الجزء التاسع ( حقيقة كفر وجرم حزب الله في لبنان فضحه الله)
من أين لك هذا!؟
=========
سؤال سوف يرد بلا شك على ذهن أي مطلع على حجم هذه الخدمات التي تُقدم، وسنورد حجم المبالغ التي تُنفق على حزب الله لينفقها بدوره على مشاريعه وأهدافه، وسنرى أن المورد الذي اعتمد عليه حزب الله كان سخياً.
«بالنظر إلى جانب المدارس الدينية وحجم الإنفاق على الطلبة والمدرسين فيها سنجد أن راتب العازب المقيم في المدرسة نفسها ألف وخمسمائة ليرة لبنانية (في صيف 1986م) (1)، أما راتب المتزوج فيبلغ ألفين وخمسمائة ليرة، وهذا رقم متوسط. ومع دولرة التداول وانتشارها ارتفع الراتب الأول إلى نحو مئتي دولار (من العام 1995م)، والثاني إلى نحو ثلاثمائة. أما المدرس فيُجرى عليه بقدر حاجته وأعبائه، ويرجح أن ما يتقاضاه المدرس لا يقل عن خمسة آلاف ليرة نقداً (1986م)، عدا الوظائف (الخدمات) التي تلازم الشؤون اليومية وتصريفها، وصار متوسط راتب المدرس نحو خمسمائة إلى ستمائة دولار»(2).
«كما تتولى «المؤسسات» مصاريف مالية وعيينة كبيرة، قياساً على ما كانت عليه القدرات اللبنانية في أثناء الحروب المتناسلة.
فإذا زيد على هذه المصروفات تكلفة الجهاز العسكري المحترف، ورواتب عديدة، وتكلفة الجهازين السياسي والأمني، وجهاز الدعاوة (الإعلام)، ألهبت جملة المصروفات مخيلة متصيدي الأخبار والأسرار.
فترجح تقدير الميزانية، بين العشرين مليون دولار والمئة والستين مليون دولار، ومهما كان من أمر التمويل الإيراني، ومن أمر تقدير الدخول والمصروفات النقدية والعينية، بما في ذلك السلاح، فلا شك في أنها تفوق قدرة التمويل الأهلي من طريق الحقوق والخُمس وغيرها من الدخول الشرعية الشيعية»(3).
وكان المال الإيراني يغرق لبنان عن طريق بعلبك منذ عام 1982م، ويغدق على التنشئة العسكرية لميليشيات حزب الله، كما يغدق للقيام بأعمال خيرية، كالمشافي والمدارس، ومن المؤكد أن هذا «المنَّ» يثير المطامع بين الجماعات السياسية ـ الطائفية اللبنانية التي تحاول توطيد وجودها في مناطقها، وهذا لا يعني ـ مع ذلك ـ أنه يوجد بينها اتفاق سياسي على تحقيق مخطط واضح جداً، حتى ولو كان هذا المخطط إيرانياً(4)
فكل له دور محدد.
ويقدر زين حمود، دخل «حزب الله» المالي النقدي من إيران بثلاثة ملايين دولار ونصف المليون في الشهر الواحد، بخلاف دخل شركات البناء والمقاولات والعقارات والاستشارات ومزارع الدواجن والسمك، وذلك منذ 1990م، أما علي نوري زاده، فذهب إلى أن دخل الحزب الخميني بلغ عشرين مليون دولار في عام 1992م، وخمسين مليون في 1991م، وقدر أن يبلغ مئة وعشرين مليوناً في 1992م، ومئة وستين في 1993م(5).
وتشير بعض المصادر إلى ارتفاع ميزانية حزب الله في عهد رفسنجاني إلى 280 مليون دولار(6).
وقد تواتر الخبر واستفاض العلم للقاصي والداني عن هذا الدعم الإيراني اللامحدود لحزب الله(7).
