مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 12-02-2002, 06:46 AM
سلاف سلاف غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 2,181
إفتراضي عن أدونيس

يثير أدونيس كثيرا من الجدل

هذه دعوة لمناقشة تستهدف إظهار الحقيقة لما لها من أثر في توجه الكثيري. فالرجاء إثراؤها.

أبدأ بنقل هذه المقتبسة ولي أمل أن أعود عنه بالمزيد.

http://al-ommah.org/ncat3-5.html
-------


لماذا الحديث عن الشاعر أدونيس ؟ وهل هو ضروري الآن ؟

في تقديري أن الحديث عن الشاعر أدونيس ضروري الآن لعدة أسباب منها :

1- أدونيس ليس شاعراً عادياً بل هو أحد مؤسسي مدرسة شعرية جديدة في العصر الحديث مثلتها "مجلة شعر" التي صدرت في الخمسينيات ، والتي أرادت أن تنسف قواعد التراث الشعري مضموناً وشكلاً وأن تؤسس قواعد جديدة وأن تروّج لها .

2- أدونيس ليس شاعراً فحسب بل صاحب دراسة موسّعة لتاريخ الأمة ، وقد انتهى في دراسته تلك إلى فرز عوامل الثبات والتحوّل والاتباع والإبداع في كل مجالات تاريخ أمتنا .

3- أدونيس ليس شاعراً يتعاطى الشعر فقط لكنه صاحب نظرة نقدية للشعر العربي : قديمه وحديثه ، تقوم على تفضيل بعض الأساليب الشعرية ورفض بعضها الآخر ، وتقوم على الترويج لأشكال جديدة من الأدب والتنظير لها مثل "قصيدة النثر" .

4- أصدر أدونيس مؤخراً ديواناً سمّاه (الكتاب : أمس المكان الآن) وأعلن أنه سيصدر الجزء الثاني منه وسيتوقف عن الكتابة بعد ذلك (1) ، يشكّل إذن هذا الديوان قمة تطوّره الشعري واعتزازه فلا بدّ من وقفة مع هذا الديوان .

5- أدونيس أحد المرشحين لجائزة نوبل لعدة سنوات سابقة ، ولمّا يفز بها حتى الآن ، فيستحسن أن نفهم هذا المرشح لجائزة نوبل والذي قد يفوز بها في وقت لاحق ، ونضعه تحت المجهر لنحدد ما المقبول منه وما المرفوض قبل أن يمطرنا بوابل محاضراته وأقواله بعد نيله تلك الجائزة ، فلا نستطيع أن نقوم بعملية الفرز والغربلة حينئذ .

هذه بعض الأسباب التي تجعل الحديث عن أدونيس ضرورياً جداً في هذا الوقت وفي هذه المرحلة .

والآن سأتناول هذا الديوان الشعري الجديد الذي أسماه "الكتاب : أمس المكان الآن" ، وأرى من أجل استيضاح صورة الديوان الشعري أنه لا بد من الحديث عن نظرة أدونيس إلى الشاعر ونظرته إلى الكتابة عند العرب .

نظرة أدونيس إلى الشاعر والكتابة :

يرى أدونيس أن الشاعر يجب أن يكون صاحب رؤيا ويجب أن يكون مجدداً ، ويجب أن يصوغ العالم صياغة جديدة ، ولا يكون دوره فقط في محاكاة العالم . ويرى أدونيس أن "الكتابة" تالية لمرحلة "الخطابة" عند العرب ، ويعتبر أن الثورة الكتابية الأولى التي نشأت في وجه الخطابة ، نثراً وشعراً ، هي كتابة القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم نهاية الارتجال والبداهة ، ثم ينقل أدونيس أقوالاً للقلقشندي أدان فيه الكلام القديم : الخطابة والشعر، وأدان الأساس الذي يقوم عليه وهو الأمية - الفطرة ، الارتجال - البداهة ، وفضّل النثر (الجديد الناشئ) على الشعر (القديم السابق) (2) .

ويعتبر أدونيس أن هذه النصوص القرآنية تؤسس عهداً جديداً من الكتابة يقوم على النقاط التالية :

1- إذا كانت الكتابة جمعاً فإن الكلام غير المكتوب يظل مبعثراً لا ناظم له ، ولا ثقة فيه .

2- الكتابة علم : لا علم بالمعلوم وحسب ، بل بالمجهول كذلك .

3- الكتابة "صناعة روحانية" أي أنها تجسيد بالحروف للصور الباطنة .

4- الكتابة "إنشاء" أي أنها اختراع على غير مثال .

5- الكتابة عمل شاق لا يعرفه إلاّ من يمارسه .

6- الكتابة لا متناهية شكلاً وموضوعاً ، لأنه تواجه عالماً لا متناهياً (3).

والآن نعود إلى الحديث عن ديوانه الشعري "الكتاب : أمس المكان الآن" الذي يعرفه أدونيس فيقول عنه : "مخطوطة تنسب إلى المتنبي ، يحققها وينشرها أدونيس" ماذا نستفيد من هذا الكلام على ضوء ما تقدم من نظرة أدونيس إلى الشاعر والكتابة ؟

أظن أنه لأمر طبيعي أن نفترض التزام أدونيس بما طلبه من الشاعر وهو أن يكون صاحب رؤيا ويكون متنبئاً ويكون صائغاً للعالم صياغة جديدة ، وأن يكون شعره تأسيساً وتجديداً ويكون ضمن صورة "الكتابة" وليس ضمن صورة "الخطابة" ، على ضوء هذا نستطيع أن نقول إن أدونيس"النبي" اختفى وراء "أبي الطيب المتنبي" ليقول على لسانه نبوءته التي دوّنها في "الكتاب" والتي يقصد أن تكون رؤيا جديدة وصياغة جديدة للواقع ، والتي يجب أن تبتعد عن "الخطابة اللسانية" التي امتازت بها "الشعرية العربية السابقة" .

فهل حقق "الكتاب" هذه الرؤيا ؟

نعم حققها لكنها رؤيا هدم في الشكل والمضمون ، ولا نستطيع أن نفهم هذا الهدم في المضمون إلا بالعودة إلى "الثابت والمتحول" والتوقف عند بعض طروحاته لأنه الخلفية الفكرية التي اعتمدها أدونيس والتي نقل منها في كل ما دوّنه في الديوان الشعري الجديد "الكتاب : أمس المكان الآن" ، فماذا جاء في "الثابت والمتحول" ؟ وماذا قال أدونيس فيه؟

الثابت والمتحول عند أدونيس :

ما هو الثبات وما هو التحول ؟

يعتبر أدونيس أن تاريخنا ينقسم إلى منحنيين : منحى ثبات واتباع ومنحى تحول وإبداع . وهو يعرض بحثه في كتابين يتحدث في الأول عن أصول الاتباع والإبداع ويتحدث في الثاني عن تأصيل أصول الاتباع والإبداع .

يرى أدونيس أن هناك اتباعية في الخلافة والسياسة نشأت منذ الاجتماع في سقيفة بني ساعدة تقوم على قرشية الخلافة ، كما تقوم على اتباع سيرتي أبي بكر وعمر y بالاضافة إلى اتباع سنن الرسول e وهديه .

وهو يرى أن هناك اتباعية في السنة والفقه ، كما أن هناك اتباعية في الشعر والنقد تتابع النبي e على موقفه من الشعر الذي حافظ فيه على النواة الأساسية لدور الشعر في القبيلة ولطبيعة العلاقة بين الشاعر والقبيلة ، غير أنه أعطى لهذه النواة مظهراً جديداً وبعداً جديداً ، ينقل دور الشعر من إطار الفضائل القبلية إلى إطار الفضائل الدينية ، وحوّل العلاقة بين الشاعر والقبيلة إلى علاقة بين الشاعر والدولة (4) .

ما هو الإبداع والتحول في نظر أدونيس ؟

يرى أدونيس أن جذور الإبداع في مجال السياسة والحكم يبدأ مع مثيري فتنة عثمان رضي الله عنه ، ويضم إليهم بعد ذلك الخوارج . ويرى أنهم وضعوا أصولاً تختلف عن الأصول التي قام عليها الحكم الأموي فوضعوا نظرية خلع الإمام الجائر ، واستعاضوا عن مبدأ القرشية في الإمامة بمبدأ الجدارة (5) .

ثم يرصد أدونيس وقائع كل الثورات التي قامت مناهضة للخلافة الأموية ويعرض بعضاً من تفصيلات وقائعها كثورة التوابين عام 65هـ ، ثم ثورة المختار بن عبيد الثقفي ، وثورة مطرف بن المغيرة عام 77هـ ، ثم ثورة عبدالرحمن بن الأشقر عام 81 هـ ، ثم ثورة زيد بن علي بن الحسين عام 122 هـ ، ثم ثورة أبي مسلم الخراساني عام 129 هـ .

ثم يتحدث أدونيس عن الحركات الفكرية في العهد الأموي ، فيشير إلى أن الخوارج قرنوا النظر بالممارسة ، ووحّدوا بين الإيمان والعمل في حين أن حركة الإرجاء فرّقت بين الإيمان والعمل ، ويعرض إلى قول جعد بن درهم بخلق القرآن الذي يعني اعتماد العقل مصدراً أولاً للمعرفة ، ويعرض للفرقة التي قالت بالقدر أي أن الإنسان مختار حر وهو الذي يفعل أفعاله ، ويعرض لفرقة الشيعة التي قالت بالإمامة (6) .

ويعرض أدونيس أصول الحركة الشعرية فيرصد التحول في تجربتين : الأولى التجربة الذاتية التي تغلّب عالم العواطف والرغبات والأهواء على العالم الخارجي ، والثانية هي التجربة السياسية الأيديولوجية التي توحد بين الشعر والفكر ، ويعرض لنماذج من شعراء التجربتين .

ثم ينتقل في الكتاب الثاني إلى تأصيل الأصول فيرى أن الشافعي رحمه الله هو الذي أصّل الأصول الدينية - السياسية في مجال الاتباع ، ويرى أن الأصمعي والجاحظ أصّلا الأصول البيانية الشعرية في مجال الاتباع أيضاً ، ثم ينتقل إلى تأصيل الإبداع فيرى أن ثورة الزنج والحركة القرمطية أصلتا للإبداع وأنهما ألغيتا الملكية الخاصة .

ويرى أدونيس أن ابن الراوندي وجابر بن حيّان ومحمد بن زكريا الرازي أصّلوا للإبداع في مجال اعتماد العقل وإبطال النبوة!!! فينقل أن ابن الراوندي انتقد المعجزة!!! وانتقد منهج النبي في الفكر والعمل!!! وانتقد إعجاز القرآن وكان يرى أن كلام أكثم بن صيفي أفصح من القرآن الكريم!!! (7) .

ثم يتحدث أدونيس عن موقف الرازي من الدين وينقل نقده للنبوة وينتهي إلى نفي النبوة كمبدأ وظاهرة والاكتفاء بالعقل!!! كما ينقل نقده لسائر الأديان وإبطاله ، ثم ينقل آراءه في نقد الكتب المقدسة وإبطالها!!! وهو يعتبر أن القرآن متناقض وينكر أن يكون القرآن معجزة أو حجّة!!! وهو يرى أن الإعجاز والحجّة يتمثلان في الكتب العلمية!!! (8) .

ثم ينقل أدونيس موقف المعتزلة الذي يقوم على تقديم العقل على الشرع ، وأدى تقديم العقل على النقل عند المعتزلة إلى التوكيد على إرادة الإنسان وحريّته ، وأدى إلى اعتقادهم أن اللغة اصطلاح ووضع وليست توقيفاً أو وحياً (9) .

ويصنّف أدونيس التصوف في مجال الابداع!!! ويبين أن التجربة الصوفية تنطلق من القول أن الوجود باطن وظاهر ، وأن الوجود الحقيقي هو الباطن . وقد ترتبت على هذا المنطق نتائج كثيرة ، وبخاصة فيما يتعلق بالمعرفة ومنهجها ، والصلة بين الإنسان والله ، استلزمت فهم القرآن فهماً جديداً ، لم تعتمد في فهمها هذا المنطق أو العقل ، ولم تعتمد الشريعة ، إنما اعتمدت الذوق وليس في الذوق حدود ، وهو يتجاوز الامر والنهي لأنه هو البداية التي تمحو كل أمر ونهي!!! وحين يكون بين الحقيقة والشريعة تناقض ، فإن الشريعة هي التي يجب أن تؤول بمقتضى الحقيقة .

وتنتهي التجربة الصوفية بالفناء بالله: لقد نقلت الصوفية تجربة الوجود والمعرفة من إطار العقل والنقل إلى إطار القلب ، فلم يعد الوجود مفهومات ومقولات مجردة ، وبطلت المعرفة أن تكون شرحاً لمعطى قبلي أو تسليماً بقول موحى (10) .

