>
>هذا النص الكامل للمقال الأسبوعي قبل أن يعمد اليه الرقيب بقلمه ومقصه تحريفا وتبديلا
>
>
>11 ربيع الأول 1423ه الموافق 23 مايو 2002م
>
>
>بسم الله الرحمن الرحيم
>
>
>الزاوية: صناعـة الحيـاة
>
>
>الموضوع: ذاكرة الأمــة
>
>
>بقلم: د. باسم عبد الله عالِم
>
>
> محامِ ومستشار قانوني
>
>عجيب حال أمتنا وحال قادتها إذ يبدو أن ذاكرتها القريبة والبعيدة قد أوكلت للغير ليقرر ويخط قصة كفاحنا وصراعنا من أجل البقاء.
>
>بالأمس القريب كنا نُعِد المجاهدين في أفغانستان أبطالاً تتوق النفس لأخبارهم ويُمنِّي المرء نفسه بأن يحذو حذوهم يوماً ما وكانت الحدود مفتوحة على مصراعيها لمرورهم وكانت بوابات الدول تحتفي بهم أيما احتفاء. ومنذ اللحظة التي تبدلت فيها السياسة الأمريكية تجاه هؤلاء المجاهدين بدأ إعلامنا العربي يتبع ما تمليه سيدة الدنيا حذو القذة بالقذة فيعمد إلى ذاكرتنا ليزيل منها صورة المجاهد البطل الإنسان الذي له ما له من الرصيد المشرف وعليه ما عليه من أخطاء البشر ليتبدل الأمر بين عشية وضحاها ليصبح المجاهد رجلاً متخلفاً همجياً إرهابي النـزعة. ودون مقدمات أغلقت الحدود في وجوههم وأوصدت بوابات الدول أمام حركتهم وطورد الأبطال ليصبحوا شتاتاً وانكفأت الذاكرة العربية المسلمة الرسمية على نفسها بخجل ناسية أو متناسية هذه الفئة أو تلك.
>
>وهاهو ذا إعلامنا العربي يشيد بالقائد العربي المسلم (خطاب) الذي أكرمه الله بالشهادة على أرض الرباط ليعتبره بطلاً مخلداً في ذاكرتنا وليس ذلك إلا لأن الجهاد الذي حرمته أمريكا في أفغانستان قد حللته في الشيشان وليت شعري ماذا سيكون مصير هؤلاء الأبطال وما هو مستقبل موقعهم في ذاكرتنا الرسمية إذا قررت أمريكا أن الجهاد في الشيشان قد أوفى باحتياجاتها وأنه لم يعد لازماً واقتضت مصلحتها حربه لا مناصرته.
>
>وفي زمن مضى كنا نشير إلى أعدائنا "بالكيان الصهيوني" و"العدو الإسرائيلي" وما أن تبدلت المواقف وانهار الصمود العربي أمام هذا الكيان الطفيلي حتى بدأت ماكينتنا الإعلامية في تغيير لهجتها فأصبح للكيان دولة وللعدو اسماً ورسماً وصار القاتل إنساناً والمستوطن المحتل المدجج بالسلاح والاحتياطي في الجيش مدنياً بريئاً خارج منظومة المواجهة. وبدلاً من أن يكون بيننا وبينهم ثأراً غير مستوفى وحساء الموت نسقيهم إياه من خلال الفدائيين تبدل الحال وبدلاً من أن نثأر لحرمات الله قدمنا لهم "سلام الشجعان" وحساء الموت الذي وعدنا شعوبنا بأن نسقي العدو إياه تجرعناه على هون ليقتل فينا جذوة الجهاد ورفضنا للظلم واغتصاب المقدسات ويتركنا جثة هامدة يقلبها الغير بعصاه كيف يشاء.
>
>وبالأمس القريب فقط كان الاستشهاديون الأبطال يكرمون على شاشات إعلامنا العربي وهاهم اليوم يلامون على تقديم حياتهم رخيصة مبذولة في سبيل الله وطاعته ومرضاته لتصبح العمليات الاستشهادية عمليات انتحارية ويصبح الغاصب اليهودي مدنياً بريئاَ ليس له حول ولا قوة.
