وقبيل الحرب الأهليّة في لبنان، ظهرت خيوط تدخّلات فرنسيّة فيه، فقد أعلنت الصّحف صباح 25/4/1974، أنّ الدّولة اللّبنانيّة تحقّق مع فرنسيّين متّهمين بالتّجسّس، والاشتراك في اغتيال مجموعة إسرائيليّة لقادة المقاومة الفلسطينيّة، ومنهم كامل ناصر، يوم 10/4/1974. ولعلّ موقف فرنسا المؤيّد لبعض أطراف الصّراع الأهليّ، أدّى إلى تلقّي سفارتها في لبنان تهديداً بالنّسف، الأمر الّذي دفع السّفير إلى تبليغ السّلطة اللّبنانيّة، ليل 5/7/1975.
ومن قبيل هذا التّدخّل، أنّ وفداً فرنسيّاً التقى أركان الحركة الوطنيّة، والجبهة اللّبنانيّة، يوم 15/1/1982، أيّ قبل الاجتياح الإسرائيليّ بأشهر. وقد صدر، في 18/9/1982، بيان أميركيّ فرنسيّ إيطاليّ، بعد مجازر صبرا وشاتيلا، يطالب بإرسال مراقبين دوليّين إلى لبنان, وبعد أربعة أيّام وصلت طلائع قوّات من هذه البلاد.
وفي اليوم ذاته الّذي عقد فيه المعروفون بعلاقاتهم الطّيّبة بفرنسا، اتّفاق 17 أيّار(عام 1983)، مع اليهود، باركت فرنسا الخطوة! وصار تتكشّف سياستها المنحازة إلى فريق دون آخر، وإن أعلنت حرصها على عدم الدّخول في دوّامة الحرب الأهليّة، وهذا الإعلان كان عشّيّة الأوّل من أيلول من العام نفسه، وقد تزامن مع وصول الحاملة الحربيّة الفرنسيّة إلى ساحل لبنان! ولعلّ علامات الاستفهام الّتي سادت الشّارع اللّبنانيّ، حول الدّور الفرنسيّ آنذاك، هي الّتي أدّت إلى تفجير مقر المظلّيّين الفرنسيّين ومقتل 24 منهم، كما فُجِّر مقرّ قيادة المارينـز وقُتل 145 منهم، وإذا بفرنسا تستثمر الضّربة الموجّهة إليها، وتسحب بعد أيّام خمسة، من موقعين عسكريّين في بيروت، دون أن تسبق ذلك بإنذار كافٍ إلى الدّولة اللّبنانيّة، فاتّهمتها الأخيرة بأنّها أتاحت بذلك فرصة لاندلاع اشتباكات بين الأطراف المتنازعة، في حين أنّها قدمت للفصل بينها, وطبعاً...رفضت فرنسا الاتّهامات.
وكان من اللاّفت، في أيّار 1988، أن يُضمِّن مرشّح الرّئاسة الفرنسيّة، جان ماري لوبان، برنامجه الانتخابيّ، المقولة التّاريخيّة الشّهيرة الّتي تتحمّل فرنسا بموجبها مسؤوليّة خاصة عن مسيحيّي لبنان، ألم يقل لويس التّاسع، ملك فرنسا، في 21/5/1250، في رسالة له إلى الموارنة: "إنّنا مقتنعون بأنّ هذه الأمّة الّتي نجدها منظّمة تحت اسم مارون، هي جزء من الأمّة الفرنسيّة"؟
وكان من اللاّفت أيضاً، أن تطلب فرنسا في 13/10/1990، من لبنان، الموافقة على استضافة باريس العماد عون لاجئاً سياسيّاً، بعد أن أُبعِد عن السّلطة.
وأخيراً، كان من اللاّفت، بعيد اعتداءات إسرائيل على الجنوب، في تمّوز 1993، أن يلقي وزير الخارجيّة الفرنسيّ اللائمة على المقاومين، في الطّرف اللّبنانيّ!
لقد استغلّت فرنسا، وحلفاؤها من دول أوروبا، الشّكل الفظيع الّذي جرت فيه حادثة اغتيال الحريري، وجيّشت الشّارع، بل زادت من تجييشه، لأنّها كانت تعمل ضمن خطّة منظّمة لذلك منذ أعوام، فجمعت أقطاب المعارضة، آنذاك، وهم اليوم في السلطة، وعملت على تأجيجهم، ومدّهم بالدّعم السّياسيّ والدّوليّ، وليس خبر القرار 1559 عنّا ببعيد! وهذه التّحرّكات الأوروبيّة تسعى إلى استرجاع نفوذها في المنطقة، وإعادة الأطراف المحسوبة عليها إلى مواقع القرار في لبنان.
إنّ الأمّة الإسلاميّة، شهد لها التّاريخ، على مدى أكثر من عشرة قرون، أنّها كانت تدير دفّة الأحداث في
أصقاع كثيرة من رقعة العالم، أحسن إدارة، بعدل وافر، سواء في ذلك الأصقاع الّتي كانت تحكمها دولة الإسلام،
أم الأصقاع الّتي كانت تحكمها دول مناوئة لها، ولكنّ دولة الإسلام لم تتّخذ زرع الفتن والقلاقل وإشعال الحروب، وسيلة للتّدخّل فيها، رغم قدرتها آنذاك.
لا بدّ إذاً من إعلانها بمنتهى الصّراحة والجرأة: أقفلوا السّفارات الاستعماريّة الغربيّة في لبنان، ولا سيّما سفارات أميركا وفرنسا وبريطانيا،
واطردوا سفراء هذه الدّول المجرمة، شرّ طردة، بل لعلّها خير طردة، قبل أن يشتعل البلد، ولا تكتفوا بمظاهرات تحيط بهذه السّفارة، أو تلك،
دون تفعيل الغضب في خطوات عمليّة تنفيذيّة!
إنّنا أمّة شريفة القدر، عالية الهمّة، والمستقبل لنا، بإذن الله. فلنوطّن أنفسنا، منذ الآن، على أن لا تُدارَ سياستنا من الخارج، حتّى نصبح مؤهّلين لدولة كريمة،
على منهاج النّبوّة، يستظلّ الجميع بحكمها، راضين، دولة الخلافة الإسلاميّة.
http://www.alokab.com/politicals/det...id=911_0_8_0_M
الرابط
الصديق11