ويمثّل أدونيس على الإبداع في الشعر بنموذجين هما : أبونواس وأبوتمّام ، ويبرز مجون أبي نواس ويبرز إصراره عل فعل الذنوب ، وانتهاك المحرّم الذي يعني خروجاً على الله ، ويبين تعلقه بالخمرة وتقديسه لها ، ويوضح كيفية ربط الخمرة بجميع الأشياء ، ويوضح أن شعر أبي نواس ينطلق من أولية التجربة ، في حين أن أبا تمام ينطلق من أولية اللغة الشعرية .

تفنيد بعض وجهات نظر أدونيس في كتاب "الثابت والمتحول" :

ليس من شك بأن تفنيد وجهات نظر أدونيس في كتاب "الثابت والمتحول" يحتاج إلى مجلدات ، ولا أستطيع فعل ذلك في هذه العجالة ولكنني أكتفي بتقويم بعض ما طرحه ليساعدنا على فهم مدى الأخطاء التي وقع فيها في ديوانه الشعري :

1- يفسر أدونيس في عدة مواضع من كتابه تطورات المجتمع الإسلامي تفسيراً اقتصادياً طبقياً منطلقاً من ماركسية واضحة مع أنه أوضح في البداية أنه سيتجنب ذلك في بداية مقدمته للكتاب ، وتعلل بعدم تخصصه في مجال الدراسة الاقتصادية ولعدم امتلاكه أدواتها ، ولا يمكن أن نضع إشادته بالثورتين : الزنجية والقرمطية إلاّ الخضوع لذلك التفسير الماركسي للتاريخ الإسلامي ، ولا شكّ أن هذا جهل وافتئات على التاريخ الإسلامي وتطبيق لمقاييس لم يعرفها ولا تنطبق عليه ، فالتاريخ الإسلامي لم يعرف الطبقات بالمعنى الماركسي المعهود لأنه لم يعرف الرّبا من جهة ، ولإقراره نظام الزكاة التي تؤخذ من رأس المال والتي تُحدث توازناً في المجتمع من جهة ثانية ، ولوجود تشريعات الميراث التي تفتّت الثروات المتكدسة من جهة ثالثة ، وهذا ما قاله كثير من المفكرين الغربيين الدارسين للاقتصاد الإسلامي من أمثال مكسيم رودنسون في كتاب "الإسلام والرأسمالية" وجاك أوستروي في كتاب "الإسلام والتنمية الاقتصادية" (11) .

2- يعلّل أدونيس نشوء الفرق من شيعة وخوارج ومعتزلة وغيرها بعوامل سياسية بشكل عام ويربطها بفتنة عثمان t بشكل خاص ، والحقيقة إنّ هذا بعيد عن الصواب ، والأرجح أن نشوء هذه الفرق مرتبط بعوامل بيئية ، وبموروثات وبأفكار جلبتها هذه الفرق من الأمم السابقة تأثرت بها وتداخلت مع منهجها عن الفهم الذي علّمه الرسول r لصحابته ، فالخوارج حكمت بيئتهم البدوية البسيطة فهمهم للإسلام فأخذوا بظاهر النصوص ولم يتدبروها وقد نبّهتنا أحاديث الرسول r إلى ذلك حينما وصفت الخوارج فقالت : "بأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم" أو "لا يجاوز حلوقهم" (12) . والشيعة تأثروا بكثير من موروثات المنطقة التي كانت تعج بالغنوص وبتقديس الرجال وبالتصوف ، والمعتزلة تأثروا بمذهب الذّرة المترجم عن الفلسفة اليونانية .

3- يرى أدونيس توحّد الثقافة والدولة في كيان واحد في فترة مبكرة من التاريخ الإسلامي يقول أدونيس عن الخلافة الأموية : "أن الدين صار دين النظام وتوّحد بالواقع السياسي لهذا النظام ، وأصبح النظام ينظر إلى الواقع من حيث إنه يجب أن يتكيف وينسجم مع سياسته ودينه ، وأصبحت الثقافة انطلاقاً من ذلك لا تتعارض مع الواقع بل تتحد به ، أصبحت الثقافة والدولة شيئاً واحداً" (13) .

وعندما يصدر أدونيس الحكم السابق على الدولة الإسلامية فإنما ينطلق من نظره إلى الدولة المعاصرة وسيطرتها على كل شئ ، ولكن الحقيقة أن مسار التاريخ الإسلامي يخالف نظرته تلك تمام المخالفة ، فقد كانت هناك قيادتان في تاريخنا : قيادة الأمراء وقيادة العلماء ، وقد كان الجانب الثقافي بقيادة العلماء بعيداً عن الأمراء وسيطرتهم وتدخلاتهم ، وقد حدث ذلك نتيجة إشادة الدين الإسلامي بالعلم والعلماء ، ونتيجة جدلية خاصة بالأمة الإسلامية ، ويؤكد ذلك سلسلة العلماء الطويلة التي تزخر بها أمتنا ومنهم : مالك بن أنس ، أبوحنيفة ، الشافعي ، أحمد بن حنبل ، الباقلاني ، ، ابن تيمية ، ابن حجر العسقلاني رحمهم الله أجمعين (14) إلخ...

4- والسؤال الآن : ما هو وجه الإبداع في إلحاد ابن الراوندي والرازي ؟؟!! وبخاصة إذا عرفنا أن هذا أمر قديم كان موجوداً قبل نبوة محمد r ونزول القرآن الكريم ، ورافق نبوته r ونزول القرآن الكريم حيث كفر قسم كبير من العرب المدعويين وتشككوا في كل ما دعاهم إليه ، وسيكون هناك أيضاً أناس يكفرون بمحمد r بعد وفاته r ، وما علاقة الإلحاد بالمنهج التجريبي ؟ وهل كل إلحاد يفرز منهجاً تجريبياً ؟ ألم يكن المنهج التجريبي موجوداً في الحضارة الإسلامية وفي الكيان الإسلامي قبل أن يطرح ابن الراوندي والرازي وغيرهما أباطيلهم ؟

5- ما وجه الإبداع في الإرث الصوفي الذي يمثله الحلاّج والسهروردي وغيرهما؟ لقد كان التصوف موجوداً عند كل الأمم الوثنية الضالة ، وكان سبباً في انحطاطها ولقد كان التصوف أحد العوامل التي ساهمت في تغييب العقل الإسلامي ، وفي توريث المجتمع الإسلامي رذائل خلقية ، وفي استلاب نفسية المسلم ، وجعله أنانياً يعيش بذاته ، وجعله يعيش أوهاماً قاتلة حول الاتحاد بذات الله أو الحلول به تعالى أو اكتشاف وحدة الوجود .

6- ترسيخ الشعر الجاهلي :

يرى أدونيس أن ترسيخ الشعر الجاهلي كان عملاً مقصوداً من السلطة الإسلامية بدءاً من الخلافة الأموية (15) وهو واهم في ذلك وتفسير استمراره بدعم المؤسسات الحكومية له تفسير قاصر ، فعلى العكس نجد أن الإسلام حارب كل أركان الجاهلية واستطاع تغييرها ، وكان من ضمن ذلك تغيير بعض مضامين الشعر الجاهلي ، وإن التفسير الأصوب لاستمرار الشعر الجاهلي يجب أن نتلمسه في عوامل ولادة الفنون ، والظروف التي تساعد على نشأتها ، وفي موقف الإسلام من الفنون بشكل عام .

تنطلق الفنون من النفس المأزومة (16) ، وقد استطاع الإسلام أن يحل أزمة هذا الإنسان ، فأدى هذا إلى أن الأشكال القديمة لم تعد ملائمة للتعبير عن لا أزمة الإنسان المسلم ولكن الشعر الجاهلي استمر في صورته القديمة لفنيته العالية التي فرضت نفسها على العصور التالية ، وقد كانت القصة مرشحة بالفعل لأن تكون أبرز شكل فني يناسب التعبير عن الإنسان المسلم غير المأزوم ، وممّا يؤكد ذلك استخدام القرآن الكريم لها في كثير من سوره ، لكن القصة كانت آنذاك غير ناضجة الأبعاد الفنية في العصور السابقة ، ولم تكن متداولة كشكل فني مستقل مما حال بينها وبين القيام بهذا الدور ، ومع ذلك فقد أبرز الكيان الإسلامي بعض الأشكال الفنية للتعبير عن الإنسان المسلم غير المأزوم وأبرزها الخط الذي يجمع بين الجوانب الجمالية والعملية (17).

وبالمناسبة فإن أدونيس خلط بين ترسيخ الشعر الجاهلي وبين ترسيخ اللغة العربية والحرص عليها ، فإن الذي أكده القرآن الكريم والسنة النبوية والفقهاء والأصوليون هو ترسيخ اللغة العربية وليس الشعر الجاهلي نتيجة ارتباط النص القرآني وفهمه باللغة العربية.

والآن بعد أن عرفنا "الثابت والمتحول" : ونقدنا جانباً من مضمونه ، ننتقل للتعرف على ديوان أدونيس الجديد "الكتاب : أمس المكان الآن" فما هي صورته ؟

صورة الديوان "الكتاب : أمس المكان الآن" :

يتألف الديوان من سبعة مقاطع ، وهناك ثلاث ملاحق :

الأول : تحت عنوان "أوراق عثر عليها في أوقات متباعدة ، ألحقت بالمخطوطة" .

والثاني : تحت عنوان "الفوات فيما سبق من الصفحات" .

والثالث : تحت عنوان "توقيعات" .

والمقاطع السبعة تشكل الجسم الرئيسي للديوان ، وجاء كل مقطع من المقاطع السبعة مسلسلاً تسلسلاً أبجدياً ، وكل صفحة مقسمة إلى أربعة أقسام : هامشان على اليمين واليسار ، ووسط الصفحة مقسم إلى قسمين : الأعلى يشمل معظم الصفحة ، والأدنى يشمل مساحة أصغر من الصفحة ، ثم أتبع كل مقطع بهوامش ، واتبع بعضها بمقطع سماه فاصلة استباق .

ما مضمون الديوان ؟

جاء الهامش الذي عن اليمين على لسان راو ينقل التاريخ الإسلامي بدءاً من اجتماع سقيفة بني ساعدة وينتهي في 160 للهجرة ، أما الهامش الأيسر ففيه إشارات وتوضيحات عن أزمان الروايات وأشخاصها ومصادرها بعض الأحيان ، أما وسط الصفحة فقد جاء الحديث فيها عن المتنبي ونشأته وأبويه ، وشيوخه ومعلميه ، وسفره ، وذهابه إلى بادية السماوة ، وارتباطه بالقرامطة ، وسجنه في حمص ، وزيارته لأنطاكية ، ولساحل بلاد الشام إلخ... وغير ذلك من وقائع حياته ، أما الهوامش التي تلي المقاطع فقد تناول في كل هامش شخصية تاريخية وكتب عنها عدة أبيات .

وقبل أن أتجه إلى نقد الديوان سأتناول المقطع الأول وأستعرض مضمونه لكي أعطي القارئ فكرة عن مضمون الديوان ، وفي استعراض المقطع الأول سأبدأ بالهامشين ثم سأنتقل إلى وسط الصفحة ، ثم سأنتقل إلى الهوامش التي جاءت بعد المقطع الأول .

عرض المقطع الأول من الديوان "الكتاب : أمس المكان الآن" :

كرّس الشاعر أدونيس الهامشين للحديث عن التاريخ الإسلامي فتحدث عن سنة إحدى عشرة للهجرة وسمّاها السنة التأسيسية وهي السنة التي وقعت فيها حادثة سقيفة بني ساعدة ، والتي طلب الأنصار فيها تقاسم السلطة مع المهاجرين عندما قالوا : منا أمير ومنكم أمير ، ثم ينسب إلى عمر بن الخطاب t قوله "قتل الله سعداً وسيقتل من لا يبايع من بايعته قريش" .

ثم يزعم أدونيس أن حواراً جرى بين عمر وعلي y يأمر الأول الثاني أن يبايع أبابكر ويرفض الثاني ، ويزعم أدونيس أن علياً رضي الله عنه قال : "وكيف أبايع من قال الله وقال رسول الله بأني أولى منه ؟" .

ثم يصور حرب المرتدين وينقل جانباً من كيفية قتل المسلمين للفجاءة بن عبداليل وطليحة بن خويلد الأسدي ومالك بن نويرة ويبرز زواج خالد بن الوليد t من زوجة الأخير بعد قتله ، ثم ينقل حواراً بين مسيلمة وسجاح بنت المنذر ، ويصور زواجهما ، ويوضّح أن الصداق الذي أعطاه لها هو رفع صلاتي الفجر والعشاء عن أتباعهما المرتدين .

