من فنون الادب العربي ( فن المناظرات ) مناظرة أكثم بن صيفي وكسرى
فيما مضى قدّمنا لكم مناظرة النعمان بن المنذر وكسرى في شأن العرب ، واليوم اقدم لكم مناضرة أكثم بن صيفى . وكانت في منتدى الساحات تحت هذا
الرابط (
http://alsaha.fares.net/sahat?14@31....21@.1dd34980/3
والتي اعجب كسرى لما أجابه النعمان به وقال انك لأهل لموضعك من الرياسة في أهل اقليمك ثم كساه من كسوته وسرّحه إلى موضعه من الحيرة .
فلما قدم النعمان الحيرة وفى نفسه ما فيها مما سمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين أمرهم بعث إلى أكثم بن صيفى وحاجب بن زرارة التميميين وإلى الحارث بن ظالم وقيس بن مسعود البكريين وإلى خالد بن جعفر وعلقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل العامريين وإلى عمرو بن الشريد والسلمي وعمرو ابن معد يكرب الزبيدي والحارث بن ظالم المرّى .
فلما قدموا عليه فى الخورنق قال لهم قد عرفتم هذه الأعاجم وقرب جوار العرب منها وقد سمعت من كسرى مقالات تخوّفت أن يكون لها غور أو يكون انما أظهرها لأمر اراد أن يتخد به العرب خولا كبعض طماطمته فى تأديتهم الخراج إليه كما يفعل بملوك الأمم الذين حوه - فاقتص عليهم مقالات كسرى وما رد عليه : فقالوا أيها الملك وفقك الله ما احسن ما رددت وأبلغ ما حججته به فمرنا بأمرك وأدعنا إلى ما شئت .
قال انما أنا رجل منكم وانما ملكت وعززت بمكانكم وما يتخوّف من نا حيتكم وليس شيء أحب إلى مما سدّد الله به أمركم وأصلح به شأنكم وأدام به عزّكم - والرأى أن تسيروا بجماعتكم أيها الرهط وتنطلقوا إلى كسرى - فإذا دخلتم نطق كل رجل منكم بما حضره ليعلم أن العرب على غير ما ظن أو حدّثته نفسه ولا ينطق رجل منكم بما يغضبه فإنه ملك عظيم السلطان كثير الأعوان مترف معجب بنفسه ولا تنخزلوا له انخزال الخاضع الذّليل وليكن أول من يبدأ منكم بالكلام أكثم بن صيفى ثم تتابعوا على الامر من منازلكم التى وضعتكم بها فإنما دعانى إلى التقدمه اليكم علمى بميل كلّ رجل منكم إلى التقدم قبل صاحبه فلا يكوننّ ذلك منكم فيجد في آدابكم مطعنا فانه ملك مترف وقادر مسلّط ثم دعا لهم بما فى خزائنه من طرائف حلل الملوك كل رجل منهم حلّة وعمّمه عمامة وختمه بياقوتة وأمر لكل رجل منهم نجيبة مهرية وفرس تجيبه وكتب معهم كتابا .
قال فيه ((( أما بعد فأن الملك القى إلىّ من أمر العرب ما قد علم وأجبته بما قد فهم مما احببت أن يكون منه على علم ولا يتلجلج فى نفسه أن أمّة من الأمم التى اجتجزت دونه بمملكتها وحمت ما يليها بفضل قوّتها تبلغها من الامور التى يتعزز بها ذوو الحزم والقوة والتدبير والمكيدة - وقد أفدت أيها الملك رهطا من العرب لهم فضل فى أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم فليسمع الملك وليغمض عن جفاء ان ظهر من منطقهم وليكرمنى با كرامهم وتعجيل سراحهم وقد نسبتهم فى أسفل كتابى هذا إلى عشائرهم )))))
فخرج القوم فى أهبتهم حتى وقفوا بباب كسرى بالمدائن فدفعوا إليه كتاب النعمان فقرأه وأمر بانزالهم إلى أن يجلس لهم مجلس يسمع منهم - فلما أن كان بعد ذلك بأيام أمر مرازبته ووجوه أهل مملكته فحضروا وجلسوا على كراسى عن يمينه وشماله ثم دعا بهم على الولاء والمراتب التى وصفهم النعمان بها فى كتابه وأقام الترجمان ليؤدي إليه كلامهم ثم أذن لهم فى الكلام ...
فقام أكثم بن صيفى فقال :-
((( أن افضل الأشياء اعاليها وأعلى الرجال ملوكها وأفضل الملوك أعمها نفعا وخير الازمنة أخصبها وأفضل الخطباء أصدقها . الصدّق منجاة والكذب مهواة والشر لجاجة مركب صعب والعجز مركب وطى آفة الرّأى الهوى والعجز مفتاح الفقر وخير الامور الصبر ، حسن الظن ورطة وسؤ الطن عصمة ، إصلاح فساد الرّعية خير من إصلاح فساد الرّاعي ، من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء . شر البلاد بلاد لا أمير بها ، شر الملوك من خافه البريء ، المرء يعجز لا محالة ، أفضل الأولاد البرره ، خير الأعوان من لم يراء بالنصيحة ، أحق الجنود بالنصر من حسنت سريرته يكفيك من الزاد ما بلغك المحل ، حسبك من شر سماعه الصمت ، حكم وقليل فاعله ، البلاغة الأيجاز ، من شدّد نفّر ومن تراخى تألف ))))
فتعجب كسرى من أكثم ثم قال ويحك يا أكثم ما أحكمك وأوثق كلامك لولا وضعك كلامك فى غير موضعه قال أكثم :- الصدق ينبىء عنك لا الوعيد ، قال كسرى : لو لم يكن للعرب غيرك لكفى قال أكثم : رب قول أنفذ من وصول .
( نتهت مناظرة اكثم بن صيفي )
ثم قام حاجب بن زراره التميمي .............
اســــتـــراحــــة :-
امتدح ابن قتادة جعفر بن سليمان فأمر له بمائة ناقة فقبل يده وقال :- والله ما قبلت يد قرشي غيرك إلا واحدا فقال :- أهو المنصور ؟ قال :- لا ولله ، قال :- فمن هو ؟ قال :- الوليد بن يزيد ، فغضب وقال :- والله ما قبلتها لله تعالى ، فقال :- ولا يدك ما قبلتها لله تعالى ولكن قبلتها لنفسى ... فقال :- والله لا ضرك الصدق عندى :- أعطوه مائة أخرى .
الحقاق