مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 14-08-2000, 09:55 PM
الأستاذ محمد عادل التريكي الأستاذ محمد عادل التريكي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2000
المشاركات: 4
Post الإسلام والحضارة الغربية






---------------------------------------


مدخل:
التعريف بمصطلحات العنوان:
 الإسلام :هو شِرعة هذه الأمة، ومنهاجها كما أوحاه الله إلى رسوله المبعوث إليهم رحمة منه وفضلاً، يأخذون ما آتاهم، وينتهون كما نهاهم، يتخذون وحيه المجموع في كتابهم إماماً لا يأتمون بسواه، ولا تطمح أبصارهم إلى غيره، ولا تنزع قلوبهم إلى ما عداه، عرفوا وجه الحكمة فيما يأخذون وما يدَّعون أو لم يعرفوه، إيماناً وسليماً،  وأنٌَ هَذا صراطي مُستقيما فاتبعُوهُ، و لا تتٌَبعوا السٌُبلَ فتفرًٌق بكُم عن سبيلي 
 الحضارة : ( بفتح الحاء وكسرها ) فهي لغة : الإقامة في الحَضَر، والحضرُ خلاف البدو، وبهذا المعنى استعملها " القُطامي " الشاعر في قوله مفتخراًً ببداوة قومه،مستخفاً بساكني القرى والمدن :
فَمَنْ تًكُنِ الحَضاَرَةُ أعْجَبًتْهُ فَأيَّ رِجَالِ باَدِيًةٍ تَرَانـــــــــاَ ؟

