(درك المنى في تخميس سموط الثنا) لأبي مسلم البهلاني رحمه الله
أوجه باسم الله وجه شهودي
لعز جلال الله رب وجودي
تسابيح إخلاصي له و صمودي
سموط ثناء في سموط فريد***بكل لسان قد بثثن وجيد
و حب له في لب قلبي و قشره
و خوف يوازيه رجاء لبره
و شكر و من لي أن أقوم بشكره
و حمد تغص الكائنات بنشره***إذا نشرت منه أجل برود
و شوق يذيب النفس لا عج حره
و وقفة مضطر أسير بفقره
و إخلاص سر نوره حشو سره
و ذكرى له تحيا النفوس بذكره***و يبعث قبل البعث من هو مودي
صرفت مرادي فيه طوعا لصرفه
حقيقة ذكري أنني عين ظرفه
حباني به طيبا عرفت بعرفه
تعطرت الآفاق من طيب عرفه***فما مسك دارين يشاب بعود
يبشر بالزلفى كريم مقامه
و يستغرق الأسرار سكر مدامه
يصب حيا الأنوار صوب غمامه
و يزري بنور الشمس نور ابتسامه***إذا ما تجلى في صحائف سود
تجردت من نفسي فلم يبق لي أنا
و طارت هوى روحي بأجنحة الفنا
لمن هو أهل المجد و العز و الغنى
لمن هو أهل الحمد و المدح و الثنا***لذي الفضل و الآء خير مفيد
لمن وحدته المبدعات سواجدا
لمن عرفته الموجدات حوامدا
لمن مجدته الممكنات صوامدا
لمن سبحته الكائنات شواهدا***بتوحيده و الله خير شهيد
لمن سخر الأشياء في الأرض و السما
لمن كان بالمخلوق أحفى و أرحما
لمن بسط النعماء منا و تمما
أعاد و أيدي من أياديه أنعما***فيا أنعم المولى بدأت فعودي
القسم الأول:
في إعترافه من ذنبه و سؤال التوبة من ربه
ضرعت لوجه الله ربي و موئلي
و قد ضاق بي عن حاجتي كل منزل
و هل عند رسم دارس من معول
و يا رب لطفا من لعبد مؤمل***بسيط لسان بالدعاء مديد
حليف المعاصي مغرق في عيوبه
قضى العمر يوعى السوء بين جيوبه
يذوب اعترافا من كبائر حوبه
و يقصر منه القول ذكر ذنوبه***و قبح الخطايا فهو أي بليد
أتى ما أتى ثم استقال استقامة
لوجهك تمجيدا و حبا و طاعة
يؤمك توابا و يرجو إجابة
و يغضي حياء هيبة و مخافة***لعزك إجلالا بكل شهود
لقد هالني ذنبي بخطب مبرح
و بارزت خلاقي بفعل مجرح
أبوء بقلب بالخطايا مقرح
فجد بمتاب عن مقر مصرح***بذنب و تقصير و طول صدود
كئيب حزين خاشع متورع
يسر و يبدي مخلصا توب مقلع
يقوم على صدق بما هو مدعي
منيب يرجى عندك العفو مولع***بذكرك لا ذكر اللوا و زرود
القسم الثاني:
في إخلاص دعائه و ابتهاله و إيقانه بحصول أمانيه و آماله
أسير بقيد العجز عن كل ذرة
تصرفه الأقدار حسب المشيئة
غني عن الأكوان منك برحمة
فقير لما أسديت من كل نعمة***شكور لما أوليت غير جحود
لقد كان لما كان في حال ضره
له منك تدبير لأطوار أمره
دعاك و قد ضاق الخناق بوزره
دعاك و لا يرجو سواك لفقره***و أنت الذي تدعى لكل شديد
تدارك عظيم العفو ما هو حامل
بحط و زك الآن ما هو عامل
يؤمل هذا العبد و الحود شامل
و ما ظن يوما أن يخيب آمل***بباب كريم في غناه حميد
ببابك عبد السوء يحمل إصره
يغوث إعلانا و تعلم سره
ملظ بمحبوب الدعا لك دهره
و لم يك يشقى في دعائك عمره***و منك يرجي اليوم كل مزيد
عرفتك رب العرش عرفان موقن
بما تتلقى المخلصين تلقني
إلهي أقمني في رضاك و أبقني
إلهي تداركني بلطف و أغنني***بواسع رزق من نداك عتيد
إلهي كان الكون في العدم استكن
فأظهرت منه ما تحرك أو سكن
و لم يك إلا ما تكونه و لن
فمهما ترد شيئا يكن بمقال كن***فهلا بكن تقضي بأوسع جود
إلهي و الجود الإلهي كامل
تمن به لا تقتضيه عوامل