ثم ينقل حواراً بين مُجّاعة بن مُرارة وخالد بن الوليد يزعم فيه أن الأخير طلب الزواج من ابنة المرتد ، ويزعم أن قريشاً طامعة في المال فيصور كيف أنها فرضت الذهب والفضة والكراع ، ثم ينقل قولاً لعفيف الكندي أحد المرتدين يصور فيه أن المشكلة هي قريش وليس الدين الإسلامي فيقول : "تلك قريش : لا مخرج إلاّ الطاعة أو نفنى" ، ثم ينقل أن أبا بكر t مات مسموماً ، ثم بين استلام عمر t الخلافة ويبرز بعض أعماله وأبرزها : معاقبة الشعراء على هجائهم واجلاؤه اليهود عن نجران وخيبر عام 20هـ ومقتله t عام 23هـ .

ثم يبيّن وصية عمر بن الخطاب t في ترشيحه ستة اسماء من الصحابة ، ثم يوضح كيفية فوز عثمان t بها واستئثاره وأقاربه بأموال المسلمين ، ثم يصور المراحل التي مرت بها الفتنة حتى انتهت إلى مقتل عثمان t ، ثم يبين انتقال الخلافة إلى علي t ، ثم يزعم أن لعائشة رضي الله عنها دوراً في قتل عثمان t وفي محاربة علي t ، ثم يصور واقعة الجمل ، ثم ينقل حرب صفين ، ثم يصور كيفية قتل محمد بن أبي بكر t ، وأنهم أخذوا رأسه لمعاوية بن أبي سفيان t بعد أن دكوه في جوف حمار ، وعرّوه وأخذوا قميصه إلى نائلة زوجة عثمان y التي رقصت ابتهاجاً بمقتله ، ويختم المقطع الأول باجتماع الخوارج الثلاثة عبدالرحمن بن ملجم المرادي والبرك التميمي وعمرو التميمي للتآمر على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص y .

أما وسط الصفحة فإن أدونيس يتحدث فيها عن ولادة أبي الطيب المتنبي ، وعن أبويه : أمه الهمذانية ووالده الجُعفي ، ويتحدث عن أمل أبويه به ، ويصور فقر أسرة أبي الطيب المتنبي ، ثم يصور الكتّاب الذي دخله المتنبي وعبثه فيه ، ثم يتحدث عن السواد الذي كانت فيه الكوفة مسقط رأس المتنبي ونشأته ، ثم يتحدث عن الأجناس التي عاشت في الكوفة وعاصرها الشاعر وتآلف معها ، ثم يصور بيت أبي الطيب المتنبي ، ثم يتحدث عن القرامطة الذين كانوا موجودين في الكوفة وفي السواد ، ثم يصور الكوفة والتيارات التي كانت تصطرع فيها، ويبيّن نبوغ المتنبي فيها ، ثم يصور تفاعل المتنبي مع الكوفة وثقافتها وقرامطتها ، ويبرز الفقر في الكوفة خاصة والسواد عامة ، كما يبرز دوره في تشكيل كيان الناس وكآبتهم ، ثم يبين جانب القوة المسيطر في المجتمع ، ثم ينتهي المقطع بذكر انتماء المتنبي إلى الشر والحصاد والرياح .

أما الهوامش التي تلي المقطع الأول فقد بدأها أدونيس بالأبيات التالية :

أتفيأ - أخرج من هذه الذاكرة

من مداراتها ، ودواليبها الدائرة

أتفيأ أسلافي الآخريْن

الذين يضيئون أعلى وأبعدَ

من ظلمة القتل ، من حمأةِ

القاتلين .

يقول الشاعر في المقطع السابق إن له صنفين من الأسلاف : صنفاً عاش في ظلمة القتل والقاتلين ، وصنفاً كان مضيئاً ، ويشير الشاعر إلى أنه سيخرج في هذه الهوامش من أسلاف الصنف الأول إلى أسلاف الصنف الثاني ، وهو قد استعرض جانباً من أسلاف الصنف الأول وقد كانوا كما رأينا أبابكر وعمر وعثمان وعلي y إلخ... أما أسلاف الصنف الثاني في الهوامش التي تلي المقطع الأول فقد كانوا : ابليس ، تميم بن مُقبل (18) ، لبيد ، الشنفري ، عروة بن الورد ، طرفة ، امرؤ القيس ، أبومحجن الثقفي . ملاحظات حول ديوان "الكتاب : أمس المكان الآن" :

1- عرض أدونيس التاريخ الإسلامي في الهامشين من الديوان بدءاً من واقعة سقيفة بني ساعدة التي حدثت في السنة الحادية عشرة من الهجرة ، وانتهى بواقعة خروج يوسف البرم على الخليفة المهدي في خراسان سنة 160 من الهجرة ، وقد التقى أدونيس في عرضه للتاريخ في الديوان بشكل كامل مع عرضه له في "الثابت والمتحول" فهو في المكانين عرضه بصورة مغرضة ، قصد منها التشكيك والإثارة ، فقد صوره على أنه تاريخ صراع على السلطة ، وأنه تاريخ بطش وإرهاب ، وأنه تاريخ وحشي لا رحمة فيه ، وأنه تاريخ صراع طبقي يتصارع فيه الفقراء مع الأغنياء بالمفهوم الماركسي ، وأنه تاريخ قتل وموت ، وأنه تاريخ حرب وطعن وحرق إلخ...

ليس من شك بأن تصوير أدونيس لتاريخنا بعيد عن الموضوعية بالإضافة إلى مجانبته الصواب وهو تصوير سطحي لا يخرج إلاّ من حاقد على هذه الأمة (19) . وقد بيّنت بعض أوجه الخطأ والابتعاد عن الحقيقة في هذا التصوير عندما تعرضت لكتاب "الثابت والمتحول" ولا حاجة للإعادة .

2- صوّر أدونيس المتنبي بالصورة التي يراها هو وليس بالصورة التي كانت عليها حقيقته ، وأخذ بالروايات التي توافق هواه ، فصوره على أنه قرمطي علماني عقلاني متشكك ، كما صور الكوفة وكأنها مدينة مطحونة متمردة لا تعرف إلا الشك والتآمر .

3- لم يترك أدونيس في الهوامش التي أتبعها مقاطع الديوان ، أو في الملاحق الثلاثة التي ألحقها بالديوان ، لم يترك أدونيس فاجراً أو زنديقاً أو داعراً أو متهتكاً أو سكيراً أو ساقطاً أو حاقداً إلاّ أورد عنه عدة أبيات في ديوانه ، فلماذا ؟

يقول أدونيس : إنهم مبدعون ، ويقول : إنهم أسلافه (20) ، ويقول : إنه منحاز للهامشيين والرافضين (21)، فأن يعتبر أدونيس تلك الطائفة أسلافه وأن ينحاز إليهم فذلك شأنه ، لكن أن يعتبرهم مبدعين فهذا ما لا نحتمل السكوت عليه ، والحقيقة إنه ليس الإبداع الذي جمعه بهم ، ولكن دورهم التخريبي المشترك في زعزعة كيان هذه الأمة ، وهدم قيمها ، والتشكيك في موروثاتها من أجل أن يكون الطوفان الذي يحلم أدونيس وأمثاله في تحقيقه .

4- أخذ أدونيس على بعض الشعراء السابقين نظمهم لأفكار محددة ، واعتبر أشعارهم خروجاً عن حقيقة الشعر واعتبرها نظماً لتلك الأفكار ، ومثّل على ذلك بقول المتنبي :

الرأي قبل شجاعة الشجعان = هي أول وهو المحل الثاني

وبقول زهير بن أبي سلمى :

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب = تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم(22)

، لكنه مع الأسف وقع فيما أخذ على غيره وليس في قصيدة واحدة إنما في كثير من المواضع في ديوانه ، مما جعل هذا الديوان كتاب تاريخ وليس ديوان شعر بالمعنى الحقيقي .

5- استهدف أدونيس في مسيرته الأدبية التحديد حسب زعمه ، وقد كان من ضمن أهدافه التجديدية :

تدمير اللغة العربية (23) ، التنظير لقصيدة النثر وترويجها ، ابتكار أشكال شعرية جديدة ، إيجاد لغة شعرية جديدة إلخ ... ويمكن أن نضع ديوانه الجديد "الكتاب : أمس المكان الآن" ضمن هذا الاستهداف للتجديد في الشكل والمضمون : أما التجديد في الشكل فذلك واضح من تقسيمه لصفحة الديوان ، أما التجديد في المضمون فذلك واضح من الرؤية الهادمة التي عرض فيها التاريخ الإسلامي وحياة المتنبي هذا إذا جاز لنا أن نعتبر الهدم تجديداً ، والسؤال الآن : لماذا استعرض التاريخ الإسلامي في الهوامش مع أن مادة الديوان الرئيسية حياة المتنبي ؟

المقصود من ذلك هو محاصرة القارئ وزيادة إشباعه النفسي والعقلي بمعاداة تاريخه وازدرائه والتخلص من قيمه ، وإشعاره أن وقائع حياة المتنبي مستمدة من ذلك التاريخ ، وأن ذلك التاريخ الأسود لن يفرز إلاّ حياة بائسة مضطربة كحياة المتنبي وأنهما متكاملان: التاريخ والحياة .

والحقيقة أن أدونيس في كل ما استهدف متأثر بالتجارب الغربية وبالشعر الغربي واللغة الغربية ويمكن أن ندلّل على ذلك بتنظيره لقصيدة النثر في الخمسينيات والذي نقله عن كتاب "قصيدة النثر من بودلير حتى أيامنا هذه" للكاتبة "سوزان برنار" ، ولكننا نطمئنه أنّ مصير دعاويه سيكون مصير التجارب الشعرية التي انطلقت في القرن العشرين ناقلة التجارب الغربية نقلاً كاملاً ومتأثرة بها تأثراً حرفياً كتجربة "شعراء الديوان" وتجربة "جماعة أبولّو" والتي انحسرت لتترك نهر الشعر العربي سائراً في مجراه الذي حفره منذ قرون.

ليس معنى هذا أننا ضد أي محاولة للتأثر والتأثير ، الأخذ والعطاء ، بل نحن معه ، مع النمو الطبيعي شريطة أن ينبني على تراثنا الأدبي وينطلق منه ، كما فعل أبوتمام الذي جاء مذهبه المتمثّل في "التصنيع" (24) مبنياً على مذهب "الصنعة" الذي ورثناه من الشعر الجاهلي فكان فعله بناء ، في حين أن ما يفعله أدونيس هدم لأنه ينقل تجارب من أمم أخرى يريد أن يفرضها على الأمة بعد أن يهدم كل ما بنته أمتنا .

6- لقد جاءت جملته الشعرية واضحة نوعاً ما على غير عادته إذ يكتنف الغموض معظم أشعاره السابقة ، وربما جاء وضوحها من الموضوعين اللذين دار حولهما الديوان وهما : التاريخ الإسلامي والمتنبي ، كما جاءت الجملة الشعرية مركزة وقد وضع في تركيزها كل مهارته وخبرته ، وزاد من جمالها الموسيقى التي جاءت من التفعيلة التي أخذ بها في معظم الديوان ما عدا بعض المقاطع وبالذات في فواصل الاستباق فقد لجأ فيها إلى النثر .

7- لقد حفل الديوان بتجاوزات في حق الذات الإلهية ، والشرائع الدينية ، وسأورد بعضاً منها على سبيل المثال لا الاستقصاء والحصر :

1- قال أدونيس عن جبريل عليه السلام : (25)

جاء جبريل في غيمة

وسقى كوفة الظامئين بأسراره

جاء في كوكب

ورمى وجهه في تقاطيعها

جاءها في كتاب

آدم من تراب ، ونوح نَواحٌ

والبقية تفاحة .

