صراع من أجل التسليم للإيمان..جفرى لانج ( 10 ) .. يتبع
[b]( 10 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
إعتبارات مركزية
قد يصاب كثير من المسلمين بالإحباط حينما أذكر أن كثيرا من النقاط التى سبقت من المحتمل أنها لن تقنع غير المسلمين بأن القرآن الكريم هو وحى من عند الله سبحانه وتعالى !!! العبقرية شئ كبير ، ولكنه فى نفس الوقت شئ غامض لا يدل بالضرورة على أنه إلهى . ولذلك نجد فى عدة مراحل من القرآن الكريم ، الإجابة على الأسئلة الدائمة : "هل الله موجود .. وإذا كان موجودا فما هى العلاقة بين العبد وربه .. وما هو معنى الحياة ؟؟؟" .
المجاز فى القرآن الكريم :
لا شك أن ترجمة نص مقدس من لغة إلى أخرى يؤدى إلى كثير من فقد فى المعنى . ولكن حينما يكون المترجم له دافع للترجمة الصحيحة والإلتزام بها ، وله ولاء للشئ المترجم ، فذلك قد يحيى بعض الإشراقات المبثوثة فى النصوص والتى لا يمكن إظهارها بواسطة البشر العاديين المحدودين . فبالتأكيد ما جاء فى الأصل ، من خوف ورجاء ، وجمال وتألق ، كما جاء فى مجاز القرآن ووصفه للأشياء ، فذلك هو الذى يعمق الشعور الذى يفتقد فى الترجمة . فالصورتان المتقابلتان للجنة والنار ، العظمة والبهاء فى مقابل الوحشة والرعب ، كما ورد بمجاز القرآن الكريم ، هذا ما يعمق الشعور بصدق ما جاء به . ولا شك أن السياق العام للقرآن الكريم يوضح أنه سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده العذاب ، ويحثهم على طلب المغفرة والتوبة والعودة إليه . وهذا سيحتاج تفصيلا فيما بعد . وبالرغم من أن الغربيين المتحولون للإسلام يعتمدون على تفاسير القرآن ، إلا أنهم يشعرون بالأسلوب الأدبى للقرآن كميزة هامة له ، وذلك لأن قارئه سواء كان عربيا أو غير عربى ، يجد تأثيره المعنوى ، وكأنه يشارك بنفسه فى تلقى الوحى بالقرآن الكريم .
وفى تعبير أفضل لدنى "Denny" ، يقول :
تأتى هناك لحظة وأنت تقرأ القرآن ، مركزا على فهم معانيه ، سواء كنت تتلوه بصوت عال أو صامتا ، بقشعريرة تنتابك . وبدلا من قراءتك للقرآن ، تجد أن القرآن يقرأك أنت . هذه تجربة مربكة وفى نفس الوقت رائعة ، وبأى شكل ، تجده يطالبك بالإسلام دون أن تشعر . هذا الشعور هو الذى يقابله أكثر المتحولين للإسلام ، وهو السبب فى الإنتشار السريع له ، بالإضافة إلى خلق المسلمين الذين يلتزمون بتعاليم القرآن الكريم وبالدين الإسلامى .
عودة للآيات :
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53} سورة فصلت
الآيات لا توجهنا فقط ، بل تؤكد وتثبت لنا خطواتنا وقرارتنا ، لذا فنحن نعيش مع آيات القرآن الكريم فى الآفاق البعيدة وفى أنفسنا . عمليا فكل آيات القرآن لمظاهر الطبيعة ، نجدها وسط آيات التذكير بواجب الإنسان ، وعلاقته مع الله سبحانه وتعالى ، وحسابه فى الآخرة . والآيات السابق ذكرها تشهد لهذه النقطة .
