ الرأسمالي ككل، لأن ما بُنِيَ على فاسد فهو فاسد. وهذا يعني أنه لا داعي للبحث في تفاصيل الأفكار الأساسية للمبدأ. غير أنه نظراً لما لبعض هذه الأفكار من رَواج عالمي، ولِما لها من تقبُّل لدى بعض المسلمين، ولكونها تشكل شعارات الحملة الأميركية في هجمتها الشرسة على الإسلام والمسلمين، صار لا بد من التعرض لها، وبيان فسادها، وتناقضها مع الإسلام، مما يعني حُرمة أخذ المسلمين لها، ووجوب نبذها والتصدي لكل من يُرَوِّج لها.

وكما سبق القول فإن هذه الشعارات أربعة: الديموقراطية، والتعددية، وحقوق الإنسان، وسياسات السوق.



الديموقراطية





أما الديموقراطية فإنها الإطار السياسي للفكر الرأسمالي، أي نظام الحكم الذي تطبقه الدول الرأسمالية، والدول التي تسير على شاكلتها. وهي تعني عند معتنقيها أن يَحكم الشعب نفسه بنفسه بالنظام الذي يضعه لنفسه. وكثيراً ما يُسمّي الرأسماليون نظامهم بأنه ((النظام الديموقراطي)). غير أن هذه التسمية ليست صحيحة لأكثر من سبب. فالديموقراطية ليست من ابتكار الرأسماليين وإنما سبقهم إليها الإغريق. كما أنهم ليسوا الوحيدين الذين طبّقوها، فالاشتراكيون الماركسيون قالوا أيضاً إنهم ديمقراطيون، وظلوا حتى النهاية يدّعون أنهم يطبقونها.

وأهم ما في الديموقراطية أنها تجعل المشرِّع الإنسان وليس الخالق. وهذا منطقي عند من يقول بفصل الدين عن الحياة، لأن معنى هذا الفصل جَعل حق التشريع للإنسان وليس للخالق.

فالرأسماليون في هذا لم يبحثوا فيما إذا كان الخالق قد ألزَم الإنسان باتّباع شريعة معينة وتطبيقها في حياته، بل لم يناقشوا هذه المسألة مطلقاً، وإنما جعلوا الإنسان هو المشرِّع دون أي بحث.

وبالنسبة للمسلمين، فإن هذا يعني أن يَكفروا ـ والعياذ بالله ـ بكل الأدلة القطعية الثبوت والدلالة، وبيْنها الكثير من الآيات القرآنية، التي تُلزِمهم باتّباع شرع الله ونبْذ أي شرع غيره، بل وتَعتبر من لا يَتَّبع شرع الله منهم أو يطبّقه كافراً أو ظالماً أو فاسقاً ]وَمَنْ لَم يَحْكُم بما أَنزَل الله فأولئك هُم الكافرون[، ]وَمَنْ لَم يَحْكُم بما أَنزَل الله فأولئك هُم الظالمون[، ]وَمَنْ لَم يَحْكُم بما أَنزَل الله فأولئك هُم الفاسقون[. فكل من لا يَحكم بما أنزل الله منكِراً حق الله في التشريع، كما هو حال المؤمنين بالديموقراطية، كافر بصريح القرآن لأنه بذلك ينكِر آيات قطعية الدلالة، ومنكر القطعي كافر بإجماع فقهاء المسلمين.

والكفار وعملاؤهم من حكام بلاد المسلمين، وكل المنادين بالديموقراطية من المحسوبين على المسلمين، سواء كانوا أفراداً أو حركات، يدرِكون أن الديموقراطية أساسها نبذ شرع الله، وإحلال الإنسان محل الخالق، ولذلك فهم لا يطرحونها على هذا الوجه، بل يقولون إنها تعني أن يَحكم الشعب نفسه بنفسه، وأن تَعُمّ المساواة بين الناس، ويشيع العدل، ويحاسَب الحاكم، ويتعمّدون عدم التطرق لنبذ شرع الله، مع أن الديموقراطية هي أولاً وأخيراً ليست سوى نبذ شرع الله واتّباع شرع مخلوقاته.

أما باقي ما يقال عن الديموقراطية فليس له واقع فعلي. فالقول بأن الشعب يحكم نفسه بنفسه مغالطة كبرى. ففي كل المجتمعات الرأسمالية الديموقراطية لا يَحكم الشعب نفسه بنفسه، لأن هذه الفكرة خيالية، وإنما تَحكمه فئة متنفِّذة، كما هو حال كبار الرأسماليين في الولايات المتحدة، والنبلاء في إنكلترا، وهما دولتان من أعرق الدول الرأسمالية الديموقراطية. وهذه الفئات النافذة في الدول الرأسمالية لديها الوسائل الكفيلة بإيصال من تشاء لسدّة الحكم وللمجالس التشريعية، حتى تكون القوانين التي تُسَنّ والقائمون على تنفيذها في خدمة مصالحهم.

وأما ما يقال عن المساواة، وعن العدل، وعن المحاسبة، فإنه كله نظري ولا واقع له. ويكفي أن يَنظر المرء لأميركا زعيمة العالم الديموقراطي، ليجد أن المساواة والعدل والمحاسبة كلها انتقائية، يتمتع بها ويمارسها من لهم لون معيَّن، أو دين معيَّن، أو منابت معيَّنة، أو قدرة مالية معيَّنة. وما عاناه ويعانيه السود والهنود الحمر، ومَن هم من أصول لاتينية أو آسيوية ومَن هم من غير البروتوستنت، أو ليسوا منحدرين من أصول أوروبية غربية، يكفي وحده للدلالة على أن ما يقال عن الديموقراطية نظري فقط، حتى وإنْ حصلت حالات شاذة بخلاف ذلك.

ولهذا لا يجوز لمسلم أن يَقبل بالديموقراطية لأنها كفر وتجعل للإنسان ما هو مِن شأن الخالق ويجب على كل مسلم نبذها والتصدي لكل مَن يروِّج لها.



التعددية





أما التعددية، فإنها نشأت عند الرأسماليين من نظرتهم للمجتمع، وأن هذا المجتمع يتألف من أفراد، وهؤلاء الأفراد لهم معتقدات وآراء ومصالح ومنابت متنوعة، وحاجات متعددة. ولذلك فهم يَرَوْنَ أنه لا بد أن يكون في المجتمع فئات مختلفة، لكل فئة منها أهدافها الخاصة، التي ينبغي أن يمثلها حزب أو حركة أو تنظيم، والتي ينبغي الاعتراف بوجودها، والسماح لها بالمشاركة السياسية.