وهي تُطلق الآن اصطلاحاً.. على كل ما يُنشِئُهُ الإنسان في كل ما يًتَّصِلُ بِمخْتلف جوانب نشاطه ونواحيه.. عقلا وخُلُقاً.. مادةً وروحاً..دُنْيًا وًديناً .
فهي في - إطلاقها و عمومها – قصة الإنسان في كل ما أنجزه على اختلاف العصور وتقلب الأزمان، وما صُوِّرت به علائِقُه بالكون وما وراءه .
وهي –في تخصيصها بجماعة من الناس أو أمةٍ من الأمم – تراث هذه الأمة أو الجماعة على وجه الخصوص الذي يميزها من الجماعات والأمم.
وهي بهذا المعنى الاصطلاحي نظير المدينة، التي هي في أصل الاستعمال..
سُكنى المدن، والتي تقابل الكلمة الأوربية ( Civilization ) ..و( الحضارة ) بهذا المعنى أعم من الثقافة التي تُطلَقُ على الجانب الروحي أو الفكري من ( الحضارة ) بينما تشمل ( الحضارة ) الجانبين الروحي والمادي، أو الفكري والصناعي.. كأنما لُوحِظَ فيها أن النشاط البشريً في مختلف جوانبه ومواهبه، يكون في أرقى حالته في الحواضر و المدن، و أنَّ سُكنى الحواضِر مرحلةٌ أكثرَ تقدماً من سُكْنى البادية.
والكلمة –بهذا المعنى الاصطلاحي – قديمة في الاستعمال العربي، وليست ترجمةٌ للكلمة الأوربية (Civilization ) فقد استعملها ابن خلدون في مقدمة تاريخه حين كتب فُصولاً متعددةً عن [ العُمران في البدو و في الحضر وطبائع كُلٍّ منهما ] و عن [ انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة ] وفي [ أنَّ الحضارةَ غايةُ العُمران و نهايةٌ لِعُمْرِه، و أنَّها مُؤَذِّنَةٌ بِفَسًادِهِ ].
و( الحضارة ) بهذا المعنى الاصطلاحي عند ابنِ خلدون ، أضيق من ( الحضارة ) بالمعنى الاصطلاحي الحديث ، لأنها لا تُصَوِّرُ إلا الجانبَ المُترَفَ من النشاطِ البشري ، ولا تَدْخُل فيه النشاطَ الديني و الخلقي و العقلي . يقول ابن خلدون : » و الحضارة كما علمتُ هي التَّفَنُّن في التَّرَفِ و استجادَةِ أَحوالِهِ، و الكَلَفُ بالصَّناَئِعِ التي تُؤَنِّقُ من أصنافٍهِ و سائِرِ فُنونِهِ، و من الصنائع المهيِّئة للمطابخِ أو الملابسِ أو المباني أو الفُرشِ أو الآنية و لِساَئِر أحوال المنزل… و إذا بَلَغَ التَّأَنُّقُ في هذه الأحوالِ المنزِليةِ الغايةُ، تَبِعَهُ طاعة الشهوات، فَتَتَلَوَّنُ النفسُ من تلكَ العوائدِ بألوانٍ كثيرةٍ لا تستقيم حاُلها معها في دينِها و لا دُنياها «
و » الحضارة « بهذا المعنى عند ابنِ خلدون أحدُ شطري العُمران الذي قسَّمه إلى بَدَوِي وَ مَدَنِي، و تصوُّرُه للحضارة بهذه الصورة، فرعٌ من تصوره لفضل البدو على الحضر، في الفصول التي كتبها في تفضيل أهل البدو على أهل الحضَر، مثل:
 فصل في أن البدو أقرب إلى الخير من أهل الحَضَرِ.
 فصل في أن أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهلِ الحَضَرِ.
 فصل في أن معاناة أهل الحضر للأحكام مفسِدة للبأس فيهم، ذاهبة بالمَنْعَةِ عنهم.
 أما الغرب… فهو اصطلاح حديث، جَرَيْناَ فيه على ما اصْطَلَح عليه الأوربيون في عصور الاستعمارِ، من تقسيم العالَم إلى » شرق « و » غرب « … يعنون بالغرب أنفسهم، و يعنون بالشرق أهل آسيا و إفريقيا الذين كانوا موضع استعبادِهم و استغلالِهم…
وجرينا نحن من بعد على هذا الاستعمال. والكلمة إن كانت حديثةٌ اصطلاحا و استعمالاً، فهي قديمةٌ في مفهومِها و دلالَتِها، فقد كان في العالَم من زمن قديم… قُوَّتانِ تصْطَرِعاَنِ و تَتَنازعانِ السيادة، إحداهما في الشرق، و الأخرى في الغرب، تَمَثَّلَ ذلك في الصراعِ بين الفُرسِ و الروم… ثم في الصراع بين المسلمين و الروم … ثم في الصراع بين المسلمين والروم… ثم في الصراع بين المسلمين و الصليبيينَ… ثم في الصراع بين العثمانيينَ و الأوروبيينَ… مَدًّا و جزرًا … ثم كان آخر فصول هذه الملحمة … الصلاتُ بين الشرق مُمَثَّلاً في آسيا و إفريقيا… و بين الغرب مُمَثَّلاً في أوربا و أمريكا.
و هي صلاتٌ متنوعة، بعضُها ثقافي، و بعضها اقتصادي، و بعضُها سياسي.
*
هذا كان فيما يخص بتحديد مصطلحات الإسلام / الحضارة / الغرب .
فماذا عن الحضارة الإسلامية و عن السمات الأساسية التي تتميز بها ؟
*
» الحضارة « بناءٌ فكريٌ وماديٌ و روحيٌ، و هي نِتاج جهدٍ و دأْبٍ متواصِلَيْن، و حصيلةُ كشفٍ و إبداعٍ مُتَلاَحِقَيْنِ… و لكل حضارة شخصيةٌ متميزةٌ ذات سِماتٍ أساسيةٍ تَرجع إلى الفكرة أو المبدأ الذي تَتَبنَّاه و الظروفُ التي تُلابسُ نشأتُها .
و يمكن استخلاص السِّمات الأساسية للحضارة الإسلامية كما يلي:
1/ إنها حضارةٌ ربانيةٌ، فأساسُ الإسلام، الإيمانُ بالمصدر الإلهي للدين، و أن القرآن وحي الله إلى رسوله محمد ( ص ) .
2/ وهي حضارة » الانفتاح « على الحضارات الأخرى تَتَقَبَّلُ التراثَ الإنسانيَ و تضيفَ إليه.
3 / و هي كذلك… حضارة ٌ إنسانيةٌ لا عنصريةَ فيها، بلِ الناس سواسية… وهي تهدف إلى رِفْعَةِ الإنسان.
4/ كما أن أساسَ الإقناعِ فيها، هو الدليل العقلي.. و القرآن هو المعجزة الباقية بعد أن انتهى عهدُ المعجزة الكونية.
5/ و هي حضارة » الامتداد « امتداد بشري، فهي تَضُمُّ أجناساً بشرية متنوعة، و امتداد في المكان، فقد ظلت ثقافتها و حضارتها متمتعة بالحيوية و النشاط.
6 / و الإسلام ينظر إلى الكون على أنه ( صديق) و ما فيه هو مجالٌ واسعٌ للبحث و التأملِ.
7 / و لذلك كان للحضارة الإسلامية موقفٌ رائعٌ من العلمِ و المعرفةِ، فقدْ رغبتْ فيهما، و حرَّرتْ عقل الإنسان و حَفِزَتْهُ إلى البحثِ في آيات الله، و تنَافُسِ في تشجيع العِلم و إكرام العلماء و الخلفاء و الأمراء.
8 / و الاجتهاد من أبرز هذه السمات أيضا، فقد كَفَّل لهذه الحضارة حيويةٌ و نماءٌ دَائِبَيْنِ.
*
و بالمناسبة… كثيراً ما نسمع عن أخذ أوربا للعوم و التقنيات عن العرب و المسلمين إبان نهضتها، وذلك كدليل على اعتبار العلوم و التقنيات مَشاعاً إنسانياً و هو » كالشُّعلة التي تنْتَقلُ من يد إلى أخرى« أو بعبارة أخرى… ينبغي أن يُجابَ عن الأسئلة التالية:
 ماذا أخذ الغرب من طب } ابن سينا{ مثلا ؟
 وهل واصلَ أطباؤه الاتجاهَ الذي كان يعمل فيه } ابن سينا {، ثم حدَّدوا لأنفسهم نهجاً طبياً آخر تماماً لا يجوز أن يُعتبر مواصلةٌ لاتجاهه ؟
في الحقيقة… كلُّ من يُدَقِّق في منهج } ابن سينا { الطبي و في الاتجاه الذي كان يسير عليه، و في الأهداف التي كان يرمي إلى تحقيقها، سيجد أنَّ ما فعله الأوربيون المعاصرون في الطب، مضى في الطريق المعاكس… و لم يأخذ عن } ابن سينا { إلا بعضَ القوانين العلمية و التقنيات…
فطب } ابن سينا { أو } الرازي { على سبيل المثال، كان ينطلقُ من وحدةٍ بين الفردِ و المجتمع و الروحِ و العقلِ والجسد والطبيعة والبيئة,وكان يعالج الأمراض في ظل هذه الوحدة,وبالاعتماد عليها,وعَمِلا على إغنائها بالمكتشفات العلمية والتقنية.
بينما ذهب الطب في الغرب باتجاهاتٍ وحيدةُ الجانب , وأحدثت طلاقا فيما بين تلك الجوانب التي كان يراها طب الرازي وابن سينا مُوَحَّدَةً.
أما لماذا فعلت الحضارة الغربية ذلك , فهذا لا يرجع إلى أخطاءٍ في أو( ابن سينا ) أو ابن سينا , ولا يشكل تطويرا له، وإنما يرجع إلى اختلاف الأهداف أو اختلاف الاتجاه..وهي أمورً ولبدةُ حضارتها,لأن مسار العلوم, ليس مستقلا عن النظرة العامة التي تحملها القوى المسيطرة تجاه الإنسان والكون والطبيعة والبيئة والحياة.
الشيء نفسُه يمكن أن يُلحَظَ في مختلف المجالات العلمية والتقنية واتجاهات تطورها.
ويبقى السؤال المطروح ..هل للغرب علاقة بالحضارة الإسلامية؟
لقد قُدِّمَ في هذا الموضوع أكثر من بحث.ومعظمُ المشاركين من الباحثين يردون هذه العلاقة إلى أصلها،وهو الصراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية,وذلك بأن حركة الفتوح الإسلامية ودخول الناس في الإسلام أفزع الكنيسة آنئـذٍ,ولما كانت أوضاع العالم المسيحي لا تساعد على مواجهة الفتوح, فليس في وُسُعِ الكنيسة إلا أن تعمد إلى التشويه الفكري للإسلام والافتراء عليه,ومن هنا بدأت البذور الأولى للاستشراق في أحضان الكنيسة الكاثوليكية ومؤسساتها في غرب أوربا,وأصدر مَجمع فينا الكَنَسي 1311هـ /1312 هـ قرارا بتدريس العربية,والملاحظ…أن هذا المَجْمَع،عُقِدَ بعد أقلِّ من عشرين على طرد آخِرِ البقايا الصليبية من بلاد الشام.
وبرز في غرب أوربا تياران :
 تيار الاهتمام بتراث المسلمين.
 تيار الكراهية للإسلام وحضارته.
ونمت حركة الاستشراق من خلال هذين التيارين,وقد استهدفت كثير من الأبحاث الاستشراقية خدمة الحملة الظالمة التي شنَّها رجال الدين المسيحي على الإسلام.
وهذا هو السر فيما ظهر في تلك الدراسات من تجريح صريح أو غُمز,خَفِي,ويبدو أن هذه النظرة إلى الإسلام لم تتغير لَدَى الغربيين في العصر الحديث عمَّا كان عليه أسلافُهم الأوائل ،وهذا جاءت الكتب والبحوث الحديثة في الغرب لا تختلف في روحها ونظرتِها إلى الإسلام ومادَّتها العلمية عمَّا كتَبَه السَّابقون .
ويُعتبر كتاب ( تاريخ الإنسانية ) الصادر عن اليونسكو نموذجا واضحا..ونحن نَسُوقُ مثلا واحدًا ممَّا وُرٍد فيه ..فقد ذَكر الكتاب..أن الشريعةَ الإسلاميةَ لم يكن لها وجودُ في القرن الأول الهجري بأكمله,وأنَّ المسلمين » استقوا نُظمَهم القضائيةُ والإداريةُ ممَّا كان معمولاً به في البلاد التي فتحوها من قوانين رومانيةِ بيزنطيةٍ أو فارسيةِ ساسا نية,فضلا عمَّا أخذوه عن التَّلمودِ وعن القانون الكَنَسِي الخاص بالكنيسة الشرقية «
وهكذا تَمَّ الخلط في أكبر موسوعة تاريخية صدرت عن اليونسكو حتى الآن بين الأحكام القضائية,وكُلُّها مستمدة من الكتاب والسنة,وبين النُّظمِ الإدارية التي طبِّقت في الدولة الإسلامية.
وبالتالي نجد أن الإستعمار الغربي..له صلة وثيقة بالفكرِ الإسلامي منذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الآن سواء في خلقٍ,أو معاونةٍ ما يَسند من اتجاه أو في إثارة ما يقاومه في اتجاه آخر.
فلم ينته القرن التاسع عشر الميلادي إلا وقد عظُم شأن الاستعمار الغربي واستفحل,وسقطت أكثر الدول الإسلامية تحت سيطرته أو نفوذه.
وبذلك دخلت صلات الإسلام والمسلمين بالحضارة الغربية في طور جديد,أصبح في تأثير هذه الحضارة الغازية أكثرَ قوةِ وفعاليةٍ,لأنها انتقلت مع الجاليات الأجنبية التي استقرت في بلاد المسلمين,وأصبحت تحَيا بين ظُهْرانَيْهِم,وتعيش في قلب بلادهم, وتقدم نموذجا حيا لأنماطها الفكرية والاجتماعية,يسري من طريق المشاهدة والتقليد,وفرضت الدول الغربية الغازية لغاتها وثقافتها في البلاد التي احتلتها,تيسيرا على الغرب المستعمر في التعامل من ناحية,وتمهيدا لمحو طابع المستعمرات الشخصي وامتصاصها من ناحية أخرى.
ومضت سياسة إرسال المبعوثين من هذه البلاد في طريقها,ولكنها لم تعد حُرة في توجيهها,فقد أصبح العددُ الأكبر منها يوجَّه نحو الدول المتسلطة,وأصبح أكثرها يوجه توجيها أدبيا أو فلسفيا أو تربويا,بل إسلاميا في بعض الأحيان,يتلقون فيه أصول البحث في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية,والفكر الإسلامي عن المستشرقين من الغربيين, تصحيحهم إن وجد وسقيمهم وما أكثره.
وصارت المجالات الصناعية والخبرات التقنية وقفا على المستعمرين الأوربيين الذين حولوا المستعمرات وأهلها إلى مزارع ومناجم وعمال لإنتاج المواد الأولية,وأصبح التعليم من داخل هذه البلاد يجري على تخطيط غربي رسمه الاستعمار,وأشرف على تنفيذه بنفسه أو بأيدي صنائعه من الأصدقاء والعملاء,وبذلك ظهر في معجم السياسة والحضارة ما يسميه الغربيون ومفكر وهم Westernization » « وما يمكن أن نسميه ب ( التغريب) أي طبع المستعمرات الأسيوية والإفريقية بطابع الحضارة الغربية,وجهود الاستعمار في هذا تشمل المسلمين وغير المسلمين من أهل المستعمرات,ولكن جهدهم الأكبر وعنايتهم الأوفر كانت للمسلمين بخاصة,لارتباط حياتهم في مختلف منا شطها بالدين.
ولم يكن هدف الاستعمار من نشر حضارته هو تمدين البلاد التي استعمرها كما كان يتشدق به ويزعمه,ولكنه كان يقصد بذلك,إزالة الحواجز التي تقوم بينه وبين هذه الشعوب,وهي حواجز تهدد مصالحه الاقتصادية … كانت هذه الحواجز الناشئة عن الاختلاف في الدين وفي اللغة وفي التقاليد والعادات في إحساس الوطنيين بالنفور من الأجنبي المحتل,وفي إحساس المستعمر بالغربة بل بالشعور بالخطر الذي يحيط به ويتهدده في بعض الأحيان.
وبرامج ( التغريب ) تحاول أن تخدم هدفا مزدوجا,فهي تحرس مصالح الاستعمار بتقريب الهوة التي تفصل بينه وبين المسلمين,نتيجة لاختلاف القيم,ونتيجة للمرارة التي يحس بها المسلم إزاء المحتلين لبلاده ممن يفرض عليهم دينهم جهاده,وهي في الوقت نفسه تضعف الرابطة الدينية التي تجمع المسلمين,وتفرق جماعتهم التي كانت تلتقي على وحدة القيم الفكرية والثقافية,أو بتعبير أشملَ وحدة القيم الحضارية.
ولذكر ( التغريب )..لابد من الإشارة إلى ثلاث تيارات التي كانت تتفاعل متعاونة في السيطرة على المجتمع الإسلامي وفي مصارعة الاتجاه الإسلامي المحافظ الذي كان يتخلى يوما بعد يوم عن مكانه وعن وظيفته.
التيار الأول : كان يدعو إلى تربية جيل من المصريين خاصة,والمسلمين عامة,الذين يُنَشَّئوُنَ تَنْشِئَةً خاصة تُقَرِّبُهُمْ من الأوربيين ومن الإنجليز على وجه الخصوص في طرائق السلوك والتفكير ..
ونستطيع أن نلمسَ ذَلك على سبيل المثال في عضوين من الجيل الأول للمبعوثين الذين أرسل أكثرُهم إلى فرنسا يقرؤون الكتب الفرنسية ..أحدهما مصري أقام في باريس خمس سنوات … من 1826 إلى 1831 وهو » رفاعة الطهطاوي « … والآخر تونسي أقام في باريس أربع سنوات… من 1852م وهو » خير الدين التونسي « .فألف الأول كتابا أثناء إقامته في فرنسا بعنوان ] تخليص الإبريز في تخليص باريز ] كما ألف الثاني كتابا سماه [ أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ] .
نستطيع أن نجد فيما كتبه كل منهما آراء مشتركة,هي صدى لتفكير القرن 18 في أوربا,وفي فرنسا الثائرة بوجه خاص,وهي آراء تظهر للمرة الأولى في المجتمع الإسلامي,ربما ردَّدَها عن حسن قصد دون أن يَسْبِرا أغوارُها البعيدة أو يتعمَّقَا حقائقُها، و لكنَّهما على كلِّ حال قد وضعا البذورَ التي تعهَّدها من جاء بعدهُما بالسقي و الرعايةِ حتى نمت وضربت جذُورها في الأرضِ، و ربما عُرِضــت بعـــضُ هــذه الآراءِ عرضــاً سريعــاً عاجــلاً قـــد يبــدو ضئــيلَ الخطـــرِ، و لـــكــن أهميــةَ
» الطهطاوي « و » خير الدين « ترجع إلى أنهما قد جلباَ هذه البذور الغربية و ألقياها في التربيةِ الإسلاميةِ.
للمرة الأولى في البيئةِ الإسلاميةِ نجد كلاماً عن الوطنِ و الوطنيةِ وحُبِّ الوطن بالمعنى القومي الحديثِ في أوربا، الذي يقوم على التعصبِ لمساحة محدودة من الأرض، يُراد اتخاذَها وحدةٌ وجوديةٌ، يرتبطُ تاريخَها القديم بتاريخِها المُعاصر، ليُكوِّن وحدةً متكاملةً، ذاتُ شخصيةٍ مستقلةٍ تُميِّزُهاَ عن غيرِها من بلادِ المسلمين و غيرِ المسلمين.
و للمرة الأولى… نجد اهتماما بالتاريخ القديم يُوجَّه لتدعيم هذا المفهوم الوطني الجديد.
و للمرة الأولى… نجد عند كلٍّ من الطهطاوي و خير الدين كلاماً عن الحرية بوضعها الأساسي في نهضةِ أي أمة وفي تَقَدُّمِها.
ولأول مرة… نجد دعوةً إلى وضعِ مُدَوَّنة فقهية واضحة محدودة، في صورة موادٍّ قانونيةٍ، على نمطِ المدوَّنات القانونية الأوربية.
ولأول مرةٍ تُنقَل إلى المسلمين النظرياتِ الثوريةِ التي تريد أن تُناقش الحكام الحساب فيما عليهم من واجبات وتَبصُّر الشعوب بما لهم من حقوق.
و لأول مرة… نرى عَرضاً للنظم الاقتصادية الغربية التي تقوم على المصاريف و الشركات، عرضاً يبدو مجرداً من التعليق في بعض الأحيان، ومَشوباً بالإعجاب و التساؤل عن إمكان تطبيقه بين المسلمين في أحيان أخرى.
و نرى بعد ذلك كلاما كثيرا عن المرأة، لا شك أنه من وحي الحياة الاجتماعية الأوربية، مثلَ تعليمِ الفتيات، ومنعِ تعدد الزوجات، و تحديدِ طلاقِ، و اختلاط الجنسين.
التيار الثاني: تتلخص فكرتُه في تطوير الإسلام نفسُه و إعادةِ تفسيرِه، بحيثُ يبدو مُثقَّفاً مع الحضارة الغربية، أو قريباً منها و غيرَ مُتعارضٍ معها على الأقل، بدلاً أن يبدو عدُوَّا أو معارضاً لقِيمها و أساليبها.و يُمثِّل هذا التيار كل من » جمال الدين الأفغاني « و تلميذه »محمد عبده « و تلميذ هذا الأخير » رشيد رضا«.
و الحديثِ عن هؤلاء و مدرستِهم طويلٌ، و طويل جداً و شيِّق… يحتاج إلى فُسحةٍ من الوقت …
إلى أني أحيلُكم على الرجوع إليهم في الكتب التالية:
- ( تاريخ الأستاذ الإمام ) رشيد رضا.
- ( جمال الدين الأسد بادي )
- ( الإسلام و الحضارة الغربية ) د. م محمد حسين
التيار الثالث: الذي يتَمَثَّل في جماعة من نصارى العرب من الشاميين- كما كـانـو ا يسمون- أو من السوريين و اللبنانيين و الفلسطينيين و الأردنيين كما نسميهم الآن… الذين كانوا يُشَجِّعون الاتجاهات العلمانية التحررية، و هو تيارٌ لم يُؤثِّر تأثيراً مباشراً في الفكر الإسلامي، لأنه كان – بِحُكمِ ظُروفِ أصحابه – لا يعرِض له بِخيرِ أو بِشرٍ، لا يؤيده و لا يُعارضه، و كل ما في الأمر أنه كان يدعو إلى ما كان يُسمى عند أصحابه ب »الفكر الحر «.
*
كانت هذه التيارات الثلاثة تتفاعل متعاونةً في السيطرة على المجتمع، و في مصارعةِ الاتجاه الإسلامي المحافظ، الذي كان يتخلى يوماً بعد يوم عن مكانه و عن وظيفته.
و ليس الخطر الذي يهدد المجتمع الإسلامي نـاشِئاً عن هذا الصراع، فالصراع بين الأصيل و الدخيل سُنةٌ من سُننِ الله العليم الحكيم يضرب فيها الحق و الباطل  فَأَمَّا الزَّبدُ فيَذْهَبُ جُفاَءً و أمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الأرضِ 
ليس هذا الصراع إذن مصدر خطر، بل إنه- في تقريري – يدعو إلى التفاؤل و الاطمئنان، و لكن مصدرَ الخطر و علامَتُه هي أن يزول هذا الصراع، و أن يَفْقِدَ الناس الإحساسَ بالفرقِ بين ما هو إسلاميٌ و ما هو غربيٌ. إنَّ فقدانَ هذا الإحساسُ هو النذيرُ بالخطر، لأنه يعني فقدانَ الإحساسِ بالذاتِ… فالجماعاتِ البشرية إنما تُدرك ذاتها من طريقتين معاً :
 من طريق وحدتها التي تكوِّنها المفاهيم و التقاليد المشتركة…
 ومن طريق مخالفتها للآخرين التي تَنْشَأُ عن المغايرة و المفارقات.
ولذلك كان الخطر الذي يتهدد هذه الوحدةُ يأتيها من طريقين :
- الشعوبيةُ التي تُفتِّتُهاَ…
- و العالميةُ التي تُميِّعُهاَ…
فزوالُ الإحساس بالمغايرة و المفارقة هو هَدْمٌ لأحد الرُّكنين اللذين تقوم عليهما الشَّخصِيةُ، و هذا هو ما لا نريد أن يكون، نريد أن يظـلَّ هذا التمييزَ ما هو إسلامــيٌ و بين ما هو طارئٌ مستجــلَبٌ -شرقياً كان أو غربياً- حياًّ في نفوسِ الأجيال الصاعدة و التالية… و هي أمانةٌ تلقَّاها جيـلُنا عَمَّن قبلَه، و لابد أن يحمِلَها إلى من يجيءُ بعده. و الله سبحانه و تعالى هو المستعان.
*
و بالمناسبة إرتأيت في هذا الصدد، أن أقدم فكر »مالك بن نبي « بصفة عامة… و التغيير الاجتماعي عنده بصفة خاصة.
*
إن المتابعة الدقيقة لفكر » مالك بن نبي« ستكشف أن معالجتَه للتغير الاجتماعي لم تتم من خلال البحث في فلسفة العناصر الثلاثة : الأفكار… الأشخاص… الأشياء.
بل تمَمَّت في ضوء بحثه –المتشَعِّب و الخِصب- عن » حركة« هذه العناصر، و هذا ما يمكن أن نُدرِكَه بجلاءٍ حين نعرف أنَّ تعَرُّضَه لعناصر التغيير لم يتجاوز بضعة أسطر وَردت في كتابة [ ميلاد مجتمع]، بينما استغرقت متابعاته التحليلية» لحركة « الأفكار… و الأشخاص… و الأشياء، كل ما كتب تقريبا.
هذا فإن المدخل العلمي لدراسة فكرة التغيير الاجتماعي عند ابن نبي، لا يتحدد من منطلقِ وقوفه العَرَضي على ماهيةِ العناصر المذكورة، فيما نجد أن لحركتِها بما تنطوي عليه من فكرٍ و قِيَمٍ وظواهرٍ و سلوكياتٍ، قد احتلت الجانبَ الأغلبَ من كتاباته.
 فالأفكار … كعنصر من عناصر التغيير الاجتماعي (وأساسها الإيديولوجية الإسلامية في معتقده ولاشك ) لم يكن قد بحثها على النحو المعروف في دراسـات المفكــرين أو العلمـاء المسلمين,خَلا وقفاتٍ أو إشاراتٍ وُظِّفَت في خدمة المشكل الأساسي عنده وهو » الحركة «.
بمعنى … أن الإسلامَ عند » ابن نبي « لم يُدرس كعقيدةٍ وشريعةٍ,فهو مؤمن به ومُسَلِّم,وما تَعَرَّضَهُ لِقِيَمِهِ ومبادئِه إلا لأهدافٍ وظيفية,أي باعتبارها أدواتٌ دافعيةٌ في خدمةِ الحركة المطلوبة,التي كانت تَشْغَلُهُ.
إذن…فالأفكار النظرية لم تكن هي موضِعَ اهتمامه,ف » مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي « كانت عنده بحثاً في الحركة والتفاعل واستقصاء الانعكاسات والمعطيات,فرؤيته مثلاً التي صاغها عن » الأفكار الميتة والأفكار القاتلة « كانت في حقيقتها معالجَة في الحركة,وليست في ماهية الفكرة.فالأفكار الميتة – كما يرى- قد تكون صحيحة بل وصادقو,ولكنها في مجال حركتها قد تفقد الكثير من فاعليتها,وهنا تَبْرُ زُ مشكلةُ البحث لديه,والتي ستدور حولَها آراؤه ومعالَجَتُه التحليلية والنقديةِ, ففكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مُسَلِّمٌ بها,وهي ليست نطاق بحثه,إلا أنَّ فاعليةَ الفكرة المذكورة هو المشكل الذي عَنِيَ بالوقوف عليه.
كذلك الحال بالنسبة للإنسان ( الأشخاص) كعنصرٍ من عناصر التغيير الاجتماعي ,سوف لا نجده مدروساً في كتابات ابن نيٍ كبحث… الحركةُ التي من شأنها أن تثيرَ أسئلة من قبيل:
- ما محرَّكات الإنسان ؟ و ما دوافعَه على المستوى الاجتماعي ؟
- ما الباعثُ المعللُ لديه في التحرك؟ وكيف يمكن توظيفُه؟
- ما معضلاتُه ومعوقاتُه في ذلك كلِّه؟
- ما أمراضُه؟ وما سلبياتُه؟
- ما الظواهرُ العامةِ الإيجابيةِ أو السلبيةِ التي هو جزءٌ منها؟
والإجابة عن هذه الأسئلة كلِّها,ستكون بالطبع دراسة في الفرد والمجتمع,وفي النفس والتربية والسلوك … أي في كل ما يتصل بالجانب الاجتماعي من حيث الإنسان .
*
معالجة الحركة ومفهوم النهضة:
إننا لو تابعنا فكر ابن نبيِ, سنعرف أن للحركة عنده معنىً يرادف مصطلح » النهضة « … كما و أن النهضةَ هي عنده … سعيٌ متواصلٌ نحو غايةٍ وحيدةٍ. هي » الحضارة«، مما يقودُنا إلى تعليلِ عنايتِهِ بالإنسانِ في بُعده السلوكي و إناطةِ توجيهِهِ بنواحٍ ثلاث هي:
1 / توجيه الثقافة .
2 / توجيه العمل.
3 / توجيه رأس المال.
وهــذا التحديـد عنـد ابن نبي،مُتَّـصلٌ باهتمامه بالإنسـان كحركَةٍ في الواقع،وحركةٍ في النهضة،وحركـةٍ باتجاه الحضارة،لأن »معرفَةَ إنسان الحضارة –كما يقول- أشقٌّ كثيراً من صنع محراثٍ أو ترويضِ قردٍ «..فالحركةُ أو الرُّكودُ،هو ما كان يقودُه للبحث في سلوكية وظواهِر الإنسانِ المسلِمِ الذي يَهُمُّه فيه إعدادَه للانتقال من مرحلة » التدهور « إلى مرحلة » الحضارة « و لهذا وضع معظمَ كتاباته تحت عنوان [ مشكلات الحضارة ] .
 و الأمر كذلك منطبق على عنصر » الأشياء « الذي لم يعالجه كماهيةٍ، بل كحركةٍ، و لعله قد عَبَّر عن ذلك ضمن برنامجه التربوي لتوجيه الثقافة على وجه الخصوص، حيث احتل » المنطق العملي « و » التوجيه العلمي و الصناعي « مكاناً في برنامجه المذكور .
و لهذا كان تركيزه على » شبكةِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ« كبيراً، باعتبار هذه الشبكةُ مظهراً تطبيقاً لحركة الأفكارِ و الأشخاصِ و الأشياء .
و من هنا… لم يكن خطأً أن يعتبر ابن نبي هذه الشبكة عالماً رابعاً إذا فهمنا أنه كان يضعُ الأفكارَ و الأشياءَ و الأشخاصَ بمثابةِ النظريةِ السَّاكنةِ، بينما يضع شبكةَ العلاقاتِ كجانبٍ حركيٍ تطبيقيٍ، فالأفكارُ عنده »ميتة « حتى و لو كانت صادقةٌ و صحيحةٌ حين لا تكون ذاتُ » فاعلية « في إطار زمني –مكاني محدودٍ و الأشياءُ باهتةٌ، و مجردَ أكداسٍ إذا لم تكن متأنيةٌ عن حركة الحضارة و مُتَّسِقَةٌ مع وظيفتها… و الأشخاصُ بدائيون دون الترابطِ الاجتماعي الذي يُفَسِّر اجتماعُهُم و يُفسِّرُ خطواتُهُم و إنتاجُهُم.
إذن… فالتحديد الذاتي لعناصر التغيير الثلاثة… لم يكن هو محور اهتمام ابن نبي، و بالتالي يكون من الخطأ المنهجي – كما نعتقد – أن نحاولَ فهمَ فكرته عن التغيير الاجتماعي إبتداءً من إشارته العارضة للعناصر المذكورة.
فدراسة فكر ابن نبي، دراسةٌ علميةٌ، هو أن نضع أيدينا على المشكل الذي دارت حوله كتاباته، و هو ( مشكل الحضارة ) فهذا هو السقف الطبيعي الذي سنفهم من خلاله فكرتَه عن التغيير الاجتماعي .
مشكلة الحضارة :
فإذا أدركنا هذه النقاط المنهجية، يمكننا الآن أن ننتقل لإلقاء بعض الضوء على المشكل الذي بلور » ابن نبي « حوله فكره كُلَّه تقريباً، و نعني به كما ألمعنا، » مشكلة الحضارة « و منه سيتبين لنا، كيف أنه اهتم بحركة العناصر الثلاثة لا بماهيتها.
إن معالجةَ الأستاذ مالك بن نبي لمشكلة الحضارة ، قد اتخذت بُعدين:
الأول: بُعدٌ فلسفي –تاريخي… و هو معالجتُه للحركة التاريخية للتغيير الاجتماعي في إطار نظريته في الدورة الحضارية ، التي مُلَخَّصُها، أن الحضارةَ تمر بثلاث مراحل :
 مرحلة الروح ( الصعود )
 مرحلة العقل ( الصمود ) م. الانتشار و التوسع
 مرحلة الغريزة ( الهبوط ) م. الأفول و الانحدار
وقد مَثَّل مالك لهذه الأطوار التي تمر بها… بالرسم المبياني التالي:

