المسلمون الذين سبق دينهم باقي الحضارات في منح المرأة حقوقها، كثير منهم الآن أبعد من غيرهم في هذا الشأن. مردّ ذلك إلى أن محرك التفكير والسلوك لدينا، كشرقيين، هو العادات والتقاليد وليس النهج الرباني، وكفى إنكاراً لهذا، وادعاءً أننا نسير على منهج الدين في ما يتعلق بالمرأة.
في عام 586 م اجتمع الفرنسيون لتحديد إن كانت المرأة إنساناً أم غير ذلك. اتفق المجتمعون آنذاك، وبعد مشاورات مضنية، على أنها إنسان لكن مسخّر لخدمة الرجل .وفي بريطانيا ظلت المرأة محرومة من حقوقها، لدرجة منعها من قراءة الكتاب المقدس بأمر من الملك هنري الثامن، وظل وضعها مزريا حتى أواسط القرن التاسع عشر. ومن يلج في جوف باقي الحضارات يدرك المنحى الذي اتخذه التعامل مع المرأة سوى حضارات قليلة كانت سباقة في احترامها مثل بابل .
بعد انقضاء مئات السنوات على هذا النهج البشري ، ليس ثمة اختلاف ، حاضرا، عن النظرة إلى المرأة والتعامل معها في الشرق عما كانت عليه . سيطرأ من يجادل في سبيل دحض الفكرة التي قد تنوء بحملها هذه السطور المتواضعة ،كونها فكرة تتعلق بالمرأة ، ويأتينا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ثم ترديد ديباجة الاتهام الملفق بأن هذه السطور توجه الدعوة إلى كل امرأة لتنزع ثوب العفة والأخلاق عنها. متفقون أنه لو طُبّقت هذه الآيات والأحاديث لكان وضع المرأة أفضل بكثير.لكن ما قاد كثيرا من الذكور هو العرف الاجتماعي بما يكنّه من عادات وتقاليد هي صنيعة المجتمعات عينها، ولا علاقة للدين بها .
الذكور في مجتمعاتنا العربية والمسلمة وضعوا مبادئهم الخاصة بخصوص المرأة بما يتواءم مع أهوائهم الغريزية ومنافعهم العمومية ، من دون الاستناد إلى حيثيات الأحكام الدينية ولا المناهج الدنيوية التي من المفترض أن يرسمها مكنون الإنسان كمخلوق كرمه الله .وليسمح قارئي الكريم أن أطلق على نهج الذكور الشرقيين في التعامل مع المرأة ، من الآن فصاعدا،اسم "شريعة ذكورابي"، التي إن قُيّض للمرء أن يسبر غورها سيخلص إلى أنها شريعة وضعها الذكور لمنافعهم .
"شريعة ذكورابي" بشكلها العام متناقضة .فهي أولاً تفضل الرجل على المرأة لا لشيء سوى أن الأول خصوصيته الذكورة ، والثانية خصوصيتها الأنوثة. و في العرف الشرقي هذا كافٍ لجواز أي سلوك أو معتقد للرجل، ومنعه عن المرأة. في المقابل وحتى يترجم الرجل ما يجيزه لنفسه وفق "شريعة ذكورابي" سيجيز لامرأة، ليست على قرابة به، أن تسير وفق هذا الجواز الذكوري نظراً للمصلحة والمنفعة الذاتية، وهذه حالة تناقض من الدرجة الأولى .
أعراض التناقض الذكوري لا تقف عند تخوم معينة ،منها اليومي الذي يرتكبه الرجل بوعي ، آونة، وغير وعي آناً. كم منا – نحن الذكور – يتمنى، إذا استقل طائرة في سفر، أن يجلب له الحظ مسافرة تجلس إلى جانبه!. الكثير..! كم منا يتمنى، إذا دخل محلاً تجارياً أن تساعده موظفة المبيعات وإن لم ينعدم وجود الموظفين الذكور!.الكثير..! حالات وسلوكيات يومية ما أكثرها .! تناقض يُختصر في أن مَن نتمناه لا نرضاه حراً كريماً إن كان في غير مصلحة الذكور."شريعة ذكورابي" تصوّر الذكر على هيئة الدّيك الذي يظن أن الشمس لم تشرق إلا لتسمع صياحه.
أرجو من الإخوة الاعضاء عدم أخذ دور شيوخ الدين و الأئمة و الوعاظ، أتمنى أن يكون نقاشهم جادا و هادفا، و خاصة هادئا و محترما، و لا تتهجموا و لا تتهموا الناس بالباطل من فضلكم.
لكم كامل الحرية في المعارضة.