وقد اخترت الآيات التى ستلى ، لما فيها من جمال :::
سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1} سورة النور
هذه بداية سورة النور ، إحدى السور المعروفة جيدا من الكتاب المسلمين وغيرهم . وفى تفسير عبقرى ، لمالك بن نبى "فيلسوف مسلم جزائرى" ، لمقطعين رائعين من هذه السورة كآيات بينات :::
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {35} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ {36} رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {38}
فهذا المثل يوضح لنا أن هذا النور المشع ، الذى ينبع من مصباح فى زجاجة ، ويضاء بمصدر لم يكن معروفا حين نزول الوحى ، ".... لا شرقية ولا غربية ...." ، ويكاد يضئ ولو لم تمسسه نار ، يقول ابن نبى ، ربما أشار هذا إلى المصباح الكهربائى !!! ، وكثيرا فى القرآن الكريم ، ما تمزج الآيات بين المحسوس والمعنوى .
"مداخلة : أود أن ألفت النظر هنا إلى شئ ، نادرا ما نتفكر فيه ::: فلنتصور التاريخ الطويل السابق لاختراع المصباح الكهربائى ، وكيف كان الوضع حينما تغرب الشمس ؟ وكيف كان يعيش الناس ؟ والوضع فى أيامنا هذه ، وكيف استحال الليل نهارا ، وأصبحت المدن لا ترى الظلمة إلا إذا استدعيتها استدعاء بغلق النوافذ وغلق المصابيح الكهربائية ، وبالرغم من ذلك يتسرب إليك الضوء من حيث لا تشعر ... أليس هذا تطورا مذهلا ؟
وملحوظة ثانية ::: مالك بن نبى عالم فيلسوف لا يشق له غبار ، وما ورد بخصوص المصباح الكهربائى ، فأعتقد أنه لا يتكلم إلا عن جزئية من الآية وهى المصباح فى زجاجة ، ولا يقصد بالتشبيه أن ذلك تفسير للآية ، لأن معنى الآية الكريمة أشمل بكثير من هذه الجزئية" .
وفورا بعد هذا المقطع ، يأتى مثلين عن الكفر وتاثيره المدمر ::
والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {39} أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ {40}
الآية رقم ( 39 ) ، يشير ابن نبى ، إلى أن التشبيه فى الصورة الأولى يمكن لأهل مكة استيعابه ، لأنهم كانوا أهل صحراء ، ولكن الآية التالية رقم ( 40 ) ، صورة الغيوم المظلمة ، والأمواج المتراكمة ، فهذه الصورة هى لأهل الشواطئ الشمالية ، وأهل المحيطات ، وتعرف هذه الظاهرة الآن ، والظلام الحالك فى أعماق المحيطات نتيجة لامتصاص الماء للضوء ، من فترة ليست بالبعيدة .
"مداخلة : ورد بسورة النور عدة آيات ومواقف ، منها ما هو مباشر للمعاصرين للوحى ، وبالطبع لمن بعدهم ، وتختم هذه الآيات بـ (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ......) الآية رقم ( 34 ) ، وآيات أخرى لمن بعدهم ولم يكونوا هم يتصوروها وتختم بـ (لقد أنزلنا آيات مبينات ....) الآية رقم ( 46) ، بدون إليكم ." .
الواضح هنا ، أن الحياة إذا كرست بشكل رئيسى للدنيا ، فستنتهى إلى خيبة الأمل ، ووأد للناحية الروحية . نحن نستشف هذا بوضوح من الآيات ، بغض النظر عما جاء به ابن نبى . الأسلوب القرآنى جميل . وبما أنى قد عشت على الشاطئ الشمالى من نيو إنجلند ، فقد كانت نظرتى للمواج أنها "موج بعد موج" ، بدلا من "موج من فوقه موج" ، لأننا نشاهد الأمواج بعضها بعد بعض ، وهكذا يأتى القرآن الكريم بتصوير أدق "موج من فوقه موج" . أيضا ، فلو لم أكن أمارس الغطس العميق ، ما كنت أحس بجمال الآية ، لآنه لا يحس المرء بالظلمة فى المياه الضحلة ... سواء البحيرة أو حوض السباحة ... لأن الضوء لا يمتص إلا فى الأعماق . وجمال هذه الآيات ، كما سبق أن ذكرت ، أن القرآن الكريم يمزج المحسوس بالمعنوى .
آخر تعديل بواسطة أبو إيهاب ، 27-08-2007 الساعة 08:53 PM.
|