24-04-2004, 09:47 AM
|
Registered User
|
|
تاريخ التّسجيل: May 2003
المشاركات: 245
|
|
لمــاذا قتلـــوا أخـــي ؟
لماذا قتلوا أخي ؟
عبدالله بن ثاني/ الإمارات العربية المتحدة
كان هذا السؤال البريء مملوءاً بالأسى في عين طفل يرثي أخاه بنقش تلك العبارة على التراب، في صورة تحكي العتاب والدهشة لمن كانوا سبباً في قتل اخواننا الذين نسأل الله أن يقبلهم شهداء، ورأيتها في صحيفة اليوم (يوم الخميس 25-2-1425هـ) على متن الطائرة المغادرة، وكان الوطن في تلك اللحظات يودع أبناءه الشرفاء ويواريهم الثرى.. تركت كل شيء وتأملت عيون ذلك الطفل التي لا تستطيع إزالة تجاعيد الحزن وهالات اليتم حولها حقن اليوتوكس والكولاجين، مثلما لا تستطيع كل قوانين الجراحة وأدواتها ترميم ذلك الوجه الاسبارطي الممعن في القبح والتشويه والاغتيال، والمحترف في الاستئصال والسقوط إذ يقتل بلا مبرر، ويقاوم بلا قضية، ويمارس العقوق كله في حق أمه، يدَّعي أنه يحمل مشروعاً اسلامياً وأي مشروع اسلامي هذا الذي يؤمن بالقسوة والتدمير والخذلان وقتل الأبرياء، ولم يترك فرصة للحوار والنقاش؟؟ يتقرب إلى الله في زعمه ببتر أعضائه وخراب بيته، ليبقى وحيداً مقعداً مشلولاً بلا جماعة وبلا بيت، هائماً على وجهه يبحث عن تراب غير ترابه الطاهر الذي كتب ذلك الطفل عليه بالزعفران تلك العبارة، لأنه يستحق ان يعشق ويتفانى الأبناء في الدفاع عنه ضد كل من يدنسه، إذ يكفيه فخراً ان الاسلام دستوره ومحمد صلى الله عليه وسلم مثله الأعلى، ولا عجب حينئذ من الحدود القائمة والصلوات التي ينادي بها في كل حي وكل طريق وكل مؤسسة وكل موقع، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطوف البلاد بدعم من الدولة غير محدود، والمحاكم الشرعية، ولله الحمد، تفصل في كل صغيرة وكبيرة، والمناهج الدراسية تستمد أهدافها وأصولها وكتبها من الاسلام، بل ان المتمسك بالسنة يشعر بالفخر والاعتزاز في مؤسساته المدنية والعسكرية في مقابل بلاد تمنع اعفاء اللحية وتقصير الثوب، وتحاسب من يؤدي صلاة الفجر في جماعة المسجد ولم تتعرض لجزء يسير مما نتعرض إليه على يد أبنائنا هداهم الله.
ماذا يريد الحركيون باختصار؟ ولماذا يتقربون إلى الله بتحطيم قواعد المجتمع المسلم في ظل هذه الظروف القاسية، وكأنهم مطية من مطايا الاستعمار الجديد وأداة من أدواته للفتّ في عضد الجبهة الداخلية.
صغيري، أدرك ان أخاك الذي رثيته بتلك العبارة، وذلك السؤال الذي لن يجيب عليه من يحمل مشروعاً قاسياً كان يعاملك معاملة حسنة، ولذلك تجاوزت في سؤالك الحائر كل الشعراء والأبطال الذين رثوا إخوانهم، وتقزموا أمام طفولتك من أمثال بطل القصة التي ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه (الأغاني) ويقال أن بني حنظلة وبني عمرو بن تميم والرباب لما انهزموا خرج معهم شرحبيل، فلحقه ذو السنينة.... وكانت له سن زائدة، فالتفت شرحبيل فضرب ذا السنينة على ركبته، فأطن رجله، وكان ذو السنينة أخا أبي حنش لأمه، فقال ذو السنينة: قتلني الرجل، فقال أبو حنش: قتلني الله إن لم أقتله، فحمل عليه، فلما غشيه، قال: يا أبا حنش، ويحك، أمَلِكاً بسوقة؟ قال: إن أخي كان مَلِكِي، فطعنه..
ولا أقول لك يا صغيري إلا ما قاله متمم بن نويرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سأله عن مراثيه في أخيه مالك بن نويرة، فقال: لَوددت أن أقول الشعر كي أرثي أخي زيداً مثلما رثيت أخاك مالكاً، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أن أخي مات ميتة أخيك زيد شهيداً في سبيل الله لما رثيته ببيت واحد، فقال: عمر رضي الله عنه: ما عزاني أحد في أخي مثل عزاء متمم بن نويرة.