فالتعددية عندهم نقيض لفكرة الفئة الواحدة والحزب الواحد. ولكن هذه التعددية تعددية ضمن النظام الرأسمالي، فلا مكان في المجتمعات الرأسمالية لفئة لا تؤمن بالمبدأ الرأسمالي، أو تعمل لتقويض النظام الرأسمالي القائم.

وبهذا المنطق، أيْ منطق تعدد الأحزاب ضمن عقيدة واحدة، وفي إطار نظام واحد، فإن الإسلام له تعدديته، ولكنها غير التعددية التي ينادي بها الرأسماليون.

فالإسلام يسمح بتعدد الأحزاب والحركات التي تقوم على عقيدته، ولا تعمل لتقويض نظامه، ما دامت آراؤها إسلامية، أي منبثقة عن العقيدة الإسلامية أو مبنيـّة عليها.

غير أن هذا لا يعني قبول التعددية على إطلاقها أو بمفهومها الرأسمالي، والتي تدعو لها أميركا والغرب عموماً.

فالتعددية الرأسمالية منبثقة عن العقيدة الرأسمالية، أي عقيدة فصل الدين عن الحياة.

فحَسَبْ التعددية الرأسمالية يجوز أن تَنشأ أحزاب أو حركات تنادي بعقيدة كفر كعقيدة فصل الدين عن الحياة، أو أن تقوم على أساس حَرَّمه الإسلام كالأحزاب القومية والوطنية. كما يجوز أن تَنشأ حركات تنادي بما حرّم الله، كإباحة الشذوذ الجنسي، والزنى، أو أن تنشأ فئات تدافع عن إباحة الميْسِر، وشرب الخمر، والإجهاض، وتحلّل النساء.

وهكذا فإنه لا يجوز لمسلم أن يَقبل بالتعددية التي تدعو لها أميركا، ولا بالتعددية على إطلاقها، لأن ذلك يعني القبول بوجود دعوات للكفر، ولإباحة ما حرّم الله، الأمر الذي لا يَقبل به مؤمن بالله ورسوله، لأنه يعلم علم اليقين أن الله سيعذّبه على ذلك في الآخرة.



حقوق الإنسان



وثالث الشعارات التي ترفعها أميركا والغرب، ويَعملان لحمل المسلمين على أخذها وتبنّيها ((حقوق الإنسان)). وهذا الشعار له بريق أخّاذ في عيون الكثيرين من المسلمين، بسبب ما يلاقونه على أيدي حكامهم العملاء من ظلم وبطش واضطهاد.

وأصل هذه الحقوق نظرة المبدأ الرأسمالي لطبيعة الإنسان، وللعلاقة بين الفرد والجماعة، ولواقع المجتمع، ووظيفة الدولة.

ففي نظرته لطبيعة الإنسان، يَرى هذا المبدأ أن الإنسان بطبيعته خيّر وليس شريراً، وأنّ الشر الذي يصدر عنه سببه تقييد إرادته. ولذلك ينادي الرأسماليون بإطلاق إرادة الإنسان حتى يعبِّر عن طبيعته الخيّرة. ومن هنا نشأت فكرة الحريات التي أصبحت أبرز أفكار المبدأ الرأسمالي.

أما بالنسبة للعلاقة بين الفرد والجماعة، فالرأسماليون يقولون إنها علاقةُ تناقُض، ولذلك لا بد من حماية الفرد من الجماعة، وتأمين حرّياته وحمايتها. فعلى عكس ما كان سائداً إبّان عهد الإقطاع من أن مصلحة الجماعة مقدَّمة على مصلحة الفرد، قال الرأسماليون بتقديم مصلحة الفرد، وجعلوا وظيفة الدولة الأساسية تأمين هذه المصلحة وصيانتها.

وفي نظرتهم للمجتمع قالوا إنه مجموع الأفراد الذين يعيشون فيه، فإذا ما تمّ تأمين مصالح الفرد، تأمَّنت مصالح المجتمع بشكل طبيعي.

والصحيح أن كل ما قال به الرأسماليون بشأن الإنسان وطبيعته والعلاقة بين الفرد والجماعة، وواقع المجتمع، ووظيفة الدولة، كله خطأ في خطأ.

فالإنسان بطبيعته ليس خيّراً، كما يقول الرأسماليون، وليس شريراً كما كانت تقول الكنيسة نقلاً عن فلسفات قديمة، قامت على أساس أن الإنسان وارث لخطيئة آدم.

والنظرة الصحيحة لطبيعة الإنسان هي أنه لديه غرائز وحاجات عضوية تتطلب الإشباع. وبفضل ما وهبه الله من عقل، صارت لديه الإرادة ليختار الطريقة التي يُشبِع بها غرائزه وحاجاته. فإنْ أشبعها بطريقة صحيحة يَفعل الخير، وإنْ أشبعها بطريقة خاطئة أو شاذة يَفعل الشر. فالإنسان بذلك مهيَّأ بطبيعته للخير والشر معاً، وهو الذي يختار الخير أو الشر بإرادته. وهذه هي النظرة التي يقول بها الإسلام، والتي بيّنها سبحانه وتعالى بقوله: ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجورَها وتَقْواها[؛ وقوله ]وَهَدَيْناه النَّجْدَيْن[؛ وقوله ]إِنّا هَدَيْناه السَّبيلَ إمَّا شاكراً وإمَّا كَفورا[.

كذلك فإنَّ طَرْح العلاقة بين الفرد والجماعة على أنها علاقة تناقُض وتصادُم هو طرح خاطئ، سواء قال به الرأسماليون الذين قدَّموا مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة، أو قال به سَدَنَة نظام الإقطاع الذين نادوا بذوبان مصلحة الفرد في مصلحة المجموع (الجماعة)، أو قال به الاشتراكيون الماركسيون الذين جعلوا الفرد مجرد سِنّ في دولاب المجتمع.

والعلاقة الصحيحة هي كما صَوَّرَها الإسلام، مِن أنها علاقة عضوية وعلاقة تكامل، وليست علاقة تناقُض. فالفرد جزء من الجماعة مثلما أن اليد جزء من جسم الإنسان. وكما أن الجسم لا يستغني عن اليد، فإن اليد لا قيمة لها إذا انفصلت عن الجسم.

