الحمد لله رب العالمين وبعد
إن اعطاء الطفل حقه ، وقبول الحق الحق منه ، يغرس في نفسه شعورا إيجابيا نحو الحياة ، ويتعلم أن الحياة أخذُ وعطاء ، كذلك فإنه تدريب للطفل على الخضوع للحق ، فيرى أمامه قدوة صالحة ، وإن تعود العدل في قبول الحق ، ورضوخه له ، تتفتح طاقته لترسم طريقها في التعبير عن نفسه ، ومطالبته بحقوقه ، وعكس هذا يؤدي إلى كبتها وضمورها.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستإذن غلاما على يمينه لكي يتنازل عن حقه ليعطيه للكبير ، الذي على يساره ، فإذا بالطفل لا يؤثر سؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه لأحد أبدا ، فعيطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء ليشرب ، ويهنأ في الاستمتاع بحقه.
الحديث اخرجه البخاري ، ومسلم
فهل هناك شخص اعلى مكانة من النبي صلى الله عليه وسلم واسمى منزلة وارفع جاهاً؟ ..كلا ...والف كلا..فهو قبل الحق من الصغير ، وهو علمنا ووجهنا أن نقبل الحق من الصغير دون تكبر ، أو استعلاء ، أو تجعرف على الصغير.
قد وجاء في حديث عن ابن مسعود قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم علمني كلمات جوامع نوافع فقال
((اعبد الله ، ولا تشرك به شيئا ، وزل مع القرآن أينما زال ، واقبل الحق ممن جاء به صغيرا أو كبيرا وإن كان بغيضا بعيدا ، واردُدِ الباطل ممن جاء به صغيرا أو كبيرا ، وإن كان حبيباً قريباً)).
فهذا أبو حنيفة _رحمه الله _ اتَّعظَ بمقالة طفل صغير، حينم رأى الإمام الطفل يلعب بالطين ، فقال للطفل : إياك والسقوط في الطين ، فقال الغلام الصغير للإمام الكبير : إياك انت من السقوط ، لإن سقوط العالِم سقوط العالَم ، فما كلن من ابي حنيفة إلا أن تهتزّ نفسه لهذه المقولة ، فكان لا يُخرِّج فتوى ((بعد سماع هذه المقالة من الطفل الصغير )) إلا بعد مدارستها شهراً كلملا مع تلامذته.
وهذا عمر بين عبد العزيز لما ولّي الخلافة ، وبدأت الوفود تزوره لتهنئته بالمنصب الجديد ، تقدم احد الوفود غلام صغير ليتكلم باسم الوفد ، فقال الخليفة عمر : أما وجد القوم مَنْ هو أسن منك ليتكلم ؟! فقال الغلام : يا امير المؤمنين لو كان الامر في كبر السن لكان من هو اكبر منك في مقامك هذا ......يل امير المؤمنين ! أما علمت أن المرء بأصغريه : لسنه وقلبه؟! فقال الخليفة عمر : عظني يا غلام ! فوعظه حتى ابكاه .
فهذه هي النفوس العظيمة ، والرؤوس المليئة بالعلم والمعرفة ، تتقبل النصح ، والارشاد من الاطفال ، وتسمع اليهم بتواضع ، وتستفيد من آرائهم ،
فيصححون من أفكارهم وطريقتهم ، جعلني الله وإياكم سائرين على هداهم ، وأن نقبل الحق من الصغير والكبير.