ضحى حداد
5/8/1425
19/09/2004
ف. طيبة: منظر الدبابات وقوات الاحتلال يمنعني من أن أفكر بأي شي جميل.
إسراء: أصبحت أكثر إرادة وإصراراً على تحقيق أهدافي.
يسرى: المراهقة العراقية ليست فتاة عابثة بل هي امرأة كاملة وقادرة على بناء أسرة.
مروة: أدعو الله ليل نهار ليخلصنا من الاحتلال؛ لأني أشعر أن مستقبلي غامض ومجهول معهم.
د. الزوبعي: الحلم عند الفتاة يبقى ولا يتغير؛ فيراودها دائما ولكن الذي يحدث هو أن بعض التغيرات تطرأ على هذا الحلم.
د. حمزة: الأمن الذاتي للمرأة شيء مهم فعندما يهدّد هذا الأمن تقلّ اهتماماتها بالمسائل الأخرى.
في خضم أوضاع غير مستقرة حدثت للعراق وتغيرات عديدة خلفت وراءها مزيجاً من الأزمات والإرهاصات؛ فكونت السلبية والايجابية في داخل هذا المجتمع، وخاصة عند فئة معينة ربما يتجاهلها البعض إلا أنها شريحة مهمة جداً. من هنا يبدأ الكلام:
فتيات يافعات في عمر الزهور يحلمن بمستقبلهن، ويضعن خطوطاً لآمالهن وأحلامهن بالفارس الذي يمتطي صهوة الحصان ليخطف حداهن من حياة إلى أخرى أروع وأجمل وتعيش معه في ثبات ونبات وهذا الحلم الورديّ يكبر ويتسع يوماً بعد يوم فيصبح مثل فقّاعة كبيرة تعيش هذه الفتاة بداخلها لتكوّن عالماً خاصاً بها وفجأة تنفجر هذه الفقاعة ويتطاير معها كل شيء: الأحلام والزهور وحتى الألوان وتتلون السماء بالأسود، الأرض باللون الأحمر وهي لا تعرف ماذا تفعل؟ تركض يميناً وشمالاً تتلفت تبحث عن أهلها وأصحابها فتجد بعض الناس يركضون تارة وأخرى يبكون، ويحمل بعضهم الجثث التي أكسبت الأرض اللون الأحمر ديار مهدمة وأطفال يصرخون تصاب هذه الفتاة بصدمة فهي لا تعرف ما ذا تفعل؟ هل تحزن على الفقاعة التي تلاشت في الهواء وتلاشت معها جميع أحلامها أم تحزن على الدمار الذي حل بأرضها وأهلها وبعد سنين من هذه الإحداث تحتار هذه الفتاة: هل عليها أن تمسح دموعها وتعيد بناء عالمها الخاص؟ أم هي خائفة لا تعرف ما الذي ينتظرها؟ هذا هو حال الفتاة العراقية والمراهقة بشكل خاص حيث التقى (موقع الإسلام) اليوم بعدد من الفتيات ليحدثننا كيف ينظرن إلى مستقبلهن بعد الاحتلال:
(ف. طيبة) أربعة عشر عاماً طالبة في مرحلة الثانوية تقول: أنا مثل جميع الفتيات كنت أفكر بالزواج والاستقرار، وكان حلمًا جميلاً ولكن بعد الأحداث تغيرت نظرتي للأمور فمنظر الدبابات وقوات الاحتلال يمنعني من أن أفكر بأي شي جميل أشعر أن مستقبلي مجهول؛ فأخاف أن أتزوج فيتعرض زوجي للقتل أو الاعتقال أو أخاف أن يموت أطفالي في انفجار ما؛ لذلك فأنا أخاف من التفكير في هذه المواضيع منتظرة أن يحدث الله أمراً أو فتحاً قريباً.
أما زميلتها (إسراء خمسة عشر عاماً) وهي طالبة كان لها رأي مغاير فتقول: إن موضوع رؤية مستقبلي في ظل الاحتلال -أخرجهم الله من بلدنا العزيز- لا يجب التغاضي عنه؛ فعلينا مقاومته بكل الوسائل، منها: أن نصنع جيلاً قوياً لكي يستطيع التغلب على الأعداء لذلك فأنا مؤمنة بقضاء الله وقدره فإن لم تمت بالسيف مت بغيره لذلك فإن تفكيري بمستقبلي قبل الأحداث هو نفسه بعدها بل إنني أصبحت أكثر إرادة وإصراراً على تحقيق أهدافي وأتأمل خيراً في حياتي ومستقبلي، وأتوقع أن ينتهي الاحتلال، ومنظر الدبابات ربما يدفعني إلى الاستمرار والمقاومة إلى ما لا نهاية.