والإسلام جَعل للفرد حقوقاً وللجماعة حقوقاً، وهذه الحقوق ليست متضاربة ولا متناقضة بل متكاملة. كما رتَّب على كل منهما واجبات تجاه الآخر، وأناط بالدولة تأمين التوازن بين الطرفين بحيث لا يطغى أي منهما على الآخر. فكل منهما يجب أن ينال حقوقه ويؤدي واجباته. وليس هناك ما هو أروع في وصف العلاقة بين الفرد والجماعة مما قاله الرسول r: «مَثَلُ القائِمِ على حُدود الله والواقِعِ فيها كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَموا على سفينةٍ فأصابَ بعضَهُم أَعْلاها وبعضُهُم أسفلها، فكان الذين في أسفلِها إذا اسْتَقوا من الماء مَرّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنّا خَرَقْنا في نصيبِنا خَرْقاً ولم نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يتركوهم وما أرادوا هَلَكوا جميعاً، وإنْ أخَذوا على أيديهم نَجوا ونَجَوْا جميعاً».

أما قول الرأسماليين بأن المجتمع ما هو إلا مجموع الأفراد الذين يعيشون فيه فهو مجانِب للصواب. فالمجتمع ليس مجموع الأفراد الذين يعيشون فيه، وإنما هو هؤلاء الأفراد والأفكار والمشاعر السائدة بينهم والنظام المطبَّق عليهم. أي هو أفراد بينهم علاقات دائمة. فرُكّاب سفينة أو قطار ليسوا مجتمعاً حتى وإنْ بلغوا الآلاف، في حين يشكِّل سكان قرية صغيرة مجتَمعاً حتى لو لم يتجاوز عددهم المئات.

وبهذا يتبين خطأ المبدأ الرأسمالي في فهم واقع المجتمع، وخطؤه في فهم طبيعة الإنسان، والعلاقة بين الفرد والجماعة. أما خطؤه في فهم وظيفة الدولة فهو أكثر وضوحاً. فالدولة ليست وسيلة لتأمين مصالح الفرد وحمايتها فقط، بل هي الكيان الذي يَرعى شؤون الفرد والجماعة والمجتمع ككل داخلياً وخارجياً وفق نظام معيَّن يحدِّد حقوق الجميع وواجباتهم، إضافة إلى حمل رسالتها للعالم، إذا كانت لها رسالة إنسانية، أي تصلُح للإنسان بوصفه إنساناً بغض النظر عن أي اعتبار آخر.

والخلاصة أن نظرة المبدأ الرأسمالي لطبيعة الإنسان، وللفرد وعلاقته بالجماعة التي ينتمي إليها، والمجتمع الذي يعيش فيه، ولدوْر الدولة في تأمين مصلحة الفرد وحمايتها، جعله ينادي بتأمين أربع حريات لهذا الفرد: حرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرية التملك، والحرية الشخصية.

وهذه الحريات هي الأساس الذي انبثقت عنه ((حقوق الإنسان))، وهي أُس البلاء في المجتمعات الرأسمالية، التي تحوّلت بسببها إلى غابات وحوش يَأكل القوي فيها الضعيف وينحدر فيها الإنسان إلى درك الحيوان، نتيجة لإطلاق العنان لغرائزه وحاجاته العضوية.

فالناس في المجتمعات الرأسمالية أشبه بالبهائم، هَمّهم التمتع بأكبر قسط من المتع الجسدية، الأمر الذي يعتبره المبدأ الرأسمالي قمة السعادة، رغم أن الحقيقة هي أن هذه المجتمعات لا تعرِف للسعادة طعماً، بل يَعمّها الشقاء والاضطراب والقلق الدائم.



حرية العقيدة



وهم يَعْنـُون بحرية العقيدة أن للإنسان الحق في أن يؤمن بأي مبدأ وأي دين، وأن يكفر بأي دين وأي فكرة، وله أن يبدّل دينه، وله أن لا يؤمن بدين على الإطلاق.

ويَزعم بعض أبواق الكفار من المحسوبين على المسلمين أن حرية العقيدة التي ينادي بها الرأسماليون لا تتناقض مع الإسلام، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى ]لا إكراه في الدين[ وبقوله ]فَمَنْ شاء فَلْيُؤْمِن ومَن شاء فَلْيَكْفُر[، متعمّدين تجاهل موضوع النصّين إذ أن الخطاب في النصّين محصور موضوعه في الكفار. فالمسلمون لا يجوز لهم إكراه كافر على الإيمان بالإسلام، كما أن للكفار أن يؤمنوا بالإسلام أو لا يؤمنوا به، فلن يكرههم المسلمون على الإيمان بالإسلام. غير أن هذا الخطاب لا ينطبق على المسلمين، لأنهم ليسوا مخيَّرين بعد أن أسلموا في أن يَكفروا ويَرتدّوا عن دينهم. وحُكْم المسلم المرتد أن يُستَتاب فإذا أصرّ على الكفر يطبّق عليه الحد ويُقتل، وذلك تنفيذاً لقول الرسول r «مَنْ بَدَّلَ دينَهُ فاقْتُلوه».

فحرية العقيدة لا وجود لها بالنسبة للمسلمين، بل هم مُلزَمون باعتناق عقيدة الإسلام. ولا يجوز لمسلم أن يعتنِق أية عقيدة أخرى، سواء كانت هذه العقيدة عقيدة دين سماوي آخر كاليهودية أو النصرانية، أو كانت عقيدة مبدأ آخر كالرأسمالية أو الاشتراكية، أو كانت أية عقيدة لأي دين أو أي فكرة ما دامت ليست عقيدة الإسلام.

ومن الواضح أنه لا يجوز لمسلم أن يَقبل بحرية العقيدة التي ينادي بها الرأسماليون، بل يجب عليه أن يرفضها ويتصدى لمن ينادي بها.



حرية الرأي



أما حرية الرأي فهي تعني عند الرأسماليين أن للإنسان الحق في أن يقول ويُعلِن أي رأي في أي شيء وأي أمر دون قيود.

