خياراتكم محدودة
رداً على بيان المثقفين الأمريكان.
اطلعنا على بيانكم الذي وجهتموه للمسلمين بخصوص موقفكم من الحملة التي تقودها بلادكم ضد ما أسميتموه بالإرهاب. وبعد تأمل ما جاء في بيانكم ودراسة التاريخ القديم والحديث ومراجعة علاقة بلادكم بالعالم الإسلامي وإلقاء نظرة فاحصة على الأحداث الأخيرة ظهر لنا النقاط التالية التي نجد أن من المفيد إطلاعكم عليها.
بررتم ضربة سبتمبر أخلاقيا من حيث لا تشعرون.
اعتبرتم شن الحرب الحالية مبررا من قبل بلادكم بسبب تعرضها لما تعرضت له من قتل المدنيين. أنتم هنا بكل سهولة تضعون دون أن تشعروا أساسا أخلاقيا لشن حرب على بلادكم، لأن من المتفق عليه أن أمريكا قد تسببت في قتل المدنيين في كثير من أنحاء العالم. وهذا القتل لم يكن على سبيل الخطأ ولا على سبيل النتائج غير المقصودة بل كان استهداف المدنيين عملا مقصودا بذاته. فإذا كانت بلادكم تستهدف المدنيين قتلا فإن شن حرب عليها بحكم تنظيركم يصبح أمرا مبررا أخلاقيا، ويبقى التفصيل فقط في كيفية شن هذه الحرب وحدودها. ومن ضمن عشرات الأمثلة الكبيرة لقتل أمريكا للمدنيين نختار مثالين لهما علاقة مباشرة بتأصيل الأخلاقيات لديكم.
الأول: حسب علمنا لا تزال أمريكا تعتبر ضرب اليابان بالقنبلة النووية عملا أخلاقيا وليس عندها أي استعداد لِلاعتذار عنه. وكما تعلمون فإن القنبلة النووية لم تستهدف منشآت عسكرية ولا مراكز استراتيجية بل استهدفت المدنيين قصدا لقتل أكبر عدد ممكن. بل إن من المعروف أن القنبلة الذرية لم تلق ردعا لليابان عن هجومها على أمريكا ولا دفعا لتفوق ياباني بل ألقيت بعد تقهقر القوات اليابانية بهدف اختصار وقت الهزيمة فقط. فإذا كان إلقاء القنبلة النووية لقتل المدنيين لهدف اختصار وقت هزيمة الخصم مبررا فكيف تعتبرون استهداف البنتاجون ومركز التجارة العالمي أمرا غير مبرر؟ وإذا زعمتم أنكم لا تؤيدون إجراء أمريكا في إلقائها القنبلة الذرية بالظروف المذكورة فأنتم تعتبرون أمريكا بالضرورة أجرمت جريمة أعظم من جريمة الذين فجروا مركز التجارة وبالتالي فالحرب ضدها مبررة مثلما بررتم الحرب ضد من ضرب مركز التجارة.
الثاني: قالت مادلين اولبرايت عندما كانت وزيرة للخارجية وهي تتحدث بلسان أمريكا إن قتل نصف مليون طفل عراقي من خلال الحصار ثمن يستحق أن يدفع من أجل احتواء صدام حسين. أمريكا إذن تتعمد باعتراف مادلين اولبرايت قتل نصف طفل عراقي من أجل أن تحتوي صدام حسين، ولا تزال هذه السياسة ماضية لِحد الآن. إن كنتم توافقون دولتكم على سياستها في قتل أطفال العراق فأنتم ليس لكم أي عذر في الاعتراض على من استهدف مركز التجارة، لأن قتل نصف مليون طفل لا يمكن أن يوازي قتل بضعة آلاف نتيجة استهداف منشآت حيوية. أما إن كنتم لا توافقون بلدكم على قتل نصف مليون طفل فأنتم ببساطة تبررون شن حرب على بلادكم لأنها اقترفت تلك الجريمة مثلما بررتم شن حرب على "الإرهاب" بسبب قتل المدنيين.
