http://www.almujtamaa-mag.com/Detail...wsItemID=72784
نقلاً عن مجلة المجتمع الكويتية
الخطاب الإسلامي في عصر العولمة3من 3
عبارات شائعة ولكنها خالية من السند الشرعي
هناك عبارات شائعة يتداولها الناس وكأنها قواعد شرعية. وفي الحقيقة إذا دققنا فيها النظر سنجدها خالية من السند الشرعي، الأمر الذي يحتاج منا إلى وقفة ضمن حديثنا عن بقية سمات الخطاب الإسلامي التي تناولنا منها في العددين السابقين عشر سمات.
كثيراً ما نسمع عبارات معممة ليس لها من سند شرعي مثل:
الكفر ملة واحدة: هذه العبارة صحيحة في مآل الكفر فهو ملة واحدة من حيث العاقبة، لكن لابد أن يكون هناك فرق بين كفر أهل الكتاب وكفر الملحدين والوثنيين.
خذوا الإسلام جملة أو دعوه جملة: هذه العبارة صحيحة في مجال الاعتقاد والتصور فلا يجوز أخذ العقيدة مجزأة، لكن في جانب تطبيق الأحكام وتنزيلها إلى أرض الواقع لابد من المرحلية والتدرج.
العولمة شر محض: هذه العبارة لا تصح لأن العولمة على كثرة ما بها من شرور لا تخلو من جوانب عظيمة الفائدة للدعوة الإسلامية.
هذه نماذج لبعض الألفاظ المعممة تكفي لإيضاح أن الإطلاق والتعميم داء عضال يعرض مصداقيتنا للزوال، لذا يجب تداركه.
حادي عشر واقعية بلا تسيب: والواقعية هي نقيض المثالية الخيالية التي لا تتحقق في عالم الواقع، والخطاب الإسلامي خطاب واقعي لأن مصدره هو الله خالق الموجودات والعالم بالمكان والمحال والمستطاع وغير المستطاع، هذه الواقعية تبدت في:
تحقيق التوازن بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان إذ إن الانسان مكون من طين، ونفخة روحية ولكل منهما متطلباته، والشريعة الإسلامية راعت هذا التوازن على أكمل وجه.
إيجاد القدوة التي يمكن احتذاء نهجها وذلك بجعل الرسل بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، فلو كانوا ملائكة لتعذر الاقتداء بهم.
مراعاة الفطرة: ومن ذلك قبول التوبة، فالإنسان خطاء ولو لم تكن توبة العصاة مقبوله لما نجا أحد ولعم الفساد.
شمول العبادة في الإسلام وتنوعها: فالشعائر التعبدية لا تستغرق سوى الجزء اليسير من وقت الإنسان، وكسب الرزق وممارسة جميع ألوان النشاط الإنساني يمكن أن يدخل في مفهوم العبادة إن صحت النية.
لا تكليف في الشرع إلا بمقدور، وذلك لقوله سبحانه وتعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (البقرة: 286)، و ليس على الأعمى" حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج (النور: 61)، وما جعل عليكم في الدين من حرج (الحج: 78).
المرونة ومراعاة المتغيرات: ومن ذلك عدم تحديد الأوعية والوسائل التي يتم تطبيق الثوابت عليها، مثلاً لم يحدد الإسلام الشكل الذي يقوم عليه الحكم (ملكي، رئاسي، برلماني،...) ولكن حدد القيم التي يجب أن يقوم عليها: العدالة، الشورى، كفالة الحقوق .. ونحو ذلك.
إباحة الطيبات والترويح عن النفس والتمتع بمباهج الحياة في حدود الشرع والفضيلة.