وهذه الحرية لها جاذبيتها عند بعض المسلمين، نتيجة لعيشهم في دول قمعية (بوليسية) تَمنع أي شخص من أن يقول برأيه إذا كان يخالف رأي الحاكم، حتى لو كان رأيه هذا مستمَداً من الإسلام، بل حتى لو كان ما يقوله آية قرآنية أو حديثاً شريفاً، ما دام مضمون الآية أو الحديث يناقِض رأياً يقول به الحاكم، أو سياسة يَتْبَعها، لدرجة أن أحد حكام المسلمين أمر أجهزته القمعية بنزع آيات وأحاديث عن جدران المساجد والأماكن العامة وتمزيقها لمجرد أنها تبيّن حقيقة اليهود، كقوله تعالى ]لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَداوةً للذين آمَنوا اليَهودَ والذين أشْركوا[.

غير أن ما يعانيه المسلمون من جَوْر الحكام، واستبدادهم، وتجاوزهم لحدود الله، لا يبيح لهم (أي للمسلمين) أن يَقبَلوا بما يُغضِب الله.

فحرية الرأي عند الرأسماليين لا تقتصر على ما يتصل منها بمحاسبة الحاكم، أو انتقاد تصرّفات السياسيين وغيرهم، وإنما تشمل كذلك حرية الجهر بالكفر، وإنكار وجود الله، والدعوة لأية فكرة حتى لو كانت تناقِض العقيدة الإسلامية، أو تخالف الأحكام المنبثقة عنها، كالدعوة والدعاية لما حَرَّم الله من ربا وميسر وخمر وزنا وشذوذ جنسي، ولكل ما من شأنه أن يَهدم القيم الإسلامية التي أمر الله بالتمسك بها وصيانتها.

فحرية الرأي تعني السماح للعملاء والمنافقين والفجّار وأعداء الإسلام بالدعوة ضد الإسلام ولهدم كيان الأمة وتمزيقها إلى قوميات وأقطار وطوائف وفئات، وما إلى ذلك من دَعَوات تقوم على عصبيات دعا الإسلام لنبذها، وحرَّم على المسلمين المناداة بها، ووصفها الرسول r بأنها منتِنة؛ كما تعني السماح لهم بالدعوة لأفكار الكفر التي تروِّج لانحلال النساء، والرذيلة، والفساد، وتقويض قيم الشرف والعرض. ويكفي أن يتذكر المرء ما سمحت به هذه الحرية للمرتد سلمان رشدي من أن يقوله بحق الرسول r وأمهات المؤمنين، ليدرِك إلى أي مدى تصل هذه الحرية عند الرأسماليين.

صحيح أن الإسلام أباح للمسلم أن يقول برأيه في كل شيء وكل أمر، ولكنه قيّده بأن يكون رأيه هذا منبثقاً عن العقيدة الإسلامية أو مبنياً عليها، وضِمن ما أباح الإسلام الخوض فيه. فله أن يقول بأي رأي ولو خالف رأي الخليفة وما يتبنّاه، ولو خالف رأي معظم المسلمين، شريطة أن يكون رأيه هذا مستنداً إلى دليل من الشرع، أو ضمن حدود الشرع. بل إن الإسلام أوجب على المسلم أن يقول برأيه ويحاسِب الحاكم إذا ظلم أو قال أو أمر بما يُغضِب الله، بل وجعل عمله هذا في مستوى الجهاد في سبيل الله حيث يقول الرسول r «سَيِّدُ الشهداءِ حمزة بن عبد المطّلِب ورجل قام إلى إمام جائر فأمَرَه ونهاهُ فقتله».

غير أنه لا يجوز لمسلم أن يقول برأي يخالف الإسلام سواء كان مخالفاً للعقيدة الإسلامية أو لما ينبثق عنها. فلا يجوز له أن يدعو لما تُسمّى حرية المرأة، ولا للقومية، ولا للوطنية أو القطرية وما شاكلها، ولا أن يدعو إلى مبادئ الكفر كالرأسمالية والاشتراكية، ولا لأية فكرة تتناقض مع الإسلام.

وعلى هذا الأساس، لا يجوز للمسلمين أن يَقبَلوا بما يدعو إليه الرأسماليون من حرية الرأي. فكل ما يصدر عن المسلم مقيَّد بالشرع، والرسول r يقول «مَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخر فَلْيَقُلْ خَيْراً أو ليَصْمِتْ»، والخير هو الإسلام، أو ما يُقِرُّهُ الإسلام. ونَهى الإسلام معتنقيه حتى عن الميل لما يخالف الإسلام حيث يقول الرسول r «لا يُؤمِنُ أحدكم حتى يكون هَواهُ تَبَعاً لما جئت به».



حرية التملك



وأما حرية التملك، فيَقصد بها الرأسماليون أن للإنسان الحق في أن يتملك ما يشاء كما يشاء، وأن يتصرف بما يملك كما يشاء، شريطة أن لا يتعدى في ذلك على حقوق الآخرين، أي التي يعتبرها النظام الرأسمالي حقاً لهم.

وهذا يعني أن للإنسان أن يتملك كل شيء، ما أحَلّ الله تملكه وما حَرّم، وله أن يتصرّف بما يَملك كما يشاء، سواء تقيَّد في ذلك بأوامر الله ونواهيه أو لم يتقيّد.

فللفرد أن يتملك وفق هذه الحرية ما هو من ملكية الجماعة كآبار النفط ومناجم المعادن التي بمثابة الماء العِدّ، وشواطئ البحار والأنهار، والماء الذي تحتاجه الجماعة، وما إلى ذلك. وله أن يتملك ما هو حلال كالدار والبستان والدكان والمصنع، وله أن يتملك ما حرّم الله تملّكه كالخمّارة، والمصرف الربوي، وحظيرة الخنازير، ودار البغاء، وصالات القمار، وغير ذلك مما لا يجوز تملكه.

وله أن يكسب المال أو ينمّيه بالحلال كالميراث، وهبة الغير له، والتجارة، والصيد، والزراعة، والصناعة. وله أن يَكسِبه وينمّيه بالحرام كالميسر، والربا، وتجارة الخمر، والمخدرات، وبكل وسيلة أخرى محرَّمة.

ومن الواضح تناقض حرية التملك على هذا النحو مع الإسلام، وبالتالي حُرْمة القبول بها من جانب المسلمين. [S1]

ونتيجة لتبني المجتمعات الرأسمالية لهذه الحرية عَمَّتْها آفات لا حصر لها. فقد انتشرت فيها الرذيلة، وظهرت ما تُسمّى الجريمة المنظَّمة (المافيا) وسادت الأنانية وتفككت عُرى الروح الجماعية، وهيمنت الأثَرة بدل الإيثار، وتفشَّت أمراض مخيفة نتيجة لترويج كل شيء سواء كان ينفع الناس أو يضرّهم كالمخدرات وغيرها.