على البر و الفجار جودك هامل
يجود به من جود العمر شامل***على كل موجود بكل وجود
توجهت الآمال لله أجمع
و لم يبق غير الله من فيه أطمع
إلهي ترى ذلي و فقري و تسمع
فما كان لي في غير جودك مطمع***و جودك منه طارفي و تليدي
و جودك يا ذا الجود أوثق حيلتي
و جودك يا ذا الجود غيث محيلتي
و جودك روحي في الكروب الجليلة
و جودك إذ عز الشفيع وسيلتي***و جودك إذ عز البريد بريدي
لئن حال ما بيني و بينك حائل
من الذنب و استعصت علي الوسائل
فإني ملح بالدعا لا أزائل
و إني لوقاف لبابك سائل***لفضلك راج منك نجح وعودي
إلهي نفسي لا تبوء بخسرها
و لا قنطت من يسرها بعد عسرها
و لا سئمت من ضيقها تحت أسرها
و قد دفعتني الكائنات بأسرها***إليك و لم تحفظ وثيق عهودي
قصدتك ربي إذ عرفتك واحدا
وجدتك ربي إذ علمتك واجدا
إلى من أرد الوجه مولاي جاهدا
و إني إن زايلت بابك قاصدا***سواك فقد أبرمت نقض عقودي
القسم الثالث:
في تضرعه إلى معبوده لشكاية شؤم جدوده
و بيان قطعه الأسباب و اتصاله برب الأرباب طمعا في نيل جوده
رفعت إليك الكف يا خير رافع
و أحسنت ظني فيك بين قواطعي
و ما معك اللهم ليس بما معي
و حاشاك عن ردي و قطع مطامعي***لشؤم جدودي و اتضاح جمودي
أحاطت بهذا العبد سود المصائب
و جد و لكن سهمه سهم خائب
و ما السعي إن لم يتصل بالمواهب
و إن كان سعي لا يفي بمطالبي***و إن حظوظي عن مناي قيودي
معوقة قصدي مضيق رحابها
تناصبني رغم الأماني حرابها
إذا فتحت بابا فللشر بابها
فإن بقصدي الله تغدو صعابها***و إن عظمت قدرا أذل مقود
و يعتزز بالله عز و من له
تولى ففي الحالات يرفع ذله
و من ذل في تمجيده لم يذله
و من يتمسك بالإله تكن له***إذا رامها العنقا أذل مصيد
رأى الله للإسلام مني قائما
و سل عزومي لو تحقق صارما
فأصبحت بين العزم و الدرك هائما
و لما رأيت الحظ عني نائما***و كان قيامي فيه مثل قعودي
و كان اجتهادي كالتقاعد جاثما
و صرت لما أبني كما كنت هادما
تريني الأماني شكل ما كنت حالما
و إن فعالي مثل مالي كلاهما***لدارس دين الله غير معيد
إذا تم أمر كنت في الماء راقما
و إن أحكم التدبير حكم تصارما
كأني لحزمي مثل عزمي مزاحما
و إن لساني مثل كفي كلاهما***لإظهار دين الله غير مفيد
و من عثرات الجد أني طالما
رمى الغدر تدبيري فأثبت ما رمى
و إني لا آوي من الصدق عاصما
و إن حسامي كاليراع كلاهما***لأعداء دين الله غير مبيد
أرى نصر ربي من أداء أمانتي
و هيهات عزت مكنتي و مكانتي
و حالت إلى خرط القتاد إعانتي
و دهري لم يأذن بغير إهانتي***و إكرام خصم للإله عنيد
أجاهد كيد الدهر بالعزم و العنا
و قض الحصا من مطلبي كان ألينا
كأن محالا كل ما كان ممكنا
و غاية محصولي المواعيد و المنى***و إن وعود الغدر أي وعود
أهم بنصر الله و الجد ممسكي
و لو خضت فيه مهلكا بعد مهلك
و من لي و قد سد التخاذل مسلكي
و لم يبق عندي اليوم إلا تمسكي***بعروة ركن للإله شديد
و تفويض أمري للمدبر خيرتي
و إسقاط تدبيري و تعطيل حيلتي
و ترك عرى الأسباب من كل وجهة
جمعت همومي و انتجعت بهمتي***إلى باب وهاب الجدود مجيد
إلى باب من أغنى و أقنى و أنعما
إلى باب قهار أهان و أكرما
إلى باب من أفنى و أحيا و أعدما
إلى باب من يدعوه في الأرض و السما***و من فيهما من سيد و مسود
إلى باب من جدي بذلي لجده
إلى باب من درك الأماني بقصده
إلى باب من تعنو الوجوه لمجده