ولم تكن إيران وحدها على خط الدعم العام لحزب الله؛ فقد كانت سوريا شريكاً وحليفاً قوياً لإيران، وكان لهذا التحالف أثره على «حزب الله»، دعماً ومساندة سياسية، واستخداماً بما يتوافق مع أهداف الحليفين، لقد كان لهذا التحالف دور هام في تحديد مسار «حزب الله»، ولذلك فمن الضروري إلقاء نظرة عليه وقراءة لأوراقه.
-----------------------------
(1) أي قبل انهيار الليرة اللبنانية.
(2)دولة حزب الله، ص 135 ـ 136.
(3)المصدر السابق، ص 337 ـ 338.
(4) الإسلام الشيعي، عقائد وأيديولوجيات، يان ريشار، ص 212.
(5) حزب الله من الداخل، أسرار وخفايا، زين محمود، مجلة الشراع، 14/8/1995م، وانظر: د. وليد عبد الناصر، إيران دراسة عن الثورة والدولة، ص 83.
(6) مجلة المجلة، العدد: 1013، 11/7/1999م.
(7) انظر على سبيل المثال: حوار محمد حسين فضل الله مع مجلة الوسط، العدد: 222 / 11/2/1416هـ، وحوار حسن نصر الله مع مجلة المقاومة، العدد: 31، ص 6، ومقال: حرب حزب الله للاستقلال، رونين برجمان، صحيفة هآرتس اليهودية، 5/3/1999م
الحلفاء وقصة التحالف
حين يجتمع علماني قومي بعثي مع إسلامي شيعي متشدد، في تحالف وثيق ومتين، فإن هذا الحلف يشكل علامة استفهام كبيرة، خاصة إذا استمر هذا الحلف وطال أمده وازدادت قوته مع الأيام، والجانب العقدي من هذا التحالف له أثره البالغ في استمراره وديموميته ؛ إذ أن نقاط الاتفاق في هذا الجانب كثيرة ومتعددة، بيد أن الجانب التطبيقي السياسي وما يكتنفه من مصالح تتوافق وتتعارض بين الحين والآخر أضاف إلى البعد العقدي صورة أخرى وهو ما سنتعرض له هنا، ولقد كان لهذا الحلف السوري الإيراني مسوغات كبيرة لقيامه واستمراره، وهنا نعرض لكثير من جوانبه.
سوريا في لبنان:
سوريا ولبنان بالمفهوم العام عضوان للجسد نفسه، أو «شعب واحد في دولتين»(1) ولا تزال الذاكرة الحية لبعض الناس تعي كيف وَسَّع الفرنسيون منطقة الحكم الذاتي لجبل لبنان ليخلقوا منه جمهورية لبنان عن طريق اقتطاع شرائح كبيرة من سوريا كان سكانها من المسلمين؛ فالمدن الساحلية ـ طرابلس والأراضي الداخلية المحيطة بها، وبيروت نفسها وصور وصيدا ـ وكذاك وادي البقاع والجنوب، كانت كلها سورية قبل أن تصبح لبنانية؛ فالسوريون واللبنانيون كانوا من طينة واحدة في ثقافتهم وتنوع مذاهبهم الدينية وخلفيتهم العرقية ولهجتهم العامية المحلية وحتى في مآكلهم ومشروباتهم. وكان سكان البلدين مختلطين متمازجين بشكل كامل، مع وجود عائلات وأسر لا حصر لها تمتد فروعها عبر خط الحدود المصطنع الذي رسمه الفرنسيون.
ومثل هذا الالتصاق الحميم على أية حال لم يمنع وجود بعض الشك والتنافس يمتد حتى إلى القيمة النسبية لكل من الليرتين السورية واللبنانية، وكان النصارى اللبنانيون يخشون النزعة السورية لاسترجاع الأراضي التي اقتطعها الفرنسيون، كما كان السوريون بدورهم حذرين من الارتباط التقليدي لنصارى لبنان بالغرب، وعدم التزامهم بالقضية العربية، وعلى وجه العموم كان السوريون واللبنانيون يعرفون أن كلاً منهم ينتمي إلى الآخر.