ونتيجة لهذه الحرية تركزت الثروات الهائلة في أيدي حفنة من الناس يسمّون بالرأسماليين، الذين تحوّلوا بفضل ثرواتهم إلى قوة مهيمنة تتحكم بالمجتمعات والدول في سياساتها الداخلية والخارجية، والذين أخذ النظام الرأسمالي منهم اسمه، من باب وصف الشيء بأبرز ما فيه. وصار بعض هؤلاء الرأسماليين من أصحاب مصانع الأسلحة تجار حروب يَزُجّون دولهم أو الدول التي لهم فيها نفوذ في حروب ليس لشعوبها فيها ناقة ولا جمل، هَمّهم في ذلك الأرباح التي تعود عليهم من تجارة السلاح، بغض النظر عن الدماء التي تُسفَك في سبيل إنعاش هذه التجارة، أو المآسي التي تخلّفها.

الحرية الشخصية



والحرية الرابعة التي يدعو لها النظام الرأسمالي ويعمل لتحقيقها وصيانتها هي الحرية الشخصية. وهي تعني حسب هذا النظام أن لكل إنسان الحق في أن يعيش حياته الخاصة كما يشاء، شريطة عدم التعدي على الحياة الخاصة للآخرين. فله أن يتزوّج، وله أن يعاشِر أية امرأة دون زواج ما دام ذلك برضاها. وله أن يمارِس الشذوذ الجنسي ما دامت هذه الممارسة ليس فيها طرف قاصر. وللإنسان حسب الحرية الشخصية أن يأكل ويشرب ويلبس ما يشاء ضمن حدود النظام العام، الذي يتغير من مجتمع رأسمالي لآخر، ومن حين لآخر. ولا وجود عند الرأسماليين المنادين بهذه الحرية لحرام أو حلال في السلوك الشخصي للإنسان، ما دام هذا الإنسان مؤهلاً للتصرف قانونياً، الأمر الذي يتفاوت بين مجتمع وآخر ومن حين لآخر.

ولا أثر للدين في هذه الحرية. فالنظام منفصل عن الدين حسب الشرعة الرأسمالية. ونتيجة لتطبيق هذه الحرية في المجتمعات الرأسمالية انتشرت الرذيلة، وأصبح الرجال والنساء يعيشون مع بعضهم دون رباط شرعي، بل ويعيش الرجال مع الرجال والنساء مع النساء ويقيمون علاقات شاذة فيما بينهم وتحت حماية القانون. وقد تفشّى الشذوذ الشخصي وليس الجنسي فقط في المجتمعات الرأسمالية نتيجة للحرية الشخصية، وظهرت صرعات لا تخطر على البال. وما الأفلام والمجلات الخلاعية، وخدمات الهاتف الجنسية، ونوادي العراة، والهيبيون وأمثالهم، إلا شاهد على الانحراف والشذوذ اللذيْن تردَّت فيهما المجتمعات الرأسمالية بفضل الحرية الشخصية.

وما يشاهَد من تفاوت بين مجتمع رأسمالي وآخر في ممارسة هذه الحرية، يعود لنشوء المجتمعات الرأسمالية وتدرجها في تطبيق المبدأ الرأسمالي.

فقد نشأت هذه المجتمعات على أنقاض نظام الإقطاع، والأعراف الكنيسية التي سادتها في ظل هذا النظام. ولم يكن من الممكن تغيير هذه الأعراف بين عشيّة وضحاها. فانقسم الرأسماليون بين منادٍ بتقويض تلك الأعراف دفعة واحدة وعلى الفور، وبين منادٍ بضرورة أخذ واقع المجتمعات وأعرافها السائدة بعين الاعتبار، والعمل على التخلص من القيم والتقاليد والأعراف القديمة بالتدريج.

وقد سمِّيَ الذين نادوا بتطبيق الحريات بوتيرة سريعة بالأحرار أو المتحررين (الليبراليين)، وسُمِّيَ الذين نادوا بتطبيق الحريات تدريجياً بالمحافظين، ونشأت بين الفئتين فئة وسطية سُمِّيَ أصحابها بالوسطيين أو المعتدلين الذين انقسموا بدورهم إلى فئات: بعضهم كان أكثر ميلاً للمحافظين سُمّوا بيمين الوسط، وبعضهم أكثر ميلاً للأحرار سُمّوا بيسار الوسط. ولا تزال المجتمعات الرأسمالية فيها هذه التيارات حتى اليوم.

وهكذا فإنه لا يجوز لمسلم أن يَقبل بالحرية الشخصية لأنها تبيح ما حَرَّم الله، فضلاً عن كونها مصدراً للأمراض الاجتماعية المختلفة. فالحرية الشخصية هي حرية الزنا والشذوذ الجنسي والتهتُّك وشرب الخمر وما إلى ذلك من آفات.

هذه هي الحريات الأربع الأساسية التي دعا إليها المبدأ الرأسمالي، والتي تطبقها الدول الرأسمالية، بل ويصف الرأسماليون مبدأهم بها أحياناً فيقولون ((المبدأ الحر)).

وهي جميعاً مناقِضة للإسلام، ولا يجوز قبولها أو الدعوة لها. وهذه الحريات هي الأصل الذي انبثقت عنه ما تُسمَّى ((حقوق الإنسان))، التي تدعو لها أميركا، كما يدعو لها ويتباهى بها بعض حكام المسلمين ومَن حولهم من المحسوبين على الإسلام، إلى جانب المضبوعين بثقافة الغرب، والمضلَّلين من السُّذَّج. ومَن يدعو لها من المنتمين للإسلام فهو إما جاهل، وإما فاجر، وإما كافر. فمَن لا يُدرِك تناقض ((حقوق الإنسان)) مع الإسلام فهو جاهل، ولا عذر له بعد اليوم، ومَن يَعلم تناقض هذه الحقوق مع الإسلام، ولكنه يدعو لها عصياناً وفِسقاً فإنه فاجر، وأما مَن يؤمن بها كما هي على حقيقتها، أي باعتبارها منبثقة عن عقيدة فصل الدين عن الحياة التي هي عقيدة كفر، ويدعو لها على هذا الأساس، فإنه كافر دون أدنى ريب، لأنه والحالة هذه لا يعتنِق عقيدة الإسلام.

