الحمد لله ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد:
فإن الله تعالى يحب أن يُسأل ، ويُرغبَ إليه في كل شيء ، ويغضب على من لم يسأله ، ويستدعي من عباده سؤاله ، قال الله تعالى : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) غافر/60 .
وللدعاء من الدين منزلة عالية رفيعة ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي (3476) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2590) . وهناك آداب ينبغي للداعي الحرص عليها ، والإتيان بها ، فإنها من أعظم أسباب الإجابة ، وهذه بعضها :
آداب الدعاء :
-1 أن يكون الداعي موحداً لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ، ممتلئاً قلبه بالتوحيد ، فشرط إجابة الله للدعاء : استجابة العبد لربه بطاعته وترك معصيته ، قال الله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186.
وينبني على ذلك أن الداعي لا يدعو ولا يسأل إلا الله عز وجل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عباس رضي الله عنهما : (يَا غُلامُ ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ . . . الحديث) الترمذي (2516) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2043) .
-2 الإخلاص لله تعالى في الدعاء . قال الله تعالى : (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/5 . والدعاء هو العبادة . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . فالإخلاص شرط لقبوله .
-3 أن يسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى . قال الله تعالى : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الأعراف/180 . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلاً يقول في تشهده : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . فَقَالَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى) . الترمذي (3475) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3475) .
-4 الثناء على الله تعالى قبل الدعاء بما هو أهله . وانظر إلى دعاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم في سورة الشعراء : (الذي خلقني فهو يهدين . والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين . والذي يميتني ثم يحيين . والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين . رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين . واجعل لي لسان صدق في الآخرين . واجعلني من ورثة جنة النعيم . واغفر لأبي إنه كان من الضالين . ولا تخزني يوم يبعثون) الشعراء/78-87 . وروى الترمذي (3476) عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَصَلِّ عَلَيَّ ، ثُمَّ ادْعُهُ . - وفي رواية له (3477) : إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ- . قَالَ : ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، ادْعُ تُجَبْ) صححه الألباني في صحيح الترمذي (2765،2767) . وهذا الثناء والمدح لله تعالى ، مما يحبه الله ويثيب عليه . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ) البخاري (5220) ومسلم (2760) . قال ابن رجب رحمه الله : الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته ، هو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء . . . ومن تأمل الأدعية المذكورة في القرآن وجدها غالباً تفتتح باسم الرب ، كقوله تعالى : (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) البقرة/201 ، وقوله : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا له) البقرة/286. وقوله: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) آل عمران/8، ومثل هذا في القرآن كثير اهـ .
-5 الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم) صحيح الجامع (4399) . قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في كتابه (تصحيح الدعاء ص : 23) : وأكمل المراتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في فاتحة الدعاء ووسطه وخاتمته . وإنها للدعاء كالجناح يصعد بخالصه إلى عنان السماء . والمرتبة الثانية : في أوله وآخره . والمرتبة الثالثة : في أوله اهـ .
وتُستكمل سائر الآداب في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .