تقف مصر هذه الايام امام مرحلة مصيرية بكل المقاييس قد تؤدي في نهاية المطاف الي عملية تغيير ديمقراطي غير مسبوقة. فالشارع المصري يغلي بالثورة، والنظام السياسي يترنح، وتحركاته تتسم بالارتباك.
قوات الأمن المصرية اعتقلت في اليومين الماضيين اكثر من اربعمئة شخص من حركتي الاخوان المسلمين و كفاية ، واعتدت بالضرب علي المتظاهرين المتضامنين مع ثورة القضاء.
هذه الاعتقالات والطريقة التي تمت بها تذكر بالمرحلة التي سبقت اغتيال الرئيس الراحل محمد انور السادات، ولكن مع فارق مهم، وهو ان المتظاهرين الجدد ضد النظام يعلنون سلسلة من المطالب اكثر اتساعا، ولا تقتصر فقط علي الاعتراض علي الدور المصري في عملية السلام والتطبيع. فهم يطالبون بالديمقراطية والشفافية واحترام حقوق الانسان والقضاء العادل المستقل، وانهاء العمل بقوانين الطوارئ.
النظام المصري يقترب من نهايته بطريقة متسارعة، فقد بدت علامات الهرم عليه واضحة في شخص قمة هرمه، أي الرئيس حسني مبارك، فالرجل بات لا يحكم عملياً، بعد ان سلم مقاليد البلاد لنجله وزوجته، والطبقة الثرية الملتفة حولهم، واصبح يقضي معظم وقته اما في جولات خارجية او معتكفاً في استراحته المفضلة الآمنة في منتجع شرم الشيخ.
زيارة السيد جمال مبارك السرية الي واشنطن التي جري اكتشافها بمحض الصدفة، جاءت من اجل انقاذ النظام، وترتيب عملية انتقال السلطة من الأب الي الابن، مقابل القبول دون تحفظ بكل الشروط الامريكية.
الدعم الامريكي للنظام، سواء استمر الأب او تنازل عن السلطة لابنه، ربما لا ينجح في انقاذه من أزماته الحالية، لأن التجارب السابقة اثبتت انه اذا اندلعت ثورة شعبية ضد نظام ما فانها لن تتوقف إلا باسقاطه ومهما كان حجم الدعم الخارجي له.
الادارة الامريكية الحالية مكروهة من قبل الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين، بسبب ما تمارسه من حروب اذلالية في العراق وافغانستان، وما تقدمه من دعم للاعتداءات الاسرائيلية، وأي دعم تقدمه للنظام المصري في مواجهة الانتفاضة الشعبية الحالية ضده سيزيد هذه الانتفاضة شرعية واتساعاً، وسيقصر من عمر النظام.
النظام المصري اعتقد ان تجاوبه مع المشاريع الامريكية في المنطقة علي حساب قضايا الأمة المصيرية يمكن ان يمد في عمره، ويثبت اركانه، ولكن الايام تثبت ان أي نظام لا يستمد شرعيته من الداخل، ومن شعبه علي وجه التحديد سيواجه نهاية مؤلمة. وهذا ما حدث للأنظمة الديكتاتورية في جورجيا واندونيسيا والفيلبين والقائمة تطول.
الشعب المصري لم يعد يحتمل مسلسل الاهانات التي يتعرض لها علي ايدي حفنة من ابناء الباشوات نهبت ثروات البلاد وحولتها الي اقطاعية تتاجر بدماء الكادحين من ابنائها الذين لا يجدون رغيف الخبز لأطفالهم.
فالبطالة تصل الي اكثر من ثلاثين في المئة، واكثر من مليون شخص ينزلون الي سوق العمل سنويا لا تستطيع استيعاب إلا ربعهم في أفضل الأحوال. وأموال المساعدات الخارجية تذهب في مشاريع تستفيد منها المجموعة المحيطة بالنظام ورموزه فقط.
الفجوة الطبقية تتسع بشكل مرعب، حيث يزداد الفقراء فقراً، ويزداد الاغنياء ثراء، وتنقسم البلاد الي قسمين، اناس يعيشون في المقابر او مستواها، واناس يعيشون في قصور مشيدة لهم عالمهم الخاص من سيارات فارهة واندية خاصة مغلقة، واحياء راقية باذخة.
الطبقة الوسطي تآكلت وكادت ان تختفي من الوجود، ومعها المجتمع المدني الذي من المفترض ان يقود عملية الانقاذ والتغيير، ولهذا ليس من المستبعد ان تشهد البلاد ثورة الجياع والمحرومين في أي وقت. فالانفجار ينتظر عود الثقاب فقط.