2- قال أدونيس عن الله جل وعلا في مقطع آخر : (26)

قتلى ودعاة

ودعاة وقتلى

والناجون دماء مهدورة

أُصغي لأراغن هذا النوح

الطالع من أنقاض الوقت

النازف من أعناق مكسورة

ما أخفى فيها صوت الله

كأن الله الصمت

3- قال أدونيس محاكياً القرآن الكريم : (27)

قال صوت لصوتي

والضحى ، يسطرون

كل مالا يرون ولا يعلمون

4- قال أدونيس ممجداً كرسي الحكم : (28)

سبحانك ، يا هذا الكرسي

مصنوعاً برؤوس قطعت

مصبوغاً

بدم طفل حيناً ، شيخ حيناً

منْسولاً ، جزءاً جزءاً

من أحلام نبي ،

سبحانك يا هذا الكرسي

الخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها هي أن أدونيس اجتهد أن يكون هذا الديوان "الكتاب : أمس المكان الآن" خاتمة أعماله ، لكنها كانت خاتمة سوء فهي قد جاءت هدماً في الشكل والمضمون ، وقد كان هناك تطابق واضح بين مضمون الديوان ومضمون كتابه السابق "الثابت والمتحول" والذي مجّد فيه حركات التمرد والزندقة والقرمطة في تاريخنا ، والذي أعلى فيه من شأن الملحدين والساقطين والمنحرفين ، وهو قد فعل كل ذلك انطلاقاً من تقديسه الكامل لقيم الحضارة الغربية ، واستخدامه المطلق لأسسها التي قامت عليها ، مما جعل أحكامه جائرة على تاريخنا ، تنافي الصواب في عمومها وتبتعد عن الحق في استكشافها لقوانين الإبداع وأصوله في أمتنا ، وانعكست صورة الأحكام على ديوانه فجاء مملوءاً بالقتل والإجرام والفتك والسفول ، وهذا ما قصده أدونيس ليجعل القارئ المسلم مشبعاً بالحقد على تاريخه وباليأس من قيمه .


--------------------------------------------------------------------------------

(1) انظر المقابلة التي أجرتها معه مجلة "الوسط" عدد 255 الصادر بتاريخ 16/12/1996م .

(2) أدونيس ، صدمة الحداثة ، ص28 .

(3) المرجع السابق ، ص 29-32 .

(4) أدونيس ، الثابت والمتحول ، جـ 1 ص148 .

(5) المرجع السابق ، جـ1 ص185 .

(6) المرجع السابق ، جـ1 ص193-197 .

(7) أدونيس ، الثابت والمتحول ، جـ2 ص74-76 .

(8) المرجع السابق ، جـ2 ص80-85 .

(9) المرجع السابق ، جـ2 ، ص87 .

(10) المرجع السابق ، جـ2 ص99 .

(11) انظر تفصيل هذا الرأي في فصل "اقتصاد متفرد" من كتابي "النكسة في بعدها الحضاري" ، ص80 .

(12) انظر سنن ابن ماجه "باب في ذكر الخوارج" حيث نقل عدة أحاديث عن الرسول r توضح صفاتهم ومنها ما نقلناه أعلاه .

(13) أدونيس ، الثابت والمتحول ، جـ1 ص272 .

(14) انظر تفصيلاً لهذا الرأي في كتابي "أبو الأعلى المودودي : فكره ومنهجه في التغيير" ، ص167 .

(15) انظر رأيه ذلك في الجزء الأول من كتاب "الثابت والمتحول" ص271 وما بعدها .

(16) انظر تفصيل ذلك الرأي في كتاب "منهج الفن الإسلامي" لمحمد قطب ، ص8 .

(17) انظر تفصيلاً لدور الخط في التعبير عن النفس غير المأزومة في كتابي "النكسة في بعدها الحضاري" ، ص68 وما بعدها .

(18) في تعريفه لتميم بن مُقبل يقول أدونيس عنه : إنه كان في بداية إسلامه يحنّ إلى الجاهلية ويمجّدها ، ويبكي أهلها ، ويشعر بغربة في الإسلام ويقول : "ليت الفتى حجر" .

(19) إن تاريخ أدونيس الشخصي يرّجح هذا الأمر حيث انتمى أدونيس إلى الحزب القومي السوري في بداية حياته الشعرية ، وهذا الحزب لا يَعتبر أن هناك أمة عربية أو إسلامية بل هناك أمة سورية تسكن بلاد الشام وهي امتداد للفينيقيين والسريان .

(20) كما رأينا في تقديمه للهوامش التي تلي المقطع الأول .

(21) انظر مجلة "الوسط" العدد 253 الصادر في 2/12/96 حيث يبرز هذا الرأي .

(22) انظر رأيه ذاك في كتاب صدمة الحداثة ، ص288 .

(23) انظر أقواله حول هذا الهدف في مجلة الوسط العدد 255 الصادر بتاريخ 16/12/96 .

(24) انظر كلام شوقي ضيف عن هذا المذهب في كتاب "الفن ومذاهبه في الشعر العربي" ، الطبعة الرابعة ، ص219 وما بعدها .

(25) أدونيس ، "الكتاب : أمس المكان الآن" ، ص25 .

(26) المرجع السابق ، ص198 .

(27) المرجع السابق ، ص254.

(28) المرجع السابق ، ص296 .
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 14-02-2002, 10:49 AM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
إفتراضي

http://www.amrani.org/livres/adonis.html

وصلة مهمة في الموضوع، من الأخ وحش الليل في المنتدى.

فيروس اسمه أدونيس

ملخص الكتاب

نعرض في هذا الكتاب إلى نماذج معاصرة من البشر وإلى نماذج من التشظية العقائدية والتبعية الثقافية في الساحة الإسلامية الناطقة بالعربية، المتدثرة إما بنعوت الحداثة أو التنوير أو النهضة، أو ما بعد الحداثة في الأدب والشعر خاصّة. يحاكون نماذج لهم في القديم خارج المرجعية لنعري عن منطلقاتهم وأسس نظريتهم المعرفية التي يجهلون تاريخ تولدها وبيئتها ومجتمعها. كما نذهب إلى تشريح تلك العقائد ومصادر معارفهم فاضحين للمعلمين أولاً في عقر بيئتهم كما هو حال " المثقف " في المفهوم الفرنسي أو الصناعة الثقافية عنده ثم تتبعنا طور حياة نموذج محلي من خلال طائفته وتنشئته والمنابر التي أتيحت له إما من منطلق طائفيته أو مدعوماً من الخارج.عقائدياً حال السوري أدونيس واللبناني يوسف الخال المتأثرين بتنظير الحزب القومي السوري من خلال زعيمه المسيحي أنطون سعادة ( 1904 ~ 1949 م ). إلى اعتناء المخابرات الأمريكية المركزية ( C.I.A ) بهما، ثم تفرد الفرنسيين بأدونيس لاحقاً ضمن أغراضهم السياسية في المنطقة ومحاولتهم الدفع به إلى نيل جائزة نوبل للآداب كمكافأة على خدماته! ، كما قدمت سابقاً لأغراض سياسية حال المنشق الروسي باسترناك سنة 1958 في أوج الحرب الباردة، أو مع المصري نجيب محفوظ تحت ذات الغطاء!

بدأنا أولا ببحث تأصيلي في مفاهيم متداولة مثل:" الثّقافة " أو ما نقحرناه لتعريف ما أسميناه:بـ "المثقف الذبابي" و " المثقف الفيروسي ثم عرجنا على الحروب الاستعارية في العلوم الغربية وإشكالية ما يسمونها بحرب "العلوم الصلبة ": العلوم البحثة مقابل " العلوم الهشة": العلوم الإنسانية وعلم النفس. كما عرّاها كل من الفيزيائي ألان سوكال ( Alan Sokal ) على الشبكة العالمية " انترنت " ثم هو والفيزيائي البلجيكي جاك بريكمون ( Jacque Bricmont ) في كتابهما القنبلة " الدجل الثقافي! " ( Les Impostures Intellectuelles) الذي فضحا فيه رموز الثقافة الغربية وتعالمهم الواهم فيما يدّعون من معرفة وما ينقحرون من مصطلحات ومفاهيم طنانة أو رنّانة، إلا أنها خالية من كل معنى! ثم عرضنا للتحذلق المعرفي لدى بعض رموز الثقافة العربية الناقلة عن هؤلاء، بعد أن عرّينا المُعلمين في المصدر، ممثلين بأشهر رموزهم والتي ينقل عنها حرفياً ، دون حياء أو وجل مثقفو التشظية العربية بدون أصالة أو إبداع أو تجديد وببغائية رتيبة ومُمِلَّة.

ثماذجهم " الفَوْعِيَّة " اخترناها من سوريا ممثلة: بأدونيس وصادق جلال العظم وجورج طرابيشي، ولبنان في : يوسف الخال وأنطون سعادة وعلي حرب، ومصر ممثلة في : جابر عصفور وعبد العزيز حمودة وصلاح فضل، والأردن ممثلاً في: كمال أبو ديب وتونس ممثلة في: عبد السلام المسدي وحسين الواد والمغرب ممثلاً في: محمد بنيس ،عبد الله العروي، فاطمة مرنيسي وعبد اللطيف اللعبي، المقلدين لما هناك شرقاً وغرباً ببؤس مشهود ومعهود، باسم الأدب أو الإبداع أو التجريب وهم خاليي الوفاض من كل أصالة أو معاصرة أو تجديد!..الخ. ثم حروبهم التي لا تنتهي مع الإسلام إما عداوة له أو جهلاً به، ليكون الدّاعية على علم بمنطلقاتهم ومصادرهم التي يمتحون منها معارفهم حتى يتصدى لهم ولمناهجهم ونماذجهم بالنقد المُفكّك والبنّاء في آن! رحمة بكل هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!...





آفاق القحط الخريفي وجائزة نوبل العقائدية




(مقتطف من الفصل 13 ص. 99 .)

ضمن شطر الدراسات يطلع علينا الإسباني المستعرب:"بدرو مارتينيت مونتابت" بميتا لغة الأفق الأدونيسي الفعلي بدون لف ولا دوران ولا مواربة، على غير معهود بني يعرب وقحطان في إظلاماتهم أو دراساتهم !.إذ تحت عنوان بارز كتب مونتابت :"مرشح مستقبلي لنوبل!!؟؟" جاء فيه:

إن ذكر احتمال ترشيح أدونيس لنيل جائزة نوبل للآداب، وقد أشرت إلى ذلك من قبل في أكثر من مناسبة !، لا يعني على الإطلاق أن المتحدث (هنا) يمتلك حواس التنبؤ ! أو أنه مؤهل بشكل خاص للتكهن بمثل ذلك !. في الحقيقة! إن ترشيح أدونيس كان مطروحاً على مائدة البحث دائما!!. والإشارة إلى هذا الترشيح ـ في حالته كما في حالات شخصيات أدبية أخرى، ليست أقل تمثيلاً للأدب المعاصر المكتوب باللغة العربية ـ ليس سوى رد لدين جزئي له!. ولحسن الحظ!، فإن أعمال أدونيس ـ خاصة الشعرية تسير نحو الشهرة في الغرب ويتم تقييمها بما تستحق من اهتمام!. وهذا بدأ في فرنسا منذ سنوات في إطار الاهتمام بـ "الفرانكفونية !" وهذا الكتاب الذي نشير إليه هنا (الصلاة والسيف!)، الذي شارك في تجميعه وترجمته إلى الفرنسية آن واد مينكوفيسكي! وليلى خطيب! وجان إيفيس ماسون! يعتبر علامة جيدة وقيمة في هذا الاتجاه، خاصة من وجهة النظر العلمية! البحتة !. ولذلك يمكن أن يفهم إلى أي حد كان تجميع النصوص عملاً في هذا الاتجاه

لا شك أن هذا الجهد الجهيد الذي تقوم به فرنسا، في تبني أديب أو شاعر لا تتبناه دولته الأم، ولا يكتب بالفرنسية أمر غريب ! ووراءه ما وراءه!. ثم لا شك أن هذا الطاقم الرباعي الساهر على تجميع النصوص وترجمتها لكتاب يحمل عنواناً مريباً، ليبعث على الدهشة !. ثم "الصلاة والسيف!" كالفيلم الأمريكي الأخير : "الحصار"، الذي يظهر المصلين المسلمين كخلفية لقنابل إرهابية متفجرة يصب في ذات المياه ! على نغمة أكثر عصرنة : "الصلاة والقنبلة"، و" القنبلة " ذاتها قنابل ! إذ قنبلة باكستان تدخل ضمنها!.