و ((حقوق الإنسان)) بهذا المسمى نادت بها الثورة الفرنسية (1789م) وألحقتها كوثيقة في دستورها الذي صدر عام 1791م. ومِن قَبلها نادت بهذه الحقوق الثورة الأميركية (1776م). وإجمالاً فإن سائر الدول الأوروبية تبنّتها في القرن التاسع عشر. غير أنها ظلت شأناً داخلياً لكل دولة.

ولم تتحوّل ((حقوق الإنسان)) إلى شِرعة دولية إلا عقب الحرب العالمية الثانية، وبعد إنشاء الأمم المتحدة، وذلك عام 1948م حين صدر ((الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)). وفي عام 1961م أُلحِق به ما سُمِّي ((العهد الدولي بشأن حقوق الإنسان المدنية (القانونية) والسياسية)). كما صدر في عام 1966م ما سُمِّي ((العهد الدولي بشأن حقوق الإنسان الاقتصادية والثقافية والاجتماعية)).

غير أنها ظلّت شِرعة دولية فقط، ولم يبدأ العمل لجعلها شرعة عالمية، أي شرعة تتبناها الشعوب وليست الدول فقط، إلا عام 1993م، أي بعد تفرُّد المبدأ الرأسمالي دولياً بسقوط الاشتراكية بعامين. فقد انعقد في قينا مؤتمر للمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان في ذلك العام، صدر عنه ما سُمِّي ((إعلان قينا للمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان))، الذي أوصت مجموعة العمل فيه بالتأكيد على ((عالمية حقوق الإنسان))، وتطبيقها بالتساوي على مختلف الأنماط الثقافية والقانونية، ورفْض الادّعاء بأن هذه الحقوق تتباين بين مجتمع وآخر. وهذا يعني رفْض أخذ الإسلام بعين الاعتبار عند تطبيق ((حقوق الإنسان)) في بلاد المسلمين.

وللتأكيد على ((حقوق الإنسان)) كشرعة دولية، اتخذتها الولايات المتحدة ركيزة من ركائز سياستها الخارجية، وذلك في أواخر السبعينات (في عهد الرئيس كارتر). وصارت وزارة الخارجية الأميركية منذ ذلك الحين تُصدِر تقريراً سنوياً حول تقيّد دول العالم بتطبيق هذه الحقوق، ومدى السماح لرعاياها بممارستها. ودأبت منذ ذلك الحين على اتخاذ مواقف من الدول التي تَرى واشنطن أنها لا تتقيد بمقتضيات هذه الحقوق. ومِن ذلك ربطها بين مبيعات القمح الأميركي للاتحاد السوفيتي وبين سماحه بهجرة اليهود السوفيت إلى الكيان الإسرائيلي في فلسطين. كما اتخذت أميركا ((حقوق الإنسان)) ذريعة للتدخل العسكري في هايتي عام 1994م. وكما هو حال السياسة الخارجية الأميركية بوجه عام، فإن سياسة واشنطن المرتكِزة على ((حقوق الإنسان)) تجاه دول العالم انتقائية. فهي تغض الطرف عن خرق هذه الحقوق في الدول التي ترى أن من مصلحتها عدم إثارتها معها، وتكتفي إزاء بعض الدول بالتنديد الكلامي، بينما تتخذ إزاء دول أخرى إجراءات عسكرية كما فعلت تجاه هايتي، أو إجراءات اقتصادية أو تجارية كما فعلت تجاه الصين، أو إجراءات سياسية أو دبلوماسية كما فعلت تجاه دول أخرى، وذلك كله وفق مقتضيات المصالح الأميركية، ومتطلبات الهيمنة والسيطرة على دول معيَّنة.

غير أن الأصل في رفض ((حقوق الإنسان)) مِن قِبل المسلمين هو كونها من المبدأ الرأسمالي بعقيدته الفاسدة، وكونها تعبيراً عن نظرة هذا المبدأ للفرد والمجتمع، وأنها تفصيل للحريات الأربع التي نادى بها، فعقيدة هذا المبدأ وكل الأفكار النابعة منها أو المبنية عليها تتناقض مع الإسلام جملة وتفصيلاً، ويجب على المسلمين نبذها ودحضها والتصدي لمروِّجيها.



سياسات السوق



والشعار الرابع الذي ترفعه أميركا والغرب في الحملة العالمية لجعل المبدأ الرأسمالي دين البشر جميعاً، وبضمنهم المسلمون، هو شعار ((سياسات السوق)).

وسياسات السوق في هذه الحملة تطبيق دولي لحرية التملك المنبثقة عن عقيدة المبدأ الرأسمالي، أي هي تطبيق لحرية التملك على العلاقات التجارية بين الدول.

ويُقصَد بسياسات السوق تخفيف أو إنهاء تدخّل الدول في التجارة بوجه خاص وفي الاقتصاد بوجه عام. ولذلك تعمل أميركا لحمل دول العالم على رفع الحواجز الجمركية والقيود مهما كان نوعها من أمام التجارة الدولية، بما في ذلك سياسات الحماية التجارية المباشرة كمنع استيراد سلع معيَّنة حماية لسلع مماثلة منتَجة محلياً من المنافسة؛ أو غير المباشرة كالرسوم الجمركية العالية على بعض الواردات، أو سياسات دعم بعض المنتجات المحلية، أو وضع سقوف لحجوم التبادل التجاري. وتهدف أميركا من فرض سياسات السوق على الدول إلى تحويل العالم إلى ((سوق حرّة))، وفتح أسواق هذه الدول أمام الاستثمارات الأجنبية، وجعلها تتخلى عن دورها في إدارة اقتصادها بحملها على خصخصة القطاع العام، وخصوصاً في الدول التي يشكل القطاع العام نسبة عالية من اقتصادها، باعتبار ذلك حائلاً أمام بروز القطاع الخاص (ملكية الأفراد) وتناميه.

