الجزء العاشر( حقيقة كفر وجرم حزب الله في لبنان فضحه الله)
الحلفاء وقصة التحالف
==============
حين يجتمع علماني قومي بعثي مع إسلامي شيعي متشدد، في تحالف وثيق ومتين، فإن هذا الحلف يشكل علامة استفهام كبيرة، خاصة إذا استمر هذا الحلف وطال أمده وازدادت قوته مع الأيام، والجانب العقدي من هذا التحالف له أثره البالغ في استمراره وديموميته ؛ إذ أن نقاط الاتفاق في هذا الجانب كثيرة ومتعددة، بيد أن الجانب التطبيقي السياسي وما يكتنفه من مصالح تتوافق وتتعارض بين الحين والآخر أضاف إلى البعد العقدي صورة أخرى وهو ما سنتعرض له هنا، ولقد كان لهذا الحلف السوري الإيراني مسوغات كبيرة لقيامه واستمراره، وهنا نعرض لكثير من جوانبه.
سوريا في لبنان:
===========
سوريا ولبنان بالمفهوم العام عضوان للجسد نفسه، أو «شعب واحد في دولتين»(1) ولا تزال الذاكرة الحية لبعض الناس تعي كيف وَسَّع الفرنسيون منطقة الحكم الذاتي لجبل لبنان ليخلقوا منه جمهورية لبنان عن طريق اقتطاع شرائح كبيرة من سوريا كان سكانها من المسلمين؛ فالمدن الساحلية ـ طرابلس والأراضي الداخلية المحيطة بها، وبيروت نفسها وصور وصيدا ـ وكذاك وادي البقاع والجنوب، كانت كلها سورية قبل أن تصبح لبنانية؛ فالسوريون واللبنانيون كانوا من طينة واحدة في ثقافتهم وتنوع مذاهبهم الدينية وخلفيتهم العرقية ولهجتهم العامية المحلية وحتى في مآكلهم ومشروباتهم. وكان سكان البلدين مختلطين متمازجين بشكل كامل، مع وجود عائلات وأسر لا حصر لها تمتد فروعها عبر خط الحدود المصطنع الذي رسمه الفرنسيون.
ومثل هذا الالتصاق الحميم على أية حال لم يمنع وجود بعض الشك والتنافس يمتد حتى إلى القيمة النسبية لكل من الليرتين السورية واللبنانية، وكان النصارى اللبنانيون يخشون النزعة السورية لاسترجاع الأراضي التي اقتطعها الفرنسيون، كما كان السوريون بدورهم حذرين من الارتباط التقليدي لنصارى لبنان بالغرب، وعدم التزامهم بالقضية العربية، وعلى وجه العموم كان السوريون واللبنانيون يعرفون أن كلاً منهم ينتمي إلى الآخر.
وكان امتداد التأثير والتأثر في أي اتجاه مباشراً؛ فإن كلاً من السوريين واللبنانيين كانوا شديدي الحساسية لما يحدث في البلد الآخر.
وكان أي انقلاب في دمشق موضوعاً لتكهنات وتنبؤات قلقة في بيروت، بينما كانت دمشق تحاول دوماً أن يكون لها رأي مسموع في تركيب الحكومات اللبنانية، وخصوصاً في اختيار مدراء قوى الأمن والمخابرات. وكان البلدان مثل الأوعية الدموية الناقلة المتصلة بحيث أن درجة الحرارة السياسية في أي واحد منهما تؤثر حتماً على الآخر(2).
«يفهم الجميع أن سوريا ولبنان بلدان شبيهان بإنجلترا وإيرلندا ، والولايات المتحدة وكندا: الجغرافيا والتاريخ يحتمان أن تكون العلاقة بينهما حميمة وصعبة»(3).
«وكل زائر يدعى إلى قصر الأسد يتلقى درساً مرهِقاً لساعات طويلة حول (سوريا الكبرى) والتي تعتبر لبنان عضواً من أعضاء سوريا»(4).
ولا تزال فكرة الوحدة السورية اللبنانية محل حديث، وأخذ ورد حول الفكرة وأصولها وأهدافها التي تسعى إليها، وهل ما زالت كما هي؟ وهل الأهداف التي كانت ترمي إليها الفكرة القديمة «الهلال الخصيب» أو «سوريا الكبرى» كما هي بغير خلاف مع كثرة الاختلافات في لبنان(5).
وبغضِّ النظر عن ذلك فإن لبنان يمثل أهمية استراتيجية كبيرة لسوريا.
وفي الوقت الذي بدأت مصر تستجيب للغزل الأمريكي الكيسنجري لتوقيع اتفاقية سلام مع «إسرائيل» كانت لدى سوريا رغبة في تحقيق السلام، والسعي إليه، ولكن كان كيسنجر و «إسرائيل» بعد توقيع اتفاقية سيناء الثانية لفصل القوات قد شكَّلا وضعاً عربياً مناسباً لهما وعلى هواهما، وكان الأمر الواقع الذي تمليه اتفاقية سيناء الثانية يعني أن تتضاءل سوريا لتصبح مجرد دولة ضعيفة أخرى على حدود «إسرائيل».