وكان امتداد التأثير والتأثر في أي اتجاه مباشراً؛ فإن كلاً من السوريين واللبنانيين كانوا شديدي الحساسية لما يحدث في البلد الآخر.
وكان أي انقلاب في دمشق موضوعاً لتكهنات وتنبؤات قلقة في بيروت، بينما كانت دمشق تحاول دوماً أن يكون لها رأي مسموع في تركيب الحكومات اللبنانية، وخصوصاً في اختيار مدراء قوى الأمن والمخابرات. وكان البلدان مثل الأوعية الدموية الناقلة المتصلة بحيث أن درجة الحرارة السياسية في أي واحد منهما تؤثر حتماً على الآخر(2).
«يفهم الجميع أن سوريا ولبنان بلدان شبيهان بإنجلترا وإيرلندا ، والولايات المتحدة وكندا: الجغرافيا والتاريخ يحتمان أن تكون العلاقة بينهما حميمة وصعبة»(3).
«وكل زائر يدعى إلى قصر الأسد يتلقى درساً مرهِقاً لساعات طويلة حول (سوريا الكبرى) والتي تعتبر لبنان عضواً من أعضاء سوريا»(4).
ولا تزال فكرة الوحدة السورية اللبنانية محل حديث، وأخذ ورد حول الفكرة وأصولها وأهدافها التي تسعى إليها، وهل ما زالت كما هي؟ وهل الأهداف التي كانت ترمي إليها الفكرة القديمة «الهلال الخصيب» أو «سوريا الكبرى» كما هي بغير خلاف مع كثرة الاختلافات في لبنان(5).
وبغضِّ النظر عن ذلك فإن لبنان يمثل أهمية استراتيجية كبيرة لسوريا.
وفي الوقت الذي بدأت مصر تستجيب للغزل الأمريكي الكيسنجري لتوقيع اتفاقية سلام مع «إسرائيل» كانت لدى سوريا رغبة في تحقيق السلام، والسعي إليه، ولكن كان كيسنجر و «إسرائيل» بعد توقيع اتفاقية سيناء الثانية لفصل القوات قد شكَّلا وضعاً عربياً مناسباً لهما وعلى هواهما، وكان الأمر الواقع الذي تمليه اتفاقية سيناء الثانية يعني أن تتضاءل سوريا لتصبح مجرد دولة ضعيفة أخرى على حدود «إسرائيل».
وهذا الوضع قد أصبح مقلقاً للقيادة السورية، وكان لا بد من البحث عن إطار يضمن لسوريا الهدوء إلى حين، ووجد الأسد هذا الإطار في إحياء فكرة «سوريا الكبرى» .
فأصبحت بلاد الشام والمشرق ساحته الأساسية المثيرة لاهتمامه. إلا أن سوريا لكي تقاوم فقد كانت بحاجة إلى وزن وثقل وعمق استراتيجي وحلفاء. ومن هنا تمت إعادة إحياء فكرة قديمة تعود إلى ما قبل التمزيق الفرنسي ـ البريطاني لخريطة المنطقة، وهي الوحدة الجوهرية لسوريا الطبيعية مع وجود دمشق في مركزها البؤري. كانت بلاد الشام غلافه الواقي ونقطة ضعفه المحتملة في الوقت نفسه، فأصبحت الميدان الاستراتيجي الذي يجب عليه أن يناضل لتجميعه تحت سيطرته.
وإلى عام 1975م تعود إذن اهتمامات الأسد الشديدة المكثفة بكل جوانب وطوايا وزوايا السياسية الفلسطينية، وكل تحول في اتجاه سير أقدام الملك حسين النشيطة، وكل فصل من فصول العذاب اللبناني.
وكانت أول حركة دفاعية قام بها الأسد هي زيارة نادرة للبنان في مطلع عام 1975م للاجتماع بالرئيس سليمان فرنجية. وقد أحيطت هذه الزيارة لشتورا في البقاع بضجة إعلامية، وكانت تشير إلى جعل العلاقة أوثق بين سوريا وجارها في تلك الأوقات العصيبة.
تابع انشاء الله
__________________
khatm
|