كلمة مؤسسة القدس بمؤتمر طهران لدعم الانتفاضة
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة مؤسسة القدس
للمستشار الشيخ فيصل مولوي
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان
في مؤتمر دعم الانتفاضة الذي عقد في طهران
1 - 2 صفر 1422 هـ الموافق 24 - 25 نيسان 2001 م
الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
تتواصل انتفاضة الأقصى ضدّ العدوان الصهيوني الغاشم، وتتواصل معها شلاّلات الدماء البريئة للعشرات من الجرحى والشهداء في المواجهات اليومية، وانتهاكات اليهود لكلّ المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، ويستمرّ بناء المستوطنات، في مقابل تدمير بيوت الفلسطينيين، كما يستمرّ الحصار الكامل على الشعب الفلسطيني لتجويعه حتّى يقبل بالتنازل عن أرضه وكرامته وحقوقه.
وما يثير الاستنكار ذلك التخاذل العربي والإسلامي شبه الشامل على مستوى الأنظمة التي لا تزال تراهن على إحياء المفاوضات والعودة إلى مسار التسوية، والتي لا تقدّم أيّ دعم سياسي، وتبخل بالدعم المالي، وترفض أيّ دعم عسكري. وحتّى على مستوى الشعوب، فإنّ التفاعل مع الانتفاضة المباركة لا يزال أقلّ بكثير من المطلوب سواء في الإعلام أو على صعيد الدعم المالي.
إنّ مؤسسة القدس التي أتكلّم باسم مجلس إدارتها، هي في الحقيقة من ثمرات انتفاضة الأقصى المباركة. وهي عقدت مؤتمرها التأسيسي في بيروت وانتخبت سماحة الشيخ يوسف القرضاوي رئيساً لها والسادة عبد الله حسين الأحمر – رئيس مجلس النواب اليمني – وعلي أكبر محتشمي - عضو مجلس الشورى الإسلامي في إيران - ومعالي الوزير السابق ميشال إدّة في لبنان نواباً للرئيس.
وتقوم الهيئة التأسيسية بأعمال مجلس الإدارة إلى حين انتخاب مجلس إدارة خلال ثلاثة شهور.
لم يكن اختيار اسم القدس رغبة في حصر القضية بالمقدّسات الدينية أو بالحدود الجغرافية لمدينة القدس. وإنّما تمّ الاختيار باعتبار أنّ القدس هي رمز لفلسطين كلّها بما تحمله من تراث ومقدّسات.
إنّني باسم مؤسسة القدس أطالب بالحدّ الأدنى من التفاعل والتواصل مع الانتفاضة المباركة عن طريق الآتي:
1 - قطع العلاقات السياسية والتجارية كافّة مع العدوّ الصهيوني وسحب السفراء والبعثات بكلّ أنواعها وطرد السفراء الصهاينة.
2 - تقديم كلّ أنواع الدعم للشعب الفلسطيني عسكرياً وسياسياً ومالياً.
3 - عقد مؤتمر قمّة إسلامي يخصّص لدعم الانتفاضة، وإحياء التضامن الإسلامي في جميع المجالات، ومقاطعة المنتجات الصهيونية بشكل كامل.
كما أطالب الشعوب العربية والإسلامية باتخاذ مواقف أكثر إيجابية لدعم الانتفاضة، وأتقدّم باقتراحين اثنين:
الأول: مقاطعة المنتجات الأميركية بأقصى ما نستطيع وذلك:
1- لأنّ تبعية اقتصاديات العالم الإسلامي لأميركا أمر خطير بكلّ المقاييس، وهو أدّى ويؤدّي إلى تبعية سياسية، ويفقد أمّتنا كلّ عناصر استقلالها الحقيقي وعنفوانها الوطني، ويجعلها سوقاً استهلاكية للبضائع الأميركية خاصّة وأنّ كثيراً من هذه البضائع ليس من الحاجات الضرورية ويوجد له بدائل وطنية، أو حتّى أجنبية لكن من صنع غير أمريكي.
2- ولأنّ التسلّط الأميركي على العالم – وهو ما نشكو من نتائجه على كلّ صعيد – يرجع في أهمّ أسبابه إلى قوّة الاقتصاد الأميركي، ومساهمة العالم الإسلامي فيها ليست قليلة. إنّ امتناع أكثر من مليار مسلم عن دعم الاقتصاد الأميركي عندما نستطيع يؤدّي بلا شكّ إلى خلخلة كبيرة، لا بدّ أن يكون لها تأثير على سياسة الولايات المتحدة الأميركية المتحالفة بشكل مطلق مع إسرائيل.
3- ولأنّ الصهاينة يحتلّون أرضنا في فلسطين بالمساعدة الأميركية، ويقتلون إخواننا بالسلاح الأميركي، وأنّ شراءنا المنتجات الأميركية في الحقيقة يرتدّ علينا قتلاً وتدميراً، فهل يجوز أن نقدّم لعدوّنا السلاح حتّى يقتلنا فيه؟
الثاني: دعم كلّ أسرة فلسطينية بشكل دائم.
إنّ أهم عمل إيجابي يمكن أن تقوم به الشعوب هو تقديم الدعم المالي لشعبنا الفلسطيني حتّى يتمكّن من الاستمرار في الصمود والمقاومة.
ومن المعروف أنّ استمرار الانتفاضة يؤدّي إلى استمرار الحصار الإسرائيلي وإلى شلّ الحياة الاقتصادية، وبالتالي إلى ضعف الموارد الذاتية أو انعدامها.
والفلسطيني يمكن أن يصمد ويقاوم مئات السنين إذا كان يجد مع أولاده الطعام ويجد العلاج حين يجرح، ويستطيع أن يعيد بناء بيته إذا هدّمه الصهاينة، وإلاّ فهو عاجز عن الاستمرار.
يعيش الآن في الضفّة الغربية وغزّة أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني، يشكّلون حوالي أربعمائة ألف عائلة.
إنّني أدعو إلى كفالة جميع هذه العائلات بمخصّص شهري معدّله ثلاثمائة دولار أمريكي يزيد أو ينقص حسب عدد أفراد العائلة.
أعتقد أنّه يوجد في العالم الإسلامي أكثر من أربعمائة ألف عائلة ثريّة تستطيع كلّ واحدة منها أن تكفل عائلة ثانية في فلسطين دون أن يؤثّر ذلك عليها.
وأعتقد أنّه يوجد في العالم الإسلامي أكثر من أربعمائة ألف جمعية إسلامية أو خيرية أو ثقافية أو مؤسّسة تستطيع كلّ واحدة منها أن تكفل عائلة فلسطينية واحدة.
فضلاً عن أنّ هناك مؤسّسات خيرية تكفل العشرات من العائلات.
لقد أنشأنا في لبنان سنة 1999 وقفية خاصّة لرعاية أسر الشهداء والمعتقلين والمحتاجين في فلسطين، واستطعنا خلال سنة واحدة أن نكفل أكثر من ألف وخمسمائة عائلة بمخصّصات شهرية تتراوح بين 200 إلى 400 $ تصل مباشرة إلى كلّ عائلة في حسابها المصرفي.
إنّني أدعو إلى تنظيم مؤاخاة إسلامية تشمل كلّ العائلات داخل فلسطين وتقيم اتصالاً مباشراً بين كلّ عائلة فلسطينية وبين العائلة الإسلامية المتآخية معها والمتكفّلة بها.
ذلك هو الطريق لصمود الانتفاضة واستمرارها حتّى التحرير الكامل بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
__________________
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك/22]
|