ليس من أجلك.. بل من أجل الدعوة! للشيخ سلمان العودة.
أمَّتكُم هذه ولودٌ، ودودٌ، معطاءٌ، لا تزال غضة الإهاب، موفورة الشباب، قادرة بإذن الله على تعويض النقص الذي يطرأ عليها كل حين، تبدلت دول وذهب رجال وتحطمت مشاريع وأعمال ولكن الأمة باقية.
ومصير الإسلام مربوط بمصير الأمة، لا بمصير فرد ولا جماعة ولا مؤسسة ولا حتى دولة، الإسلام أكبر من كل ذلك.
وإن الخطـأ أن نربط مستقبل الإسلام أو مستقبل الدعوة الإسلامية بما يؤول إليه أمر هذه الجماعة أو تلك، أو بمقدار ما يمنحه هذا الفرد أو ذاك، أو بسبب استمرارية نشاط، نعتقد أنه إيجابي وبناء.
نعـم ... ثمة جهات كثيرة ذات تأثير واضح في دفع عجلة الدعوة، وثمة أحداث بارزة، وشخوص وأعمال، ولكن هذه كلها وسائل قد يقوم غيرها مقامها، وقد يموت شخص فتحيا أمة، أو يبدل الله الناس خيراً منه. إن مما يؤذي النفس أن يربط الناس مصير الدعوة في بلدٍ أو أمة بمصير أشخاص مهما عظموا وجلّوا في عيون الناس، فالإنسان بشـر محدود العمر محدود المواهب محدود الإمكانيات، وهو عرضة لأن يجتهد فيخطئ ويصيب، كما هو عرضة لأن يفعل شيئاً دون اجتهاد.
وهو رهن المؤثرات المحيطة به، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية، لا ينفك عنها بحال.
الكثيرون يجعلون أيديهم على قلوبهم، نخاف أن يوصد هذا الباب أو يمنع هذا السبيل أو يحال بين هذا الخطيب ومنبره، وبين هذا الكاتب وقلمه … وأقول: و ماذا إذاً ؟ فكم لله من خطيب وكاتب وداعية، وكم للخير من أبواب وأسباب!
نعم ... ليس عليك من حرج أن تحزن لغلق باب من أبواب الخير، لكن الحرج أن تعتبر مصير الدعوة مرتهناً بهذا الأمر.
ولا يـلام الناس إذا تأثروا بخفوت صوت أو غياب كلمة حرة صادقة لكنهم يلامون إذا كانوا يعدون بهذا مستقبلَ الدعوة قد تحطم أو انتهى.
الأمة - معشر الأحباب - معطاء ولود إذا سكت صوتٌ خَلَفَّهُ ألف صوتٍ، وإذا مات خطيب فسوف يأتي الله بألف خطيب، كلهم يقتفون الأثر ويتبعون السبيل.
إننا بهذه الطريقة نحمل الناس ما لا يحتملون ، ونَئِدُ - شئنا أم أبينا - كل نابتة خير في الأمة، فمن ذا الذي يملك أن يتحمل مستقبل الدعوة، فيحاسب على أنه هو ( الدعوة ) وهو ( المستقبل ) وهو ( الواقع )، مَنْ؟
إنما العدل أن يوضع كل شخص في مكانه الطبيعي وبحجمه المعقول، لا نبخس الناس أشياءهم ولا نهضمهم حقوقهم، ولكننا لا نرفعهم فوق قدرهم ولا نحملهم مالا يحتملون ولا يطيقون .
في فتراتِ الضعف والتـردي إذا تهيأ للناس واجهة علقوا عليها كل شيء، وبدلاً من توزيع الأدوار والمسئوليات والتبعات يستسهل العامة الإلقاء بالأمر على ( أقرب مذكور ) ولهذا تجد أن الكثيرين يسرقون أنفسهم من الأضواء، ويختفون من الساحة في صمتِ، لأنه لا قبل لهم بهذه الأعباء الثقال التي تولدت عن إلباسهم جبة اسمها ( الدعوة ) واعتبارهم ناطقين باسمها ومعبرين عنها.
إن الله تعالى يقول : ( كلُ امرئ بما كسب رهين ). ويقول سبحانه : ( كلُ نفس بما كسبت رهينة ) .
ويقول جل جلاله : ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ) . ويقول عز من قائل : ( وكلَ إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) .
فمن أي نص أخذ بعض أهل الزمان أن من كان ( شيئاً ) يجب أن يكون ( كل شيء ) ليخلوا المسئولية عن أعناقهم وكواهلهم، ويبرءوا ساحاتهم .
إن الفرق بينك وبين فلان هو أنه قام بواجبٍ ما قمت به أنت، فجزاه الله خيراً وبارك في علمه ، وأصل التكليف بينكما واحد، ولا يبعد أن لديك من الذكاء الفطري أو قوة الحفظ أو سعة العقل أو شمولية الشخصية ما ليس عند غيرك، فلماذا تنسى نفسك وتدفن مواهبك ثم تعاتب من تَحاملَ على نفسه وعمل بما يستطيع وقصر هنا أو غفل هناك؟ .
ا هـ كلام الشيخ حفظه الله.
|