ثم أخيراً ما هو هذا الدين الذي لأدونيس على الفرانكفونية وإسبانيا محاكم التفتيش الذي يستحق عليه أدونيس جائزة نوبل!؟، من نوبل، صانع المفرقعات السويدي، الذي أراد بجائزته التكفير عن بعض ما أتى به اختراعه من دمار على البشرية، كي تؤدى على غير قصده وصيته لمدمر فيروسي يقول علناً وكما هو واقع الحال والتاريخ : إنه ليس بمسلم، [ على الأقل رفع هذا اللبس عن أولئك الذين يظنون أن كل من تسمى علي أو أحمد أو سلمان أنه مسلم !.فهو يقول في حلقة نقاش استضافها "معهد اللغة والحضارة العربية! في باريس تحت عنوان "ربع قرن من الحداثة في المجتمع العربي!: أدونيس نموذجا!" ونقلت مجلة "النور" اللبنانية محاور النقاش فجاء قوله:{القرآن فيه خلاصة لثقافات العالم القديم، خلاصة اليهودية وخلاصة للثقافات المسيحية والثقافة العربية قبل الإسلام. إن فيه خلاصة فكرية! ثقافية! ولغوية لما قبله.أقول ذلك ولست متديناً} وهو كاذب بل هو متدين بدينين :دين الطائفة النصيرية، ثم دين ولية نعمته فرنسا. أنظر:مجلة النور، عدد 83، ذو الحجة 1418 ه ـ نيسان(أبريل) 1998. ص.39.] والمسلمون لا يعدونه ولا طائفته منهم ! كي يكافأ لأنه يطعن على المسلمين؟

ثم ما هو الجديد فيما يكتب، إن في الشكل أم في المضمون، مما لم تردده الطائفة لقرون وقرون؟. ثم هل الجائزة تكافئ التواصل بين الشعوب أم هي حصان طروادة لحرب صليبية من نوع "القلم" ؟

الجواب: دين الفيروس على من وكَّله بعمله الفيروسي وهَنْدسه وصنعه طوال هذه السنين!





ابن سينا وابن رشد كنماذج للجراد المعرفي




(مقتطف من الفصل الأول، ص.8 )

وهذا نوع الجراد المعرفي في القديم والحديث، لا يبدع وإنما يسطو ويجتر ثم يتقيأ. أي لا يتفكر ولا يتدبَّر، وإن فعل ففيما لا نفع فيه ولا طائل تحته أو وراءه، ولا يخلق الفعل الحضاري.ولا يملك "الرؤية الكونية" للمرجعية ولا منهجيتها في التعامل مع الأفكار.فهذا ابن سينا، الحسين بن عبد الله (ت:428ه) في المقالة الثانية، الفصل الثالث من كتاب "الخطابة" لأرسطو يقول :

"وأورد لهذا الباب أمثلة في التعليم الأول لم أفهمها"!.

وكذلك نجده يقول في المقالة الرابعة، الفصل الثامن من نفس الكتاب :

" ثم لليونانيين في هذا الباب أحوال لم نحصلها ولم نقف عليها"

لم لا تُحَّصل ويوقف عليها أولاً ؟

فهذه ليست محاكمة للماضي برؤية الحاضر كما قد يتبادر لأول وهلة ، بل لأن هذا هو متطلب المرجعية أولاً وأخيراً كمرجعية. أما ابن سينا فمرجعيته الأساسية هي الفلسفة يحاول سكبها في قالب إسلامي، لأن الحضارة يومها تتكلم لغة الإسلام.كما سوف يفعل أحفاد لهم من منطلق معكوس، عندما غلبوا على أمرهم (حسب القانون الخلدوني في تبعية المغلوب للغالب ) حين حاولوا ترجمة الإسلام بسكبه في قالب المرجعية الفلسفية الغربية.بينما هما كالزيت والماء لا يمتزجان ولا يختلطان.الإسلام وحي له نظرته الكونية الخاصة به، وضمنها تنضبط كل علومه، حتى تستحق نعتها بالإسلامية. والفلسفة تخرص بشري يتعدد بتعدد الأشخاص، وعلى قدر مقاسهم، وضمنه تتحدد علومه أيضا وتنضبط. والشاهد على هذا، ترجمة ابن سينا العبثية لمفردات القضاء اليوناني إلى العربية كما فعل عندما ترجم "الاتهام" إلى " شكاية ! " و " الدفاع " إلى " اعتذار !". فهو يقرأ النص كأديب وليس كقانوني ! أما في كتاب "الشعر" لأرسطو أيضاً، فنجد ترجمة ابن سينا لا تخرج عن حد العبث واللغو. إذ هو يترجم " التراجيديا " إلى " مديح! " و " الكوميديا " إلى " هجاء ! "، أي بنقيضيهما تماماً !. بل يبلغ به الاستهجان مداه عندما حاول تقريب المجال التداولي الإغريقي من المجال التداولي الإسلامي بقوله ":

والذي يليق بآخر الخطبة، وهو الخاتمة، أن يكون مفصلاً غير مخلوط بما قبله، مثل الصدر. وخصوصاً المنثوريات ، وهو أن يقول : "هذا الذي قلته، وسمعتموه. والحكم إليكم. كما يقال عندنا : أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه غفور رحيم".

وهكذا أ صبح الخطيب في البنثيون اليوناني أو في جبل الأولمب يتقمص شخص خطيب الجمعة والعيدين!، وهذه قراءة ذبابية للمنظومة التَّفكرية اليونانية بمقاربات إسلامية مغلوطة ومضللة ومشوشة.

فالموسوعة الأرسطية موسوعة نظرية جمعت شتات المعرفة كما تفكرت بها الأمة اليونانية بكل نبضها اللغوي والتفكري والمفهومي والفلسفي، أي جماع نظرتهم إلى الكون، كما أنتجوها وفهموها وتفاعلوا معها في أفراحهم وأتراحهم وخرافاتهم وأساطيرهم وآلهتهم وأشعارهم وملاحمهم، وكما أنتجتهم بدورهم، بالتربية والتنشئة منذ نعومة الأظفار، وأعادت إنتاجهم مرات ومرات ضمن جدلية وجودهم. فهي بصمتهم ضمن استعاراتهم الخاصة بهم، لا يحاكون ولا يقلدون ولا يتكررون ولا يعاد إنتاجهم سوى كأغوال وهيدرات خرافية تساعية الرؤوس في لغات أو بيئات أخرى. إذ هي شبكة قيم معرفية وليست معرفة صافية خالصة. فهي رداء على قدر عقولهم وزمانهم ومقاسهم ولا يصلح البتة كرداء لغيرهم إلا بعد فك غزله وأخذ الصالح منه كمادة خام وطرح الباقي. لذلك لن نعجب أن نقرأ لابن سينا وهو يصف المعلم الأول "أرسطو" بقوله :

تأملوا ما قاله هذا العظيم! ثم اعتبروا أنه هل ورد من بعده إلى هذه الغاية ـ والمدة قريبة من ألف وثلاث مائة وثلاثين سنة ـ من أخذ عليه أنه قصر وصدق فيما اعترف به من التقصير ؟. فإن قصر في كذا. وهل نبغ من بعده من زاد عليه في هذا الفن زيادة ؟ كلا!، بل ما عمله هو التام! الكامل !، والقسمة تقف عليه، وتمنع تعديه إلى غيره !.

مثل هذا الهراء لا يشحذ تفكراً، ولا يوقظ همة، ولا يبعث على التفكر، أو التدبر أو المساءلة، أو الاختراع أو الابتكار أو التجديد، إن في التفكر أم العمل. بل هي مشيخة في التجهيل والتقليد والببغاوية والتقرد والانبهار المفضية إلى وباء تقديس الأشخاص. وبمثل هذا اللغو المسرف في الإعجاب، سنجد أبا الوليد محمد بن أحمد بن رشد الحفيد ( 520 ~ 594 هـ ) يكرر بالحرف، في شرحه لكتاب " الطبيعة" لأرسطو صنوه ابن سينا ليقول :

إن مؤلف هذا الكتاب هو أرسطو نيكوماخوس ، أعقل أهل اليونان !، وأكثرهم حكمة !!!،[هذا الاستعمال المشوش للمفردات التي تعني أشياء متناقضة تماما في المرجعية اليونانية والمرجعية الإسلامية كان له بالغ الأثر في تشويش الفكر الإسلامي كله. "الحكمة" في القرآن بمدلولاتها المتميزة المرتبطة بالإيمان بالله لا يمكن بحال من الأحوال مطابقتها بـ "الفلسفة" اليونانية المفرطة في الشرك. كما وردت على لسان لقمان "الحكيم" وهو يعظ ابنه بقوله:"يا بني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم" سورة لقمان، الآية 13

فلا بد في أية ترجمة من الإشارة إلى وضع "الكلمة" وكيفية استعمالها في المرجعية الأم، ضمن الشبكة التاريخية أو الأرشيفية التي تنتظم بداخلها كأفكــار و تصورات و مفاهيم ومصطلحات في تقابلاتها وتداخلاتها وتخارجاتها وتداعياتها في إطار الأنساق الفلسفية والتاريخية والاجتماعية… التي تحكمت فيها والقيود التاريخية والإحراجات الإيديولوجية والحياتية التي صاحبتها. ولن نعجب أن نجد من المسلين من ينعت أرسطو بـ "العي!" بسبب ترجمة ذبابية كهذه!.] وواضع علوم المنطق والطبيعيات وما وراء الطبيعة ومتممها…..جميع الفلاسفة الذين عاشوا بعده منذ ذلك الزمان إلى اليوم ـ أي منذ ألف وخمسمائة سنة ـ لم يستطيعوا زيادة شيء على وضعه، ولا وجدوا خطأ فيه !

بل يزداد فيه غلواً بقوله :

وأحرى ! أن يسمى ملكاً إلهياً !، لا بشراً !، ولذلك كان القدماء يسمون أرسطو بالإلَهي !.

ويضيف على ذات الوتيرة :

إن برهان أرسطو لهو الحق المبين!!، وإن العناية الإلهية أرسلته إلينا لتعليمنا ما يمكن تعليمه !

فهذا كلام فقيه ! وقاضي !!، فالعناية الإلَهية لم ترسل محمدا لتعليم ما لم يكن بمقدور أحد أن يعلمه بنفسه ! وإنما أرسطو ! وإن لم يجد ما يضيفه ابن رشد لإبن سينا بعد مرور 170 سنة على ما قاله، ولا ما يضيفه الأخير على ما تفوه به أرسطو بعد مرور ألف وثلاثمائة من السنين، فماذا يمكن للحضارة الإسلامية أن تضيف أو أن تستحدث من قول أو علم على ما قاله هذا الإلهي المؤله وهذا المَلك المربِّي ؟ لقد انسد الأفق إلى الأبد وصار خاص يونان عام البشرية !.

فكتاب "الشفا" من هذا المنظور كان أولى به أن يسمى "كتاب الإمراض" أو "كتاب الإعطاب"، بالنسبة للمرجعية الإسلامية، لأنه صار بمثابة الطاعون، المخل المشل، بكل ما تعنيه الكلمة؛ مبنى ومعنى وحقيقة ومجازاً لأنه جمد التفكر وقتل التدبر وهما مطلبان عقائديان ضمن مرجعية الإسلام بهذا التشويه وهذا التضبيب من مرجعية الشرك اليوناني.فلا هم استفادوا مما جد لديهم على خلاف معهودهم ولا هم فهموا ما نقلوا من بيئة يونان بسوء هضم من مترجمة السريان إلى قيء هؤلاء في لغة يعُرب. فأرسطو يستشهد بأمثلة من عيون وأسرار اللغة اليونانية، لا يحيط بها سوى عالم ضليع يوناني، مرهف الحس. فيأتي سرياني عيي ليس له فيها باع ولا اطلاع بقدر أهلها، يغلق الكلام ويغمضه، ثم يأتي سرياني آخر غير الأول، له إشكال مزدوج مع سريانيته و عربيته فيعقدها ويلغزها أكثر، ثم يأتي بعد ذلك رهط الشراح الذبان الذين يجهلون هذا وذاك، ويتعالمون على باقي المسلمين بتسمية أنفسهم بـ "الحكماء" أو "الخاصة" أو "خاصة الخاصة" بتلبيس على الدهماء، وهم عامة المسلمين وتدليس على اللغة العربية بمسمى "الحكمة" في عرفهم. وهي لقيطة لم تلدها ولم تتبناها قط. إذ شتان الفرق ما بين حكمة لقمان و فلسفة يونان؛ ما بين "التوحيد" وما بين "الشرك" كمنظورين للعالم.[9 فمثلاً كتاب أرسطو "تبكيت السفسطائيين" نقله ابن ناعمة وأبو بشر متى بن يونس و ثيوفيل و أثناس الراهب إلى السرياني ونقله إلى العربية يحيى بن عدي و ابن زرعة و ابن ناعمة. فإن كان يصعب النقل عادة على مزدوجي اللغة فما بالك في ابن ناعمة المثلث اللغة ؟]

وهكذا اختلط الحابل بالنابل فعاشوا إسلامهم كوثنيين مرجعيين، وعاشوا وثنيتهم كمسلمين مشوشين، مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا أولئك، إلى أن أكلت الفلسفة الإسلام في آخر المطاف ابتداءاً من القرن السادس الهجري فما بعد وتبرجت على صورة نحو فلسفي وبلاغة ُممَنْطقة و أصول بقياسات أرسطية وأقفلت الدائرة !





الأصناف البشرية الثلاث المعاصرة:




مقتطف من تمهيد الكتاب

تمهيد.