>
>ما أعجب زماننا وما أعجب ذاكرتنا الرسمية وحالنا، ترى من الذي يحاول أن يحرك كوامن ضمير المجتمع ليتبدل حاله وتتبدل قناعاته تبعاً لهواه؟ سيدة الدنيا أمريكا. إن الاستمرار في هذا العبث الذي نشهده كل يوم قد تخطى حدود المنطق عقلاً والمقبول ضميراً وبدأ إعلامنا الرسمي ومَن وراء إعلامنا يفقدون القدرة على توجيه سفينة المجتمع جراء التبدل المضطرب والعشوائي لاتجاهات دفة السفينة. ويبدو من خلال نظرة بسيطة إلى مستقبل الأحداث أن الأمة قد كونت حاجزاً وسداً منيعاً بينها وبين الكيانات الرسمية محلية كانت أو عالمية مما يجعل احتمال المواجهة مستقبلاً أمراً أكثر حتمية من ذي قبل مع تناقص القدرة الرسمية على تشكيل الرأي العام للمجتمعات العربية والإسلامية. إن حال مجتمعنا وأمتنا اليوم أقرب ما يكون إلى حال الأمة قبيل ظهور صلاح الدين الأيوبي فكان الناس يومئذ قد فقدوا كل أمل في إصلاح ساستهم ومؤسسات الدولة وإحياء الضمائر الرسمية للالتفات إلى المصلحة العليا، فانبرى المجتمع للحفاظ على مقدراته وإعادة تشكيل مستقبله بالالتفاف حول علمائه ودعم المخلصين الذي أثبتوا لمجتمعهم أنهم أصحاب رؤية واضحة لمستقبل الأمة، فدعم المجتمع محاولات محمود ونور الدين زنكي وجهادهم النوراني في تلك الحقبة المظلمة واشرأبت الأعناق متطلعة إلى السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي ضرب لمجتمعه ولأمته مثلاً رائعاً في الإخلاص والهمة العالية والتضحية في سبيل الله والدين ومقدسات الأمة ومقدراتها وفجأة أصبح الخلفاء والوزراء من بني العباس والدولة الفاطمية في ذلك الزمان شخصيات هامشية لفظها المجتمع لا تتجاوز أمانيها شهواتها ومكتسباتها الشخصية. إننا اليوم نقف على مفترق طرق يجدر بنا حاكماً ومحكوماً أن نتأمل عواقب الاختيار فالأمة قادرة وراغبة في استعادة أمجادها وتقديم تضحيات في سبيل الحفاظ على كرامتها ومقدراتها وتتمتع بقدرة كبيرة على طي صفحات خلافاتها مع زعمائها والالتفاف حولهم في سبيل تحقيق الهدف في حالة كونه هدفاً مشتركاً. أما معاول الهدم التي تضرب في ذاكرة الأمة فشأنها أن تزيد المجتمع صلابة وإصراراً والبحث بجد في خضم هذا التخبط والموج العارم عند صخرة ثابتة يستريح إليها وعليها، فإذا فشلت كل التيارات في تحقيق الهدف عاد المجتمع إلى أصوله الأولى متلمساً القواعد ليرفع عليها بناءه من جديد نابذاً كل المغريات والعروض المستحدثة من تيارات فكرية وسياسية وغيرها.
>
>يجب على زعماء الأمة أن يتطلعوا إلى المصلحة العليا ملتحمين بشعوبهم وجاعلين منها مركز الثقل والدعم لا متطلعين إلى مراكز القوى العالمية خاطبين لودها عاملين لمصلحتها ضد شعوبهم ومجتمعاتهم في سبيل حماية وهمية. إن الأمة تمتلك ذاكرة لا يمحى منها الأبطال المخلصين ولكنها تنبذ في مزبلة التاريخ أولئك الذين هانت عليهم أمتهم وأنفسهم فاستهونهم الغير مستخفاً بهم وبأمتهم.
>
>اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
>
>E-mail:
alim@alimlaw.com
>
>
>
>نشرت بالعدد (14275) جريدة المدينة الجمعة 12 ربيع الأول 1423ه
>
>الموافق 24 مايو 2002م - صفحة الرأي.
((( وصلني على الايميل )))