خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت..خطابى "10 ، 11"..يتبع !!!
الخطاب (10)
لاهور فى 20 يونيو
عزيزتى مريم جميلة
السلام عليكم ورحمة الله
لقد استلمت خطابك المؤرخ فى 29 مايو وقد سعدت قلبيا بأن أعرف أن أصبحت جزءا لا يتجزأ من الأخوة العظيمة للإسلام ، وذلك بنطقك بالشهادتين وتبنى اسما إسلاميا لك . كل ذلك كان أمر طبيعيا نتيجة أفكارك وقناعاتك . وأتضرع إلى الله سبحانه أن يقبل إخلاصك له ، ويمنحك القوة على العيش والعمل للإسلام ، كما يمنحك ويساعدك على مواجهة الجو المعادى لك والمحيط بك .
وأنا ممتن لك على القلق حول حالتي الصحية. الحمد لله حالتي الصحية قد عادت الى حالتها الطبيعيه. وإن شاء الله ، أنوي المغادره إلى إفريقيا فى يوليو المقبل .
شكرا على السماح بنشر اجزاء من مقالاتك ورسائلك . وفى إعتقادى ، انها ستكون بمثابة فتح لأعين الشباب المسلم هنا ، فستمدهم باكتشاف مغاير لما هم عليه من تغريب أنفسهم ، رغم ولادتهم في مجتمع مسلم وهاهى فتاة ولدت في نظام يهودى فى امريكا الحديثة ، والذي كانت تناضل من أجل الحقيقة وتسعى إلى ممارستها ، وها قد وجدتها فى النهاية . أرجو أن تكونين مثالا لهم يعلمهم درسا .
أرجو أن ترسلى لي نسخة من رواية "أحمد خليل" . سأحاول أن أجد الوقت لقراءتها ، ثم عرضها على دور النشر التى تنشر لى ، "السادة المنشورات الاسلامية المحدوده .. بلاهور" . ويسرني إذا وافقت على طباعتها .
مقتطفاتك عن الدعايه ضد الاسلام يمكن أن تكون مفيدة جدا وومرشدة . هناك العديد من الحقائق التي لا ينبغي ان تغفلى عن ذكرها . أن الشيوعيين فى الشرق ، والديموقراطيين فى الغرب يضعوا أيديهم فى أيدى بعضهم البعض فى العداوة للإسلام . ثانيا ، حينما يخرج أحدهم من أو ينحرف عن الإسلام ، ترتفع الأصوات عاليا في الاوساط الغربية ، مما يشجع المسلمين المحدثين على الجرأة على الإسلام وأكثر تبجحا فى إيذاء الدعاة للإسلام . واستنادا لهذه الانتقادات ، فهم يفسرون الخروج عن الاسلام مرادف "للتنوير" و "التقدم" ، وفى أفراطهم المتزايد ، يكتسبون المعجبين من الذين يدعون تحديث الإسلام ويزدادوا أكثر حماسا فى مخططاتهم . ويجعلون الحكام يشنون حربا مفتوجة على المحكومين ، وكنتيجة لهذا الصدام الداخلى ، تصبح البلاد الإسلامية خالية من الحيوية . وكنتيجة أخرى لهذا الموقف الذى يفتقد الحكمة ، فإن ما يسمى "بدول عدم الإنحياز" ، يصبح خط دفاع ضعيف وغير حصين . وإلى الآن ، فالشيوعية تضطهد المسلمين فى البلاد التى تحكمها ، بينما الدول الغير شيوعية تعمل على إثارة الفوضى فى الدول الإسلامية الحرة ، وبذلك فالهدف الرئيسى من الدفاع المشترك يكون مهزوما . ولذلك فالمسلمين الحقيقيين قد فشلوا فى رؤية أية فروق بين القوتين ، وأجبروا على الإعتقاد بأن جوهرهم هو نفس الشئ . وفى ظل هذا الإشمئزاز والنفور الشديد من الأغلبية الساحقة من المسلمين ، ترى أن التحالفات التى يجريها الحكام هى تحالفات صناعية ، وقد فقدت معناها .