وهذا الوضع قد أصبح مقلقاً للقيادة السورية، وكان لا بد من البحث عن إطار يضمن لسوريا الهدوء إلى حين، ووجد الأسد هذا الإطار في إحياء فكرة «سوريا الكبرى» .
فأصبحت بلاد الشام والمشرق ساحته الأساسية المثيرة لاهتمامه. إلا أن سوريا لكي تقاوم فقد كانت بحاجة إلى وزن وثقل وعمق استراتيجي وحلفاء. ومن هنا تمت إعادة إحياء فكرة قديمة تعود إلى ما قبل التمزيق الفرنسي ـ البريطاني لخريطة المنطقة، وهي الوحدة الجوهرية لسوريا الطبيعية مع وجود دمشق في مركزها البؤري. كانت بلاد الشام غلافه الواقي ونقطة ضعفه المحتملة في الوقت نفسه، فأصبحت الميدان الاستراتيجي الذي يجب عليه أن يناضل لتجميعه تحت سيطرته.
وإلى عام 1975م تعود إذن اهتمامات الأسد الشديدة المكثفة بكل جوانب وطوايا وزوايا السياسية الفلسطينية، وكل تحول في اتجاه سير أقدام الملك حسين النشيطة، وكل فصل من فصول العذاب اللبناني.
وكانت أول حركة دفاعية قام بها الأسد هي زيارة نادرة للبنان في مطلع عام 1975م للاجتماع بالرئيس سليمان فرنجية. وقد أحيطت هذه الزيارة لشتورا في البقاع بضجة إعلامية، وكانت تشير إلى جعل العلاقة أوثق بين سوريا وجارها في تلك الأوقات العصيبة.
كما كان عبد الحليم خدام المتابع السوري المباشر للشأن اللبناني منذ ذلك الوقت ولمدة عشر سنوات، حتى لقبه اللبنانيون بـ «الوالي» وكانوا يتذمرون من سياسته كثيراً، وقالوا إن الحياة تحت إمرته أسوأ منها تحت الحكم الفرنسي. وبعد ثلاثة أشهر من اجتماع الأسد بفرنجية، وفي نفس اليوم من شهر مارس سنة 1975م الذي بدأ فيه كيسنجر عملية فصل القوات الثانية في سيناء، دعا الأسد منظمة التحرير الفلسطينية التي يترأسها ياسر عرفات للاشتراك مع سوريا في إقامة «قيادة موحدة»، وفي يونيو عندما اشتدت مغازلة كيسنجر للسادات ردّ الأسد باقتراح تشكيل قيادة موحدة أخرى مع حسين ملك الأردن هذه المرة. وفي 10/6/1975م قام بزيارة للأردن هي الأولى من نوعها يقوم لها حاكم سوري منذ عام 1957م، وأعلن تجدد روح التضامن المشرقي لبلاد الشام مؤكداً أن «سوريا والأردن كيان واحد، وبلد واحد، وأبناء شعب واحد له آمال واحدة ومصير واحد» وبما أن حسين كان ساخطاً؛ لأن كيسنجر تركه خارج خطط السلام، ومعرضاً أكثر من الأسد للقوة الإسرائيلية، فقد ردد صدى هذه العواطف في زيارة لدمشق في شهر أغسطس، وتبع ذلك شهر عسل طويل بين سوريا والأردن.
ولم يتعلق الأسد بأية أوهام حول القيمة العسكرية لهذه الروابط والعلاقات مع لبنان والفلسطينيين والأردن، فقد كانت اتفاقيات سياسية تعكس اهتمامه بحماية نفسه بممارسة نوع من السيطرة على البيئة المحيطة به مباشرة. لم تكن هناك ثقة كبيرة فيما بين الأسد وعرفات وحسين، فلقد التقى الزعماء الثلاثة لاشتراكهم في الأمل الواهي بكبح جماح «إسرائيل» فيما لو توثقت بينهم علاقة تضامنية ترص صفوفهم.
وكان الفلسطينيون في تحالف مع قوى اليسار(6) التي يتزعمها كمال جنبلاط «الدرزي»، وتشكل بهذا التحالف جبهة وطنية قوية تستطيع السيطرة على لبنان، وانتزاعها من يد الأقلية المارونية.
وعندما وقعت الحرب الأهلية في العام 1975م بين الجبهتين وجدت سوريا نفسها في مأزق يجرها بعيداً عن أهداف السلام الذي تسعى إليه، وفي ربيع 1976م بدأ الحصار يشتد على الموارنة، وبدأت القوات اليسارية تشم رائحة النصر.
__________________
khatm
|