ثقافة الكلام المرسل
سيد يوسف
http://www.islammemo.cc/filz/one_news.asp?IDNews=1023
http://www.maktoobblog.com/sayed_yusuf00?post=64088
تمهيد
إذا كنت ممن يتعرضون للعمل العام فلا شك أنك ستتعرض إلى لون من ألوان تلك الثقافة ذلك أن فئات المجتمع كثيرة ،والتباين فى الفروق الفردية بين طبقات المجتمع واسع عريض ، ووسائط المجتمع التربوية ما تزال تغذى فينا تلك الثقافة منذ زمن بعيد.
ولقد أدرك الفاقهون – لعمق تجاربهم- أن العقول ثلاثة أنواع:
*عقول صغيرة تناقش شئون الناس وشخصنة الأمور دوما.
*عقول عادية تناقش أحداث المجتمع اليومية .
*عقول كبيرة تأبى مناقشة شئون الناس أو أحداثهم اليومية ذلك أنها تناقش الأفكار المطروحة فى المجتمع وتتناولها بالدحض أو التأييد أو التعديل .
ولكن ماذا نقصد بتلك الثقافة؟ وما سماتها؟ وكيف نحد منها فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟
بين الكلام المرسل ،والكلام الفضفاض
حين تجد كلاما دون رابط ودون أدلة يطلقه صاحبه هكذا على عواهنه معتبرا الذين يلقى إليهم هذا الكلام هملا من الناس لا يؤبه لهم ويطلق مجموعة من الأكاذيب ثم لا يلتفت إلى ما تدفع به عن نفسك تلك السخافات ويظل يردد ما يرسله من أكاذيب فاعلم أنك أمام حالة يمكن أن يطلق عليها شكل متطرف من أشكال الكلام المرسل وإن أردت أمثلة لذلك فما عليك إلا أن تنظر إلى ما يلى:
* ما كانت تسوقه أمريكا وبريطانيا من أدلة لامتلاك العراق أسلحة دمار شامل.
* ما تسوقه أمريكا وبريطانيا من أدلة لاعتقال المعتقلين وسلوا عن أسرى جوانتنامو.
* ما يسوقه إعلامنا الكاذب من أن هناك تنظيمات إرهابية كانت تستهدف تفجيرات فى أماكن سياحية أو دينية من هنا أو هناك (تنظيم الزاوية الحمرا).
* ما تسوقه مصر والأردن –آنفا- من تورط حماس بعمليات نقل أسلحة وخلافه.
* القول على الأشخاص أو الهيئات كلاما مرسلا بلا دليل يذكر(وهو مثال لا يكاد يخلو منه أحد ولا سيما من الرموز سواء السياسية أو الدينية أو الرياضية أو غير ذلك كأن يتقول أحدهم على فلان بأنه لا يملك مؤهلات –ثقافية وعقلية- لكذا ولا لكذا وكأنه يفتئت عليه حقه أو علم بما في مكنون صدره).
* ما يسوقه الغرب من أن مقاومة الكيان الصهيوني المحتل إنما هو بمثابة إرهاب.
ويمكن وسم هذه التهم التي تلقى جزافا وبشكل كمي بأنها تهم بلهاء فأصحابها لا يفتأون يرددون تلك التهم ليل نهار وهى التي لم تلبث أن لاكتها ألسن أتباعهم فى كل ميدان يرتعون فيه وإذا ما قمت بالرد على واحدة من تلك التهم لم يكلف الأغبياء أنفسهم عناء الاستماع إليك إذ إنهم يشغلون أنفسهم بإلقاء تهمة أخرى وتهمة تلو تهمة تلو تهمة وهكذا تترى دون الاستماع إلى تفنيد ذلك.
وأما الكلام الفضفاض – وهو ليس بيت القصيد هنا- فيقصد به إطلاق كلام عام يسع جميع الأطروحات كأن يقول أحدهم إن الوحدة بين المسلمين هي الحل ،أو البحث العلمي هو سبيل التقدم والنهوض ....ولا شك أن هذا كلام جيد يفتقد التخصيص والآلية واضحة الملامح للتعامل معه.
من سمات هذه الثقافة
* محاكمة النيات.
* اجتزاء الرؤية وبتر بعض الكلام من سياقه.
* القفز على الاستنتاجات الخاطئة.
* التفسير السلبى لما هو ايجابي.
* الهضم والابتلاع لا المشاركة.
* التشاؤم وسوء الظن.
* العجز عن ترتيب الأولويات.
* الخلط بين استحالة الإدراك واستحالة الوجود.
* التأثر بمكانة ذوى الإيحاء.
* التعصب.
*- تسمية الأمور بغير اسمها.
* التعميم.
وشرح كل ذلك لا يتسع المقام له ونكتفي بمفردة واحدة ها هنا وهى الهضم والابتلاع لا المشاركة...ونقصد بها أسلوب الكل أو لا شيء فبعض الأشخاص يميلون إلى إدراك الأحداث على أنها إما صواب أو خطأ دون أن يدركوا أن الأمر الواحد قد يجمع فى طياته بعض جوانب الصحة والخطأ مع تغليب جزء على آخر وقد يؤدى مستقبليا إلى نتائج إيجابية فعالة لو أتيحت له الفرصة .