بعض الناس هم عادة ما يأكلون ويستهلكون. وهؤلاء كفانا القرآن وصفهم بأنهم الصم البكم وبأنهم شر الدواب عند الله !. وعلى كثرتهم الحالية في كل مجتمع، هم إلى ازدياد مطرد ومستقبل واعد !. وبعضهم الآخر، هم ما يقرأون، إن بوعي وتدبر أم بتطعيم وتلقين، وهو صنف مهدد بالانقراض إن عاجلاً أم آجلاً ! ثم أخيراً صنف ثالث معاصر هم ما يشاهدون. وهذا الصنف يكمل الأول ويتماهى معه ضمن الهندسة العامة للمجتمعات المعاصرة التي تتوخى صنع إنسالات بشرية تخضع لنمطيات سلوكية معيارية فيما يمكن أن نسميه تجاوزاً : فَبْرَكَةُ "المواطن السوي!". وضمن هذه الخلفية، وإحراجات التفكيك والتشظية التي أصبحت تطال أركان وأسس وبنى المجتمع الإسلامي التقليدي الموروث ومؤسساته، مع الاستتباع الاقتصادي والانبطاح السياسي يصبح الكلام عن الأصالة مع المعاصرة ضرباً من ضروب المحال الجمعي أو لزوميات ما لا يلزم !. إذ أن من يصدق عليه الوصف بأنه : "أصيل"، قلما يكون معاصراً !. كما أن من يصدق عليه وصف : "المعاصرة"، قلما يكون أصيلاً !. تشظية هيكلية صاحبت المسلمين منذ عهود قديمة ولا زالت تؤدي عملها المخرب بنجاعة تامة، كما سوف تقف على ذلك بنفسك وتلمسه لمس اليد فيما سنعرض عليك من أمثلة. وهكذا يستحيل الجمع في كلتا الحالتين.!. فيتبين أن إشكالية قيام حضارة إسلامية هي بين هذين الانفصامين.والباقي تربيع دوائر!..

فإن استعجمت أيها القارئ الكريم بعضاً مما في هذا السفر أو شطره، فلملم شعثك وأعد الكرة ولا تستسلم. لأن العبرة بفهم الإطار العام وليس الإلمام بكل شاردة وواردة!. ثم عذرنا عندك، أن ما دفعنا إليه ليس تحذلقاً معرفياً ولا تعالماً واهماً وإنما إحراجات الأصالة وإحراجات المعاصرة ولغة الخطاب ضمن التأسيسين المرجعيين : الإسلامي والإلحادي التي تفرض نفسها فرضا على الكاتب والقارئ سواء !.

فالسؤال اليوم لم يعد ينحصر فيما يمكن أن يؤخذ من الحضارة القائمة وما يترك، ولا هل التحديث مرادف للتغريب أم العكس، بل في تفعيل النموذج الإسلامي تنزيلاً للنص على الواقع. والمجتمع والعلم والسياسة والاقتصاد ..الخ، وكل ما يندرج ضمن الدنيا والدين على ما سوف تقف على أمثلة منه. أما أن يعم الإسلام الكوكب، فقد وعد من لا يخلف الوعد أن سيظهره على الدين كله عند أوانه وبرسالييه : الحواريون الجدد.

أما الذباب !

وأما الفيروسات

فقد أحطناك بهم وبأساليبهم وبالمخابر التي فرختهم وضمن أية سياسة وأية غاية.





الحروب العقائدية:




الحروب العقائدية قديمة قدم الإنسان ذاته، والإسلام بصفته ديناً عالمياً، رحْمَةً للعالمين، عندما أتى بنموذجه الحضاري المخالف للحضارات القائمة التي انتشر فوق أرضيتها، كان مُنتظِراً لردود فعلها ومستشرفاً لجدلها بالتي هي أحسن في كل الأحوال ومع كل الخصوم مع استثناء واحد!،:" إلا الذين ظلموا!." فهؤلاء لهم معاملة خاصة حسب أساليب ما ينتهجون فيخرجون عن القاعدة ويعاملون بالمثل، أي من جنس عملهم.فهو سجال أزلي من سنن التدافع الكونية لا يبلى ولا يُلغى!. لذلك فالجدل مع الإسلام أو ضد ه مباشرة أو بالوكالة، علانية أو بالتستُّر له صفة الاستمرارية. وهذا ما نستقرئه من خلال مجريات التاريخ، لأزيد من الأربعة عشر قرناً الآن. .

قد تتغير أرضية الجدل أو بيئته أو شكله، إلا أن مضمونه يظل من الثوابت كبصمة له. فالشرك هو الشرك وإن تقمص أشكالاً وأدواراً أخرى!. والكُفر هو الكفر، والإيمان كذلك.. وهلم جرا.وقس على ذلك باقي أمور الاعتقاد.

ثم من لا يجادل من خلال سنن التدافع فهو على التحقيق غير موجود! أو قُلْ أنه ليست له قضية، بل يمكن الجزم أنه خارج الزمن ، أو خرج من تصنيفية الإنسان ودخل ضمن زمرة الدواب والأنعام حسب القرآن.

عرضنا هنا إلى نموذج تاريخي من هذا الجدل، وهو وإن كان قد احتضر وولّى في بلدانه الأصلية، انطلاقاً من خلفية مجتمعية مختلفة، إلا أننا عرضنا له لقيمته التربوية في مجال الدعوة، حتى يكون الداعية ملماً ومحيطاً بأنماطه، إن صادف بعض حفرياتها في جداله!.





الظلاميون الذين ادعوا لأنفسهم التنوير!





( مقتطف من الفصل الأول، ص. 7 )



ظلمات الأنوار

العهد بالتنويريين ! من العرب المستعربة أن رموا مخالفيهم بـ "الظلامية "، ظناً منهم أنهم بمجرد ترجمة لفظتي "تنوير" أو "نهضة" من اللغة الفرنسية إلى العربية، أنهم تنوروا! أو تحضروا، وأنهم بمثابة الرساليين! الذين سيقومون بتحضير وتنوير جمهرة المسلمين وإخراجهم من دياجير ظلمات تخلفهم إلى عصر النهضة والأنوار!. وكأن اللغة وعاء فارغ، وبمجرد أن تضيف إليه حجراً أو حصى، سينقلب بقدرة قادر أو معجزة إلى زبرجد يضاف إلى رصيد اللغة من اللؤلؤ!. بينما لا ترد "أنوار" هكذا بالجمع، (رغم عربتها ) في القرآن !. وهو شاهد مرجعي للغة العربية. فما هو السبب في ذلك يا ترى ؟

فـ "النور" لا يرد في القرآن كله سوى بصيغة المفرد مقابل "الظلمة" بالمفرد أو "الظلمات" بالجمع (الله نور السموات والأرض)، سورة النور، الآية 35، (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)، سورة البقرة، الآية 257 . لماذا أفرد "النور" دائماً وكثرت الظلمة مقابل هذا الإفراد المطرد؟. فنحن نتعامل مع مرجعية هنا، اختيرت مفرداتها بدقة ضمن نسق عقائدي مطلق. فمن خلال هذه المرجعية، ونحن نصدر منها وإليها، تعتبر "الإلحادية"، بغض النظر عن خلفيتها الاجتماعية أو البيئية أو الصراعية بين الكنيسة ومخالفيها "ظلامية". وكل ملحد فهو "ظلامي" توقيفاً بالنص، ثم "طاغوتي" تحديداً بـ "النص" و"التنصيص". والظلام ضد النور بإطلاق. ومتى استحضر المرء أحد القطبين أو أحد الطرفين، تحدد الثاني تلقائياً كنقيض ضمن ثنائية المتضادات.

فكلمة "الأنوار ومن خلال المرجعية الأوروبية، لفظة مشحونة بالإيديولوجيا ومتخثرة بالصراع الاجتماعي والديني الذين لا نظير لهما في ذاكرة العرب والمسلمين ضمن تجربتهم التاريخية والعقائدية. فلا يمكن من خلال هذه الحيثية ترجمة لفظة "ملغومة" و "ملغزة" كلفظة "الأنوار" ترجمة حرفية حيادية. إذ لن يقوم بذلك سوى أمي حضاري جاهل ببيئة المنشأ ونسقها المعرفي وبيئة المجتمع الهدف ونسقه المخالف. سريان جدد في النقل وخلاسيي التلفيق في السطو المعرفي : أي ذباب !





المثقف كنقيض للراهب.


الحروب العقائدية قديمة قدم الإنسان ذاته، والإسلام بصفته ديناً عالمياً، رحْمَةً للعالمين، عندما أتى بنموذجه الحضاري المخالف للحضارات القائمة التي انتشر فوق أرضيتها، كان مُنتظِراً لردود فعلها ومستشرفاً لجدلها بالتي هي أحسن في كل الأحوال ومع كل الخصوم باستثناء واحد،:إلا الذين ظلموا!. فهؤلاء لهم معاملة خاصة حسب أساليب ما ينتهجون فيخرجون عن القاعدة ويعاملون بالمثل، أي من جنس عملهم.فهو سجال أزلي من سنن التدافع الكونية لا يبلى ولا يُلغى!. لذلك فالجدل مع الإسلام أو ضد ه مباشرة أو بالوكالة، علانية أو بالتستُّر له صفة الاستمرارية. وهذا ما نستقرئه من خلال مجريات التاريخ، لأزيد من الأربعة عشر قرناً الآن. .

قد تتغير أرضية الجدل أو بيئته أو شكله، إلا أن مضمونه يظل من الثوابت كبصمة له. فالشرك هو الشرك وإن تقمص أشكالاً وأدواراً أخرى!. والكُفر هو الكفر، والإيمان كذلك.. وهلم جرا.وقس على ذلك باقي أمور الاعتقاد. ثم من لا يجادل من خلال سنن التدافع فهو على التحقيق غير موجود! أو قُلْ أنه ليست له قضية، بل يمكن الجزم أنه خارج الزمن ، أو خرج من تصنيفية الإنسان ودخل ضمن زمرة الدواب والأنعام حسب القرآن.

عرضنا هنا إلى نموذج تاريخي من هذا الجدل، وهو وإن كان قد احتضر وولّى في بلدانه الأصلية، انطلاقاً من خلفية مجتمعية مختلفة، إلا أننا عرضنا له لقيمته التربوية في مجال الدعوة، حتى يكون الداعية ملماً ومحيطاً بأنماطه، إن صادف بعض حفرياته في جداله!.





جاك دريدا وجدلية الحضارتين: الإسلامية والغربية!





(مقتطف من الفصل 11 ، ص 75 - 76 )

وسوف يأتي جاك دريدا من بعده ليقوم باستعراض أزمة العلوم الإنسانية في الحضارة الغربية، منذ أفلاطون إلى زمنه!، على خلاف هايدغر الذي ذهب إلى ما وراء! وما قبل أفلاطون!، في حجة! غدت أليفة ومألوفة في المرجعية الغربية، يقوم بها كل متفلسف قبل أن ينطلق في تخريف من عنده، في طقسية مكرورة ومجرورة ومجترة!. فيبدأ الحاج رحلته إلى زمن التيه الأزلي، حاطا رحاله في أثينا، يلتقي فيها بسقراط وتلميذه أفلاطون وتلميذ الأخير أرسطو، مروراً بالشكاك والارتيابيين السفسطائيين والمتصوفة الفيتاغورسيين محاوراً ومجادلاً. ثم يركب بساط ريحه قافزاً فوق دياجير قرونهم الوسطى!، التي هي عندهم، كلها ظلمة ! مظلمة!، ليحط ضيفاً على ديكارت في فرنسا ومعرجاً على بيكون في أنجلترا ومنتهيا بلبنيتز في ألمانيا متبركاً ومتعلماً. ثم يأخذ عصا ترحاله من جديد ليحط في عصر الأنوار الظلامية!، لينزل ضيفاً على كانط، ثم تلميذه هيغل وتلامذة هذين وتلامذة التلاميذ، لينتهي به المطاف إلى هوسرل وليبلغ سلام الجميع إلى هايدغر، الذي قام بالرحلة ذاتها قبل أيام أو قبل أسابيع أو ربما قبل دهر !، لا يهم!، المهم هو الحجة ذاتها التي تعيد سكب ذات الأشياء في قوالب قديمة تسميها جديدة ! بنوسان أشبه برقاص الزمان : بين اليقين والشك! والعقل المثل!، والذات والموضوع!، والداخل والخارج!، والأنا والآخر!، والبناء والهدم!، والتأسيس والنقض!، والأزمة والانفراج…الخ. ليتخارج هو عنهم بمذهب ومنظور جديدين كان يحتويهما ضمناً المذهب والمنظور القديمين، إما كنقيضة ! أو سلب !أو حالة خاصة! كحاضر غائب !. فيقيم الدنيا ثم لا يقعدها! فيتجمهر حوله أتباع وتبع يبشرون بمذهب المعلم الجديد، ناقضين لمذاهب المعلمين المتعالمين ! من قبله، ومكررين أنفسهم في التاريخ إلى ما لانهاية العبث !؟ وإلى قيام الساعة!.