ثاني عشر تنوع بلا تضاد: بما أن الخطاب الإسلامي خطاب عام للعالمين، والعالمون مختلفون في ميولهم النفسية واستعداداتهم الفطرية وطاقاتهم الذاتية، لذلك لابد للخطاب الإسلامي أن يكون متنوعاً يروي ظمأ المؤمنين، ويشفي غلة المفكرين، ويستوعب طاقة الرياضيين ويسد حاجة الفقراء، ويرضي تطلعات الأغنياء، ويخاطب الروح والعقل والجوارح، يجتذب الشعراء والأدباء والتشكيليين بالتركيز على إظهار القيم الجمالية في الإسلام وربطها بالعقيدة، وتبيان مظاهر الجمال والزينة في أرجاء الكون.. من سماء ذات أبراج بنيناها وزيناها (ق: 6)، وزيناها للناظرين (الحجر: 16) وأرض ذات فجاج إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها (الكهف: 7) وحيوانات ذات جمال ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (النحل: 6) ونباتات ذات بهجة وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج (ق: 7)، حدائق ذات بهجة (النمل: 60)، إذ إن خالق الكون جميل يحب الجمال.. خلق فأحسن.. وصور فأبدع.. وقدر فهدى؛ كما لايغفل الخطاب الإسلامي عن العلماء والأكاديميين والمشكلات المعاصرة، فيهتم بصحة البيئة من نبات وحيوان ومصادر مائية وتربة وغلاف جوي ونحوه، ويعمل على نشر الوعي البيئي ويتلمس سبل المحافظة على البيئة، والقضاء على الآثار الضارة لبعض الصناعات والتجارب.
ثالث عشر عملية بلا تهريج: فالخطاب الإسلامي خطاب عملي يراعي اختلاف الظرف والمكان ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويفرق بين الثابت والمتغير والمبدئي والمرحلي ويعمل على حشد طاقات الأمة وتعبئتها، لا على إضعافها وتبديدها، لا يغتر بنجاح ولا ييأس لفشل، لا يثنيه واقع الاستضعاف عن العمل للتمكين، ولا طارئ الغربة عن السعي للظهور، ولا فقه الأزمة عن مستلزمات العافية، ولا الممكن الموجود عن الأمثل المنشود.
رابع عشر حكمة بلا تهور: والحكمة هي إنزال الشيء في أليق مواضعه، وهي شأن الرسول صلى الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، ووجهه إلى أفضل أساليب الخطاب فقال عز وجل ادع إلى" سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن (النحل: 125)، والخطاب من بعده لأمته صلى.
ومن الحكمة في الدعوة أن:
نقدم القدوة قبل الدعوة، وذلك بأن يكون الداعية مصباح دجى وإمام هدى وحليف تقى قبل أن يكون خطيباً مفوهاً متحدثاً بارعاً.
نعمل على تأليف القلوب قبل تعريف العقول، تهيئة لخطاب الحق، وتحبيباً في تصديقه، وتشويقاً، وذلك بأن يكون خطابنا مفعماً بالرحمة وحب الخير للآخرين والحرص عليهم ونحوه.
نعمل على التعريف قبل التكليف، وذلك بتوضيح أهمية الفهم، ومنزلة العلم في خطابنا.
نراعي التدرج في التكاليف، ولا نبدأ خطابنا من حيث انتهى فهمنا، بل نخاطب الناس على قدر عقولهم ونرتقي بهم في مدارج الفلاح.
نفرق بين فقه الأصل وفقه الاستثناء: فالخطاب في حالة التمكين ليس كالخطاب في حال الاستضعاف، والأصل في المعاملة ليس كالاستثناء فيها، ومن ذلك أن الأصل في معاملة أهل الكتاب هو الأخوة الإنسانية والتعارف والبر والقسط، والمجادلة بالحسنى، والاستثناء هو اضطرارهم لأضيق الطريق، وجعل الاستثناء في مقام الأصل مخالفة للفهم الصحيح.
نيسر ولا نعسر، نبسط ولا نعقد، نبشر ولا ننفر، نرغب قبل أن نرهب، نراعي الأصول قبل الفروع، والكليات قبل الجزئيات والإجمال قبل التفصيل.