قنبلة الجمهورية الإسلاميَّة ....((*))
في مقال نشرته في «الشرق الأوسط»،
أكدت بأنَّ المشاريع النوويَّة في إيران ليست بريئة، وليست من أجل الحصول على مصدر رخيص للطاقة، لأنَّ ذلك استخفاف بعقل الإنسان البسيط. وأضفت بأنَّ هذه المشاريع لا هدف منها سوى رغبة وحلم إمبراطوريين ما يزالان يعيشان في مخيَّلة ساسة طهران وفقهاء قم. إيران لها مشاريع وطموحات إقليميَّة لفرض سطوتها على جاراتها الصغيرة. ولعلَّنا نتذكَّر كيف حاولت طهران العبث بأمن الخليج، وتصدير ما أطلقت عليه زورًا وبهتانًا اسم «الثورة الإسلاميَّة» إلى دول الخليج، ولا سيَّما تلك التي يعيش فيها مواطنون خليجيُّون عرب شيعة. ولا يغرب عن الأذهان التدخُّل الإيراني في البحرين، ومحاولة إشعال نار فتنة طائفيَّة خسرت معه البلاد الكثير في مواجهات بين المواطنين بتوجيه من مسؤولين رسميِّين في إيران. الطموح النووي الإيراني الذي يدافع عنه وكلاء قم في المنطقة يجب أن يثير انتباه الجامعة العربيَّة التي تعيش في سبات عميق، وينعم أمينها العام برحلات مكوكيَّة للحديث فيما لا يفيد ولا يجدي. ولكن هل يمكن أن نتوقَّع منه غير ذلك وهو الذي لم يتحدَّث مرَّة عن جزر عربيَّة محتلَّة من جيش «الجمهوريَّة الإسلاميَّة». ولم نسمع منه عن الفرق بين الاحتلال الإسرائيلي للجولان والاحتلال الإيراني لجزر عربيَّة! ولم يمر على مسمعنا حديث من «وكيل قم» في المنطقة يطالب فيه بالجهاد لتحرير الجزر، كما يفعل ليل نهار عند الحديث عن مزارع شبعا والقدس والضفَّة والقطاع! فهل هذه مختلفة عن تلك.. وهل هناك فرق بين احتلال اجنبي واحتلال اسلامي؟! محصِّلة الأمر، أنَّ الدهماء في العالم العربي، وهم كُثْر، يستمتعون بضجيج الفقهاء الذين يتحدَّون الولايات المتَّحدة في كلَّ خطبة جمعة في قُم وغيرها، بينما يرضخون لكافَّة شروطها بقيَّة أيام الأسبوع.
الحكومة الإيرانيَّة التي يرأسها محمَّد خاتمي ليست أكثر من قفَّاز ناعم للتعبير عن سياسة خشنة في العالم العربي. ولغة طهران المزدوجة للمغفَّلين من العرب وتعبيراتها الناريَّة دفاعًا عن حقوق المسلمين عمومًا، والشيعة خصوصًا تلقى هوًى في نفوس الدهماء. ولكن رسالتها للغرب تختلف شكلاً ومضمونًا، فطهران تعلم أنَّ الغرب لا يؤخذ بغوغائيَّة الضجيج، لكنَّه يحكم بعقلانيَّة وتروٍّ على جوهر القضايا ونتائجها العمليَّة. قد نسمع يوم الجمعة القادمة أنَّ رضوخ إيران للشروط الأمريكيَّة، ما هو إلاَّ انتصار هائل لساسة طهران وقم! ولكن طهران تعلم نتائج التهوُّر غير المبرَّر، وترى تماثيل صدَّام المتهاوية، فتعود لرشدها، وإن كانت تُبدي صلابة قد ينخدع بها البسطاء. والواقع أنَّ السياسة الإيرانيَّة تقدِّم دروسًا عمليَّة في التعامل الواقعي مع الأحداث، وهي تحاول الابتزاز في حدوده القصوى. وليس معيبًا أن نتعلَّم ذلك منها. خلاصة القول، إنَّ المحاولات الإيرانيَّة للحصول على القنبلة الذريَّة لا تمثِّل ضمانة للعرب والمسلمين ولا تمثِّل غير تهديد وهميٍّ لإسرائيل. العلاقات بينهما ليست خافية، والاتفاقيَّات الأمنيَّة بين الدولتين الموقَّعة مع الهند هي جسر تواصل غير مباشر، كذلك الاتِّصالات بالولايات المتَّحدة عبر الوسطاء والسماسرة قائمة على قدمٍ وساق. وعلى من يريد معرفة الحقيقة أن يدير بصره إلى لندن، ليقتنع أنَّ خطبتي الجمعة في قم وبيروت ما هما إلاَّ مجرَّد كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع. الصور في وسائل الإعلام عن اللقاء الذي جمع وزراء خارجيَّة فرنسا وألمانيا وبريطانيا تكفي عن التعليقات، ولكن قنوات قم العربيَّة لم تنقلها وستتجاهلها! هي صور تدلُّ على أنَّ طهران استوعبت درس صدام كاملاً، وأنَّ محاولاتها التلفزيونيَّة للمقاومة ما هي إلاَّ ترديد لتعابير صدَّاميَّة عن التحدِّي الذي كان المتابعون متيقِّنون من انتهائه بالتوقيع على البروتوكول الإضافي الذي يمنح وكالة الطاقة الدوليَّة حقَّ التفتيش المفاجئ على كافَّة المنشآت الإيرانيَّة ذات الطبيعة الصناعيَّة العسكريَّة. أما الكتَّاب الذين يتحدَّثون عن قنبلة إيران الإسلاميَّة فهم لا يتناولون القضايا بجديَّة، ويرهنون ضمائرهم وأقلامهم، ويفقدون مصداقيَّتهم واحترام القارئ عندما يستغفلون العامَّة ويبيعون لهم الوهم والكذب. الرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه، والنظر الجدِّي المخلص في مستقبل الشعوب، أجدى وأنفع من دفن الرؤوس في رمال وهم الواقع.
أبو أحمد مصطفى* دبلوماسي عربي
آخر تعديل بواسطة غــيــث ، 07-01-2005 الساعة 12:39 PM.
|