أنتقل الآن إلى سؤالك عن الدجال . فى اللغة العربية فكلمة الدجال تعنى الكذاب والمخادع . ومن هذا المفهوم ، فكل شخص مخادع ، وكذلك كل مجموعة مخادعة قهم دجاجلة . وعلى كل حال ، قالأحاديث التى وردت عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عن الدجال ، (المخادع) تشير إلى أنه شخص فرد . أثناء سلطة الدجال ، كما أخبر بذلك رسولنا ، فإن المسلمين سيقاسون من الإضطهاد . وحينما أرجع إلى الأحاديث التى وردت فى الدجال أو "المسيح الدجال) ، أعتقد أنه لم يأت بعد ، ولكنى أعتقد أن الوقت قد حان لوصوله وستحقق هذه النبوءة سريعا . كما أعتقد أن ظهور الدال سيكون بـ "إسرائيل" .
أنا سعيد باتصالك بسيد قطب وعائلته . وبالرغم من أنه لم تتح لنا فرصة اللقاء وجها لوجه ، غير أن كلينا يعرف الآخر معرفة وثيقة . لقد أرسل لى كتبه من السجن ، وقد قابلت أخاه "محمد قطب" حينما زرت القاهرة عام 1960 . المحن التى يواجهها الإخوان المسلمون بالحديد والنار ، وكذلك كل المسلمون الأصليون فى كل مكان ، لا يجب أن تثير استغرابك . فحينما ينشأ المسلم تحت مظلة الكفر وسيطرته ، ويرفع أعلامه بين يديه ، فسيصل إلى هذا الحد فى اضطهاد اخوته فى الدين ويعاملهم معاملة قد لا يجرؤ غير المسلمين عليها ، ولكن عاجلا أم آجلا وبالتأكيد ، سيأتى الوقت الذى يحصد فيه ما بذر .
دعواتى لك بالتقدم الثابت على طريق الإسلام .
المخلص
أبو الأعلى
الخطاب (11)
نيويورك فى 11 يوليو 1961
عزيزى مولانا المودودى
السلام عليكم
شكرا على خطابك فى 20 يونيو ، وأنا سعيدة خاصة وأنى قد سمعت بأن صحتك قد عادت لطبيعتها وبناء عليه فيمكنك أن تذهب فى رحلتك لإفريقيا . وسأبعث لك خطابى هذا بالبريد السطحى ، حيث أنى لا أتوقع ردك عليه قبل عودتك للاهور فى سبتمبر .
ومما جمعته من قراءاتى ، فإفريقيا تظهر كنقطة مضيئة على الخريطة ، فيما يخص الناحية الإسلامية من معنى . خصوصا فى نيجيريا ، حيث القيادة القادرة لأحمدو بيلو وأبو بكر توفا بلاوا . فالإسلام ينتشر بقفزات بحيث بالمقارنة ، فكل وثنى واحد يعتنق النصرانية يقابله عشرة يعتنقون الإسلام . فبالرغم من الكاثوليك والبروتستانت يملكون الثروات الضخمة ومن ورائهم الدعم من القوى الغربية ، وهم يحتكرون التعليم والمستشفيات والأعمال المحببة للبشر تقريبا منذ قرن ، ولكنهم يكتسبوا فقط حفنة ممن يعتنقون دينهم ، بينما الإسلام فى عدة أسابيع أو شهور ، تتحول إليه قرى كاملة . ونشرت مؤخرا النيويورك تايمز بأن محرررها قابل بعض المبشرين الكاثوليك فى بلدة نيجيرية الذين أخبروه بأن معظم الإفريقيين الذين عمدوا ، يواظبون اليوم على حضور المسجد المحلى ويراعون الصيام فى رمضان . أعتقد أن واحدا من أهم الأسباب لهذه الحقيقة ، أنه ليس هناك تمييزا عنصريا فى الإسلام كما هو مقبول فى النصرانية ، فكل الكنائس تعزلهم بصلابة ، بينما يرحب بهم فى المساجد ويشعرون كأنهم فى بيوتهم . لو نظم العمل التبشيرى الإسلامى بكفاءة ، فسيجد مجالا خصبا فى العشرين مليون أسودا من الناس ، خصوصا الفقراء منهم ، والعاطلون والمنبوذون والمحتقرون ، الذين يعيشون فى "الجيتو" فى نيويورك وشيكاغو .