العقــــــــل
المستويات النفسية - الإجتماعية الروح الغريزة
مرحلة ما قبل الحضارة دورة الحضارة مرحلة ما بعد الموحدين
مرحلة الجاهلية 38ه الحضارة الإسلامية
هذا الرسم الذي يبين القيم النفسية الزمنية لإحدى الحضارات، يعطينا فكرة عن تغيرات هذه القيم خلال المراحل الحضارية المختلفة.
وقد حاول مالك… تطبيقَ ذلك على الحضارة الإسلامية، و هي فكرة ليست بالضرورة مقبولةٌ لدى العقل الإسلامي، لِمَا تنطوي عليه من حتمية قهرية أوقَعت ابن نبي نفسه في مأزقٍ فكريٍ، تَخَلَّصَ منها ضمناً بتأكيداته المستمرة على قانون التغيير الاجتماعي  إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسِهِم 
ثم تتلخص »الإرادة «البشرية المؤَكَّدَة قرآنيا,وبين »فكرة حتمية الدورةِ الحضارية « التي قال بها.وقد جاء استدراكه هذا صريحا في مقدمة كَتَبَها عام 1972 لمؤَّلف جودت سعيد  حتى يغيروا ما بأنفسهم 
لقد كانت متابعاتُه التاريخية لعناصر الأفكار والأشخاص والأشياء متابعةً في إطار حركتها التاريخية وما تنطوي عليه تلك الحركة من تفاعلاتٍ ونتائجٍ وآثارٍ,وليس في إطار ماهيتها.
الثاني… بعدٌ سلوكيٌّ اجتماعيٌّ… انطلق فيه, في حدود معادلته المعروفة عن الحضارة : إنسان +تراب +زمن =حضارة وقد جاءت دراساتِه التحليليةِ هنا مُرَكَّزةً على »حركة الأشخاص «وحركةِ »الأشياء « (التراب ومن ضِمنِه ِالوقتُ كاستثمار مادي ) وحركة »الأفكار « كدافعةٌ روحيةٌ وأخلاقيةٌ إسلاميةٌ من شأنها أن تصنعَ شبكةُ العلاقاتِ وتمزجَ العناصر الثلاثةِ, باعتبارِ أنَّ الفكرةَ الدينيةَ رافقت دائما- كما يقول – تركيب الحضارة, وأنها أساسٌ لأي تغيير اجتماعي.لذا ركَّزَ ابن نبي من خلال تحليلاتهِ السلوكيةِ والتربوية ِ على أمراض الفردِ والمجتمعِ, وعلى الظواهرِ السلوكيةِ والجوانبِ السلبيةِ من الثقافةِ العربيةِ الإسلاميةِ,كما تناول بالتحليل والنقد… حركاتِ التغييرِ في العالم الإسلامي,وكان في ذلك كلِّه,يحاول البحثَ عن شروطٍ أفضلَ للنهضة,سعياً وراء الانتقال من مرحلةِ الخروجِ من الحضارة, إلى الدخولِ إليها ثانية.
هل يمكننا أن نستعجل الاستنتاج ونقول؟
إن » مالك بن نبي «… لم يكن فيلسوفاً, بمعنى أنه لم يعالج قضايا الفلسفة التقليدية المعروفة,كما لم يكن مفكراً إسلامياً بالمعنى الذي يُعنى به البحثُ أو التفكيرُ في العقيدةِ أو الشريعةِ , بل كان » مفكر اجتماعي إسلاميٌ« إذ حتى كتابُه ( الظاهرة القرآنية ) الذي هو استثناءٌ وحيدٌ عن هذا التوصيفِ,كان قد وَضَعَهُ بهدف التَّنْشيط الحَرَكي واليقظةِ الفكريةِ التي حتَّمتها المرحلةُ العقليةُ العمة،والظروفُ المحيطة في حياة الشباب المسلم حينِها،كما يقول هو نفسُه.
ومن نتائج فكره أيضا،أنه وقع في خطأٍ فكريٍ نتج عن تحريك ( القابلية للاستعمار )
لِذِهْنِيَتِهِ ..فأعطى » التراب « قيمةٌ زائدةٌ عن حدوده،إذ وضع هذه المعادلة :
إنسان + تراب + زمن = حضارة
ليس من شكٍ ..أنَّ الإنسانَ هو مقياسُ الحضارةِ،لأنه أثمن مافي الحياة،يقول سبحانه :
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ..فصلاحُ الحضارة وفسادُها يُقاسان بِمدى النَّفع أو الإضرار به،بمدى الانسجام أو التنافر معه.
ليس من أحدٍ يُنكر أن الحضارة الغربية تستغـل » التراب « -الآن- أحسنَ استغلال …وتستفيدُ من » الوقت « أو » الزمن « أروع استفادة… وقد أعطته –نتيجة ذلك –رُكاماً ترابياً ضخماً لم تشهده أيَّةِ حِقبةٍ تاريخيةٍ سابقةٍ.. وفي الوقت نفسُه, لم يختنقِ الإنسان في أية حقبة تاريخية كما اختنق الآن في عصرنا.. ولم يَشْقَ الإنسانُ بترابه ووقتِه كما شَقِيَ في قرنِناَ..ولم يتَأَذَّ الإنسانُ بمنجزاته كما تَأَذَّى إنسان الآلة.
فاستغلال الإنسان – إذن – للتراب والوقت..لا يعطي –بالضرورة –حضارة حسب المعادلة: إنسان+ تراب+ زمن =حضارة .فقد يكون :إنسان +تراب +زمن = دمار . والوضع الصحيح للمعادلة هو :إنسان متوازن =حضارة .
ولما كان المسلم -حتما – متوازنا,تصبح صورة المعادلة كالآتي:إنسان مسلم =حضارة.
ولما كان المسلم هو الإنسان الوحيد الذي يمكنه أن يُحَقِّقَ التـوازنَ.. لِذا فإننا نستطيع أن نُفْقِطَ
المعادلة السابقة بالشكل التالي: [ الحضارة فقط الإنسان المسلم ].
كان هذا عن » التغيير الاجتماعي « عند المفكر الاجتماعي الإسلامي» مالك ابن نبي«..وأرجو أن تكون هذه الأسطر مقدمة لتقديم بعض أن تكون هذه الأسطر مقدمة لتقديم بعض القراءات المختارة في فكره, وخاصة:

