رصاصتان لكل فلسطيني/ للإعلامي الفلسطيني محمد أبوعبيد
من لم يمُتْ بالرصاص الإسرائيليّ مات برصاص أخيه . هذا ما آلت إليه الأوضاع في أرض الانتفاضة وأرض مقاومة المحتل . إسرائيل التي تدّخر ذخيرتها لصبها على رؤوس من يقاومون احتلالها وظلمها , هي الآن في إجازة من قتل الفلسطيني ما دام هناك فلسطيني آخر يقتله , حتى وإن قصفت رفح أو دير البلح . إسرائيل الآن تريح أصابعها من مهمة الضغط على الزناد ,فهناك من يضغط عليه نيابة عنها.
ملعون هذا الكرسيّ الذي زلزل أركان الوحدة الوطنية , وجعل الشعب خصميْن , وحوّل البلد شطريْن , والسلاح سلاحيْن يبغي أحدهما على الآخر . القاتل والمقتول فلسطيني , ومقتول آخر بين النيرانيْن هو أيضا فلسطيني لكنه طفل أو امرأة أو شيخ أو عابر سبيل . ملعون هذا الكرسيّ الذي جعل طالبيه يخلفون وعدا وعهداً قطعوه أمام الله بجوار بيت الله الحرام في مكة , لتحريم سفك الدم الفلسطينيّ على يد الفلسطينيّ , وتجريم اقتتال الأخوة وكل أشكال التحريض بين أبناء الدم الواحد .
الله شاهد على هذا العهد , ومكة شاهدة , والإعلام شاهد . فعلام َ نكثتم بعهودكم !!! علام َ غزة ُ تقتل غزة !!! لماذا غزة آثرت تبديل صورتها من مقاتلة إلى قاتلة !!! لماذا أحرقت غزة دفاتر نزار قباني إذ قال في صفحة من صفحاتها عن أطفال الحجارة : "بهروا الدنيا وما في يدهم إلا الحجارة ......يا مجانين غزة ألف أهلا بالمجانين إن هم حررونا " يا غزة هاشم , لم يقصدك أنت محمود درويش في ندائه حين قال "خذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا ".
ما يسمعه المرء من الحرب الكلامية ما بين "فتح" و "حماس" بموازاة حرب السلاح , لا يحمل بصيص أمل في الخروج من هذه اللعنة التي حلت على الفلسطينيين.
لا يخفى أبدا مدى الاحتقان الذي يكنّه كل طرف ضد الآخر . احتقان أوصل المتصارعين على السلطة إلى حد الإعدامات المتبادلة , وإلى درجة الاختطافات , والتهديدات . ما كان يسمعه الفلسطيني من مصطلحات ومفردات متعلقة بالصراع مع إسرائيل , صار يسمعها ذاتها في الصراع بين الفلسطينيين أنفسهم , من قبيل : الإتفاق على سحب المسلحين ...إخلاء أسطح المباني التي احتلها المسلحون ...الإفراج عن الرهائن والمختطفين ...ضرورة استئناف الحوار ...الاتفاق على هدنة ...!!! .
كأن هذا ما كان ينقص الفلسطينيين المنهكين من نير الاحتلال . يقاومون من أجل دحرالاحتلال , وإذ بهم الآن يجهدون لانسحاب مسلحيهم من شوارعهم . يتظاهرون من أجل تحرير "معتقلي حماس لدى فتح , ومعتقلي فتح لدى حماس , ومعتقلوهم لدى إسرائيل توفر لهم مصلحة السجون شاشات التلفزة لمتابعة مسلسل لعنة الكراسي والمآسي .
ليسمح قارئي الكريم بهذين البيتيْن من قصيدة متواضعة حاولتُ من خلال نَظْمها طرق باب الشعر قبل ستة عشر عاما ً :
وإذا أسفْتَ فلا تكنْ أسفا ً على قتْلِ امرئٍ نالت به يدُ مجرم ِ
فالجرم ُ طعنُ السيفِ حاملَ غمدِهِ كمْ مسلم ٍ فتكتْ به يدُ مسلم ِ
**الإعلامي الفلسطيني بقناة العربية: محمد أبوعبيد - من موقع العربية نت)
|