# قــراءة القـرآن باالألحــان:
يثور التساؤل كثيراً عن حكم الترنم بقراءة القرآن الكريم ، والتطريب به على أوزان الألحان الموضوعة للأغاني والنغمات المحدثة المركبة على الأوزان المستمدة من قانون الموسيقى ، وذلك بعد ابتلائنا بمجموعة من قرّاء القرآن يراعون في قراءتهم له هذه النغمات على حساب قواعد الترتيل المعروفة .
وليس ثمّة خلاف بين العلماء على استحباب تحسين الصوت وترقيقه بقراءة القرآن مع ترتيله وتنغيمه على الوجه المشروع ، بحيث لا يخرج باالقراءة عن شرط الأداء المعتبر عند أهل العلم باالقراءات ، يدل لهذا: ما رُوي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ زيِّنوا القرآن بأصواتكم ] ، وما روي عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ما أذن لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت باالقرآن يجهر به ] أي أنّ الحق سبحانه لا يستمع مثل استماعه لنبي إذا قرأ القرآن الكريم حسَّن صوته به ، مع تحزينه وترقيقه ، واستماع الله تعالى لمن يحسن صوته باالقراءة ، يراد به إكرام القارئ وإجزال ثوابه ، وما روي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: [ لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة ، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود ] ، وفي رواية أخرى بزيادة قول أبي موسى: ( أما والله لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبَّرتها لك تحبيرا ) والتحبير: هو التحسين والتزيين .
كما أنه لا خلاف بين العلماء على حرمة قراءة القرآن باالألحان ، إذا أفرط القارئ بها في المد والتمطيط ، وإشباع الحركات ، بحيث يجعل من الضمة واوا ، ومن الفتحة ألفا ، ومن الكسرة ياء ، أو أخفى حرفا، أو أخرجه من مخرجه الصحيح ، أو ترتب على القراءة باالألحان تغيير المعنى بكثرة الترجيعات ، أو اخراج لفظ القرآن عن صنعته ، بإدخال حركات فيه ، أو اخراج حركات منه يقصد بها قرن الكلام وانتظام اللحن ، أو مد المقصور ، أو قصر الممدود ، أو إدغام ما لا يجوز إدغامه .
وأنه لا خلاف بين العلماء كذلك على حرمة سماع مثل هذه القراءة ، وقد قال بعض فقهاء الشافعية: أنه يجب على ولي الأمر زجر أمثال هؤلاء القرّاء ، وتعزيرهم واستتابتهم ، ويجب على كل مكلف إنكار ذلك إن تمكن منه .
وقد اختلف الفقهاء في حكم قراءة القرآن باالألحان إذا لم يترتب عليها ما سبق أن منعه الفقهاء ، فمنهم من قال بكراهتها تحريماً ، ومنهم من قال بجوازها ، ومما استدل به الفريق الأول ، ما روي عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الكبائر والفسق ، فإنه سيجئ من بعدي أقوام يرجعون باالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح ، لا يجاوز حناجرهم ، مفتونة قلوبهم ، وقلوب الذين يعجبهم شأنهم ] ، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أشراط الساعة ، ,ذكر منها: [ أن يتخذ القرآن مزامير ، يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم ، إلاّ ليغنيهم غناء ] ، وما روي عن أبي بكر قال: [ كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد ، ليس فيه ترجيع ] أي لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد صوته باالقراءة كقراءة أصحاب الألحان ، وروي: ( أنّ زياداً النهدي جاء إلى انس بن مالك مع القرّاء ، فقيل له: اقرأ ، فرفع صوته وطرب في القراءة ، فكشف أنس عن وجهه ، وقال: يا هذا ما هكذا يفعلون ) ، يقصد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأنّ التطريب باالقراءة يتضمن همز ما ليس له بمهموز ، ومد ما ليس بممدود ، وترجيع الألف الواحدة ألفات ، والواو واوات ، ,الياء ياءات ، فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن ، وهذا ما لا يجوز ، ولأنه لا حد لما يجوز من التطريب باالقراءة وما لا يجوز ، وهذا يؤدي إلى أن يطلق القارئ لنفسه العنان في ترديد الأصوات ، وتنوع الإيقاعات والألحان ، كما يفعل أهل الغناء ، مما يترتب عليه تغيير كتاب الله تعالى ، والتغني به على نحو ألحان الغناء ، اجتراء على الله تعالى وكتابه وتلعباً باالقرآن ، وركوناً إلى تزيين الشيطان ، ولا يجيز هذا أحد من علماء المسلمين ، ولأن قراءة القرآن باالألحان ، خروج عمّا ينبغي اتباعه عند قراءته أو سماعه ، من الخشوع والتفهم والتدبر لآياته ، ومما استدل القائلون بجواز قراءة القرآن باالألحان ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ ليس منّا من لم يتغن باالقرآن ] وما روي عن عبدالله بن مغفل قال: [ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو على ناقته وهي تسير به ، وهو يقرأ سورة الفتح ، أو من سورة الفتح ، قراءة لينة ، يقرأ ويرجِّع ] ثم قرأ ابن مغفل على نحو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ .
والذي تركن النفس إليه في هذه المسألة ، أنّ التطريب باالقراءة إن كان مما يقتضيه تحسين الصوت باالقرآن ، ولم يكن فيه تكلف أو تصنع ، وروعيت في القراءة أحكام التلاوة ولم يترتب على هذا التطريب إخراج الكلم عن مواضعه ، أو تغيير الكلمات ، أو جعل الحركات حروفاً أو ما شابه ذلك ، فلا كراهة فيه ، وأمّا إذا كان التطريب باالقراءة عن تكلف وتصنع وتأنق ، وإتباع لقواعد ألحان الموسيقى ، وكان هذا هو الشغل الشاغل للقارئ ، بحيث أغفل في سبيل مراعاة الألحان أحكام التلاوة ، فإنّ هذه القراءة يكره إتيانها وسماعها .
( منقول: جريدة الخليج _ ملحق: الدين والحياة / مقال لـ: أ. د . عبد الفتاح إدريس ) .