ولتحقيق هذا الهدف سعت أميركا ومعها الدول الرأسمالية الرئيسية لعقد اتفاقات دولية للتجارة، وإنشاء تكتلات اقتصادية كالنافتا (تتألف من كندا والولايات المتحدة والمكسيك)، والسوق الأوروبية المشتركة، وإيباك (وتتألف من دول النافتا واستراليا ونيوزيلانده واليابان مضافاً إليها ما تسمى نمور آسيا وإندونيسيا وكلها مطلّة على المحيط الهادي). كما اتَّخذت من نادي الدول السبع الغنية أداة لصنع القرارات الاقتصادية والمالية والتجارية الدولية ولضمان متابعة تنفيذها، تمهيداً لجعلها شرعة دولية، وخاصة ما يتعلق منها بالناحية التجارية.

وقد ظلت ((الغات)) (الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية) المرجعية للتجارة الدولية حتى العام الماضي. وكانت تَلتزِم بها جميع دول العالم تقريباً، سواء الدول الموقِّعة عليها أو غير الموقِّعة. ولكن لكوْن هذه الاتفاقية تقتصر على تنظيم العلاقات التجارية بين الدول، ولا شأن لها بإدارة هذه الدول لسياساتها الاقتصادية والتجارة الداخلية، فإن الولايات المتحدة وجدتها غير كافية لتحقيق أغراضها، فعملت على إيجاد اتفاقية بديلة لها على هيئة منظمة سمَّتها ((منظمة التجارة العالمية))، أُعلن عن إنشائها في المغرب العام الماضي من جانب الدول التجارية الرئيسية في العالم. ولن يطول الوقت حتى توقِّع معظم دول العالم على الاتفاقية الجديدة، وتنضم للمنظمة الجديدة، نتيجة للضغوط التي تمارسها أميركا عليها لهذا الغرض.

وأهم ما يميِّز الاتفاقية الجديدة أنها تتيح للدول الرأسمالية الغنية والنافذة، وعلى رأسها أميركا، التدخل في الشؤون التجارية والاقتصادية بوجه عام للدول الملتزمة بها، مِن خلال الأنظمة التي تضعها الدول النافذة.

ولا يخفى أن الهدف الرئيس لأميركا والدول الرأسمالية من تدويل سياسات السوق هو فتح أسواق سائر دول العالم أمام منتجاتها المتفوِّقة، وأمام استثماراتها، لكي تظل ما تُسَمَّى بالدول النامية تحت سيطرتها التجارية والاقتصادية، وللحيلولة دون تمكينها من بناء اقتصادها على أسس قوية راسخة قد تؤدي لتحريرها من التبعية الاقتصادية للدول الغنية، فلا تعود أسواقاً للبضائع الاستهلاكية التي تنتجها الدول الغنية. فالدول النامية إذا ظلّت تحت السيطرة لن تستطيع تحويل اقتصادياتها إلى اقتصاديات منتِجة تعتمد على الصناعة الثقيلة التي لن تقوم لها بدونها قائمة.

ولذلك لا يجوز للمسلمين القبول بسياسات السوق التي تروِّج لها أميركا والغرب بوجه عام، لأنه إلى جانب كوْن هذه السياسات تطبيقاً لحرية التملك التي ينادي بها النظام الرأسمالي، والمناقِضة للإسلام وأحكامه، فإنّ مِن شأن التزام البلاد الإسلامية بها تمكين الكفار من السيطرة على اقتصادها، والحيلولة دون انعتاقها من رِبقة الكفر والكفار، الأمر الذي حرّمه الله تعالى بقوله ]وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ للكافِرين على المؤمنينَ سبيلاً[.

صحيح أن الإسلام يحرِّم فرض الرسوم الجمركية (المكوس) على التجارة، لقول الرسول r «لا يَدْخُلِ الَجنّة صاحِبُ مكْس» ولا يبيح فرضها على التجار من رعايا الدولة الإسلامية مطلقاً، بغض النظر عن منشأ البضاعة، لأن الإسلام في سياسته التجارية لا يَنظر لمنشأ البضاعة وإنما لتابعية التاجر، وصحيح أنه لا يبيح فرضها على التجار من أية تابعية كانوا إلا من باب المعاملة بالمثل، إلا أن ذلك لا يعني بحال أن سياسات السوق متَّفقة مع الإسلام، وبالتالي لا مانع من الالتزام بها. فلو تشابهت بعض أحكام الإسلام مع أحكام واردة في نظام آخر في بعض الوجوه، فإن ذلك لا يبيح للمسلمين أخْذ أحكام من غير الإسلام. كما أن ذلك لا يُسَوِّغ للبعض أن يُطلِقوا على نظام الإسلام نعوت الكفر لمجرد ما يتراءى لهم من وجود تشابه بين ما دعا إليه الإسلام وبين ما قالت به المبادئ الأخرى، كوصفه بالاشتراكية (كما فعل شوقي حين قال مخاطباً الرسول r ((الاشتراكيون أنت إمامهم)) أو كما يصف البعض الشورى التي نادى بها الإسلام بأنها ديموقراطية). فكل ما في الإسلام إسلام، وليس اشتراكية ولا ديموقراطية ولا غيرهما. هذا فضلاً عن كوْن الإسلام موجوداً قبل الاشتراكية وقبل الديموقراطية الرأسمالية.

وعلى هذا يجب على المسلمين أن يَرفضوا سياسات السوق لتناقضها مع الإسلام من حيث النظرة التي انبثقت عنها، ومن حيث الأساس الذي قامت عليه، ومن حيث ما يترتب على أخذها والالتزام بها من ضرر بليغ على المسلمين، ليس أقل وجوهه خطراً ربط اقتصاديات بلادهم بعجلة الاقتصاد الرأسمالي، مما يحول دون بناء هذه الاقتصاديات على أسس منتِجة، ويترتب عليه تمكين الكفار من الاحتفاظ بسيطرتهم على المسلمين وبلادهم.

هذه هي أبرز الشعارات التي تدعو لها أميركا والغرب في الحملة العالمية لجعل سائر الأمم والشعوب تعتنق الرأسمالية.

وبعد أن تَبيَّن فساد عقيدة هذا المبدأ، وفساد الأنظمة المنبثقة عنها، وبعد دحض ركائزها الفكرية الأساسية (الديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وسياسات السوق)، وبيان تناقضها مع الإسلام، فإنه لا يجوز لمسلم حتى أن يفكر ولو للحظة بقبول هذا المبدأ أو أخذ أي شيء منه.