والدراسات النفسية تؤكد أن أصحاب هذا النوع من التفكير يتسمون بالتعصب والتوتر والقلق والجمود والتصلب وبلغة أخرى بالتشنج الثقافي ..ويغرى هذا النوع من التفكير صاحبه بالنزوع إلى الكمال المطلق ومن ثم يصاب صاحبه بالإحباط عند الفشل.
ومثال ذلك: ما حدث من انتخابات برلمانية فى مصر 2005 حيث لم يتوقع الحزب الحاكم تلك الخسارة ومن ثم لم يتحمل مزيدا من نجاح المعارضة-رغم أنه يهيمن بصورة أخرى ملتوية بضم المستقلين له-فقام بترويع الناس واستخدام وسائل انتقدتها منظمات حقوق الإنسان العربية وغيرها....ونرى أن الذي حمله على ذلك طريقة التفكير الخاطئة التي يتبناها منظروه ألا وهى الهضم والابتلاع لا المشاركة.
وتتعدد الأسباب
وتتعدد أسباب هذه الظاهرة فمنها مثلا :
* الجهل التام بموضوع الحديث وبلغة أخرى النقص الحاد فى المعلومات.
* قلة البضاعة والزاد الفكري.
* الحسد.
*خلل فى البنية العقلية.
* البحث عن سبب واه ٍكما فى قصة الحَمَل والذئب.
* سوء قراءة الواقع أو تحريف التفسير.
* التفكير بعقل غيره من ذوى المكانة والإيحاء ومن ثم يصير المرء صريع فكرة واحدة تستبد به فلا يقبل غيرها.
* الانطلاق من ظنون وأوهام يحسبها المرء حقائق ومسلمات كالذي يظن إن 1+1=3 ثم يبنى على ذلك إن 3+3=6 ويعلو صوته ...3+3= 6 ويروح ويجيء يروج لهذه المعادلة وهى فى أساسها منقوضة لا تنهض دون صياح وضجيج يحسنه هؤلاء إما عن عمد أو جهل.
ومن المؤلم أن ينساق بعض الفاقهين وراء ذلك منطلقين من نفس القواعد محللين أسباب الظواهر ووفقا لما يعطيه لهم هؤلاء من بيانات...كمن يرى حماس إرهابية ومن ثم يطالب حماس بالكف عن المقاومة لئلا يتخذها الكيان الصهيوني ذريعة للهجوم على المدنيين العزل وقد تعامى هؤلاء عن رؤية من هو الإرهابي الحقيقي فقد ردد نفس مقولة الإعلام وانطلق منها يفكر بعقولهم هم...فأي موضوعية يمكننا إن نثق فيها فى ظل هذا التشويه؟
سؤال:هل يعرف أصحاب هذه الثقافة أنفسهم أم يظنون بأنفسهم خيرا زائفا ؟
من عجائب القدر أن ترى أحدهم يسقط مثل هذا الكلام على أصحاب الحق والخير..لا يستنكرون الباطل وتبجحه لكنهم فى ظل ثورتهم يفقدون هدوء العاطفة..ويقولون مثلا:التعذيب فى السجون موجود لكنه حالات فردية!!
تشعر حين تحادثهم أن لم يعد لديهم وقت ليفكروا فى كلامهم قبل أن يلقوا به فيثيروا به سخرية الناس ...يستعدون الناس عليهم بغبائهم وبأسلوبهم الفج الغليظ وكان أولى بهم رباية أنفسهم بدلا من تسفيه رأى الآخرين عن جهل.
خاتمة وتوصيات
التفكير فى ديننا ضرورة واقرأوا- إن شئتم- التفكير فريضة إسلامية لعباس محمود العقاد ، واقرأوا- إن شئتم- قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) ،
على الفاقهين أن يتقوّوْا بالصبر فى مواجهة الباطل الوسيم ذلك إذا كنت ممن لا يحسنون توصيل الحق ولا تحسن عرض فكرتك ....وُلذ ْ بالصبر حين ترى تنكر بعض الناس لك وحين ترى صمت الفاقهين القادرين ولا تضق بالحياة وبالناس- كل الناس- ذرعا واجتهد ألا يسوء تقديرك للناس وألا تخطيء فى تعميم مسئولية الناس جميعهم على أنهم لم يقفوا معك ولم يحسوا بما تحس به من مرارة تستشعرها من غباء قوم كأنهم ما خلقوا إلا ليغيظوا أهل الحق.
أوصيك بقوة أن تصبر...أن تتشبث بالحق الذي معك....أن تناضل (بالحكمة والموعظة الحسنة) فى سبيل توصيل أهدافك النبيلة للناس..اصبر (إنما النصر صبر ساعة)..ثابر فالمثابرة من شيم الفاقهين...كافح فالكفاح قرين النصر.
واجتهد أن تتعلم طرق التفكير الصائبة عساك تفلح وحتى يتم ذلك ابتعد عن الجدال مع الحمقى لئلا تنفق من عمرك الكثير على أناس لا يستحقون.
سيد يوسف