لآلئ أعجبتني
هذه السلسلة هي مجموعة مختارات نثرية
لبعض الأدباء
أعجبتني فأحببت أن أشارككم بها
أمي ............
لأمين مشرق
يا علة كياني , ويا رفيقة أحزاني , و يا رجائي في شدتي , وعزائي في شقوتي .
يا لذتي في حياتي , وراحتي في مماتي .
يا حافظة عهدي , ومطيبة سهدي , وهادية رشدي.
إذا تركني أهلي فأنت لا تتركين , وإن ابتعد عني أحبابي فأنت لا تبتعدين, وإن نقمت علي الحياة جميعها فأنت تصفحين وترحمين .
أنت يا مسكنة وجعي و ألمي , ومبيدة بؤسي وهمي , أنت وما أصفك يا أمي .......
على بساط الأوجاع ولدتني , وبأيدي الآلام ربيتني , وبعيون الإتعاب رعيتني , وبصدر المشقات حميتني .
ثم كبرت , فقلوت آلامك , وسلوت أيامك ,وهكذا نسيت رحمي , واحتقرت دمي , فما أعقني وما أوفاك يا أمي ..
قد غبت عنك يا أمي .
فغاب عن عيني وجهك الباسم بملامحه الرقيقة الرزينة , ومعانيك الدقيقة الحنونة .
وتراكمت على رأسي هموم الحياة بضجيجها الهائل , فضعضعت فكري , وزلزلت قلبي , وتقاذفني أمواج المتاعب والشقاء .
فغرت في لجج طامية , وظلمات داجية .
وبعينين غشي عليهما الرعب , نظرت من أعماق قنوطي , فرأيت وجهك اللطيف الثابت , يبتسم إلى من الأقاصي البعيدة , فبكيت وصرخت يا أمي .............. آه ما أقسى الغربة , وما أمر الوحشة .
قد كرهت البقاء يا أمي , واشتاقت نفسي إلى ماضيها الأمين , قد كرهت التمشي بين القصور الفخمة والمباني الشاهقة , واشتاق قلبي إلى بيتنا الصغير المنفرد .
قد كرهت روائح العطور الفائحة , والتماثيل المتخطرة في بروداوي , واشتاقت حواسي إلى رائحة الأمومة المنتشرة من فستانك العتيق .
قد كرهت نيويورك , وكرهت أمريكا , وكرهت العالم , ولم يبق في الحياة إلاك , إلاك يا أمي .......
في المساء عندما أنطرح على فراشي الخشن القاسي , أذكر يديك اللطيفتين الناعمتين .
وفي الليل عندما تمتزج أفكاري بأبخرة الأحلام , أشعر بقدميك الصغيرتين ينقران الأرض حول سريري .
وفي الصباح أفتح عيني لأراك . فلا أرى غير جدران غرفتي السوداء , ولأسمعك فلا أسمع غير أصوات الغرباء
وفي النهار أمشي بين النساء ,مفتشا متسائلا : أيتها النساء هل رأيتن أمي.....
إذا مت يا أمي , إذا قتلني وجدي , ودفنتني آمالي في هذه الأرض القاسية الغريبة .
فاجلسي عند الغروب , قرب غابة اكسنديان وأصغي .
هناك روحي امتزجت بنسمات الغابة و أشجارها يرتلن بهدوء متمايلات مرددات يا أمي....... يا أمي ..... يا أمي
|