وجهي والمدينه ..... قصة قصيرة
وجهي والمدينه
هناك شيء خطأ .. شيء غير طبيعي .. يشبه رائحة غريبة تتسرب في الهواء ، وتخترق الجدران .. ! صمت غريب يلف المدينة وشوارعها .. لا أعرف كم ساعة نمت .. لكنني استيقظ الآن وشعور بالغربة يجتاحني .. أنظر في ساعتي .. إنها متوقفة .. كم الساعة الآن ؟!..
انظر من النافذة نحو الجبل البعيد .. وراء المدينه ، حيث تعودت الشمس أن تغيب كل مساء ، لكن السماء بلونها الرمادي تضفي على مشاعري مزيدا"من الاغتراب .
أغسل وجهي .. المح على الطاولة صحيفة الأمس .. أمر على عناوينها بسرعه ، شعور بالغثيان يدفعني إلى إلقائها بعيدا" . عطش شديد يرتفع في صدري كموجة حر صحراويه .. أبتسم و أتمتم :
- صدري صحراء .. ! بداية تصلح لقصيدة ممله ..!
اذهب إلى المطبخ وأفتح الثلاجة .. المح على الثلاجة كتابا" مفتوحا" .. متى وضعته هنا ؟ .. أتصفح الكتاب .. الغثيان يعاودني ، فألقيه بعيدا" ..
البيت ضيق يكاد يخنقني .. أتنفس بعمق ، ولكن تلك الرائحة الغريبة تنتشر في كل مكان .. يجب أن اخرج .. تنبثق صورتها في مخيلتي كوردة تشق صحراء الإسمنت التي تحاصرني ، وحدها هي القادرة على تمزيق هذا الركود الرطب الممل .. كانت تقول لي : - أنت دائما" متحمس ..
لكنها كانت تتابع ضاحكة : - ولهذا فأنا احبك ..!
أخرج مسرعا" .. الشارع مقفر ، أسير ببطء مندهشا" .. ما هذا الهدوء الغريب الذي يلف الشارع ؟ .. اقترب من موقف الباصات ، انه مقفر هو الآخر .. يبدو انني نمت كثيرا" .. ولكن كم الساعة الآن ؟ .. انظر إلى السماء .. سقف رصاصي يمتد من الأفق إلى الأفق ..
انتظر قليلا" ثم أسير حتى الشارع الرئيسي .. هناك خطأ ما ..! فحتى في أيام الشتاء الموحلة لا يكون الشارع مقفرا" هكذا .. القلق بدأ يساورني .. انظر حولي بخوف .. أشاهد شخصا" من بعيد ، يسير ببطء قاطعا" الشارع بخطوات آلية .. أناديه لكنه يمضي دون أن يلتفت ! .. شيء غريب يتنفس في شوارع المدينه ..
شخص آخر يمر قربي .. أناديه ، امسك بكتفه وأديره نحوي بعنف .. انظر إلى وجهه .. فأكاد اسقط ميتا" ..
كان رأسه بلا وجه .. مجرد مساحة فارغة بلا عينين أو فم أو انف ..!! .. يفلت ذراعه من يدي ويمضي ..
شخص آخر .. وآخر .. الجميع يسيرون بحركات آلية وقد فقدوا وجوههم .. أفكر بالهرب ، ولكن إلى أين ؟! وكل شوارع المدينة مقفرة .. غريبة !
أصرخ بكل قوتي .. يخرج صوتي غريبا" متحشرجا" .. تردد صداه جدران المدينة الصامته .. أي كابوس هذا ؟ أحاول أن أفكر ، أن أتذكر .. أن أفسر هذه الظاهره .. لكن الضباب الرمادي يغلف كل شيء ..
تنبثق صورتها الجميلة في مخيلتي .. وردة تشق صحراء الإسمنت التي تحاصرني .. يشلني الرعب ، يجب أن أراها .. أن اطمئن عليها ..! اركض بجنون بين فاقدي الوجوه ، اقطع شارعا" اثر شارع .. هاهو منزلها ، اقف قرب الباب .. لا أستطيع أن أتصورها بلا وجه ..
أدق الباب بيد مرتجفة ، ثم ادفع الباب .. اكسره وأدخل .. أناديها بصوت بدا كالصراخ .. اسمع صوت خطواتها قادمة من الغرفة المجاوره .. التفت إليها بلهفة .. فيغوص قلبي في صدري كتلة من رصاص .. وأصرخ :
- مستحيل .. !! .. حتى أنت ؟!
امسك بيدها : - ماذا يحدث ؟ .. اكاد اجن .. هل تسمعينني ؟
لكنها تسحب يدها ببطء ، وتدير وجهها الفارغ .. أبتعدببطء ، ثم اخرج راكضا"
أي وباء هذا ؟ أي جنون ؟ .. الجميع يفقدون وجوههم .. يفقدون عيونهم وأفواههم ..أقف فجأة .. ولكن أنا ..!
ماذا عني أنا؟ هل يمكن ؟ ولكن لا .. فها هي عيناي أرى بهما .. وها هو فمي .. ما زلت قادرا" على الصراخ ..
انظر إلى صورة وجهي في زجاج أحد المحلات .. ضباب خفيف بدأ يغطي ملامحي .. لكن وجهي ما زال فيه بقية من وضوح ..!
أصرخ بقوة : - لن افقد وجهي .. هل تسمعون ؟ لن اسمح لكم بسرقة وجهي !!
لكن صدى صوتي تردده جدران المدينة ، ثم يخيم الصمت من جديد ..
أضع يدي على وجهي لأتأكد من وجوده .. انظر حولي باحثا" عن مخرج .. لا بد أن هناك مخرج ما .. أتذكر .. الجبل .. الشمس كانت تغيب دائما" وراء الجبل .. في الأمس .. وقبل شهر .. وقبل آلاف السنين ، دائما" كانت الشمس تغيب هناك لا أعرف لماذا ..لكنني امسك وجهي بكلتا يدي .. وأسرع راكضا" نحو الجبل ...
__________________
منذر ابو حلتم
|