وقفة .. على ميناء "إيلات"
وا أسفاه ... والهف قلباه .. واحزناه .
في هذين اليومين الماضيين أيها الإخوة ..
فارقتكم لتحقيق أمنيةٍ طالما أرّقتني ، وآلمني أن لم أحققها .
شددت رحلي .. وواصلت سرى الليل بسعي النهار .
حتى وصلت إلى مدينة "حقل" .
هل تعرفون هذه المدينة الجميلة ؟؟؟
إن أهم مزيّةٍ لهذه المدينة عندي ... هي أنها أقرب نقطةٍ في مملكتنا إلى أرض فلسطين الحبيبة .
لا أدري ما الذي أقوله لكم .. لو أنكم وقفتم ذلك الموقف الذي وقفته .
في ذلك المكان المشرف على خليج العقبة .
وأنا أبصر الحدود مع الأردن في "الدرة" وألمح أنوار مدينة العقبة الأردنية .
وأرى في الجهة المقابلة جبال سيناء في مصر .
وأبصر بكلّ أسىً ميناء "إيلات" الفلسطيني الأسير بيد اليهود الغاصبين .
كم آلمني أن قيل لي هذه مباني الميناء الإسرائيلي .
وكم مزق قلبي أن أشاروا إلى تلك الأضواء التي تبدو من بعيد وقالوا : هذا فندق إسرائيلي في حضن الجبل .
ومازلت أتجرّع الغصص غصةً تلو الغصّة حتى حان وقت مغادرتي .. والحزن لم يغادرني .
ولكنني قبل أن أغادر ألقيت نظرة أخيرة على المكان وحفظت تفاصيله جيداً .
فإنني أؤمّل أن لي إليه عودةً حين يأذن الواحد الديّان بنصره .
أتيت أركض والآمال تدعوني *** وخفقة الحب تجري في شراييني
وقمت أقتطع البيداء في ولهٍ *** علّ الدروب إلى الأوطان تهديني
سريت فوق رمال "البدع" موحشةً *** أرجاؤها ، كبقايا دمع مجنونِ
الدرب خاليةٌ ، والنفس واجفةٌ *** والعينُ دامعةٌ شوقاً لـ "جينينِ"
حتى وصلت إلى "حقلٍ" فنمت بها *** والصبح موعد دامي القلبِ محزونِ
فجاءني الصبح والأفراح تبرق لي *** وقمت أتبع أحلاماً تناديني
وسرت كل لآلي البحر ترقبني *** والفجر يبسمُ ضحّاكاً يحيّيني
ورحت أسأل عن دربِ الوصول إلى *** أرض الأحبة في الشّقّ الفلسطيني
فقيل: تبصر خلف البحر أبنيةً ؟ *** هذي ديارهمُ رهن الزنازينِ
يسوسها من بني صهيون أحقرهم *** عصابةٌ قهروا جمع الملايينِ
تجبروا وطغوا واستكبروا وبغوا *** كأنما سكروا من شرب أفيونِ
سلاحهم لغة القصف التي صدقت ***وخبزهم دم أطفالٍ مساكينِ
فأنهضوا بسنان الرمح دولتهم *** ونحن دولتنا أشعار زيتونِ
في كل يومٍ لهم في "القدس" مذبحةٌ *** وفي "الخليل" بكاء الثّكل يبكيني
و"خان يونس" في أرجائها رَهبٌ *** وفي حلاقمها ذبح السكاكينِ
وفي ربى "غزّةٍ" ترجيع نائحةٍ *** وفي "الخليلِ" بكاءٌ غير مدفونِ
فقلت: مهلكَ لن أبقى وأتركهم *** إني سأنهضُ ذي "إيلاتُ" تدعوني
فقال: كيف ودرب البحرِ تغلقُه *** بوارجٌ كجبالٍ ذات عرنينِ
فقلت: والأمة الثّكلى أما اجتمعت؟! *** فقال: ما اجتمعت إلا على الدينِ
يسوؤهم أن يُرى في الكونِ مرتفعاً *** شعار أمتهم يحظى بتمكينِ
الحكم ليس بما قالت شريعتهم *** تعلمنوا وقضوا عمراً بلا دينِ
وعاهدوا خصمهم قهراً لإخوتهم *** تسوّلاً لبقايا زاد صهيونِ
فقلت: حسبك من قومِ هوانهمُ *** على عدوّهمُ بعداً لتمكينِ
غرزتَ نصلك في قلبي فجرّحهُ *** وشمت سيفك ، كاد السيف يرديني
دعني أعودُ فإن اليأس لازمني *** والحزن فوق شفاهي غير مخزونِ
سًدّت دروبك يا "أقصى" فوا أسفا *** أن لم أجبك فنار القهر تكويني
قد طال ليلك والأفلاك حالكةٌ *** سامت بحلكتها ليل المساجينِ
صبراً فعودتنا يا "قدس" قد أزفت *** تدكّ جيش قبيحِ الذكر شارونِ
وتنشر الرعب في أرجاء دولتهم *** فينتهي أمرهم من غير تأبينِ
صبراً إذا اجتمعت جند الإله فلن *** نلقى الهوان من الرجس الملاعينِ
سينشدُ الكون يوم النصرِ فرحتنا *** وتنبت الأرض أزهار الرياحينِ
المعتمد بن عباد
|