حَجَّة دريدا أوصلته إلى القول بأن كل علوم الغرب لا ركيزة مرجعية لها في المطلق ! وبالتالي ما هي سوى إحالة على إحالة الإحالات التي لا تنتهي بالإحالة إلى أي شيء!. إذ لا العلم مطلق ! ولا العقل مطلق! ولا الحقيقة حقيقة ! ولا المعنى معنى! ولا الدلالة دلالة! ولا المدلول مدلولاً ولا الثابت ثابتا ! ولا..إلى ما لا نهاية النهايات ! وإلى ما لا نهاية كل ما يخطر بخاطر إنسان !؟

أخيراً أكل الغرب كل طواغيت آلهته وأكل أرباب مسلماته ! كما أكل الخليفة الراشد الثاني عمر في جاهليته ربه الذي صنعه بنفسه من عجوة!. أخيراً أتى التفكيك وأزاح الأستار والحجب عن الحقيقة العارية في المنظومة الغربية كلها : أن لا شيء هناك خارج المطلق الذي حاولت الهروب منه بحجها الدائم إلى الجاهلية!

العرب المسلمون والأوروبيون جدلية تاريخية !





صناعة الثقافة كدين: النموذج الثوري الفرنسي:




مقتطف من الفصل الثالث من الكتاب، ص. 16 .

(مسحنا الإشارات المرجعية هنا حتى لا يطول النص).

3- صناعة الثقافة كدين.

أثناء الحملة الإرهابية للثوار الفرنسيين على رجالات الدين المسيحي بالمقصلة تارة، وبالنفي إلى المستعمرات أو الجزر في الأصقاع النائية من المحيط الهندي أو البحر الكاريبي تارة أخرى، والتي اشتهرت في التاريخ ب "حكم الرعب!". ( والبادئ هنا أظلم، إذا ما اعتبرنا ما قاساه الأوروبيون عامة ومسلمي الأندلس خاصة، من عنت وتعسف محاكم التفتيش في المصادرة على التفكر والاعتقاد، بالتحريق تارة وبالنفي تارة أخرى). صرح الثوري لاروفليير ( Larevellière) في خطاب مؤرخ بالثاني عشر من شهر "المزهر!" ( Floréal) للسنة الخامسة من فجر الثورة، جاء فيه :

عندما تتم الإطاحة بدين ما، مهما كانت عدم صلاحيته للمجتمع ولا لامعقوليته، تحتم دائماً إبداله بديانات أخرى. فإن لم يبدل أمكن القول بأنه أبدل ذاته بذاته بتولده من حطامه !.

وانطلاقاً من هذا الفهم لجدلية الدين، قامت حكومة المديرين le Directoire)) الثورية باستحداث ديانة ثورية!، أطلقت عليها إ سم "محبة الرب!" (Théophilanthropie) وهو حسب تعريف القاموس:

دين قائم على الإيمان برب قادر وطيب!، من غير عبادة!!!!

الملاحظة على هذا التعريف، كما في تعريف "الثقافة" السابق، هو كونه تعريف مشاكس!.. أو يجب أن نوطن أنفسنا، من الآن فصاعداً، على مثل هذه التعريفات الثورية التي تضحك الثكلى.إذ تركيبة المصطلح لهذا الدين الجديد، تتألف من كلمة فيلانتروبي (Philanthropie)، التي تعني فيما تعنيه، حسب القاموس، "حب الإنسانية". وبادئة : ثيو (Théo.)، من الأصل الإغريقي، وتعني "إلَه". وجماعهما لا يعني سوى شيء واحد : تأليه "حب الإنسانية"، أي تأليه هذه "الصفة" المجردة، كما في جماع كلمة ثيوكراسي (Théocracie)، المركبة من "ثيو" و "كراسي" التي تعني: "سلطة" أو "حكم". والتر كيب منهما معاَ، يعني حكماَ يدعي فيه الملك أنه يمثل الإلَه، وبالتالي، فحكمه إلَهي!.أي أن هذا هو تعريف "الحكومة الإلَهية". وهكذا نقول بأن كلمة "ثيوفيلانتروبي" تعني : " حب الإنسانية الإلَهي" أو "محبة الإنسانية الإلهي" أو "محبة الإنسان الإلَهي". وبالمقارنة مع قول القاموس : "محبة الرب"، نكتشف أن "الرب" = "الإنسان الإلَهي!". أي : "تأليه الإنسان"، وهو بيت القصيد!. أما "القدرة" و "الطيبوبة" في تعريف هذا الدين، فيندرجان قسراَ ضمن دلالات المفردات الأصلية. إذ "القدرة" صفة للإلَه "ثيو "، كما وأن "الطيبوبة" هي إحدى معاني "فيلانتروبي". أما الشق الفَكِه ! : من "غير عبادة "، فهو من "الأضداد اللغوية" ويعني في الحقيقة : "عبادة من نوع آخر!".

الثوريون عند التحقيق، لم يكونوا ثوريين بما فيه كفاية بخصوص تأليه إنسانهم. إذ سبقتهم الكنيسة إلى ذلك في مجمع نيقيا في القرن الرابع الميلادي، حيث انتخب السيد المسيح غيابياً إلى هذا المنصب الإلَهي، وبالطرق الديمقراطية!. لكن الفرق هو أن الرهبان ألهوا شخصاً بعينه، ك "إنسان"، بينما الثوار ألهوا صفة "الأنسنة". أو بكلام الإغريق القديم، الرهبان ألهوا "الجوهر" والثوار ألهوا "العَرض". والتأليهان معاً، كفر بواح في عرف القرآن.

أما هذه العبادة "النقيضة للعبادة"، فقد نظَّر لها شومان ديبونت (Chemin - Depontès) وكتب لها "الكتاب" وسماه : "دليل محبة الرب ! الذي صدر سنة 1796. الدليل المرشد يختزل عقيدة "محبة الرب" إلى مبدأين فقط، حتى لا يسقط في شرك تثليث الكنيسة :

1 ) وجود الله : وهو هنا "الإنسانية المؤلَّهة"

2 ) خلود الروح : والروح هنا روح الجماعة كصفة وليست الروح المعهودة.

ثم لهذه العبادة أخلاق، ويحددها الدليل أيضاً في مبدأين، فراراً من شرك الشرك هما :

1 ) التسامح ! : وهو مفهوم له تاريخ طويل من الدم في أوروبا.

2 ) التضامن ! : ويعنون، به التضامن في عدم التسامح مع المخالفين !، كالرهبان وأبناء المستعمرات.

وكأي دين جديد، فلا بد له من طقوس. وهذه بوبت، وباستعارة من الإسلام !، على أبواب الفقه الثوري !. فباب "اللباس" قرر أن أحبار الدين الجديد الكبار، يجب أن يقيموا القداس بارتداء جلابيب بيض، مربوطة الخواصر بأحزمة لونها أزرق مذهب!. أما الدهماء التي لا يخلو منها مجتمع!، أي : باقي المؤمنين، فلباسهم يجب أن يكون فيها بلون زرقة السماء!.وهذا ما يليق بطبيعيين يعبدون الطبيعة.

أما باب "الخطبة"، ففيه تفصيل للخطبة وما يجب أن تشتمل عليه من مواعظ. إذ الحبر الأعظم يجب أن يبدأ خطبته بابتهالات وأدعية لرب الطبيعة، وهو : "الإنسانية"، تتخللها أقوال ومأثورات لسقراط و زرادشت وعيسى وماني وباقي المتفلسفة اليونانيين والرومان مع سرد مقاطع من الإنجيل، وحتى القرآن.

ورغم الخيال الجامح لشومان ديبونت ، فما كان لمثل هذه الديانة أن ترى النور، لولا التأييد الذي حظيت به من طرف وجهاء المجتمع الثوري، ثم شخصيات لها وزنها في الأدب والسياسة والفن والعلوم، من أمثال : دوبون دُه نيمور(Dupont.de.Némours) و فلنتان هوي (Valentin Hauy) و كروزي لَتوش (Creuzé-Latouche) وبرندان دو سان بيير (Bernadin de St Pierre) الخ، ثم لاروفيليير نفسه !. لا روفيليير بسبب سلطته ومركزه الثوري سوف يحجب المتنبي شومان ، ليُنظر إليه بحق ك "الحبر الأعظم"، المتوج على هذه الديانة الاصطناعية الجديدة.

وهكذا وبالدعم السياسي من حكومة المديرين الثورية!، سوف يهجم المؤمنون الجدد على كنائس باريس والضواحي سنة 1798 لمقاسمة ما تبقى من مؤمني المسيحية كنائسهم، التي أممتها الدولة، لإقامة "قداس المحبة" الذي يستغرق زهاء الساعة ونصف الساعة من وقت المؤمنين.

ثم ظهر لأحباء الرب أن يؤمموا أيام الناس كما أمموا شهورهم. فاستحدثت عبادة أخرى اشتهرت باسم "العبادة العشرية" (Le Culte Décadaire). ولأجل إنبات وتنمية هذه العبادة الجديدة، لم تر حكومة المديرين بداً من الإلقاء بكل ثقلها ووزنها السياسي في هذه المعركة الخاسرة. فبدل الأيام السبعة في "الأسبوع" بقدسية يوم "الأحد" في الدين المسيحي، استحدثت الثورة "الأعشور "، أي ضميمة زمنية من عشرة أيام بقدسية اليوم "العاشر"، وأطلقوا عليه اسم "ديكادير" (Décadaire)، أي : "العشُري". فالمخالفة لما يعتبر دين الرهبان تتوخى الدقة والشمولية، التي لا يتمكن منها سوى ثوري فرنسي!، مهما كانت تافهة وحقيرة. إذ الثوري الفرنسي اكتسب تحليله من ديكارت ( 1596 ~ 1650 )، صاحب الكوجيتو الديكارتي : "أنا أفكر، إذن، أنا موجود! " وهاهو يثبت هنا الأمرين معاً : أنه حلاّل وفكّار! في آن، أما كونه موجوداً فسنقف على ذلك خلال ما تبقى من فصول. الثوري الفرنسي يعمل ضمن ما تعلم من مقابلة الأشباه والنظائر والأضداد، وتطبيقها واضح هنا : للرهبان "الأسبوع" ولنا "الأعشور"، وليكن لهم اليوم الأول وليسموه "الأحد" فلنا آخر الأيام وهو "العاشر!".

وبما أن حكومة المديرين أحدثت هذا الدين، فلا بد له من حام يحميه. ولذلك قر قرارها سن قوانين ذلك اليوم المبارك !. إذ هو يوم عطلة وتعطيل. والويل لربة البيت المنكّدة التي ألهمت غسل غسيلها فيه، ثم الوبال والثبور للمدارس التي لا زالت على شركها القديم وتحاول التعطيل يوم "الأحد" بدل "العاشر" أو "الخامس عشر".فهذه كلها جنح تضع أصحابها تحت طائلة القانون تعزيراً وضريبة، حماية للدين.

محاولة تأميم مألوف أيام الناس بهذه الطريقة الفجة كانت ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى حرب أيام. وكذلك كان !. إذ ظهرت مشكلة دستورية بين ما أصبح يعرف باسم "السيد الأحد" و "المواطن العاشر". بل ذهب فرنسوا نوفشاتو (François.Neufchateau) إلى إصدار جريدة رسمية حملت اسم "الجريدة العشرية" ((Bulletin Décadaire، التي زيادة على اعتنائها بالقوانين والمراسيم التي تصدرها الحكومة، بدأت تقنن لاحتفالات وأعياد الثورة. وهكذا ابتكرت "أعياد الشيخوخة" و "أعياد الزواج" و "أعياد الحرية" و "أعياد الفلاحة" و "أعياد الموتى"…الخ. وما "عيد الأم" و "عيد الطفل" وما شاكلها سوى تقليد لهذه الديانة الثورية!.

ثم نظر الثوار، أحباء الرب !، إلى الأخلاق نظرتهم إلى "السيد الأحد". فإذا كانت المسيحية تدعو إلى "العفة" فدين محبة الرب سوف يدعو إلى "الدعارة المفتوحة". وإذا دعت إلى "الحشمة" فالأحباء سوف يدعون إلى "العري"، وهكذا مع باقي التعاليم المسيحية، حتى غدا واضحاً للملأ الثوري : أن المؤمن بمحبة الرب المثالي هو : من يعرف المسيحية معرفة راهب، ويتصرف كسلْب ونقيض لها !.