إن أخاك استنفره الإمام فأطاع لحماية دولة الإسلام والمسلمين الآمنين من القتلة المخربين المروعين للأطفال الرضع والشيوخ الركع، يؤتى الاسلام من قبلهم وهم لا يشعرون، جاهلين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا، هم الخوارج وهم البغاة) قال الآجري في كتابه (الشريعة) الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديماً وحديثاً، يخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين) ولم يدركوا أنهم في تلك المواجهات يسعون إلى ضياع المذهب والطريقة والمنهج والهيبة أمام الأعداء الكفار الذين يتفرجون حتى ينتهي الأطراف وتضعف، ثم يتدخلون لينالوا من الإسلام والمسلمين، وبكل أسف غاية أحدهم أن يعتقل ليتحول إلى رمز في نظر التابعين، حتى وإن كانت الإساءة للأمة في النيل من علمائها وأمرائها وثوابتها، يترنم بالأناشيد ويترك القرآن والسنة، وإن أخذ بها بترها وفسرها على هواه فيما يوافق بدعته وضلاله، فعجباً لمن يزهد في أصحاب سماحة الشيخ ابن باز وابن عثيمين وآل الشيخ والفوزان وبقية هيئة كبار العلماء، ويتخذون قادة لا يملكون من الحكمة والتجربة إلا القليل، وكأنهم يغفلون عن إرادة هذا الشعب العظيم الذي يقول لهم، كما قالت الجليلة لوالدها عند قتل أخيها جساس البكري كليباً، فقال: نُرضي بني تغلب بالديات، فأجابته: أمنيّة مجنون ورب الكعبة، لن تدع لك تغلب ربها (سيدها) بالبدن والإبل يا أبي... ولن يدع الشعب لهؤلاء القتلة العبث بمنجزات هذا الكيان الشامخ، وإن كانت هناك أخطاء فلا تبرر هذا الخروج؛ لأن القيادة تسعى إلى علاج الفساد والبطالة، وغيرها مما هو موجود في أي مجتمع من المجتمعات البشرية، بل إنها تدرك، حفظها الله، صعوبة ذلك وتحتاج إلى وقت، مع أن القضية مسؤولية تخص كل مواطن تولى شأناً من شؤون الدولة، فلو أصلح كل منا نفسه وراقب الله فيما تحت يده من مصالح الشعب دون عصبية ومذهبية لصلحت حالنا دون كل هذا التشويه، فليبدأ كل منا في المجال الذي تولاه لنقطع الطريق على أولئك المشوهين الذين لن يرضيهم الاصلاح مهما بلغ؛ لأنهم يريدون الاستئصال باسم الاسلام، كما قال ابن حجر في (فتح الباري): ( ثم اجتمعوا - أي الخوارج - على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله، وانتقلوا إلى الفعل، فاستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين). وقال أيضا فيما نقله عن القرطبي: ( وتركوا قتل المشركين واشتغلوا بقتال المسلمين، وهذا كله من آثار عبادة الجهال الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم، ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم، وكفى ان رأسهم ردَّ على النبي صلى الله عليه وسلم أمرَهُ ونسَبَه إلى الجَوْرِ، نسأل الله السلامة ) وذلك الجهل دعاهم إلى ان يطبقوا النصوص وتفسيرها التي تخص المشركين على المجتمع المسلم، فاشتبه الأمر عليهم وتشابه، قاله الشاطبي في ( الاعتصام ) رحمه الله، ومما يوضح ذلك ما خرجه ابن وهب عن بكير انه سأل نافعاً: كيف رأى ابن عمر في الحرورية؟ قال: يراهم شرار خلق الله، إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.
ولم يدرك أولئك أنهم يرتكبون جرماً أعظم من ذلك المنكر وتلك الشبهة التي بنوا عليها استدلالهم عندما استحلوا دماء اخواننا وأحبابنا ولبسوا على العامة بالجهاد المزعوم والتهييج بالدندنة على قضايا الاصلاح والبطالة، وهي مهمة ولا يغفل أهميتها إلا مكابر لا يهتم بالناس، ولكن تعليق كل شيء على هذا جرم في ظل عمل الدولة الدؤوب تجاه هذه القضايا والسير الحثيث إلى تحسين حياة المواطن السعودي وسبل عيشه، وسنرى بحول الله تعالى قرارات قريبة تخدم هذا المجال، مع أنني في هذا المقال لا أبرر لأحد كائنا من كان؛ لأن المسلم ينطلق في حياته ابتداءً وانتهاء من عقيدته ومنهجه الاسلامي، ولا يكون من أولئك الذين إن أعطوا رضوا، وإن منعوا ثاروا وفجروا وطنهم وقتلوا إخوانهم، وهاك بعض ما كان عليه الصحابة من التورع في الدماء والتحرز من مواطن الفتن، أخرج البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. وأخرج أيضاً عن ابن عمر أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير، فقالا: إن الناس ضيعوا، وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني ان الله حرم دم أخي، فقالا: ألم يقل الله: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ }؟، فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون ان تقاتلوا حتى تكون فتنةٌ ويكون الدين لغير الله.