ولا شك في أن حملة أميركا هذه تستهدف الأمة الإسلامية بالدرجة الأولى، لأن هذه الأمة هي وحدها التي لديها مبدأ من شأنه أن يقف في وجه الرأسمالية، ولأن الكفار يعرفون تاريخها، الذي هو شاهد على ما يمكن أن تفعله هذه الأمة حين تعيش على مبدئها وتَحمِله رسالة للعالمين. وليس أدل على هذه الحقيقة من أن أميركا وهي تَسير في حملتها لعولمة الرأسمالية تشن حملة أخرى لمحاربة الإسلام سواء من خلال وصم كل المتمسكين به بالإرهاب، أو من خلال حَمْل حكام بلاد المسلمين العملاء على البطش بكل من يَعمل بإخلاص لإنهاض الأمة على أساس الإسلام، إلى جانب تشويه مفاهيم الإسلام وتحريفها بمساعدة هؤلاء العملاء وأذنابهم.

ولهذا فإن الخطر الذي يواجهه المسلمون هذه الأيام يفوق كل الأخطار التي تعرّضوا لها خلال تاريخهم كله.

فالحروب الصليبية استهدفت احتلال أجزاء من بلاد المسلمين؛ وهدم الخلافة (1924م) استهدف هدم الكيان الذي كان يصون وحدة هذه البلاد، ويحميها من الكفار، ويَحُول بينهم وبين نهب ثرواتها وتمزيقها وتطبيق أنظمة الكفر عليها. غير أن مَن شنّوا الحروب الصليبية ومَن هَدموا الخلافة لم يخطر ببالهم تحويل المسلمين عن عقيدتهم، ولم يَعملوا لتحقيق هذه الغاية. ولذلك فإن المسلمين سرعان ما شدَّتهم عقيدتهم بعد الغزو الصليبي ووحَّدت صفوفهم ليردّوا للصليبيين الصاع صاعيْن. كما أنهم لم يَطُل بهم الحال بعد هدم خلافتهم حتى شَدَّتهم عقيدتهم مرة أخرى، فدبَّت فيهم الحياة وأخذوا يتحركون لبناء خلافتهم واستئناف حمل رسالتهم.

أما الحملة الأميركية الحالية فإنها تستهدف القضاء على الإسلام من خلال حمل المسلمين على نبذ عقيدتهم واعتناق عقيدة فصل الدين عن الحياة، واتخاذ الرأسمالية ديناً جديداً لهم، على أساسه يفكرون وعلى أنظمته يعيشون، مما يعني إبعاد الإسلام نهائياً عن حياتهم، بحيث لا يبقى منه سوى طقوس كهنوتية في دُور العبادة.

هذه حقيقة ما تدعو له أميركا، وما يروِّج له عملاء الغرب وأذنابه وأبواقه.



أيها المسلمون:

أمام هذا الهدف الفظيع لا بد لكم من اليقظة وإدراك حقيقة ما يدبِّره لكم الكفار وأتباعهم.

إنكم مَدْعُوّون اليوم للدفاع عن عقيدتكم ودينكم، وعن وجودكم كأمة، لأن الأمم تبقى ببقاء مبادئها وتزول بزوالها.

لقد آن أوان المفاصَلة بين الحق والباطل وبين الحياة والموت. فأميركا والغرب الكافر، وحكامكم، ومَن حولهم من سياسيين ومفكرين ورجال اقتصاد وإعلام وغيرهم من المضبوعين بالرأسمالية والمفتونين بطريقتها في العيش، وكل المنادين بالديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وسياسات السوق في خندق واحد هو خندق الباطل، والواعون المخلِصون من حَمَلة الدعوة الإسلامية ومعهم كل الغيورين على دينهم من أبناء الأمة الإسلامية في خندق الحق.

وإنها لمعركة فاصلة يتقرر فيها مصيركم، إذ ليس بعدها إلا الحياة وعزة الدنيا والآخرة، أو الموت وخزي الداريْن لا قَدَّر الله. فكل مسلم مؤمن بالله ورسوله، وبالدين الذي جاء به محمد r، مطالَب اليوم بالوقوف في خندق الحق، ولا خيار له في ذلك، لأنه لا مجال في هذه المعركة المصيرية للوقوف على الحياد.

ولا شك في أن خطر الفناء سيظل يتهددكم ما بقيتُم كالغنم السائبة بلا راعٍ يحميها ويَذُبّ عنها العوادي. والإسلام قد حدّد لكم راعيكم، وبيّن أنه خليفة تبايعونه على العمل بكتاب الله وسنّة رسوله.

وقد طال عيشكم بلا خليفة، وفي ذلك معصية لله من أكبر المعاصي، حيث يقول الرسول r «مَنْ ماتَ وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

فالخليفة وحدهُ القادر على جمع شملكم، ولَمّ شعثكم، ودفْع الأذى والسوء عنكم، وإعادتكم إلى هويّتكم الحقيقية، التي أرادها الله لكم: خير أمة أخرجت للناس.

وإنكم والله لقادرون على الخلاص مما أنتم فيه من إثم وشقاء إذا أخلصتم النيّة وصدقتم العزيمة.

والكفار وأشياعهم من دعاة الضلال يدرِكون هذه الحقيقة، ولذلك يُشِيع حكامكم بينكم أجواء الخوف والرعب والإرهاب حتى لا تجرؤوا على الجهر بالحق، وتَسْتَخْذوا للكفر والكفار.

وفي مقابل ذلك فإن الله يأمركم أن لا تخافوهم، وأن تخشوه وحده، حيث يقول سبحانه ]فلا تَخافوهُم وخافونِ إن كنتم مؤمنين[. ووعدكم إنْ فعلتم ذلك أن ينصركم، حيث يقول ]إن ْ تَنْصُروا الله يَنْصُركُم ويُثَبِّتْ أقْدامَكم[.

والله لا يخلف وعده، فلم يبقَ إلا أن تنصاعوا لأمره وتنصروه بنبذ الرأسمالية الكافرة، وكل ما تدعو إليه من ديموقراطية وتعددية وحقوق إنسان وسياسات السوق، والتصدّي لكل مَن يروِّج لها.

ولا تكتمل نصرتكم لله إلا بالعمل مع الواعين المخلِصين منكم لإقامة الخلافة، الدرع الواقي للأمة الإسلامية من الكفر والفرقة والأذى والشر.

فإلى نُصْرة الله ندعوكم أيها المسلمون.

]يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم[

صدق الله العظيم

6 من ذي القعدة 1416هـ

25 آذار 1996م

حزب التحرير
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م