لذلك أكثرت الثورة من احتفالات الرقص. فرقصت باريس في كل مكان : في المقاهي، في الصالونات، في الكنائس، في الحدائق العامة، فوق الأسطح، على ضفاف نهر السين….ثم وجد من ابتدع الموضة للرجال والنساء بأقل تغطية لحْميَّة ممكنة وبأكثر إثارة لنوازع الجنس الغريزية. وانفجرت الرذيلة كنقيض للفضيلة المسيحية في كل مكان. وبين سني 1795 إلى 1799 انغمس الفرنسي الثوري في اللذة الحسية والسفاح حتى لم يكد يتميز عن القطط حول قمامة الزبالة، في الأزقة المظلمة. واغتنى القاموس الثوري برصيد لغوي جذوره كلها تدور حول مجامع ومجامعة، لقيط وملقوطة، خليل ومخلولة، خادن ومخدونة، خادع ومخدوعة..الخ.

باريس الثورة في مهرجاناتها الماجنة، وقد لعبت الخمرة بالرؤوس، تذكر المرء بعبادة ديونوسوس، إلَه الخمرة في اليونان القديمة، حيث كانت تقام الاستعراضات الماجنة والمبتذلة بغناء ورقص وتبادل للكلمات اللاذعة والبذيئة، وهم يحملون صوراَ مكبرة لعضو الإخصاب الذكري وسكير يخطبهم. فباريس يومها أشبه بمسرحية "الضفادع" لأرستوفانيس!.

هذا ما تفعله الإيديولوجيا!، وهذا ما تفعله "الثقافة البذروية"، بتنمية بعض الملكات العقلية بتمرينات تفكرية ملائمة. وهذا هو وجه المثقف الفرنسي الثوري. هو : "بهار": بهار الثورة، لأنه لا يتحدد من ذاته أو بذاته وإنما بمقابلة مرآتية معكوسة مع "الراهب" كنقيض له في كل شيء. فهو رجل دين إلَهه هواه، وعلى قدر مقاسه ومقاس عقله. لذلك لن نعجب أن نسمع من عنصري عُصابي، نشأ راهباَ ثم انقلبت أحواله فتحول "بُهاراً" ثورياً في أخريات أيامه .





معارك العربان الثقافية بالوكالة




(مقتطف من هامش ص. 68 من الفصل العاشر)

انظر إلى الزوبعة الفنجانية التي لا يبرع فيها سوى الذباب العروبي على صفحات جريدة " أخبار الأدب" المصرية في الأعداد : 280- 281 – 282 لسنة 1998 بين جابر عصفور وعبد العزيز حمودة صاحب كتاب "المرايا المحدبة" حول البنائية والتفكيكية، حيث تقول الجريدة " أن هذه أهم المعارك النقدية الكبرى !! في النقد العربي في نهاية القرن" بينما المحتوى واللب والقشر كله يدور حول مدارس النقد الفرنسية والأمريكية فيلاحي كل منهما الآخر آخدا عليه قصوره المعرفي، في عدم الإحاطة، وتصحيف الأسماء ..الخ. فهذا نموذج لمعارك الذبان بالوساطة، والوصاية، والوكالة، ويقولون عنه نقد عربي. وقديما لم يعتبر نقاد الأدب كتاب "نقد الشعر" لجعفر بن قدامة نقدا للشعر العربي بسبب إفراطه في إخضاع ذوقه للذوق اليوناني.





معلمون رديئون وتلامذة أردأ!


والاستعارات تلعب دوراً رئيساً في كل حرب أفكار وتعبر هي أيضاً عن نفسها بلغة عصرها. وقد عرّفنا هنا ما سميناه: " المًثقف الذبابي " و " المثقف الفيروسي " باستعارة من علوم الأحياء المعاصرة. وتتبعنا وجوه المنعوتين ب " المثقفين " على الساحة الإسلامية والعربية منذ محمد علي باشا وبعوثه للموفدين للتكوين في الغرب إلى مطالع القرن الحادي والعشرين. أول ما قمنا به في هذا الكتاب هو استعراض بعض رموزهم ووجوههم وضمن أي سياق ثقافي أو معرفي يعملون، ثم لحساب من ؟ ثم قمنا بتفكيك خطاباتهم هنا في مجال من أهم مجالات السيطرة التفكرية على الساحة العربية المتخلفة في ميادين العلوم والتنولوجيا والاقتصاد.. الخ.، إلا من الأدب والاجتماعيات والنفسويات والفنون عامة!. وهم بحصر أنفسهم بالعمل ضمن هذه الحقول الغير منتجةمعرفياً في وقتنا الحاضر وفيما يستقبل من أيام لدليل قاطع على أنهم يحملون جراثيم انقراضهم من داخل أنفسهم.، أو تحجرهم وتكلسهم.

عرضنا أولاً إلى ما يقلدون من رموز في الخارج فبينا تهافتها ونعالمها الواهم بنماذج معروفة ومشهورة ضمن تخصصات ما تنتحل: أمثال الفرنسيين: جاك لكان (Jacque Lacan ) النّفَسي، والاجتماعي جان بودريار (Jean Baudrillard) والشاعر المعماري بول فيريليو (Paul Virilio) والأنثوية لوس إريغاري ( Luce Irigaray ) والاجتماعي برونو لاتور (Bruno Latour) والمفكك جاك دريدا (Jacque Derrida)، ..الخ. من خلال نقد كاسح لرياضياتي أمريكي اشتهر على الإنترنيت بسبب فضحه لهذه الرُّموز الثقافية وأحدث يومها ضجة كبرى في الأوساط العلمية والثقافية.

نماذجهم الشاحبة ، الماتحة متحاً من هذا الوِعاء والمتعالمة بدورها على مواطنيها الأميين على الساحة العربية مثلنا لهم بأهم رموزهم:

أدونيس، وصادق جلال العظم، وجورج طرابشي السوريين، وصنوهم كمال أبو ديب ،المدرس بجامعة اليرموك الأردنية، ثم صلاح فضل، وجابر عصفور، وعبد العزيز حمودة المصريين، ومحمد بنيس، وعبد اللطيف اللعبي، وفاطمة مرنيسي المغاربة، وطاهر لبيب، وحسين الواد، وعبد السلام المسدي التونسيين، وعلي حرب اللبناني وغيرهم على شاكلتهم قديماً وحديثاً من المتصدرين للنقل عن تلك الرموز الفرنسية أو الروسية أو الأمريكية أو الإنجليزية في نظريات الأدب والنقدية الأدبية وإسقاط ذلك على اللغة العربية ببلادة لا تعهد سوى في المُهَجّنين المُلفِّقين البعيدين كل البعد عن الإبداع والاختراع والنبوغ!..

شرَّحْنا المضامين وقمنا بنقد شامل لتقمص الأدوار، من خلال ما ينشرون أو يبثون، أو من خلال المنابر التي تتاح لهم للقيام بحروب الوِكالة عن غيرهم. تحت غطاءات وقِناعات شتى!.





وكر السوربون وجامعة القديس يوسف:




(مقتطف من الفصل 13 ، ص. 91 . محذوف الإشارات المرجعية)

13-5- وكر السوربون وجامعة القديس يوسف

التشكل الثالث في حياة أدونيس سوف يأتيه من التبني الثقافي الفرنسي. وهذا بدوره لا يخرج عن وصفة الطائفة ضمن التحديد التشخيصي الشمولي لابن تيميه، في قوله : "فهم مع النصارى على المسلمين". إذ سواء أكانت فرنسا ك "ابنة للكنيسة "بقيادة لويس التاسع الذي سوف يتحول إلى القديس "سان لوي" بسبب حروب الكنيسة الصليبية ل "الإسلام" أم ثورية تحت عباءة الديك والقديس نابليون بونابرت، فحروبها الدينية مع الإسلام لا تكاد تنتهي وإن بتقمصات وتمظهرات وتنويعات شتى!. لكن الغريب هو أن أدونيس لن يحصل على "دكتوراه" من فرنسا، بل من جامعة القديس يوسف ببيروت. وهي الوكر المحلي للإستشراق الفرنسي الذي لعب فيه الرهبان تحت عباءة الإيمان دور الجواسيس على مدى وجودها منذ إنشاءها الأول على يد الرهبان اليسوعيين سنة 1875 . أتطاير إلى أسماع أدونيس الحاصل على منحة للدراسة بالسوربون سنة 1960!، ما كان يشيعه ويذيعه عنها الخبير بها وبخباياها، الشاعر التونسي محمد بيرم (1893 ~ 1961 ) الذي عاش منفياً في بلاد الأخوة !والحرية! والمساوة! : باريس! لمدة طويلة بسبب أفكاره المناوئة للاستعمار الفرنسي، يتسكع بين مقاهي الحي اللاتيني ؟

يقول بيرم في معرض حديثه عن جرثومة جزائرية، اسمها قدور بن غبريط، قدمت مع الاحتلال الفرنسي للمغرب، وعملت في الترجمة مع الملك المغربي المولى عبد الحفيظ لشرح بنود الأساس المحرر الأخوي المساواتي، المبرر لاحتلال المغرب واستعماره كحق من حقوق الإنسان الثوري الفرنسي!:

ولم يمت قدور بن غبريط قبل أن يحصل على لقب (دكتور) في الآداب !؟!؟ من جامعة السوربون. ولا أعرف أي فرع من الآداب ! استحق عليه الدكتوراه..؟ولا تهولنك هذه الدكتوراه !، فليس أسهل من الحصول عليها إذا درست خطواتها المرسومة المنظِّمة…فلكي تضمن النجاح في السوربون تخير موضوعاً ترتاح إليه نفوس الأساتذة المعجبين ـ قل عن نافع بن الأزرق الذي كان يناكف عبد الله بن عباس ويسأله عن ألفاظ القرآن ومعانيه، أنه أول رجل وضع قواعد البحث الحر في الإسلام!..تضمن رسالتك !.بعد هذا تجد السوربون كتابًا كهؤلاء الذين يرابطون عندنا أمام دار المحافظة!.صناعة هؤلاء الكتاب صياغة فكرتك في قالب "علمي!" وبأسلوب يليق بكتابة الرسائل العلمية، وبأجر بسيط !. وسيقول أساتذة السوربون : إنك زودت الثقافة العامة بمعلومات جديدة، وسلطت أشعة أنوارك على أركان مظلمة يا دكتور !!؟

فما هي يا ترى الأركان المظلمة التي سوف يسلط عليها ظلامي مثقل بكل ظلمات المعتقد والموروث كعلي أحمد أسبر، المتحول أدونيس، أشعة أنواره؟ ثم لماذا جامعة القديس يوسف بدل الجامعة الأمريكية مثلاً التي تتوافق مع طاقم الحزب القومي السوري مشرباً وهوى ؟..الخ.









فهرس


1- ظلمات الأنوار 7

1-1- بعثات الاغتراب 10

2- مفهوم الثَّقافة 13

3- صناعة الثقافة كدين 16

4- مفهوم الذبابية 26

4-1- مفهوم الفيرسة 27

5- مسابقة دولية في محو الذاكرة 29

6- الحروب الاستعارية في العلوم 39

6-1- أزمة أسس الرياضيات 40

6-2- حلم المنطقيين : توحيد عالم العلوم في إسبرانتو. 45

7-الميتا أصولية الشافعية حداثة ؟ أم ما بعد حداثة؟ 47

8-اللغة والفيزياء والأنموذج الرياضياتي 49

8-1- الصمت أولى : الإشكالية التيمية 50

9- تجربة فيزيائي مع الدراسات الاجتماعية 52

9-1- العلوم الصلبة والعلوم الهشة 60

10- المائدة الذبابية 61

10-1- عرس الذِّبان في مستقبل غابر الزمان والمكان! 68

11- جبرنة الشعر وشعرنة الجبر: بؤس الثقافة! 73

12- كيف تمت هندسة فيروس اسمه أدونيس ؟ 77

12-1-معالم ومحطات : الأركان المظلمة للتنشئة والتبيئة والموروث 78

13- مباحث ملء الفراغات والإحالة على الإحالات 80

13-1- النصيرية أو العلوية 80

13-2- النصيرية والشعر 85

13-3- التصوف النصيري 87

13-4- في محفل الأسطورة مع أنطون سعادة 89

13-5- وكر السوربون وجامعة القديس يوسف 91

13-6- البذروية الفرنسية كقشرة أدونيسية 95

13-7- شهر أدونيس في باريس 97

13-8- الذبان يحتفلون في "فصول" آفاق القحط الخريفي المعرفي 98
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 14-02-2002, 11:02 AM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
إفتراضي

http://www.amrani.org/livres/adonis.html

من الأخ وحش الليل في المنتدى.

فيروس اسمه أدونيس
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م