لِماذا المسلمون؟
اعترفتم أن سياسات بلادكم متغطرسة وتحدثتم عن المسألة بشكل عام وتجاهلتم أن مشكلتكم مع المسلمين أكثر عمقا وتحديدا. ولا شك أن هذا الفهم من قبلكم هو إما جهل أو تجاهل ويجب عليكم أن تفهموا أن جرائمكم مع المسلمين جرائم كبيرة جدا نسرد منها القائمة التالية:
أولا: الدعم المطلق لإسرائيل ومباركة كل جرائمها والدفاع عنها في كل المحافل الدولية وتنفيذ سياسة في المنطقة تجعل أمن إسرائيل فوق كل اعتبار. وإذا كانت إسرائيل نفسها دولة أسست على تطهير عرقي وسحق حقوق الإنسان وطرد سكان فلسطين من أراضيهم وبيوتهم واستمرار ذلك لحد الآن بمباركة أمريكية، هل يمكن استغراب أن تكون أمريكا شريكا مباشرا في الجريمة؟ بل ربما كانت جريمتها أشد لأنها هي الضامن لبقاء إسرائيل.
ثانيا: الإصرار على إبقاء قواتكم العسكرية في جزيرة العرب المقدسة عند المسلمين والمحرمة عندهم على غير المسلمين، وتكرار التصريح تلو التصريح بأنها باقية إلى أجل غير مسمى. أما زعم حكومتكم بأن هذه القوات موجودة بطلب من الحكومات فإنه لا يعفيكم من كون وجود هذه القوات جريمة، فأنتم وحكومتكم تعرفون أن الحكومات هنا لا تمثل شعوبها، وتعرفون جيدا أن الشعوب لا تريد هذه القوات وأن هذا استفزاز للناس في دينهم.
ثالثا: تصرون على حصار العراق وتجويع شعبه رغم إدراككم وإدراك حكومتكم أن المتضرر من الحصار هو الشعب وليس النظام. ثم إنكم تصرون على أن ينفذ العراق قرارا وحيدا صادرا مما يسمى بالهيئات الدولية وأن ينفذ القرار بتفسيركم التعجيزي، بينما تبررون لإسرائيل عدم تنفيذ عشرات القرارات الدولة وترفضون أي ضغط عليها لتنفيذها.
رابعا: تجرمون بحق شعوب المنطقة بدعم أنظمة قمعية مستبدة تتآمرون معها على نهب خيرات المنطقة وقبولها بالتنفيذ الحرفي لسياساتكم مقابل السعي لتأمين بقاء هذه الأنظمة في الحكم ضد رغبات شعوبها.
ربما نجحت سياسة بلادكم في الماضي في منع أي شكل من أشكال التفكير بحربكم وذلك عن طريق قمع الشعوب من خلال تآمر بلادكم مع الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي. لكن تماديكم في الجريمة وإغراقكم في اللامبالاة بمشاعر الشعوب المسلمة ودينها جعل الشعور بالعداء تجاهكم والرغبة بالانتقام من دولتكم ومن الأنظمة التي تدعمها أمرا طبيعياً نحن الذين نستنكر كيف أثار استغرابكم.
انتم والإسلام.
زعمتم في بيانكم أن مبادئ بلادكم أنموذج يُحتذى، وسعيتم من خلال بيانكم تسويقها لِلمسلمين، وزعمتم أن الإسلام لا يصلح ديناً ودولة، وطلبتم من المسلمين أن يبعدوا الإسلام عن السياسة والدولة. وبقدر اعتقادكم أن مبادئكم سامية واعتقادكم أن الإسلام السياسي مرفوض فإننا نقول لكم أن قناعة المسلمين بالإسلام ديناً ودولة لا تأتي عندها قناعتكم بمبادئكم شيئاً. وإذا كنتم وأنتم تعرضون مبادئكم التي تزعمون أن فيها الحرية والعدل والمساواة وحفظ الكرامة الإنسانية تعلمون يقينا أنكم غير صادقين، فإن الإسلام لا يستطيع أحد أن يعرضه فيكذب بعرضه. وإذا كان هناك من جاملكم من حكام ومفكرين مزعومين لتقديم صورة تناسبكم من الإسلام فإن الإسلام معروف ومدون ومحفوظ لا يستطيع أحد أن يحتكر نصوصه ولا تفسيره. ومهما حاول الذين