- القضايا الكبرى..
- مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي..
- شروط النهضة..
- وجهة العالم الإسلامي..
- الفكرة الإفريقية الأسيوية..
- المسلم في عالم الاقتصاد..
- ميلاد مجتمع..
إذن..فما هو السبيل الوحيد..الذي يحيلنا إلى الخروج من مشكلة الحضارة التي نعيشها اليوم..؟
فلا شك أن الحوارَ الثقافيَّ أو الدينيَّ أو الحضاريَّ, ساهم في حلِّ أَعْوَصِ المشاكلِ,وتقريبِ وجهاتِ النظرِ, بين الأفراد, وبين الجماعات, وحتى بين الأممِ..
وحين يُخْطِئُ بعضُ دعاةِ الحوارِ, قانونَ الحوارِ وشروطَه..تكون النتيجة على غير ما يرغبون..وأهم هذه الشروط..أن يتمكن كل من الطرفين من التعبير عن أفكاره,والدفاع عنها بحريةٍ وطَلاَقَةٍ,فلا يُحَقِّرُ أَحَدُهُما الآخر,ولا يشعُر أحدهما بأنه أدنى من مُنافسه, وأن مهمته تقتصر على السمع والتلقي,وإلا يتحوَّل الحوارُ إلى نوعٍ من (المونولوج -Monologue ) »الغالب فيه يتحدث..يَأْمُرُ ويُوَجِّهُ..والمغلوبُ المُسْتَلِبُ يقُف أمامَه باهتاً..إما عن رهبةٍ وتعظيمٍ,وإما عن شعورٍ بالحقارةِ والانهزامِ,وإما عن ذهولٍ وتردُّدٍ «
ولقد كانت الدعوة إلى الحوار بين المسلمين وغير المسلمين قديمةٌ قدمَ الرسالة الإسلامية, وإن اختلفت غاياتَها وطُرُقَها..فقد سَجل التاريخ المناظرات التي جرت بين علماء المسلمين, وغيرهم منذ العهد الأول للإسلام , و التي انتهت بأطيب النتائج, وذلك حين استكمل الحوارُ شروطَه,ودخل المسلمون حلبَتَه – أي الحوار – واثقين من أنفسهم, منطلقين من أرضيةٍ عقائدية تقومُ على اعتبار الإسلامِ الحقيقةُ المطلقةُ الوحيدةُ المنزَّلةُ من عند اللهِ,والتي حافظت على نقاوَتِها من كل ثَوْبٍ للحقيقة »من هذا المنطلق, كان المسلمون يُناظرون النصارى واليهود وغيرهم,يَكشفون لهم ما في دياناتِهم من زَيفٍ واختلافٍ وتناقضٍ..ويَدْعُونَهم من ثَمَّ إلى الحقيقةِ الخالصةِ –الإسلام - دينُ كلِّ الأنبياءِ..تحت هذا الصدد تندرج كتابات الغزالي وابن حزم وولي الله الدهلوي «
وحين هُزم المسلمونَ الهزيمةَ الماديةَ,وتلَتْها الهزيمةُ النفسيةُ,تغيرتِ المعطياتِ… وأصبح المسلمون لا يُدعَون إلى الحوار إلا للإقرار بقوة مُنافِسِهِم,متنازلين شيئا فشيئا–اسم الموضوعية العلمية – عن مواقعٍ هامةٍ كانت حِصنُهم المنيع أمام ضرباتِ الأعداء,فتصبح مطالبـُهم -بعد أن كانت الدعوة إلى اعتناق الإسلام - استعطافُ الآخرين لرفع التُّهم المُلَصَّقَة بدينهم.. فقد دعا الدكتور » محمد زقزوق « في كتابه:] الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري [ إلى ربط الصلة بين المؤسسات العلمية الإسلامية والمستشرقين المعتدلين, وإجراء حوارٍ مستمرٍّ معهم,وعقدِ لقاءاتٍ وندواتٍ تجمع بينهم وبين العلماء المسلمين, والهدف من ذلك كلِّه » دعمِ مواقف هؤلاء المستشرقين وتقويةِ جانـِبـِهم وتشجيعِ اتجاهاتِهِم بهدف أن تُصبح هذه الاتجاهات المعتدلةُ في يومٍ من الأيام, تياراً عاماً في الغرب, يكونُ له تأثيرهُ الفعاَّلُ في تصحيح الصورة الخاطئةِ عن الإسلام غي العالم الغربي.. ومن ناحية أخرى, سيكون من نتائج هذا الحوارُ,ترشيد المثقفين المسلمين المتأثرين بأفكارٍ إستشراقيةٍ سلبية,والتخفيفُ من حدة اندفاعهم وتقليدهم لهذه الأفكار, وإعادتهم إلى المواقف الإسلاميةِ الصحيحةِ «
وهكذا –كما رأينا – تحول المسلمون من موقفِ القوي إلى موقف الضعيف المستعطف لرحمةِ الآخرين للدفاعِ عن أفكارهم..وفي رأيي أن هذا النوعَ من الحوار.. لن يَجني المسلمون من ورائه ما يرجونَه من النتائج, طالما أن المعادلةَ مفقودةٌ بين الطرفين المتحاورين.
فالغرب الصليبيُ الحاقدُ غيرُ مستعدٍ للتنازل قدر أُنْمُلَةٍ عما يعتقده وعما يؤمن به من أفكار كانت ولا تزال الوقود لروح العداوة التي يَكِنُّها للشعوب الإسلامية بصفة خاصة, حتى وإن أبدى مُعظَمُهم شيئاً من اللين والمراوغة – سميناها نحن اعتدالا – فالغرب لا يزال منذ القرن الثامن -وبمساعدة علمائه في الاجتماع ومؤرِّخيه وكُتَّابه و فنانيه, وحتى الثوريينَ ودعاة الإنسانية فيه - يريد ( أي الغرب ) أن يفرضَ على العالم أطروحته التي تقول : » إن الحضارةَ هي واحدةٌ, وهي تلك التي صنعها الغربُ وقدمها للعالم,ولا بد لكل من يريد أن يكون مُتَحَضِّراً أن يمارس الحضارة التي نصنعها نحن, وإذا ما رفضها فسيبقى وحشيا… «
وتقول أيضا : » إن الثقافةَ واحدةُ, وهي تلك التي تُدعى بالثقافة الغربية .ولابد لكل من يُنمِّي في نفسه القيمَ الثقافيةَ،أن يرضى ويَتَقَبَّلَ القوالبَ التي يُقَدِّمُهَا له الغربُ في هذا المجال, وإلا فسيبقى بلا ثقافةٍ وبلا حضارةٍ,أي وحشياً… «
والرجل الغربي لا يزال يؤمن أنه وحده هو الموجود .. يقول »سارتر « لا يوجد في العالم سوى خمسمائةِ مليونٍ إنسانٌ فقط, أما الباقي فهم محليون والمحلي عند الغرب, يعني الشرقي, أما الإنسان فهو الغربي.
ويقول » إرنست رينان - Ernest Renan «:
» إن الغرب في عنصره,هو عامل,ولهذا ترى الطبيعةُ تُزيدُ و تُكثرُ من عنصر العامل وتُقَلِّلُ»زيغريد«
من عنصر صاحب العمل« ويقول أيضا :
»إن الغربيَ له عقليةٌ صناعيةٌ وإداريةٌ قادرةٌ على صُنع الحضارة,أما الشرقيَ, فله عقليةٌ شعوريةٌ متوسطةٌ , وهو عاجز عن التفكير والاستنتاج ووضع القوانين الحديثة «
ويقول » موريس تورز « أحد زعماء الحركة الشيوعية العالمية:
»إن الشعبَ الجزائريَ وشعوب إفريقيا الشمالي, والشعوب الإفريقية بأسرها, ليست شعوباً «
*
بهذه العقيدة يفكر الغرب, وهو – كما قلت – غيرَ مستعدٍّ لأن يتنازل عن اعتقاده هذه قدر شبر واحد ..وبالتالي, فإن مشاركَتَنا في الحوار معهم (الغربيين ) على هذا الأساس,إنما هو تعريضٌ لأنفسنا للذوبان في عقيدتهم, وإنكارٌ لشخصنا, ولكياننا ولأصالتنا… وما دمنا نحن محليين, وأشباه بني آدم,وهم –أي الغربيين –أبناءُ آدمَ,صدقٌ حسب تعبيرِهم, فإن أي نوعٍ من الحوار معهم -على هذا الأساس –يعتبر خيانةً بحقِّ وجودنا نحن وبحقِّ أصالتنا وبحقِّ حضارتنا… لأن علاقَتَهُم بنا حسب هذه المعادلة, هي علاقةُ المستعمِر بالمستعمَر,ولأن دعوةٌ كهذه في مثل هذه الظروف, ظروفُ الهيمنةِ والانهزامِ, لا تستطيع الدَّفعَ إلى البناءِ والعطاءِ الحضاري,بقدر ما تساهم في إطفاء جَذْوَةِ الحماسة فِينا هذه الحماسةُ التي هي شرطٌ ضروريٌّ من جملةِ الشروط الأساسيةِ للحوار البَنّاء.
*
ولقد دخل بعضُ مفكري الإسلام و عُلماؤه خلية هذا الحوار حسب هذه المعادلة, فكانت النتيجة وخيمةٌ جدا,أفرزت أنماطا ثلاثة من المفكرين :
الأول: هو النمطُ الذي ألقى سِلاحَه ففي بدء الطريق مبهوراً بما عند منافسه وتنكر لتاريخه وأصالته وثقافته,وتطوع للدعة إلى » التغريب « في بلاد المسلمين بكلِّ ما أُوتي من جهد.
الثاني:هو النمط الذي لم يستطع أن يتنكر لثقافته وتاريخه, ولكنه تحت تأثير الواقع وتحت تأثير الهزيمة النفسية,يرى:أن لا سبيل لبعث الحياة الحضارية للمسلمين إلا باتباع وتطبيق المناهج الغربية, ولو أدى به الأمر إلى ليِّ أعناقِ النصوص وتأويلها إلى غير ما تحتمل.
الثالث:هو النمط الذي تمسك بمبادئه الأساسية وتَحَصَّنَ بما تبقى له من حصون دفاعيةٍ في عقيدته الإسلامية, إلا أنه لم يَسْلَم من تأثير الثقافة الغربية فيما دعا إليه من تحرُّرٍ فكريٍ واجتهاديٍ.
وهذه الأنماط الثلاثة.. لا تعدو أن تكون نتيجةً حتميةً للهزيمةِ النفسيةِ التي مُنِيَ بها المسلمونَ أمام الغرب القوي » والسبب في ذلك, أن النفسَ أبداً تعتقد الكمالَ في كل من غلبها,وانقادت إليه, إما لنظرِه بالكمالِ وقر عندها من تعظيمه, أو لِما تَغَالط به من انقيادها – ليس لِغلب طبيعي,و إنما هو لكمال الغالب – فإذا غالطت بذلك واتصل لها, حصل اعتقاد فانتحلت جميع مذاهب الغالب و تشبها ته, وذلك هو الاقتداء, أما لما تراه – والله أعلم – من أن غلب الغالب لها, ليس بعصبيةٍ ولا بقوة بأس, وإنما هو بما انتحله من العوائد والمذاهب, ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه وفي سائر أحواله «
*
وفي محاولة لعرض نماذج من المفكرين لكل من هذه الأنماط, نجد من:
النوع الأول .. الدكتور " زكي نجيب محمود " يقول بالحرف الواحد :» … الجواب الواحد الواضح,هو أن نندمجَ في الغربِ اندماجاً في تفكيرنا وآدابنا وفنوننا وعاداتنا ووجهة نظرنا إلى الدنيا.. الجواب الواحد الواضح..هو أن تكونَ مصرُ قطعة من أوربا كما أراد إسماعيل النهوض الذي لا يكبو ولا يتعثر « ونجد الدكتور" طه حسين " يقول:» فإذا كنا نريد هذا الاستقلال العلمي والأدبي والفني, فنحن نريد وسائله بالطبع ووسائله أن نتعلم كما يتعلم الأوربي, ولنحكم كما يحكم الأوروبي, ونصرف الحياة,كما يصرفها الأوربي«
ويذهب إلى أبعد من ذلك فيقول: » فأما الآن, وقد عرفنا تاريخنا وأحسسنا أنفسنا, واستشعرنا العزة والكرامة, واستبقنا أن ليس بيننا وبين الأوربيين فرق في الجوهر ولا في الطبع ولا في المزاج فإني لا أخاف على المصريين أن يغنوا في الأوربيين «
وما انفك " طه حسين " في كتاباته يؤكد صلة مصر بالغرب القديم والحديث,ويوهن صلتها بالشرق الإسلامي, ويدفع الناس بحماسة إلى تلك الثقافة الغربية وطريقة العيش الغربية ودراسة اللغات الأوربية الحديثة و القديمة .
ونجد كذلك " حسن حنفي " رائد ما يسمى ب: » اليسار الإسلامي« يُدفع عن التيارات المعادية للإسلام،ويبحث لها عن مبررات شرعية لوجودها في بلاد المسلمين،فيقول : » لقد كانت الحركاتُ الإصلاحية القديمة،دفاعاً عن القديم ضد الجديد المُمَثَّل في النظرياتِ الجذريةِ للتَّغيير سواءٌ في الفكر مثل:التيارات العلمية والمادية.أو في الواقع مثل : النُّظم الإشتراكية واتهامُها بالإلحاد والشيوعية .«
ويقول في مكان آخر:
…»إننا في غياب البديل الإسلامي الثوري لجأنا بالضرورة إلى الماركسية لحل قضية العدالة الإجتماعية،وإلى الليبرالية لحل القمع المسلط على شعوبنا،وإلى القومية لإنهاء حالة التشرذم،وإلى "ديكارت " لتأكيد العقلانية« .
بل ويذهب " حسن حنفي "إلى أبعد من ذلك,فيستنكف عن استعمال مصطلحات القرآن ليستبدلها بألفاظ يقبلها الآخرون,كما يستنكف عن العودة إلى النصوص ( القرآن والسنة ),لأن الآخرين من غير المسلمين لا يرتضونها,فيقول: » فألفاظ الجن والملائكة والشياطين,بل والخلق والبعث والقيامة,ألفاظ تجاوز الحس والمشاهدة,ولا يمكن استعمال لأنها لا تشير إلى واقع,ولا يقبلها كل الناس,ولا تؤدى دورة الإيصال .«