أما بالنسبة (ليسرى ابنة التسعة عشر عاماً) هي ربة منزل لم يحالفها الحظ لإكمال دراستها فتقول: أنا أعتقد أن البنت العراقية يجب أن تفكر بعقل أكبر من عمرها؛ فأنا أشعر أنه يجب عليّ أن أفكر بأنني أكبر من سني بأعوام فالأحداث الأخيرة أجبرتنا على أن نفكر كذلك فالمراهقة العراقية ليست فتاة عابثة غير ناضجة بل هي امرأة كاملة وقادرة على بناء أسرة ومواجهة معترك الحياة لوحدها.
خوف وحرمان من التعليم
وهناك قصص ممزوجة بالحسرة والألم فمثلا (مروة سبعة عشر عاماً) منعها والدها من ارتياد المدرسة خوفاً عليها من حوادث الانفجارات والاختطاف، فتقول: توسّلت إلى أبى كثيراً لكي أرجع إلى المدرسة، لكنه يقول لي بأنه يفعل ذلك لمصلحتي وكان يردّد هذه العبارة دائماً (ما الذي ستفعله لنا المدرسة إذا فقدناك؟) تألمت كثيراً وتحسرت، فلو لم يأت الاحتلال لكنت الآن قد أكملت دراستي ولكن بعد فترة لم أيأس فأنا الآن أذهب في دورات لتعليم فن الخياطة في مكان قريب من منزلنا والحمد لله وشعوري الآن هو صعب جداً عندما أشاهد الفتيات يذهبن إلى المدرسة وأنظر إلى قوات الاحتلال، والتي بسببها حصل لي هذا لذلك فأنا أدعو الله ليل نهار ليخلصنا منهم؛ لأني أشعر أن مستقبلي غامض ومجهول معهم.
بينما تحكي لنا (ملاك اثنتان وعشرون عاماً) طالبة جامعية تقول: أصبت بانهيار عصبي عندما دخل الاحتلال إلى العراق فلا أنفك أثور كلما سمعت خبراً عنهم، ولا أتحمل رؤية الجنود؛ فإذا كنا نمشي في شارع تتواجد فيه قوات الاحتلال أخذتني والدتي إلى شارع آخر لأنها تعرفني بأنني أكرههم بشدة، ولا أعرف أي تصرف سيصدر مني إذا واجهتهم لقد أثر ذلك عليّ كثيراً، لكن قد تستغربون إذا قلت لكم بأن ذلك يؤثر عليّ بشكل إيجابي؛ فقد أعدت النظر في تفكيري وحساباتي، وقد مدني ذلك -ولله الحمد- بقوة كبيرة فكنت سابقاً لا أكترث بالكثير من الأمور، ولكن بعد الاحتلال صرت أهتم بأدق التفاصيل في حياتي، وأشعر أن كل عمل أقوم به هو من اجل خدمة بلدي وديني؛ لذلك فأنا أحرص من خلال دراستي وعملي بل وحتى علاقاتي أن أسخر جهودي في مقاومة الاحتلال وعلى الرغم من النظرة التشاؤميّة لبعض الناس والتي تكمن في استحالة إخراج الاحتلال لكن يجب علينا أن نتفاءل بمستقبلنا، وهذا ما أنا عليه الآن وأتبع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تفاءلوا بالخير تجدوه)
وفي جولة سريعة أخذ موقع (الإسلام اليوم) انطباعَ عددٍ من الفتيات في سؤال موحد: هل تتفاءلن بمستقبلكن؟
ذكرى طالبة جامعية عشرون عاماً: نعم، أنا متفائلة لأنني لو تشاءمت لانتهت الحياة فأنا أتأمل خيراً وأحاول أن أتكيف مع هذا الوضع الصعب وأتمنى أن أتخرج من كليتي، وأعمل في مجال المحاسبة، ولا يوجد شيء يمنعني من ذلك بإذن الله.
آمنة تعمل في إحدى الشركات ستة عشر عاماً: في الحقيقة رؤيتي لمستقبلي غامضة لا أعرف ما الذي ينتظرني أما بالنسبة للتفاؤل فهو متذبذب عندي.
مجموعة من الفتيات في مرحلة الإعدادية تتراوح أعمارهن بين (14- 15 عاماً): فيجمعن على رأي واحد وهو التفاؤل والاستعداد الكامل للمستقبل والدراسة وعندما سألناهن عن رأيهن بالقوات الأمريكية قلن: إننا نخالف الرأي القائل بأن القوات الأمريكية جاءت لتحريرنا؛ فنحن نعرف جيداً بأنها قوات غاصبة ومحتلة، ونأمل من الله أن يخرجوا أذلاء مهزومين من أرضنا.