يجاملونكم أن ينتقوا من الإسلام ما يوافق مبادئكم فقط فإننا نصارحكم إن الإسلام يدعو معتنقيه فعلا لِلتفوق عليكم والهيمنة على العالم برسالته الشاملة والمسلمُ ينظرُ لِذلك كواجب عليه تنفيذه. ولعلكم تعلمون أن الإسلام ليس اقتراحات مفكرين بل بالنسبة لِلمسلمين هو دين قائم على نصوص مصدرها رباني، ولأنهم يعتبرون مصدر نصوصهم رباني، فإنهم يؤمنون بالضرورة أنهم يتفوقون عليكم بالقيم وفي فهم الحياة والإنسان والكون والتاريخ. وإذا كنتم في هذه الحقبة من التاريخ ممكنين سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتقنياً فإن قوة الإسلام - كما يعتقد المسلمون - تستطيع من خلال دفعها الذاتي أن تواجه كل مظاهر التمكين الذي تتمتعون به وتنتصر عليكم. وما دام لديكم كل هذه الثقة بمبادئكم والقناعة بسياسة دولتكم ولدى المسلمين ثقة أكثر بدينهم وقناعة لا تتزحزح بربانية مصدره، وما دام كل من الطرفين يريد أن يسوق مبدأه ويدافع عنه بالقوة، فلا مناص من الاعتراف أنكم والإسلام ندان متقابلان تقابل المواجهة، ولن ينجح من يريد أن يحول هذه المواجهة إلى حوار سلمي.
أين فشلتم في منع الحدث؟
أطلتم في الحديث في تجريم أحداث سبتمبر، لكنكم تغافلتم عن حقيقة صارخة هي أن العملية لم تنفذ على حين غرة في بلد لا يعلم عن المنفذين شيئا، بل نفذت وأجهزتكم مستنفرة استنفاراً كاملاً لِلتعامل مع مثل هذا التحدي. ترى ألم تسألوا أنفسكم سؤالاً بسيطاً، كيف تمكن المنفذون من شل أجهزة المخابرات لديكم بالكامل وتننفيذ هذه العملية المعقدة بكل تخطيطها وتفاصيلها اللوجستية الكثيرة دون أن يكون لدى أجهزتكم أدنى قدرة على كشفها فضلا عن منعها؟ لن يستطيع أحد أن يأخذ من الاحتياطات أكثر مما عملت أمريكا، ولا أن يبذل من الجهد والمال مثل ما بذلت أمريكا، وهاهو رئيس مخابراتكم حديثا يرفض الاعتراف أن الحادث كان بسبب فشل جهازه ويرفض ضمان أن المخابرات تستطيع منع ضربة ثانية. وربما نفاجئكم إن قلنا أننا نوافق كلام رئيس المخابرات وأن الحادث لا يمكن منعه باحتياطات أمنية ولا بجهد استخباراتي. وإذا كان السياسي ملزماً بمجاملة الرأي العام الغاضب فأنتم بصفتكم مفكرين ومثقفين وتعملون في مراكز دراسات غير معذورين أبداً في تجنب طرح السؤال الخطير: أين الفشل إذن؟ وعلى حد علمنا لمْ يصدر من مراكز الدراسات الأمريكية ما يشيرُ لأن هذا السؤال طرح فضلاً عن أن يجاب عليه، ولم نلحظ في بيانكم ما يشيرُ لأدنى تصور لِطرح هذا التساؤل. هذا العجز لدى المفكرين الأمريكان عن طرح سؤال منطقي ومباشر فضلاً عن الإجابة عليه دليل على أن عصارة الفكر الأمريكي لا تختلف عن تفكير رجل الشارع الذي يفكر على طريقة الغضب والرغبة بالانتقام وليس عند المفكرين الأمريكان القدرة على النظر لِلقضايا بعمق ومنطق. لقد حاولتم تقديم الحادث بعرض جنائي بمقاييس الإرهاب لكنكم ظننتم أن عقاب الفاعل هو في هذه الحملة الشاملة التي شنتها حكومتكم. هل تعتقدون وهذه حالكم، التي عجزتم فيها عن طرح مثل هذا السؤال البسيط، أنكم تستطيعون مواجهة تحد كبير مثل تحدي الإسلام؟
##############
التتمة في الرد التالي، وجزاكم اللهُ خيراُ جزيلاً على متابعتكم واهتمامكم، ...آمين.