هذا عن النوع الأول,أما من النوع الثاني ..فنجد " رضا محرم " يقول في مجلة [ المسلم المعاصر(العدد15)]:
»إن البشرية تعيش عقودا من حياتها،صبغتها الأساسية يسارية .. ومادامت سيادة الفكر والتنظيم تتأكد لليسار،فإن هذا يفرض على المسلم المعاصر أن يتعامل مع هذا الوجود اليساري..كما أنها ترتب تأثيرا حتميا وتأثيرا بين الفكر الديني الإسلامي وبين هذا الفكر اليساري بمدارسه واتجاهاته كافة..فإن جمع المسلم المعاصر بين صفتي" المسلم "و"اليساري"تصبح ظاهرة طبيعية،بل تصبح ظاهرة لابد منها ،حتى لا تصيبه حالة فصام حضاري نتيجة عجزه عن التوفيق بين عقيدته الذاتية التي يعتز بها،وبين إدراكه اليومي لسلامة المعطيات اليسارية،ومقدرتها على إخراجه من المأزق الإجتماعي والإقتصادي الذي يتردى فيه «
إن ضغط الواقع المهزوم هو الذي جعل "رضا محرم" يعتقد بأن اليسار هو الحل الجتمي لإخراج العالم الإسلامي من المأزق الذي تردى فيه..
ونجد في هذا النوع الثاني كذلك"محمد عمارة"يقول: »إذا كانت العلمانية في أوربا موقفا ضدَّ دينهم
كما فسرته الكنيسة،فهي عندنا الحقيقة المُعَبِّرَة عن نقاء الموقف الإسلامي في هدا الموضوع ..ومن تمَّ،فإن مصطلح العلمانية لا يمثل عدوانا بديننا الحنيف إلى موقفه الأصيل «
هكذا قال " محمد عمارة " وهو يظن أنه يدافع عن الإسلام ويريد له التفوق .