فى مختاراتى عن الدعاية ضد الإسلام ، ضمنت مقالا يمدح "الرئيس الحبيب بورقيبة" وحملته ضد الصيام فى رمضان ولاتى ظهرت فى "النشرة الإسلامية" ، والتى أعتقد بأنها معيبة ولا تغتفر . معظم المعلقون والمشاركون فى مختاراتى ، على صلة بالجامعة الأمريكية ببيروت والكلية الأمريكية بالقاهرة . هاتين المؤسستين هما مشاريع للتبشير البروتوستانتى وبالرغم من أنهم اكتسبوا عددا قليلا جدا ليتحولوا إلى النصرانية ، إلا أنهم حققوا نجاحا كبيرا فى صد الكثير عن مفاهيم الإسلام وجذبهم لطريقة الحياة الغربية . ومنذ أيام قابلت طالبا مسلما من السعودية يدرس فى جامعة كولومبيا فى مجال التدريس ، حصل على شهادتى "أ ، ب" من الجامعة الأمريكية ببيروت ، وأخبرنى بأن كل الطلبة المسلمين لابد أن يحضروا الصلوات النصرانية بالكنيسة . وهؤلاء الذين يرفضون الحضور ، عليهم أن يدرسوا فصلا إلزاميا فى "الأخلاق النصرانية" .
لقد تدربت فى أحد المدارس العملية على الكتابة على الآلة الكاتبة ، وذلك لاعتقادى بأن ذلك سيسر على الحصول على وظيفة كسكرتيرة . وفى بداية بحثى عن عمل ، توجهت أولا إلى "مركز استعلامات عربية" حيث كنت أعتقد أن اهتمامى المتزايد فى الدول الناطقة باللغة العربية وفى الإسلام سيكون له قيمة ، ولكن سريعا حينما يعرفون أنى يهودية اعتنقت الدين الإسلامى وأننى لا أتعاطف مع الرئيس جمال عبد الناصر وشعاره "القومية العربية" ، فإنهم يواجهونى بلقاء بارد مما يجعلنى لا أعود إليهم مرة ثانية ، بعد ذلك ، زرت مقر "الأصدقاء الأمريكان للشرق الأوسط" فواجهتنى شابتان جميلتان بالمكاتب الأمامية وأبلغتانى بصراحة ، أن الأديان الأرثذوكسية قد اندثرت ولإن لم يضع العرب الإسلام خلفهم وينظروا إليه كرداء بالى ، فإنهم لن يحققوا تطورا إقتصاديا ويرفعوا مستوى معيشتهم . وسريعا تبينت أن المنظمات الأمريكية التى تعنى بالشرق الأوسط ، مدارة إما بالصهيونية أو بواسطة الإرساليات التبشيرية النصرانية أو أنها تجارية صرفة .
منذ أيام كنت أمر فى نيويورك فرأيت مركز التجارة التونسى . انتبهت بشدة للسجاجيد اليدوية والنحاس المطروق المعروض بنافذة العرض ، وقررت الدخول للمعرض لإلقاء نظرة هناك . وقد تلقيت صدمة لم أكن أتوقعها فى حياتى ، لم أر شيئا إلا أرفف مزدحمة بقنانى النبيذ والويسكى وشراب الروم والبيرة . وسألت السسيدة المسئولة فى المكاتب الأمامية ، هل هذه منتجات تونس المستقلة ؟؟؟ فقالت لى أن هذه المنتجات للإستعمال الشخصى وللتصدير إلى الخارج ، وهى تمثل التقدم الإقتصادى للرئيس الحبيب بورقيبة الذى جلبه لتونس . وقالت أن الإسلام كان فقط من آثار العصور الوسطى ، وكلما أسرعنا فى التخلص منه كان ذلك أفضل !!! وقد لا حظت أن لهجتها تميل إلى اللكنة الفرنسية ، فسألتها هل أنت من الجنسية الفرنسية ؟؟؟ فأجابت بشدة نعم . وقالت لى أن الحكومة التونسية ورئيسها بورقيبة يرغبون فى تنمية العلاقات والصداقة مع فرنسا .
وأنا اليوم أنوى الذهاب بعد الظهر إلى جامعة نيويورك ، التى سبق أن درست بها ، لأتكلم مع يهودى كان قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين فى المسجد . وحينما علمت أنه باعتناقه الإسلام ، أخذته إلى الكنيس اليهودى حيث أجبره الحبر على الردة إلى اليهودية . لم يكن أمامه خيار ، وذلك لأن أمه (أبوه قد مات) هددته بسحب دعمها المالى عنه إذا استمر على الإسلام . وبما أنه كان طالب طب ، فلن يستطيع أن يعول نفسه للأعوام القادمة . وأنا أحمد الله سبحانه وتعالى على أن رزقنى أبوين ليسوا بهذا الضيق فى التفكير وليسوا غير متسامحين كهذين الأبوين .
فى غاية الشوق لتلقى ردك على فى سبتمبر وكل التفاصيل الهامة عن رحلتك لإفريقيا .