وأخرج أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً جاءه فقال: يا أبا عبدالرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا...}؟ فما يمنعك ألا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي، أُعيّر بهذه الآية ولا أقاتل أحبُّ إليَّ من أن أعير بهذه الآية التي يقول الله تعالى: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً..}.
ولله در الحسن بن علي رضي الله عنهما الذي التزم الورع، وتجرد من حطام الدنيا، مؤكداً أن أكْيس الكيْس التقى، وان أعجز العجز الفجور، إذ روى أبو نعيم في (الحلية) باسناد صحيح، عن جبير بن نفير قال: قلت للحسن: إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة؟ فقال: قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان أصحاب المصطفى يتهمون من يشارك في الفتن باسم الجهاد بحب الدنيا والسلطة، قال ابن تيمية، رحمه الله، في (منهاج السنة): وبالجملة العادة المعروفة ان الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في أيديهم من المال والإمارة، وهذا قتال على الدنيا، ولهذا قال أبو برزة الأسلمي عن فتنة ابن الزبير وفتنة القراء مع الحجاج، وفتنة مروان في الشام: هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء إنما يقاتلون على الدنيا. وقال أيضاً في (منهاج السنة): وقتال الفتنة مثل قتال الجاهلية، لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم. وللأسف إن ذلك يقوم به من يقرأ القرآن والسنة ويحضر الدروس ويتتبع الفتاوى ويخشى الصغائر، وكأنه من أهل الكوفة الذين سألوا ابن عباس عن دم البعوضة عندما يصيب محرماً، فقال: عجباً لكم يا أهل العراق، تسفكون دم الحسين وتسألون عن دم بعوضة؟؟! وهذا مثل واضح لمن يستحل دماء الأبرياء ورجال الأمن. روى البخاري عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما ثقفتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة).
وهذه العبادة التي ظهرت في أقوالهم وأفعالهم لا تشفع لهم بأنهم على صواب، إذ وردت النصوص الشرعية التي تحذر من هذا الفكر الفاسد في ظل تلك العبادة، قال فيهم ابن القيم في (تلبيس ابليس): ( فعندما خرجوا إلى قتال علي، رضي الله عنه، قال بعضهم لبعض: تهيأ للقاء الرب، الرواح الرواح إلى الجنة، وقالوا: والله ما قنّعنا بالبقاء في الدنيا شيء وبعد اخواننا الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو أنا شرينا أنفسنا لله والتمسنا غير هؤلاء الأئمة الضلال، فثأرنا بهم اخواننا وأرحنا منهم العباد).
ونقل ابن القيم أيضاً في (تلبيس إبليس) عن جندب الأزدي قوله: ( انتهينا إلى معسكرهم، فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن، وقال ابن عباس رضي الله عنه عندما دخل عليهم ليناقشهم ويحاورهم في شبههم: فدخلت على قوم لم أر قطّ أشد منهم اجتهاداً، جباههم مقرحة من السجود، وأياديهم كأنها ثفن الإبل، وعليهم قُمُص مرخصة، مشمرة مسهمة وجوههم من السهر..).
فليت الشباب يدركون بعد كل هذا ما معنى نفض الإمام أحمد بن حنبل لثوبه وقوله: ( اتقوا الله في الدماء، اتقوا الله في الدماء ) عندما جاء فقهاء بغداد - وليسوا شباب أفغانستان - من أجل الخروج على الخليفة المعتزلي الذي يلزم الناس ببدعته ويجلدهم في السجون وعلى ظهور الحمير والبغال، ويفهم من ذلك ان طالب العلم قد يلتبس عليه الأمر كما حصل لفقهاء بغداد، وحينئذ لا بد من الرجوع إلى هيئة كبار العلماء لمعرفة القضايا بأدلتها والنصوص وتفسيرها وتطبيقها على واقع الأمة.
والله من وراء القصد
http://www.suhuf.net.sa/2004jaz/apr/24/rj1.htm
|