( قواعد الايمان بصفات الله عز وجل ) (2)
وقال رحمه الله ـ يعني ابن تيميةـ: وجماع الامر أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام ، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة .
قسمان يقولان : تجري على ظاهرها .
وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها .
وقسمان : يسكتون .
وأما الأولون فقسمان:
أحدهما : من يجريها على ظاهرها ، ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين ، ومذهبهم باطل أنكره السلف وإليهم يتوجه الرد بالحق .
والثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله ، كما يجري ظاهر اسم العليم والقدير والرب والاله والموجود والذات ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله ، وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره من السلف وعليه يدل كلام جمهورهم وهو أمر واضح ، فإن الصفات كالذات ، فكما أن الذات ثابته حقيقية من غير أن تكون من جنس المخلوقات ،فصفاته ثابتة حقيقية من غير جنس صفات المخلوقين ، وما أحسن ما قال بعضهم : إذا قال لك الجهمي كيف استوى ؟ أو كيف ينزل الى السماءالدنيا ونحو ذلك ، فقل له : كيف هو في ذاته ؟ فإن قال لك لا يعلم ما هو إلا هو ، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر . فقل له فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف ، فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفيته ؟ وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لك .
بل هذه المخلوقات في الجنة فقد ثبت عن ابن عباس أنه قال : ليس في الدنيا مما في الجنة الا الأسماء وقد أخبر الله تعالى أنه : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فإذا كان نعيم الجنة وهو خلق من خلق الله كذلك ، فما ظنك بالخالق سبحانه وتعالى .
وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرهما :
قسم يتأولونها ويعنون المراد بمثل قولهم استوى بمعنى استولى ، أو بمعنى علو المكانة والقدر ، أو بمعنى ظهور نور العرش ، أو بمعنى انتهاء الخلق اليه ، الى غير ذلك من تأويل اليد بالقدرة والنعمة ، والعين بالرعاية ، والنفس بالذات ،وغير ذلك من معاني المتكلمين .
وقسم يقولون : الله أعلم بما أراد الله بها وهم أهل التفويض في الكيفية والمعنى ، فلا يفهمون من آيات وأحاديث الصفات معنا محددا، بل هي عندهم كالحروف المقطعة في أوائل السور ـ الم ، طس .
وأما القسمان الواقفان :
فهم يقولون : يجوز ان يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله ويجوز أن يكون المراد صفة الله ونحو ذلك ، وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم .
وقسم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث ، معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن التقديرات ، فهذه الأقسام السته لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها، والصواب في كثير من آيات الصفات وأحاديثها القطع بالطريقة الثابتة للآيات والأحاديث الدالة على أنه سبحانه وتعالى فوق عرشه ، ويعلم طريق الصواب في هذا وأمثاله بدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك دلالة لا تحتمل النقض اهـ .(1)
قال ابن القيم رحمه الله في الشافية الكافية:
لسنا نشبه ربنا بصفاتنا **** ان المشبه عابد الأوثان
كلا ولا نخليه من أوصافه **** إن المعطل عابد البهتان
من شبه الله العظيم بخلقه **** فهو الشبيه بمشرك نصراني
أو عطل الرحمن من أوصافه**** فهو الكفور وليس ذا إيمان
(1) مجموع الفتاوى (5/113ـ118)باختصار وتصرف .
|