اخر بيانات عطوان ...
جاءني هذا الايميل فقلت نطرحه لأنه عن القضية
بسم الله الرحمن الرحيم
فتاوي تجريم الانتفاضة
في الوقت الذي تخرج فيه الجماهير العربية والاسلامية للتظاهر في شوارع العواصم والمدن احتفالا بدخول الانتفاضة الفلسطينية عامها الثالث، يتسابق المسؤولون الفلسطينيون الكبار في جلدها والحديث عن سلبياتها، والغمز من قناة استمرارها والقائمين عليها من الشبان الذين يقدمون حياتهم يوميا في مواجهات دامية مع الدبابات وطائرات الاباتشي الاسرائيلية.
محمود عباس (ابو مازن)، ياسر عبد ربه (وزير الثقافة والاعلام) وعبد الرزاق اليحيي (وزير الداخلية)، نبيل عمرو (وزير مقال)، ومحمد رشيد (خالد سلام سابقا) المستشار الاقتصادي للرئيس، كلهم اجمعوا في توقيت واحد، وفي فتاوي متعددة علي خطأ عسكرة الانتفاضة، وألقوا باللوم في تدهور الاوضاع بالتساوي علي العنف الاسرائيلي الزائد ، والعنف الفلسطيني غير المنضبط.
حتي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الخارج لتوه من تحت الحصار المهين والمذل الذي فرضه عليه آرييل شارون للمرة الثانية في اقل من ستة اشهر، حرص علي ان تكون اول جملة ينطق بها بعد مغادرته غرفة مكتبه هي وقف اطلاق النار.
الآن، وبعد سقوط 2500 شهيد، واكثر من 39 الف جريح، خمسة آلاف منهم في حال اعاقة كاملة، وتدمير حوالي عشرة آلاف منزل، يقولون لنا، وبدم بارد ان عسكرة الانتفاضة كانت خطيئة، ولولا الحياء، والخوف من غضبة الجماهير، لذهبوا الي ما هو ابعد من ذلك، وقالوا ان الانتفاضة بالاساس كانت خطأ.
لا احترام لدماء الشهداء واسرهم، لا تقدير لتضحيات المصابين الاحياء، ولا خجل من آلاف الاسري الذين يقبعون حاليا في السجون الاسرائيلية. جميع هؤلاء مخطئون، وهؤلاء هم وحدهم علي حق.
وحتي نكون علميين، وموضوعيين، نسأل هؤلاء الحكماء عن اسباب صمتهم طوال العامين الماضيين، مثلما نسألهم عن البديل الذي يقترحونه للانتفاضة وعسكرتها؟
الانتفاضة بدأت سلمية، ولجأت الي الحجارة، تماما مثل الانتفاضة الاولي، ولكن ما عسكرها هو رد الفعل الاسرائيلي الوحشي عليها، حيث سقط في الاسابيع الستة الاولي منها اكثر من مئتي شهــــــيد، اكثر من نصفهم من الاطفال. ولا بد ان هؤلاء الحكماء و المعتدلين شاهدوا الجنود الاسرائيليين وهم يقتلون الشهيد محمــــد الدرة بــــدم بارد، ودون اي رحمة او شفقة، رغم استغاثات والده المتكررة بوقف اطــلاق الرصاص.
الاسرائيليون هم الذين عسكروا الانتفاضة، وهم الذين دفعوا ابناء الشعب الفلسطيني للجوء الي السلاح للدفاع عن انفسهم في مواجهة هذا التغول الاسرائيلي في القتل وسفك الدماء.
نفهم لو ان هؤلاء الحكماء، ومعظمهم من المفاوضين السابقين واللاحقين، نجحوا علي موائد المفاوضات، واجبروا الاسرائيليين، بدبلوماسيتهم الماهرة، علي احترام الاتفاقات التي وقعوها معهم في باحة البيت الابيض، وتنفيذها بالكامل طوال السنوات السبع العجاف من عمر اتفاقات اوسلو وما تفرع عنها من اتفاقات في القاهرة وطابا وغيرها، ولكن المفاوضات كانت مهزلة بكل المقاييس، وتشكل وصمة عار في تاريخ الشعب الفلسطيني.
وربما يفيد تذكير هؤلاء، الذين يتباكون علي مرحلة ما قبل الانتفاضة، بأنه في الوقت الذي كانوا يتفاوضون فيه، ويسبح البعض منهم مع نظرائهم الاسرائيليين في طابا، أو يلعبون معهم التنس، ويقومون برحلات تسوق في استكهولم واوسلو وكوبنهاغن، كانت الحكومة الاسرائيلية تبني مستوطنات جديدة، وتتوسع في بناء ما هو قديم منها، حتي ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية وحدها، ودون القدس المحتلة، من مئة الف الي مئة وعشرين الف مستوطن.
انتقال الانتفاضة من العصيان المدني الي العسكرة، مسح عار اتفاقات اوسلو، ووضع حدا لمسلسل التنازلات المخجل، واعاد للانسان الفلسطيني كرامته وعزة نفسه، مثلما اعاد اليه مكانته التي يستحقها بين الشعوب، والعربية منها خاصة.
الانتفاضة فضحت الوجه العنصري الاسرائيلي امام العالم بأسره، وجعلت كبير حاخامات اليهود في بريطانيا يحذر من خطورة ممارسات الجيش الاسرائيلي الوحشية ضد الاطفال والابرياء في فلسطين علي الدين اليهودي وقيمه وتعاليمه.
وعلي اي حال، اذا كان الرئيس عرفات وكبار مساعديه يعتقدون ان الانتفاضة انحرفت عن اهدافها، فهم الذين يتحملون المسؤولية كاملة عن ذلك، وليس الشعب الفلسطيني، فالرئيس عرفات و حكماؤه هم القيادة، والقيادة تتحمل مسؤولية الاخطاء بالشجاعة المفترضة، وتستقيل.
نشم رائحة صفقة في الافق مع الولايات المتحدة واسرائيل علي حساب الشعب الفلسطيني، نشم رائحة حنين من البعض الي ايام المفاوضات و ايام العز مع الاسرائيليين. مثلما نشم رائحة مستوزرين يبحثون عن مواقع جديدة، او المحافظة علي مواقع قديمة، في المرحلة الجديدة.
الشعب الفلسطيني الذي اسقط وزارة الفساد والفاسدين، وتصدي لاصحاب المشاريع الاصلاحية المشبوهة، هذا الشعب لم يعد قاصرا، ولم يعد غبيا، وبات يملك حسا عاليا في التمييز بين ما هو وطني، وبين ما هو غير وطني. ولذلك فان اساليب الفهلوية القديمة لم تعد تنطلي عليه، ومن يعتقد غير ذلك سيدفع ثمنا باهظا لهذا الاعتقاد.
عبد الباري عطوان
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)
|