ومن النوع الثالث والأخير نجد الوزير" خير الدين باشا التونسي" ( 1810م / 1867م ) يقول على لسان بعض أعيان الأوروبيين : » إن التمدن الأوربي تَدفَّقَ في الأرض فلا يعارضه شي ء إلا اسْتَأْصَلَتْهُ قوة تياره المتتابع ، فيخشى على الممالك المجاورة لأوروبا من ذلك التيار إلا إذا أخذوه،وجَرَوا مجراه في التنظيمات الدنيوية لِيُمَكِّنَ نجاتَهم من الغرق «
ويقول في موضوع آخر :
»ولما كان تقدم أهل أوربا في ميدان التمدن الذي من نتائجه المخترعات المشار إليها،إنما كان بتمهيد طرف العلوم والفنون وتسهيل أسباب استحصالها وكان للمملكة الفرنسية مزيد شهرة بتحسين التنظيم في أطوار التعليم والتعلم ،رأينا أن نبين ترتيباتها الناجحة لتقاس عليها بقية الممالك لاقتداء بعضهم ببعض في مثل ذلك «.
ولاشك أن هذا الإعجاب بما عند أوربا دفع الوزير المصلح إلى مهاجمة المسلمين »المتزمتين «الذين جمدوا الدين ورفضوا كل اقتباس حسن من حضارة الأمم الغربية.