إلى باب من في كل يوم بحمده***له أي شيء في الأنام جديد
إلى باب رب العالمين و مكرم الـ
مطيعين خير الراحمين مقسم الـ
مواهب شكار لصالح ما عمل
إلى باب خير الناصرين و أكرم الــ***ــمفيدين خير الفاتحين ودود
إلى باب جبار السماوات غالب الــ
جبابر ذي البطش الشديد المراقب الــ
أمور و من يقصده للإحتما قبل
إلى باب وهاب الممالك قابل الــ***ــكراسي قهار لكل عنيد
إلى القاهر المبدي المعيد اختياره
إلى الحكم العدل الذي عز جاره
إلى المتولي من إليه فراره
إلى مالك الملك العظيم اقتداره***إلى من له الأملاك خير عبيد
ضرعت إليه مخبت القلب عافيا
ذليلا ضعيفا عاجزا متفانيا
بريئا إليه من نفوذ محاليا
وقوفا على أبوابه منه راجيا***قيام حظوظي في العلى و جدودي
عسى رحمة منه و عطف و نظرة
و موهبة تنهل منه ملثة
و عارفة من جوده و مودة
فتخرق لي فيه العوائد نفحة***سماوية من مبدئ و معيد
فتبرأ من حق الجهادين ذلتي
و تعلو بها في نصرة الله كلمتي
و يبسط لي إن شاء إتمام نعمتي
حظوظا يقوم الدهر فيها بخدمتي***و يسعى بما لا يشتهيه حسودي
على قائم بالقسط إرسال أيده
فيطلقني من غل عجزي و قيده
حظوظا كفت عن عمرو كون و زيده
تقوم بتدبير الإله و كيده***لأمر عليه لم أكن بجليد
معاجلة خصمي بأخذ يمينه
و بعث بلاياه و قطع وتينه
تقر لشرع الله عين أمينه
و تسعى بما يرضى الإله لدينه***إذا ما أمات الحق كل مريد
إلهية قد ساقها الله منجدا
مظفرة لا يستقر لها العدى
يفل بها عرش الضلال من الهدى
بها قام من قبلي الأئمة بالهدى***و كانت لرسل الله قبل وجودي
يخص شؤوني فتحها و يعمها
يصرف لي في الكون قهرا أتمها
و تجلى بها الجلي و يفرج همها
يتم بها النعما علي متمما***قديما على خير الخلائق صيد
القسم الرابع:
في شكايته إليه إضاعة سنن الإسلام و تعطيل الأحكام
متى تتجلى بالفتوحات ساعة
متى لعيال الله تلقى استطاعة
متى ينصر الفرآن سمعا و طاعة
و من لي بهذا في زمان مضاعة***به سنن الإسلام بين قرود
و من لي بسيف العدل بين جفونه
و للجور سيف شاهر في يمينه
و من لي و أهل الله تحت متونه
و من لي بأن يرضى الإله لدينه***بتعطيل أحكام و رفض حدود
و من لي بأن يرضى بسلطان مفسد
مغير بحرب الإستقامة منجد
مذل لعز المؤمنين معبد
و من لي بأن يرضى لأمة أحمد***و قد سامها بالخسف كل كنود
و من لي بحرب الله تصعق جنده
و ما حول مخلوق إذا لم يمده
و ما النصر إن لم ينصر الله عبده
و من لي بأنصار إلى الله وحده***أشداء بأس في الحروب أسود
كرام إذا شدوا و صبر على الأذى
لهم غيرة في الله لم يشربوا القذى
إذا برقوا لم ينفذ الخصم منفذا
تباري النعام الربد خيلهم إذا***بحي على نصر المهيمن نودي
صناديد يبغون المنية مفزعا
و لا يردون العيش إلا تذرعا
يبيعون لله النفوس تطوعا
يغاث بهم داع إلى الله قد دعا***و خوصم في ذات الإله و عودي
و من لي بسهم من يد الله مرسلا
يفضفض حيزوم الأعادي مجدلا
إذا انقض هز الكون و ارتدع الملا
و من لي بسهم يقطع الهام و الطلى***و يفري من الأعداء كل وريد
تسعر نار الحرب منها المضارب
بوارقه تنهل منها المعاطب
لهزته الفتح المبين مصاحب
حسام لدين الله و الله ضارب***بحديه و الهيجاء ذات وقود
يسابق لمح الطرف في سلب مهجة
و يفعل فعل اللطف في كل كربة
يكاد يبس الأرض منه بلمعة
و لو عارض الشم الجبال بضربة***لناحت على طود أشم فقيد