الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته الحلقة (81)
الكف عمن أظهر الإسلام أو شعاره.
الهدف الرئيس من الجهاد، هو إعلاء كلمة الله، وسيأتي الكلام على أهداف الجهاد في موضعه من هذا البحث..
فإذا أظهر بعض الكفار المحاربين أثناء المعركة كلمة الإسلام "الشهادتين" أوقال: أنا مسلم أو حياهم بتحية الإسلام، وجب على المسلمين الكف عنه وعدم قتله أو قتاله..
وهذا من محاسن الإسلام الذي يوجب على المسلم، أن يكف عن عدوه، وهو في حالة غليان عليه في وقت مقارعة السيوف..
وقد يكون الذي أظهر الإسلام ممن أعمل سلاحه في المسلمين، وهم يتمنون أن يشفوا صدورهم منه..
ويجوز أن يكون في واقع الأمر غير معتقد ما أظهره، وإنما أراد أن يخلص نفسه من القتل..
ومع ذلك أوجب الله على المسلمين العمل بالظاهر والتثبت من الحقيقة.
كما قال تعالى: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً )) [النساء: 94].
وفي الآية تذكير للمؤمنين بأن نعمة الإيمان هي نعمة من الله بها عليهم، وقد كانت هذه النعمة قبل أن يمن عليهم بها مفقودة منهم، والذي من عليه بنعمة الإسلام، قادر أن يمن على عدوهم في لحظة القتال، فلا ينبغي أن يستبعد المسلمون أن يهدي الله عدوهم للإسلام في تلك اللحظة.
ولا يجوز لهم أن يتأولوا أن ذلك إنما حصل إتقاء للقتل، فالهداية بيده سبحانه ((
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) [سورة القصص: 56].
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
لقي ناس من المسسلمين رجلاً في غنيمة له، فقال: السلام عليكم، فأخذوه فقتلوه، وأخذوا تلك الغنيمة، فنزلت ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً )) [ النساء: 94 ] [ والحديث رواه البخاري رقم الحديث 4591، فتح الباري (8/258) ومسلم (4/2319) رقم الحديث 3024، واللفظ لمسلم].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"
وفي الآية دليل على أن من أظهر شيئاً من علامات الإسلام، لم يحل دمه حتى يختبر أمره، لأن السلام تحية المسلمين، وكانت تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك، فكانت هذه علامة، وأما على قراءة السَّلم – على اختلاف ضبطه - فالمراد به الانقياد، وهو علامة الإسلام، لأن معنى الإسلام في اللغة الانقياد، ولا يلزم من الذي ذكرته الحكم بإسلام من اقتصر على ذلك وإجراء أحكان المسلمين عليه، بل لا بد من اللفظ بالشهادتين..". [الفتح (8/259)].
وقال الإمام ابن جرير عند تفسير الآية الآنفة الذكر:
((
فَتَبَيَّنُوا )): "
يقول فتأنوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه، ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تقدموا على قتل أحد، إلا على قتل من علمتموه يقيناً حرباً لكم ولله ولرسوله". [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (5/221)].
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره:
"
والمسلم إذا لقي الكافر ولا عهد له، جاز له قتله، فإن قال: لا إله إلا الله لم يجز قتله، لأنه قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من دمه وماله وأهله، فإن قتله بعد ذلك قتل به.
وإنما سقط القتل عن هؤلاء ـ يعني بعض الصحابة الذين قتلوا من ألقى إليهم السلام ـ لأجل أنهم كانوا في صدر الإسلام، وتأولوا أنه قالها متعوذاً وخوفاً من السلاح، وأن العاصم قولها مطمئناً..
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها عاصم كيفما قالها..
ولذلك قال لأسامة :
(
أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ ) أخرجه مسلم [صحيح مسلم (1/96)] أي تنظر أصادق هو في قوله أم كاذب، وذلك لا يمكن، فلم يبق إلا أن يبين عنه لسانه..
وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظواهر، لا على القطع وإطلاع السرائر". [الجامع لأحكام القرآن (5/338)].
موقع الروضة الإسلامي..
http://216.7.163.121/r.php?show=home...enu&sub0=start