وهكذا يتبين لنا أن الحوار بين الثقافات ،أو بين الديانات ، أو بين الحضارات ـ غير ممكن بالنسبة لنا طالما أن أقدامنا غير مستقرة على أرض ،وأفكارنا غير موجهة نحو هدف محدد ،وطالما أننا فاقدو الهوية ،متنكرون لذاتنا .إنه لكي يكون الحوار إيجابيا بالنسبة لنا ..ولكي نخرج من مشكلة الحضارة .. ولكي يغير المنافس رأيه فينا ويتخفف الوطأة عنا ..لابد من الرجوع إلى ذاتنا الإسلامية نستمد منها جذوة الحماس , فنغير النظرة إلى أنفسنا , وإلى ما عندنا , وندخل الحضارة من بابها الشرعي واثقين من أنفسنا,لا تخيفنا ممتلكات العدو من القوة ومن وسائل الدمار,مؤمنين بأننا لا نقل عنه قدرة على الإبداع والإختراع..وعلى بناء الحضارة الإنسانية.بهذا الوعي،وبهذا الإيمان بالذات فقط،يمكننا أن نَكسبَ جَولات الحوار،ونُعيد تقويم الأمور بميزان جديدٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وليتذكَّر الجميع أنه بهذا القانون وحده استطاع عرب الجزيرة أن يصنعوا المعجزة التي يشهد لها التاريخ بالتفرُّد..وصدق الله تعالى إذ يقول :  إِنَّ اللهَ لاَ يُغَبِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم 


مسرد المصادر والمراجع والدوريات
1.الإسلام والحضارة الغربية ..للدكتور محمد محمد حسين .
2.الإسلام في معركة الحضارة..منير شفيق .
3.الإسلام والسلطة الدينية..د.محمد عمارة .
4.أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك..خير الدين التونسي .
5.تاريخ الأستاذ الإمام.. رشيد رضا .
6.تخليص الإبريز في تلخيص باريز ..رفاعة الطهطاوي .
7. التراث الجديد ..حسن حنفي .
8.التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي ..علي القريشي.
9.شروق في الغرب .. الدكتور زكي نجيب محمود.
10.ظاهرة اليسار الإسلامي ..محسن الميلي .
11.الفكر الإسلامي الحديث و صلته بالاستعمار الغربي ..محمد البهي.
12.الفكر الإسلامي المعاصر ( دراسة وتقويم ) ..غازي التوبة.
13.مستقبل الثقافة ..طه حسين.
14.مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ..مالك بن نبي .
15.المقدمة ..ابن خلدون .
16. القضايا الكبرى ..مالك بن نبي.
17.الأمة..عدد62..السنة السادسة .
18.المعرفة ..عدد7..السنة الخامسة .
19.الوعي الإسلامي..عدد245 .السنة 21.

