وإذا علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيما صح عنه: [من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه: أضمن له الجنة]. علمت أن هذه "الضمانة" لا تعلق إلا على أمر عظيم.
وهذه بمؤداها "رقابة شرعية" على حفظ أعراض المسلمين وكف الأذى عنهم في "العرض، والدين، والنسب، والمال، والبدن، والعقل".
ولما جمع الله شمل المسلمين أعلنها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، فقال -صلى الله عليه وسلم- في خطبته الجامعة على مسمع يزيد عن مائة ألف نفس من المسلمين:
[إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت].
وإذا علمت فشو ظاهرة التصنيف الغلابة، وأن إطفاءها واجب، فاعلم أن المحترفين لها سلكوا لتنفيذها طرقا منها:
*
أنك ترى الجراح القصاب، كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم "ذبيحاً" فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة، تمرق من فمه مروق السهم من الرمية، ثم يرميه في الطريق، ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق، فإن ذلك من شعب الإيمان؟؟؟*
وترى دأبه التربص، والترصد: عين للترقب وأذن للتجسس، كل هذا للتحريش، وإشعال نار الفتن بالصالحين وغيرهم.
*
وترى هذا "الرمز البغيض" مهموماً بمحاصرة الدعاة بسلسلة طويل ذرعها، رديء متنها، تجر أثقالاً من الألقاب المنفرة، والتهم الفاجرة، ليسلكهم في قطار أهل الأهواء، وضلال أهل القبلة، وجعلهم وقود بلبلة، وحطب اضطراب.وبالجملة فهذا "ا
لقطيع") هم أسوأ "غزاة الأعراض بالأمراض" والعض بالباطل في غوارب العباد، والتفكه بها، فهم مقرنون بأصفاد: الغل، والبغضاء، والحسد، والغيبة، والنميمة، والكذب، والبهت، والإفك، والهمز، واللمز، جميعها، في نفاذ واحد.
إنهم بحق: "رمز الإرادة السيئة" يرتعون فيها بشهوة جامحة.
نعوذ بالله من حالهم، لا رعوا.
آثارها:
* فيالله كم لهذه: "
الوظيفة الإبليسية" من آثار موجعة للجراح نفسه؛ إذ سلك غير سبيل المؤمنين. فهو لقى، منبوذ، آثم، جان على نفسه، وخلقه، ودينه، وأمته.
من كل أبواب سوء القول قد أخذ بنصيب، فهو يقاسم القاذف، ويقاسم: البهات، والقتات، والنمام، والمغتاب، ويتصدر الكذابين الوضاعين في أعز شيء يملكه المسلم: "عقيدته وعرضه".
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} (الأحزاب:58).
وهذا البهت قد يوجب: "ردة" للقائل نفسه، كما لو قال لمن عمل بالإسلام: رجعي، متخلف، كما ترى تقريره في أبواب الردة من كتب الشريعة الحديثية والفقهية؛ ولهذا ألف ابن قطلوبغا، رسالة باسم: "من يكفر ولم يشعر".
وهذا أسوأ أثر على المتفكهين بهذه الظاهرة فضلا عن آثارها الأخرى عليه: منها سقوط الجراح من احترام الآخرين، وتقويمه بأنه خفيف، طياش، رقيق الديانة، صاحب هوى، جره هواه وقصور نظره عن تمييز الحق من الباطل، إلى مخاصمة المحق، والهجوم عليه بغير حق.
بل وسوأة عظمى احتساب المبتلى هذا السعي بالفساد، من الدين، وإظهاره بلباس الشرع المتين، والتلذذ بذكره، ونشره.
حقا لقد أتعب التاريخ، وأتعب نفسه، وآذى التاريخ، وآذى نفسه، فلا هو قال خيرا فغنم، ولا سكت فسلم.
فإلى قائمة الممقوتين في سجل التاريخ غير مأسوف عليهم:
إن الشقي بالشقاء مولع لا يملك الرد له إذا أتى
* وكم أورثت هذه التهم الباطلة من أذى للمكلوم بها من خفقة في الصدر، ودمعة في العين، وزفرات تظلم يرتجف منها بين يدي ربه في جوف الليل، لهجاً بكشفها ماداً يديه إلى مغيث المظلومين، كاسر الظالمين.
* والظالم يغط في نومه، وسهام المظلومين تتقاذفه من كل جانب، عسى أن تصيب منه مقتلاً.
فيا لله: "ما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له، وبين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو عليه" (من كلام ابن القيم-رحمه الله) .
* وكم جرت هذه المكيدة من قارعة في الديار، بتشويه وجه الحق، والوقوف في سبيله، وضرب للدعوة من حدثاء الأسنان في عظماء الرجال باحتقارهم وازدرائهم، والاستخفاف بهم وبعلومهم، وإطفاء مواهبهم، وإثارة الشحناء، والبغضاء بينهم.
ثم هضم لحقوق المسلمين: في دينهم، وعرضهم. وتحجيم لانتشار الدعوة بينهم، بل صناعة توابيت، تقبر فيها أنفاس الدعاة ونفائس الدعاة ونفائس دعوتهم؟؟
انظر: كيف يتهافتون على إطفاء نورها، فالله حسبهم، وهو حسيبهم.
وهذا مطمع مؤكد من خطط أعداء الملة لعدائها، والاستعداء عليها في منظومتهم الفسلة لكيد المسلمين، ومنها:
أن الكفار تكلموا طعنا في رواية راوية الإسلام أبي هريرة -رضي الله عنه- دون غيره من الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأنه أكثرهم رواية، فإذا استسهل الطعن فيه، تبعد من دونه رواية.
لهذا فقد أطبق أهل الملة الإسلامية، على أن الطعن في واحد من الصحابة -رضي الله عنهم-: زندقة مكشوفة.
قال أبو زرعة الرازي -رحمه الله تعالى- (فتح المغيث 4/94): "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".
وقد أجرى العلماء هذا الحكم بمن قدح في أحد من حملة الشرع المطهر، علماء الأمة العاملين ؛ لأن القدح بالحامل يفضي إلى القدح بما يحمله من رسالة البلاغ لدين الله وشرعه؛ ولهذا أطبق العلماء -رحمهم الله تعالى-
على أن من أسباب الإلحاد: "القدح بالعلماء".
من كتاب تصنيف الناس بين الظن واليقين
رابط التحميل
http://saaid.net/book/open.php?cat=82&book=346