الرأي النفسي والاستشاري
هذه آراء عينة من المراهقات أما رأي علم الاجتماع في هذا الموضوع فقد تحدث موقع (الإسلام اليوم) إلى الدكتور كريم حمزة (أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد والاستشاري في قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة) عن هذا الموضوع فقال: الأمن الذاتي للمرأة شيء مهم فعندما يهدّد هذا الأمن تقلّ اهتماماتها بالمسائل الأخرى فقد تعرضت الفتاة إلى جملة من المخاطر كالاختطاف والاغتصاب وغيرها؛ مما أدى بها إلى أن تفكر بأسلوب آخر يميل نحو الخوف على نفسها والحذر الشديد وتخضع الفتاة العراقية بشكل عام لعواطف متضاربة وتغيرات فسيولوجية مقابل ما يحدث في الشارع العراقي فتشعر بإحباط شديد حيث إنها تميل للأمومة الهادئة فإذا كانت حالة الأم مفقودة فتشعر بالخطر المحدق مما يدعوها إلى تأجيل التفكير في هذا الموضوع ولكن بالرغم من هذا فقد تكيفت هذه الفتاة بنوع من التكيف جرّاء هذه الأحداث وأصبحت تتأقلم مع هذه الظروف التي أجبرتها على ذلك.
ومن وجهة نظري أرى أن الارتقاء بالفتاة العراقية لا يأتي إلا من خلال وضع استراتيجية تتناسب والمرحلة الحالية في نفس الوقت تشكلت الكثير من المنظمات ولكل منظمة مرجعية في التفكير وتتبع اتجاهاً معيناً مما أدى إلى تشتت الفتاة ذاتياً لذلك فقد عقدنا لجنة لوضع خطوط عامة للنهوض بالاستراتيجية للمرأة حيث وكلت أنا من قبل وزيرة العمل برئاسة اللجنة الوطنية هذه بمساعدة الأعضاء كالدكتورة حميدة سميسم أستاذة الحرب النفسية في كلية الإعلام/ جامعة بغداد وغيرهن من الأعضاء فركزنا على جوانب مهمة مثل: ماذا تريد الفتاة العراقية؟ وهل توافق على مفهوم المساواة بينها وبين الرجل؟ وما هو المفهوم المناسب الذي لا يعرّض النساء لموقف سلبي مع الرجال؟
وعندما وزعنا هذه الأسئلة على عينة من الفتيات وجدنا أن النسبة الكبيرة منهن
لا تعرف ماذا تريد تحديداً أو قد تطلب أشياء صعبة التحقيق بالنسبة لظروفها، ونسبة أخرى تتفاوت في رؤيتها للتعامل مع الرجال لذلك ركزنا جهودنا في هذه اللجنة للارتقاء بالفتاة العراقية وتوضيح الرؤية لديها لرسم مستقبل أفضل.
وفي هذه الحالة يجب التعرف على نفسية الفتاة العراقية من الداخل وكيف تفكر وما هي انطباعاتها لذلك التقى موقع (الإسلام اليوم) بالدكتور (حميد الزوبعي - دكتور في الطب النفسي وعضو جمعية الباراسيكولوجيين العراقيين) حيث أخبرنا أنه:
الحلم عند الفتاة يبقى ولا يتغير؛ فيراودها دائما ولكن الذي يحدث هو أن بعض التغيرات تطرأ على هذا الحلم لكن يبقى الحلم هو نفسه، وقد يتغير هذا عند البعض لكن ليس بصورة كاملة، وما يحدث هنا في العراق من تغيرات أمنية وحروب كثيرة أدّى إلى حدوث تخوفات داخل نفس الفتاة العراقية؛ فطريقة تفكيرها يشوبها الكثير من الحذر فإذا كانت تحلم بطريقة ما فسوف تتردد على بالها أفكار عديدة حول ما قد تتعرض له في المستقبل من مخاطر؛ فهذا يشكل عائقا لديها فطريقة تفكيرها اليوم ليست مثل الأمس؛ فالفتاة في جيل السبعينيات مثلا كانت تفكر بطريقة معينة، حيث كانت حياتها هادئة وبسيطة بينما اليوم فأصبحت حياتها معقدة، وتخضع إلى الكثير من الضغوطات وحسب الدراسات التي أجريت أثبتت أن أي ضغط نفسي يوجه نحو شخص يفعل فعل رياضة نفسية، وقدرة تحمل عالية؛ فالفتاة العراقية أصبحت لديها قدرة كبيرة على تحمل الصدمات والأزمات فهي الآن تسمع أصوات الانفجارات والطلقات النارية في كثير من الأوقات فأصبح هذا الأمر شبه عادي لديها مقارنة بأي فتاة أخرى في بلد عربي أو أجنبي آخر فعلى سبيل المثال لو سمعت أي فتاة أجنبية ما تسمعه وتشهده الفتاة العراقية اليوم لأصيبت بالهستيريا. لذلك أؤكد القول على أن تركيبة الفتاة العراقية هي تركيبة فريدة من نوعها لأنها متميزة جداً في الجانب الثقافي إضافة إلى القدرة الكبيرة على التحمل والصبر والقدرة على مواجهة الأزمات.
درب مجهول تسير فيه الفتاة العراقية لا تعرف نهايته فقد يتفجر الموقف في أية لحظة، وقد يكون الطريق غير معبد ومليئاً بالحفر، لكنها رغم ذلك تحاول النظر بتفاؤل حول هذا المستقبل الذي لم تتضح معالمه بعد معتمدة بذلك على صبرها وإيمانها بمبادئها.