* * *


 نداء للوطنية :
» … فجميع ما يجب على المسلم للمسلم,يجب على أعضاء الوطن,من حقوق بعضهم على بعض,لما بينهم من الأخوة الوطنية.فضلا عن الدينية.فيجب أدبا لمن يجمعهم وطن واحد,التعاون على تحسين الوطن وتكميل نظامه,فيما يخص شرف الوطن وغناه وثروته, لأن الغني إنما يتَحصَّل من انتظام المعاملات ، و تحصيل المنافع العمومية، وهي تكون بين أهل الوطن على السَّوية، لانتفاعهم جميعاً بمزية النَّخوة الوطنية «
 الكلام عن الحرية:
سائر الفرنساوية مستوون قُدَّام… و لقد كادت هذه القضية أن تكون من جوامع الكلم عند الفرنساوية، وهي من الأدلة الواضحة على وصول العدل عندهم إلى درجة عالية، وتقدمهم في الآداب الحضرية .و ما يسمونه الحرية و يُرغِّبون فيه هو عينُ ما يُطلق عليه عندنا العدل و الإنصاف.
وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو الشاوي في الأحكام و القوانين، بحيث لا يَجُورُ الحاكم على إنسان، بل القوانين هي المُحكَّمة المعتبرة. فهذه البلاد حُرِّية بقول الشاعر :
وقد مَلأَ العدل أقطارها وفيها توَالى الصفا و الوفا
» فالحرية بهذه المعاني هي الوسيلة العظمى في إسعاد أهالي الممالك، فإذا كانت الحرية مبنية على قوانين حسنةٍ عدلية كانت واسطة عظمى كانت واسطة عظمى في راحة الأهالي وإسعادهم في بلادهم,وكانت سبباً في حُبِّهم لأوطانه « .

 الكلام عن المرأة: (تعليمها )
يشيد الطهطاوي في مقدمة كتابه ( المرشد الأمين للبنات و البنين ) بفضل الخديوي إسماعيل في التسوية بين البنات و البنين في التعليم » فقد سُوي في اكتساب المعارف بين الفريقين، و لم يجعل العلم كالإرث، للذكر مثل حظ الأنثيين .فبهذا سُوقَ المعارف المشتركة قد قامت، و طريق العوارف للجنسين استقامت، وليلُ جهلِ النساء جلاه فجر المعارف، و فخرُ تمتعهن بالطرائف و اللطائف «
و تكلم عن وجوب تعليم المرأة، لتكمل لذة أنس الزوجية: » وهذا لا يكون إلا بالمشاكلة بين الزوجين، و المجانسة بين القرينين، و لاسيما في الممالك المتمدنة، التي يعد فيها تعليم النساء من الشيم المستحسنة. فالمرأة على هذا محتاجة للتعليم لإرشادها، في أمور الزوجية و العِشرة، و في تربية الأولاد، إلى الطريق المستقيم «
بل هو يذهب إلى أبعد من ذلك، فيجعل من مزايا التعليم أنه » يُمكِّن للمرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال و الأعمال ما يتعاطاه الرجال،على قدر قوتها و طاقتها. فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشر نَهنَّ بأنفُسِهِنَّ.وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة،فإنَّ فراغ أيديهن عن العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل وقلوبَهن بالأهواء وافتعال الأقاويل.فالعمل يصون المرأة عمَّا لا يليق،ويُقَرِّبها من الفضيلة «.
 تعدد الزوجات :
يتكلم الطهطاوي في كتاب ( المرشد الأمين ) عن تعدد الزوجات، فيشترط فيه العدل، و يورد حديث » من كان له امرأتان فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل« و يورد أقوالاً للحكماء و قصصاً تحبذا لاقتصار على زوجة واحدة .
*تحديد الطلاق:
تكلم الطهطاوي في كتابه ( تخليص الإبريز ص.122) عن الطلاق، الذي لا يتم عند الفرنسيين إلا أمام المحكمة بإقامة دعوى الزِّنى .
*إختلاط الجنسين:
تكلم الطهطاوي عن عادات الفرنسويين في اختلاط الرجال بالنساء، فنفى أن يكون الاختلاط و التبرج داعيا إلى الفساد، أو دليلاً على التساهل في العرض، حيث يقول » ولا يظن بهم أنهم لعدم غيرتهم على نسائهم لا عِرضَ لهم في ذلك… لأنهم و إن فقدوا الغَيرة، لكنهم في نسائهم. غايةُ الأمر أنهم يخطئون في تسليم القياد للنساء. و إن كانت المُحْصَنات لا يُخْشى عليهن شيء «


و يعود فيؤكد أن السفور و الاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد، و أن مَرَدَّ الأمر كُلِّه إلى التربية فيقول : » إن نوع اللخبطة بالنسبة لصفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سَتْرهن، بل منشأ ذلك التربية الجيدة و الجنسية، و التَّعود على محبة واحدة دون غيره، وعدَمُ التشريك في المحبة و الالتئام بين الزوجين «
*مراقصة الرجال للنساء:
» … ويتعلق بالرقص في فرنسا كُلُّ الناس. و كأنه نوعٌ من العِيَاقة و الشَّلْبَنَة لا الفِسق. فلذلك كان دائما غير خارج عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر، فإنه من خصوصيات النساء، لأنه لتهييج الشهوات. أما في باريس فإنه نطٌّ مخصوص لا يُشَمُّ منه رائحة العُهْرِ أبداً. و كلُّ إنسان يعزِمُ إمرأةً يرقص معها، فإذا فرغ الرقص عَزَمها آخر للرقصة الثانية و هكذا وسواء كان يعرفها أو لا «
نصوص لخير الدين التونسي:
 الكلام عن الحرية:
يقرر خير الدين في ( المقدمة) أن الحرية هي » منشأ سعة نطاق العرفان و التمدن بالمممالك الأوروباوية «
و يقسمها إلى ثلاثة أقسام:
 الحرية الشخصية » وهي إطلاق تصرف الإنسان في ذاته و كسبه، مع أمنه على نفسه و عرضه و ماله و مساواته بأبناء جنسه لدى الحُكم «
 الحرية السياسية : » وهي حق الرعايا في التدخل و إبداء الرأي في صالح الدولة، عن طريق المجالس النيابية «
 حرية الرأي : التي يسميها - ترجمة للمصطلح الأوربي – حرية المطبعة » وهي متحققة على درجات متفاوتة في البلاد الأوربية «
ثم يتكلم عن أثر الحرية في التقدم و الرخاء، فيقول إن» من أهم ما اجتناه الأوروباويون من دوحة الحرية تسهيل المواصلة بالطرق الحديدية، و تعاضد الجمعيات المتجريَّة و الإقبال على تعلم الحرف و الصنائع… و قد رأينا بالمشاهدة أن البلدان التي ارتفعت إلى أعلى درجات العمران هي التي تأسست فيها عروق الحرية و الكُونْسْتِيتُوسْيُون، المرادف للتنظيمات السياسية، فاجتنى أهلها ثمارها، بصرف الهمم إلى مصالح دنياهم المشارع إلى بعضها. ومن ثمرات الحرية تمام القدرة على الإدارة المُتَجرية . فإن الناس إذا فقدوا الأمان على أموالهم يضطرون إلى إخفائها، فيتعذر عليهم تحريكها. و بالجملة فالحرية إذا فُقدت من المملكة تنعدم منها الراحة و الغنى، ويستولي على أهلها الفقر و الغلاء، و يَضْعُفُ إدراكهم و هِمَّتهم ، كما يشهد بذلك العقل و التجربة «

بقلم: ذ.التريكي محمد عادل










 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م